المبادرة العربية والفرصة الأخيرة
المحامي ميشال شماس ـ دمشق
أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، وسواء وافقت الحكومة السورية بحسن نية أو مكرهة على المبادرة العربية، فالمهم أن سوريا وافقت أخيراً على تلك المبادرة، ولا يسعني هنا إلا أن أرحب بموافقة الحكومة السورية على مبادرة اللجنة الوزارية العربية كون هذه المبادرة تشكل حالياً المنفذ الوحيد والمدخل الضامن لوضع الأزمة السورية على طريق الحل بما يقطع الطريق أمام أي تدخل خارجي في شؤون سوريا ويبقي الحل في إطار سوري بمظلة عربية. والأهم أن تلتزم الحكومة السورية بالتنفيذ الفوري لبنود المبادرة التي يأتي في مقدمها: (وقف كافة أعمال العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين، الإفراج عن المعتقلين بسبب الإحداث الراهنة، إخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة وفتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث).
إن الأيام القادمة ستثبت مدى مصداقية الحكومة السورية في الوفاء بتعهداتها بما تضمنته المبادرة العربية، فإذا ما التزمت الحكومة السورية فعلاً بتنفيذ بنود المبادرة العربية على أرض الواقع، وهذا ما يتمناه السوريون والسوريات، فإن ذلك سيوفر بيئة صالحة لعقد مؤتمر وطني لا يستثني أحداً يضم مختلف القوى والمنظمات السورية سواء كانت موالية أو معارضة، كما تحضره شخصيات وطنية مشهود لها من أهل الرأي والعمل والانتاج والإدارة، وسيكون مؤتمراً يضع أسس انتقال سوريا من نظام استبدادي شمولي إلى دولة مدنية ديموقراطية تعددية تداولية، والاتفاق على إعادة صياغة العلاقة القائمة بين الدولة ومواطنيها على أساس دستور جديد يقوم على الالتزام الطوعي والاحترام المتبادل والمساواة بالمشاركة الفعالة لجميع السوريين في تحمل مسؤولية بناء الوطن، بعيداً عن أي ولاء قسري أو تهميش أو عزل أو إهمال، على قاعدة مبدأ المواطنة بصرف النظر عن الانتماء السياسي والديني والعرق واللون والجنس.. وبما ينسجم مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. ومن المفيد الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تدير شؤون البلاد في هذه المرحلة الانتقالية وتنحصر مهمتها في الإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية حرة تقوم على أساس تعددي.
وأعتقد أن المبادرة العربية تشكل فرصة أخيرة وجدية لوقف تدهور الأوضاع في البلاد نحو الأسوأ وتسد الطريق فعلياً أمام أي تدخل خارجي، وانطلاقاً من ذلك فإنني أناشد من بيده القرار اليوم أن يعي جيداً أن مصلحة سوريا وشعبها لا يمكن أن تتحقق بالحل الأمني ولا بالاعتقالات التي ثبت فشلها منذ بداية الأحداث، بل بالحل السياسي والاعتراف بأننا نعيش في أزمة وطنية، والاعتراف بوجود معارضة، وفسح المجال أمام وسائل الإعلام المحلية والعربية الدولية بالعمل بحرية لمراقبة ما يجري على الأرض..
لا شك أن حجم الظلم الذي لحق بأغلبية الشعب السوري كان كبيراً، وأدرك جيداً مدى حجم الأسى والألم الذي يعتصر قلوب الكثير من السوريات والسوريين الذين ظلموا وعذبوا وعانوا من القهر والاستبداد، إلا أن كل ذلك يجب أن يدفعنا اليوم سلطة ومعارضة إلى أن ننظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية حتى نتمكن من تجاوز تفاصيل الماضي المؤلم بأقل الخسائر والآلام، وننطلق باتجاه بناء سوريا العزة والكرامة والعدالة والتسامح.. بدون تمييز بين بناتها وأبنائها وبصرف النظر عن ميولهم السياسية والدينية وألوانهم وأجناسهم وأعراقهم.
إنها الفرصة الأخيرة، قبل أن ننزلق جميعاً في الهاوية، إنها الفرصة الأخيرة لحقن دماء السوريات والسوريين، والفرصة الأخيرة لإنقاذ سوريا بيتنا ووطننا الأول والأخير. فهل يقتنصها النظام والمعارضة وما بينهما!؟.
المستقبل