المتمردون السوريون يستعدون للدفاع عن حلب المدمرة مع اقتراب قوات النظام من حصارها/ مارتم تشولوف
الطريق الأخير الذي يقود إلى مناطق سيطرة المتمردين شرقي حلب يمر عبر حقل يبلغ عرضه حوالي الميل بين قرية مهجورة سلسلة من القمم. بين كل قمة تتقدم القوات السورية ببطئ, بعيدا عن الأنظار.
الشاحنات, والسيارات والدراجات النارية تسير بين الحقول الخضراء, وتصعد وتهبط عبر الحفر الموحلة التي بدأت تشكل خنادق, قبل أن تنضم إلى طريق من الحصى والرمال التي تحمي الطريق الأخير نحو ما تبقى من المدينة.
بعد عامين ونصف من الحرب, حلب التي تقع في نهاية هذا الطريق المؤقت أصبحت مدينة مدمرة حيث يمكنك فقط رؤية المسحلين والجنود والقليل من المدنيين اليائسين. أولئك الذين يجرأون على سلوك الطريق قليلون جدا, وهم يعلمون أن معركة الدفاع عن مهد من مهود الحضارة أصبحت وشيكة جدا.
أيا كان المنتصر في المعركة القادمة من أجل السيطرة على شمال سوريا فإنه سوف يقطع شوطا طويلا في اتجاه تحقيق النصر في الحرب التي دمرت أجزاء كبيرة من البلاد واشعلت النيران في دول الجوار وهي تهدد بإعادة ترسيم الحدود التي رسمت قبل قرن من الزمان وتحطيم عدة الآف من السنوات من العيش المشترك من شاطئ البحر المتوسط إلى سهول نينوى في العراق.
عند سفح التل الذي يبعد ميلا واحد عن نقطة تماس القوات السورية مع المسلحين, تقوم الكلاب بأكل أكوام القمامة المكدسة. على مسافة قصيرة, يتموضع المتمردون, ويستخدمون البلدات والقرى المجاوة كخطوط إمداد حيوية في حين يتم خنق المدينة نفسها ببطء.
سحابة من الدخان الأسود تلف المنطقة الصناعية على مشارف شمال شرقي حلب, التي كانت فيما مضى مركزا حيويا للاقتصاد السوري. كل ذلك استحال ركاما الآن وأصبح بإمكانك رؤية مسافات طويلة من المصانع والمكاتب التي يختبئ فيها المقاتلون المتعبون من كلا الطرفين.
يقول زعيم للمتمردين من الجبهة الإسلامية, أكبر جماعة متبقية للمعارضة شمال سوريا :” يعتقد النظام أن بإمكانه القيام بذلك بسهولة. ولكن جيشه لم يقم بذلك حتى الآن ولن نسمح له بذلك”.
تعزيزات المتمردين تشق طريقها بثبات – من نفس طريق الحقل- لتأمين الطريق الأخير من وإلى حلب. منذ فبراير هذا العام, حافظ النظام على قوته في شمال شرق وشمال غرب المدينة, ولكنه لم يكن قادرا على إغلاق الدائرة – وهي الخطوة التي إن تحققت سوف تؤدي إلى حصار حلب, مما سيجعلها تلاقي نفس مصير المعقل الثاني للمتمردين, حمص, التي استولت على معظم اجزائها قوات موالية للنظام هذا العام.
مباشرة إلى الشمال, فتحت المعارضة معركة ضد مدينتي نبل والزهراء الشيعيتين, حيث ظل 15000 من السكان هناك دون أن يصيبهم أي أذى خلال الحرب, وهم تحت حماية الميليشيات الشيعية بقيادة حزب الله.
في كلا الجانبين, ما بدأ كمعركة للسيطرة على دولة ذات سيادة, تدخلت به الآن الأجندات الإقليمية. تعتقد المعارضة السنية في غالبها بأنها تقاتل الهمينة الشيعية بقيادة إيران وتحرض من النظام في دمشق وبغداد. في هذه الأثناء تصر كل من سوريا والعراق, بأن الجبهة الإسلامية والجماعات المعارضة الأخرى لا يختلفون عن الدولة الإسلامية, التي تحاول إنشاء دولة خلافة على أنقاض الدولتين القوميتين.
القتال في الزهراء, إحدى الجيوب الشيعية القليلة شمال سوريا, تقوده جبهة النصرة التابعة للقاعدة الذين تربطهم مع الجبهة الإسلامية تفاهمات دون أن يكون هناك تحالف رسمي. بعد أن حافظت على الأراضي التي تقف عليها العام الماضي, سيطرت جبهة النصرة حاليا على مساحات شاسعة من الأراضي قرب الحدود التركية, معيدة طرح نفسها كلاعب قوي على حساب الجماعات غير الجهادية. الديناميكيات التي تتغير بسرعة كبيرة تجبر حاليا الجبهة الإسلامية على إعادة حساباتها, حيث تقول المجموعة بانها انتظرت دون أي جدوى المساعدة من الدول العربية التي وعدت ولكنها لم تنفذ شيئا.
