المأساة في سورية تنتهي فقط بسقوط الأسد
ديفيد جاردنر
بقايا الدمار الذي تركته مدرعات ومدفعية بشار الأسد في أنحاء مدينتي حماة ودير الزور الثائرتين، في الأيام الأخيرة، يختلط الآن مع الدخان وشظايا الجسور التي تم نسفها. وكلها احترقت بفعل نظام تنهار أساساته الضعيفة.
إن مئات الآلاف من السوريين يواجهون آلة القتل>> بشيء يزيد قليلاً على شجاعتهم الفطرية، ويواجهون نظاما يدخل الآن في مرحلته الأخيرة. وتم استخدام هذه العبارة من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، الذي قال إن الرياض تطالب بإيقاف آلة القتل (…) وتدعو إلى تصرف حكيم قبل فوات الأوان>>.
لكن بالفعل الوقت بات متأخرا للغاية. فقد شقت زمرة الأسد طريق اللاعودة في نيسان (أبريل) حين أرسلت دباباتها للمرة الأولى إلى درعا في الجنوب، حيث تفجرت الثورة في منتصف آذار (مارس).
والمطالبة الصاخبة بالتغيير التي تم سماعها أولاً في درعا، أصبحت تجلجل الآن عبر سورية على مدى خمسة أشهر مخضبة بالدماء. ولم تتمكن الدبابات، ولا القناصة، ولا القصف المدفعي، أو حالات الحصار، ولا أقسى أصناف التعذيب، ولا العقاب الجماعي، ولا آلاف المختفين من إسكات تلك الأصوات.
إن الوحشية الشديدة التي طبعت استجابة النظام تعني أن الثوار لا يمكنهم التوقف وأن الأفضل لهم أن يستمروا ويواجهوا القمع، بدلاً من المخاطرة بمواجهة انتقام مؤكد: الموت أو الزنزانة.
لا الدبابات، ولا القناصة، ولا القصف المدفعي، أو الحصار، أو التعذيب، ولا العقاب الجماعي، ولا آلاف المختفين جميعها لم تتمكن من إسكات الشعب السوري الذي خرج مطالبا بالحرية.
إن هذا التحرك الذي يقوده الشباب، ويتصف بجماعية الحركة، كما هي الحال في الثورات العربية الأخرى، والذي هو حركة سلمية في الأساس، لا يمكن أن يقبل الآن إلا بالتغيير الحقيقي: إنهاء الدولة البوليسية، واحتكار السلطة من قبل حزب البعث، وإجراء انتخابات حرة، وإنشاء قضاء مستقل تحت حكم القانون، والقضاء على الفساد والمحسوبية الخاصة بمجموعة رجال الأعمال الملتفة حول العائلة الحاكمة التي يجسدها رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، وقطب هذه الزمرة.
فكرة أن تتم تلبية هذه المطالب من قبل بشار الذي ورث عام 2000 السلطة من أبيه الذي حكم البلاد لمدة 30 عاماً، إنما هي فكرة خيالية. وعلى مدى السنوات الماضية توسم زعماء مثل توني بلير ونيكولا ساركوزي، وفي فترة أقرب رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، وأمير قطر، في الأسد الأصغر فهماً للحاجة إلى قيادة التغيير، أو المخاطرة بأن يجتاحه التغيير.
وعلى الدوام كانت تلك قراءة خاطئة لديناميكيات السلطة في دولة الأمن العربية التي تجسدها سورية، ولشره الدكتاتورية المتوارثة.
كان من المفترض أن تؤدي الأزمة مع لبنان التي أدت إلى اغتيال رئيس وزرائه الأسبق، رفيق الحريري، في شباط (فبراير) 2005، إلى كشف الغطاء الزائف الدائم عن وجوه آل الأسد. في حزيران (يونيو) 2004 أكد الأسد للحريري أن خلافة الرئيس اللبناني آنئذ، إميل لحود، أحد أدوات الهيمنة السورية في بيروت، ستكون سلسة، إذ كانت هناك بدائل يمكن لدمشق العمل معها. ومع ذلك أخبر الأسد الحريري بعد أسابيع قليلة أن لحود باقٍ في منصبه، وأنه سيهدم بيروت فوق رأس رئيس الوزراء إذا قاوم ذلك. فما الذي حدث في تلك الفترة؟ استخلصت زمرة الأسد، ككل، أن أي تغيير يمكن أن يقوض المصالح المالية الكبرى لها في لبنان. وكان الأمر متعلقاً بالأعمال وليس له طابع شخصي.
