المتواطئون والمخدوعون
وهيب أيوب
صرّح رامي مخلوف، أنّه “إذا لم يكن هناك استقرار هنا (في سوريا) فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل”. وأضاف “بأن النظام السوري سيقاتل حتى اللحظة الأخيرة”، مُقتفياً بذلك آثار سيف الإسلام القذافي المُجرِم. مع ملاحظة أن مخلوف وسيف، لا صفة رسمية لهما في الدولة.
لم يفاجئني هذا التصريح لـ رامي مخلوف، أحد أبرز زعماء مجموعة العصابات التي تحكم سوريا منذ عقود. ومعلوم لنا تماماً ومنذ زمنٍ بعيد، أنّ إسرائيل كانت أكثر المتمسّكين باستمرار نظام الأسد الأب وابنه من بعده، ولم تحاول يوماً زعزعة النظام في سوريا، بل كانت تردع الإدارة الأميركية للضغط عليه. وقد أوجز بروفيسور إسرائيلي وصف سوريا على الشكل التالي: “سوريا، نظام قوي، ودولة ضعيفة”. إذاً، فما حاجة إسرائيل لأكثر من ذلك على جبهتها الشمالية، يحقّق لها دون اتفاقيّة معلنة، كما كامب ديفيد ووادي عربة، ما لم تحلم به دولة عدوّة؟
إسرائيل، كانت على الدوام تُدرِك، وهي التي تكشِف من موقعها الذي تحتله في قمّة جبل الشيخ، كل ما يجري في دمشق من تحرّكات واتصالات هاتفيّة وغيرها، أنّ كل همّ النظام في سوريا مُنصبّ على البقاء في السلطة، ونهب المال العام والاغتناء غير المحدود، ولا يعنيه تحرير الجولان، لا من قريب ولا من بعيد. وهو الذي كان وما زال، النظام الأوفى لصون حدودها الشماليّة، فلماذا تفرّط به..؟
وعلى الرغم من كل هذا الوضوح في سياسة النظام تجاه إسرائيل وتجاهل أراضيه المحتلّة منذ العام 67، فما زال قادراً على إيهام البعض، أنّه النظام الممانع الصامد في وجه إسرائيل وأميركا من بين كل العرب. مع أنّ الأحداث الحالية وتصريحات مخلوف، أخذت تُسقطُ أوراق اللعبة من يده الواحدة تلو الأُخرى وكشف المستور، أو بعضاً منها. فالمعركة الآن بالنسبة للنظام، معركة حياة أو موت، فقد يرمي النظام بمعظم أوراقه، في مرحلة يتأرجح فيها بين البقاء والسقوط.
ولا تنفّك العديد من الشخصيات السياسيّة والثقافيّة، تُعرِب عن مفاجأتها بسلوك النظام السوري ووحشيته تجاه شعبه، لا بل، بدا يتكشّف لهم خدعة النظام السوري التي اقتاتوا عليها وروّجوا لها عقودا، أنّ هذا النظام ممانع وداعم للمقاومة، وأنّه الصخرة التي تتحطّم عليها المؤامرات والمشاريع الأميركية والإسرائيليّة في المنطقة…!
فهل استفاق هؤلاء المخدوعين الأغبياء بعد كل تلك العقود، وهُم كتّاب وسياسيّون ومفكرون وشعراء، لا يُشقّ لهم غُبار…؟!
الحقيقة، أن النظام السوري أتقن هذه اللعبة واستطاع تمريرها على قطاع واسعٍ في الداخل السوري وخارجه، وهؤلاء فسطاطين لا ثالث لهما، متواطئون مُستفيدون أو أغبياء مخدوعون خائفون، وما أكثرهم من الصنفين، أمثال أصحاب الفكر القومجي المريض البائد، وهؤلاء ألحقوا الضرر البالغ عبر عقود بالشعوب العربيّة وخاصة السوري، نتيجة غوغائيتهم وغبائهم، أو تواطؤهم كونهم مُستفيدين، إضافة لجوقة 8 آذار في لبنان وعلى رأسهم حسن نصرالله وحزب البعث والحزب القومي وحتى الحزب الشيوعي، والقائمة تطول، من منظمات وهيئات ونقابات، ساهمت مساهمة فاعلة في دعم هذا النظام واستمراريّته. وما زال بعضهم يأتون إلى التلفزيون السوري الكاذِب، ليقدّموا خدماتهم للنظام، على حساب دماء السوريين، الذين يُقصفون بالدبابات وتُحاصَر مدنهم وقراهم بأكثر مِما تُحاصِر إسرائيل غزّة، ويُقتلون بأكثر مِما تقتُل ويعتقلون ما يفوقها، ويعذّبون بأكثر همجيّة ووحشيّة منها، وإسرائيل هذه عدّو، فماذا نُسمّي فعل النظام السوري إزاء شعبه إذاً..؟!