قال زعيم الجبهة الإسلامية, بينما كان جالسا في في فيلا كبيرة فارغة تستخدمها قواته كمقر للقيادة:” هناك سبب عسكري لهذا القتال في الزهراء. نحن نعلم أن النظام يستخدم أعدادا كبيرة من الميليشيات في القتال – جميع انتصاراته حققها وكلاؤه, وليس جنوده. هذه الميليشيات تستخدم الزهراء للدفاع عن الشيعة. النظام لن يكون قادرا على التحرك حول حلب دون وجودهم”.
قال مقاتلوا الجبهة الإسلامية بأنهم وخلال الشهر الماضي ألقوا القبض على ثلاثة من المسلحين الشيعة من أصول أفغانية, قالوا بأنه جئ بهم إلى سوريا من قبل إيران للقتال لصالح بشار الأسد. وعرضوا مقاطع فيديو وصورا لدعم مزاعمهم وقالوا إن هناك آخرين قتلوا في المعارك.
يقول زعيم الجبهة الإسلامية :” أحدهم أخبرنا أنه كان في السجن في أفغانستان وأخبروه بأنه سوف يكون حرا إذا تعلم القتال. حيث أخذ إلى إيران وتلقى دورة تدريبية مدتها 30 يوما هناك. وجدنا في النهاية واحدا من رجالنا يتكلم أساسيات الفارسية حيث تمكن من التفاهم معه”.
على امتداد سوريا, الميليشيات الشيعية التي تنسق عملها مع إيران تزداد عددا بينما يتضاءل نفوذ قوات النظام. يقول أحد القادة المحليين على الجبهة الشرقية لحلب, حيث تسير دوريات النظام طول الليل :” حزب الله أكثر قوة والجيش السوري يتلقى أوامره منه. وهناك العراقيون أيضا, إضافة إلى الحوثيين من اليمن, ولكنهم رجعوا جميعا إلى ديارهم للمشاركة في القتال هناك. ويمكننا الآن التعامل مع من تبقى منهم”.
يضع المقاتلون قطعا من المشمع على الأرض ويضعون عليه صحون فلافل وسلطة ومقبلات وأكواب من الشاي. ويتحدثون بعد ذلك عن خيبة أملهم من حدث آخر في الحرب وهو تدخل قوات الجو الأمريكية والتحالف الذي تشارك به دول عربية ضد داعش, الذي كان المتمردون في الشمال يأملون بأنها يمكن أن تقص أجنحة قوة الأسد الجوية هناك.
في يناير من هذا العام, شنت الجبهة الإسلامية حملة ضد داعش وأجبرتها على الهروب من حلب والريف الشمالي, إضافة إلى محافظة إدلب إلى الغرب. القتال الذي استمر ستة أسابيع خلف أكثر من 2000 قتيل من الجبهة الإسلامية, صراع المعارضة هذا أعطى النظام فرصة للمناورة للاقتراب من المدينة حيث تهدد شمال شرق المدينة حاليا.
منذ ذلك الوقت ومكاسب النظام تواجه قتالا صعبا, وذلك مع تصدي المقاتلين والمحليين له, والذين لا زالوا يعانون من الخسائر البشرية التي عانوها مع داعش. في هذه الأثناء تترصد داعش على بعد 20 ميلا, وتسخر من الجبهة الإسلامية عبر محطة الراديو التي أنشأتها والتي تبث أناشيد إسلامية توجه الإهانة إلى عناصر الجبهة.
يقول قائد ميداني في حلب حول المكاسب التي حققتها داعش :” لقد كانت خسائر استراتيجية بالنسبة لنا. ولا زال الأمريكان يشكون في التزامنا في قتال الدولة الإسلامية ؟ عندما عادت أمريكا إلى سوريا, اعتقدنا أن أقل ما يمكن أن يقوموا به هو وقف طيران الأسد من التحليق. ولكنهم يقصفون المدينة بوتيرة أعلى بكثير مما كان عليه الأمر قبل وصول الأمريكان. بالطبع نعتقد أن هناك اتفاقا توصلوا إليه مع النظام. الأمر واضح تماما”.
أسلحة الأسد التقليدية الهمجية أدت إلى خسائر كبيرة جدا في المنطقة التي يتجمع فيها الرجال. البراميل المتفجرة التي تلقى من المروحيات من علو مرتفع أدت إلى تدمير أكثر من 30 مبنى سكني. صواريخ السكود والصواريخ البالستية الأخرى أدت إلى إحداث حفر ضخمة خلفها. الدمار أكبر حول المناطق الشرقية والشمالية الشرقية, وهي المناطق التي سوف يستخدمها النظام لإعادة الدخول إلى المدينة إذا أراد تحقيق تهديداته.
