المؤامرة لا تستهدف الا الشعب السوري
سناء الجاك
من جملة الاخبار الواردة في صحف العالم، لا بد لمن يتابع الفصول الدامية للثورة السورية من التوقف عند خبرين ليدرسهما ويدرك ان الشعب السوري، وليس نظام الاسد، هو من يواجه مؤامرة تمتد خيوطها من الولايات المتحدة الى ايران، مروراً بتركيا وروسيا. الاول في صحيفة “الانباء” الكويتية نقلا عن الـ”غارديان” البريطانية، جاء فيه أن اسرائيل التي يفترض ان ايران تقاطعها وانها تقاطع كل شيء إيراني “تستورد النفط الإيراني على نطاق واسع على الرغم من المقاطعة الإسرائيلية الرسمية لإيران، وتتحايل أيضا بهدف الحصول على النفط الإيراني عن طريق أوروبا”. وقدمت الصحيفة “معلومات تشير الى صفقات تجارية مع ايران من مصادر اسرائيلية في مصافي النفط المحدودة في حيفا وفي عدد من الموانئ الاوروبية، ووفقا لنشرة أخبار الطاقة الاسرائيلية فإن النفط الايراني مفضل في اسرائيل لأن نوعيته أفضل من أنواع النفط الخام الأخرى”.
معلوم ان هذا الخبر ينسف سيناريوات الاثارة المتبادلة بين اسرائيل وايران بحجة الملف النووي، التي يتم نسج حواشيها وصولا الى الحديث عن سوء تفاهم اميركي- اسرائيلي في شأن الهجوم على ايران، كما يمكن إضافة اخبار عن شركات نقل اسرائيلية تخرق العقوبات، واخرى عن خبراء اسرائيليين تستدعيهم ايران لإصلاح ما تعطل في مصانعها النووية.
اما الخبر الثاني فلا يخرج على اطار الحواشي التي تسند خابية تمويه المصالح المتبادلة، ويأتي من تركيا التي أعلنت انها ستتخذ التدابير اللازمة للتعامل مع أي ضربة إسرائيلية محتملة لإيران. وقالت ان “أنقرة تتخوف من أن تستخدم الطائرات الاسرائيلية المجال الجوي التركي للانطلاق إلى شمال العراق لشن الهجوم، لذا فهي تخطط لتفعيل نظام دفاعها الجوي لإعتراض المقاتلات الاسرائيلية”.
كلنا نعلم ان حقل تركيا وبيدر ايران تنطبق حساباتهما في كثير من الملفات، ولم تفسد المواقف التركية من سوريا بينهما للود قضية. لا الاولى ولا الثانية تريد عرباً اقوياء قادرين على التحكم بمصيرهم.
ليس ادل على مدى الرفض الفارسي لكل ما هو عربي الا قراءة خبر ثالث مفاده ان السلطات الأمنية الإيرانية اعتقلت المطرب الأهوازي المعروف غالب منابي لغنائه بالعربية كما اعتقلت شقيقه حسن منابي، على خلفية نشاطهما الثقافي والفني في الأهواز جنوب غرب إيران. فالحكومة الإيرانية تمنع الأهوازيين من ممارسة عاداتهم وآدابهم الثقافية العربية، كما لا تسمح لهم بالتدريس بلغتهم الأم، على رغم أن الدستور الإيراني ينص على ممارسة هذا الحق الطبيعي.
في عودة الى اوضاع الثورة السورية، التي انحسر عنها اي جهد فعلي تركي عدا ايواء النازحين، ومع توزيع الادوار بين روسيا والولايات المتحدة في مجلس الامن، اضافة الى ميوعة الجامعة العربية في هذا الموضوع، تكثر البينات التي تدل على ان النظام الاسدي يتشدق بنغمة المؤامرة الخارجية ليبرر اجرامه، مطمئناً الى الخارج، في حين ان لا هم له الا ابادة الشعب الذي لم يعد يرضى بالذل.
كله مقدور عليه ما دام رأسمال المسألة بعثة مراقبين يمكن ترهيب افرادها باتصالات مجهولة المصدر واجهزة تنصت وتصوير في غرفهم، او تأمين وسائل البسط والانشراح لهم، وذلك بأساليب تقليدية لم تعد تعتمدها افلام جميس بوند الحديثة.
لعل ما زل به لسان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني من ان العراق وجنوب لبنان يخضعان لإيران، يدل على تشابك المصالح، ولا لزوم لأن تشذ سوريا التي تقع في قلب الدائرة عن السياق، لا سيما بعد ما اهدت الولايات المتحدة العراق الى ايران، وبعدما اصبح همّ حزب السلاح السيطرة على لبنان بانقلاب بالكاد اعترض عليه المجتمع الدولي علناً ولا نعرف كيف يتعامل معه تحت الطاولة.
لكننا نعرف ان المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية يتفهمان ان يتحول وزير خارجيتنا ناطقاً رسمياً للخارجية السورية بمعزل عن النأي بالنفس. تماماً كما يتفهمان ان المعارضة السورية طرف في العنف تماماً كما النظام الاسدي وفق تقرير البعثة المصونة التي تحول رئيسها نجماً من نجوم التلفزيون السوري الرسمي.
وبعد، من يستطيع ان يتعامى عن حجم المؤامرة التي تتعرض لها ثورة الشعب السوري؟
النهار