وما انفك أصحاب الفكر القومجي الثوري الغوغائي حتى اليوم يَظهرون ويجاهرون على الفضائية السورية، لينضحوا قماءاتهم ودماماتهم وأوساخهم من فكرهم الغبي المريض، أو المتواطئ.
كان همّ هؤلاء القومجيين الغوغائيين، وهُم يُعدّون من النُخبة، مقارعة إسرائيل ولو بالشعارات والخطابات والممانعة، ثمّ المقاومة التي يختفي خلفها مشاريع سياسيّة طائفيّة وفئوية، وهؤلاء، ما هُم من الحريّة وتحرّر الشعوب في شيء. وأسطعهم مثالاً “حزب الله” صاحب ولاية الفقيه، و”حماس” أصحاب مشروع الدولة الإسلامية أو الخلافة. واليوم، يدّعي النظام أنّه يقاتل إمارات إسلاميّة، وما زال هؤلاء يوفّرون له الغِطاء، ويبرّرون مجازره ضد الشعب السوري، فهل هذا تواطؤ أو غباء…؟ فليختاروا واحدة.
هذه الزُمَر الفاشلة، لم تهتم يوماً بما يتعرّض له الشعب السوري من اضطهادٍ وقمعٍ وحشي، وانتهاك أبسط حقوقه على مدار الساعة، ولم تهتم يوماً ببناء الإنسان والدولة والمؤسّسات ولا بالتنمية الاقتصاديّة والاجتماعية ولا بالحريّات وحقوق الإنسان، كان همّها الوحيد القرقعة الفارغة ضد إسرائيل وأميركا…!
فهل لهذا الشعب المطحون المُداس، المهدورة كرامته وحريّته ومعيشته وحقوقه، أن يقاوم ويمانِع…؟
السؤال موجّه لفسطاط الأغبياء منهم فحسب.
والسؤال الآخر، لماذا معظم أنظمة الدول التي سقطت والآيلة للسقوط، كلّها أو في معظمها الساحق من الأنظمة الجمهوريّة، -عدا البحرين-، العراق، تونس، مصر، ليبيا، اليمن، الجزائر، وسوريا، وهؤلاء في معظمِهم، كانوا على رأس من ادّعوا الثورات والتقدّم والاشتراكيّة ومقارعة إسرائيل وتحرير فلسطين. وهم في ذات الوقت الأكثر وحشيّة واضطهاداً لشعوبهم، وتفنّنوا بأساليب التعذيب والقهر وإقصاء أي فكرٍ حرّ مناوئ لهم، تحت تلك الذرائع. وكانوا ملكيين أكثر من الملوك، من حيث تأبيد الحاكم الفرد في السلطة وتأليهه على الطريقة الفرعونيّة أو الفاشيّة، ثم توريّث أبنائهم من بعدهم…؟
هذا السؤال أيضاً، برسم الإجابة من فئة المخدوعين الأغبياء، لا المتواطئين. فالمتواطئون المنتفعون، يدركون تماماً دورهم ويصرّون عليه، وهم بشكلٍ أو بآخر جزء من هذا النظام وفكره الفاشي.
رئيس الوزراء التركي أردوغان، وهو ليس باحثاً ولا سياسيّاً ولا مفكراً أو مثقفاً عربيّاً، لكنّه يمتلك معلومات عمّا يجري في سوريا أكثر وأدق من أبواق النظام، واكتشف بكل بساطة كما كل العالم، فبركات النظام السوري وأكاذيبه، ونفاها تماماً، في الوقت الذي ما زالت أبواق النظام وجوقة المتواطئين والمخدوعين الأغبياء الخائفين مستمرّة بالزعيق.
الجولان السوري المحتل
جنوب لبنان وجنوب سوريا: الرسالة المخلوفية في السياسة السورية