يقول محمد زاهر, وهو متمرد شاب من ريف حلب :” دعهم يحاولوا”. زاهر واحد من عدد كبير من فقراء الريف الذين يشكلون القوات المقاتلة للمعارضة من دركوش على الحدود التركية إلى مدينة الباب التي تقع على بعد 25 ميلا شرق حلب, وهي المنطقة الغربية التي تسيطر على مساحات شاسعة منها وبالقرب من العراق داعش.
تحركات داعش القادمة تؤثر بصورة كبيرة على المدافعين عن حلب. كما هو الحال بالنسبة لجبهة النصرة, المدعومة بتحقيق نجاحات كبيرة في محافظة إدلب, والتي أجبرت جبهة ثوار سوريا المعتدلة التي تتلقى الدعم من السعودية على ترك مواقعها, كما سيطرت النصرة على قاعدة عسكرية تابعة للنظام في محافظة إدلب, كانت الجماعات المتمردة الأخرى تواجه صعوبة في السيطرة عليها.
كلا الانتصارين أعطى زخما وحماية للجماعة في أرض المعركة حيث يعتبر كلا الأمرين هامين جدا. جبهة ثوار سوريا تشكل الجماعة المناوئة للجبهة لإسلامية كما كانت الرياض تعتبرها حصنا منيعا ضد زحف الجهاديين. ولكن مع اضمحلال نفوذها الآن, فإن الجهاديين مثل النصرة وداعش يحققان مكاسب كبيرة في الشمال, في حين تصارع الجبهة الإسلامية للحفاظ على حلب.
طرح سؤال على المتحدث باسم الجبهة الإسلامية قبل انتصارات جبهة النصرة هذا الأسبوع فيما إذا كانت الجبهة الإسلامية متحالفة رسميا مع الجماعة, فأجاب :” هذه الأمور يجب أن تناقش. نحن على علاقات جيدة ونتعاون كثيرا. وبأي حال, هل تتوقعون في الغرب بأن نجلس منتظرين الأمريكان؟ إننا في في هذا الموقف لأن لا أحدا لم يقدم لنا المساعدة. أولئك الذين يسهلون قتلنا والبؤس الذي نعيش فيه ليس لديهم أي سلطة أخلاقية لإخبارنا كيف نحمي أنفسنا”.
مع كم الأسلحة الثقيلة الكبير الذي استولت عليها من قاعدة إدلب, فإن جهد الجبهة الإسلامية والجهاديين سوف يشكل عقبة جديدة أمام جهود النظام لاستكمال حصار حلب. ولكن يمكن أيضا تنشيط التحركات التي تقودها الأمم المتحدة باتجاه وقف إطلاق النار في الشمال, وهي المبادرات التي رفضتها المعارضة لأنها غير قادرية على الالتزام بها بسبب ضعف موقفها.
يقول المتحدث باسم الجبهة الإسلامية :” يريد الأسد الذهاب إلى هذه المبادرة لأنه يعتقد أن يحقق النصر. ونحن نعلم أن علينا أن نتوحد لنكون أقوياء”.
في المدينة القديمة في حلب, حيث كل شخص ممن تبقى من بين آلاف السكان الذين هربوا والذين يبدو عليهم البؤس والتعب يتحدث عن وقف إطلاق النار. يقول صالح الحمصي, وهو يحتسي فنجان القهوة المرة في كشك على قارعة الطريق :” لايمكننا الاستستلام. عليهم أن يقبلوا أنه لا يمكنهم تحقيق النصر في المقام الأول”. متحدثا عن النظام.
عند مدخل المدينة, كان هناك حركة على مدار الأسبوع. يمكن رؤية القوات السورية على القمم وهي تواجه مقاومة عند منتصف الطريق قبل أن تنسحب. المواقع التي تخلى عنها النظام تحولت إلى ركام من التراب, وليس بعيدا يمكن رؤية رسومات جدارية تابعة لداعش, تشير إلى الوقت الوجيز الذي قضته الجماعة في المنطقة, والتي تتلاشى تحت أمطار الشتاء.
لافتات الجبهة الإسلامية ترفرف عاليا الآن ولكن وعلى وقع تغير جبهات الحرب في الشمال فإن ذلك يمكن أن يتغير سريعا.
يقول سامر زيتون, وهو قائد محلي :” هناك جهة يجب أن تكسب هذه الحرب. آمل أن نكون نحن وآمل أن يتحقق ذلك في أقرب وقت”.
الغارديان
ترجمة مركز الشرق العربي