المتنكرة بزي اللاجئة…المتنكرة لخوفها من ذاتها/ روجيه عوطة
التنكر بهذا النموذج هو تنكر للسوريين المعتقلين داخله، وتحويلهم إلى مجرد وحوشٍ
من أجل الإحتفاء بعيد هالووين في احدى الولايات الاميركية، قررت إحداهن أن تتنكر بزي “لاجئة سورية”. ارتدت ثوباً وردي اللون، وغطت رأسها بحجاب من اللون ذاته، مثلما ألصقت بصدرها دمية طفلة شقراء، وقد لُفت بقماشة بيضاء.
تحت الفستان، لبست بنطالها الأسود، وبذراعيها، أدت حركة تشير إلى التسول والشحاذة. وقفت بين أصحابها، الذين، وبدورهم، تغيروا عن هيئاتهم، متقنعين بوجوه قبيحة، ومتخفين في كسوات رعّابة. جعلت من مظهرها الإستجدائي موضوع ضحك، كما جعلت منه موضوع فزع أيضاً، وبالتالي، بدت “اللاجئة السورية” شكلاً لإثارة القهقهة، بسبب استخدامه للتخفي، والإرتياع، نتيجة بروزه بين الوحوش والمتمثلين بها. لقد أضافت المتنكرة مظهر “اللاجئة” إلى مظاهر “عيد القديسين”، وبذلك، أضحى بمثابة غول من الغيلان.
انتشرت صورة المتنكرة، وأثارت جلبة في “تويتر”. فصحيح أن المواطنة الأميركية استترت في “اللاجئة”، لكنها، وبالفعل نفسه، كشفت عن نظرتها إلى “اللاجئة” نفسها. إذ نمذجت اللاجئات واللاجئين بهيئة واحدة، هويتها دينية، ومسكلها إستعطائي، فاللباس يدل على الأولى، وحركة الجسد تدل على الثاني. وعليه، توارت وراء نموذج، وليس خلف رداء وسلوك فقط، نموذج، بحسبها وبحسب أصحابها، يحث على الإستهزاء به والهلع منه، ونموذج مؤسس على رهاب الإسلام، وكره الغرباء، والإستياء من الفقر، والحقد على التسول والتوسل.
التنكر بهذا النموذج هو تنكر للسوريين المعتقلين داخله، وتحويلهم إلى مجرد وحوشٍ، لم تجيء، وهنا، مجيئها مرادف للهرب من المجزرة، بل بزغت على غفلة وبلا أي ظرف أو سياق.
تقول المتنكرة عن اللاجئين المحبوسين في هيئتها أنهم مخلوقات غريبة، تثير السخرية، على اعتبار أنها شكلاً من أشكال الفوبيا. وتنظر إليهم بلا إدراكها أنهم فروا من سوريا، التي يحكمها نظامٌ يختصر، بعنفه، سياسة أنظمة العالم، لا سيما الديمقراطي منه، حيالها. وتكشف عن المقلب الآخر لتصويرهم الإنساني، بوصفهم جماعة من العاجزين والتعساء الدائمين، أي أنهم جماعة من الشحاذين والبرابرة والغرباء عن الحضارة، التي لا مبالغة في الإشارة إلى سقوطها على أرضهم.
هذا ما تقوله عنهم، أما، عنها، فتقول، وبدون أن تدري، وحتى لو أضحكت المحيطين بها، أنها، وإياهم، تعيش في وحشة اجتماعها وذاته، ووحشة قبرهما، وإلا ماذا يعني أن تفزع من لاجئة، فتقيدها بمظهر، وتكونه لتكونها؟! فعلياً، المحتفية بعيد هالووين تنكرت لخوفها عبر اختيار موضوع له، لم تفهمه سوى حين نمذجته، ولم تخفف من روعها اتجاهه إلا عندما ارتدته.
وقد أعانها على هذا الإختيار التصور الشائع عن اللاجئين السوريين، والذي يمتنه الإعلام ومجتمعه: ضحايا وقتلة وبرابرة وبدائيون وهمج، ظهروا فجأةً، فأقصاهم العالم الذي ذعر منهم.
فكرت المواطنة الأميركية واستفهمت: “ماذا أرتدي كي أضحك أصحابي وأخيفهم؟”، وأجابت متوهمةً:”أفتش عما يخيفني وأكونه”، وسرعان ما وقعت على اللاجئين لأنهم موضوع قريب وجاهز ولا حاجة إلى بذل جهد لتخيله. لم تلبس خوفها، بل ألبسته للاجئة، نكرته، وحولته من ذاتها إلى غيرها، الذي لما سخرت منه تهكمت على نفسها. لا داعي أن يرتدي “الحضاريون” أقنعة، لا داعي، لأنهم حين يلتقون “الغرباء” عنهم، يتكشفون عن كونهم مأهولين بالضعف والرهاب، وهذا، ما يسهل تغيرهم إلى أقوياء وقساة وعنصريين.
ذات مرة، عمد أحد الفنانين الأميركيين إلى تنفيذ عمل فني، خلاله، تسير إحدى النساء في شارع من شوارع جنوب كارولينا. وقد كانت الفتاة مرتدية لثوب يلتصق بجسمها، وتضع على وجهها قناع فولاذي، مجلو، ويعكس وجه الناظر إليه. مشت في الشارع، وبدأ الناس بالإقتراب منها، وحين كانوا ينظرون إليها، ويحدقون في وجهها، يروا أنفسهم، فيشتموها، ويضربوها، ويدفعوها كي تقع أرضاً.
يحيل هذا العمل الفني، الذي بحث في التنميط الجندري والتوسل بقطيع الأكثرية والعنف في أميركا، إلى ما فعلته المتنكرة، التي لا ترغب في رؤية نفسها، على النظر في المرآة، التي تحملها أي لاجئة أمامها، لذلك، تصب خوفها عليها، وبعد ذلك، ترتديه. التنكر للاجئين مطابق للتنكر بهم ولحصرهم في صورة، أي كانت مقالبها.
المدن