وفتح اغتيال الحريري الذي تعتبر سورية على نطاق واسع متواطئة فيه، شرخاً في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. والآن مع كسر الملك عبد الله بن عبد العزيز الصمت العربي بخصوص حمام الدم السوري، فإن ذلك الشرخ لا يمكن إصلاحه. وإلى جانب المملكة العربية السعودية سحبت قطر والكويت سفيريهما من دمشق. وتقول تركيا التي كان رئيس وزرائها أردوغان يعتقد أن بإمكانه التأثير على الأسد، إنها ستعطيه إنذاراً نهائياً.
لن يكون هذا الأمر دون عواقب. فليس الاشمئزاز وحده هو الذي يدفع التحول في المشاعر الإقليمية ضد نظام الأسد، ولكن القناعة تزداد صلابة بأن هذا النظام قد انتهى. حاول آل الأسد في الشهر الماضي إقناع السعوديين بإيداع مبلغ مليار دولار في البنك المركزي السوري، واشتكى السوريون كما يقول مسؤولون عرب، من أنهم لم يعودوا قادرين على دفع رواتب الموظفين. وقبل ذلك بقليل عرضت قطر تمويل حاجات سورية بشرط أن ينفذ النظام، بصورة أساسية، الإصلاحات ذاتها التي طالبت بها تركيا، غير أن الأسد لم يفعل.
إذا وضعنا أنموذج الدبلوماسية السورية جانباً، فإن هذه هي الإشارات الأخيرة إلى أن نفاد أموال النظام. واضطر مخلوف في نيسان (أبريل) إلى دفع مليار دولار للبنك المركزي. ويتسارع هروب الأموال. ومخلوف ـ والدائرة المحيطة به ـ الذي يقول مصرفيون إن مصالحه تمثل ثلث الاقتصاد السوري، تحت حصار العقوبات.
ولم يتمكن اجتماع عقده حملة أسهم شركة الشام القابضة، شركة مخلوف وأكبر شركات سورية، الشهر الماضي حسب أحد المستثمرين الذين حضروا الاجتماع، من انتخاب مجلس إدارة جديد، بعد أن وضع اسم الرئيس المنتهية ولايته، نبيل الكزبري، على القائمة السوداء الخاصة بمكتب وزارة الخزانة الأمريكية للأصول الأجنبية. وبدأت نخب قطاع الأعمال النأي بأنفسها عن النظام السام. ويقوم بعضها الآن بتمويل خصوم النظام.
إن قدرة القمع الخاصة بالنظام تبدو متناهية كذلك. فالوحدتان العسكريتان اللتان تتوليان حراسة النظام، وهما الفرقة المدرعة الرابعة والحرس الجمهوري، اللتان تعجان بالموالين من طائفة الأسد العلوية، بقيادة ماهر الأسد، الأخ الأصغر المتقلب للرئيس، مشتتتان للغاية ولا يمكنهما الدخول بقوة في أكثر من ثلاثة أو أربعة مواقع في وقت واحد، بينما تندلع الثورة في عشرات المواقع.
سيكون الصراع في سورية طويلاً ودموياً ولن تكون هناك آلية مشابهة لما حدث في ليبيا، لمساعدة المعارضة، وهي أصلا لا تريد مثل هذه الآلية. ومن شأن ذلك أن يمكن ما يعتبر العالم الآن نظاماً مارقاً من إظهار نفسه مرة أخرى على أنه قلب العروبة النابض. وعلى الرغم من الجدل الدائر حوله، إلا أن الإجراء الدولي في ليبيا ساعد بالفعل. ولو انتصر معمر القذافي هناك، لانكسرت موجة الثورة التي ضربت سورية بعد أيام من الثورة الليبية.
– فاينانشل تايمز
كلنا شركاء