المثقفون العرب أمام أسئلة الثورة: أجوبة أشد إرباكاً
عبده وازن
هل حان الوقت لأن نتحدث عن ثقافة «الربيع العربي»، أم أن هذه «الثقافة» لا تزال عرضة للمفاجآت التي ما برحت تواجهها؟ لا شك في أن «الربيع» هذا كان في أحد وجوهه حدثاً ثقافياً، ولو أن الشارع العربي هو الذي أعلنه، مستبِقاً النخبة التي كانت تعيشه وكأنه حلم لا يتحقق بسهولة. ولعل الشارع نفسه لم يكن في منأى عن هذا الحلم الذي طالما راوده، ولكن عفوياً أو بـ «السليقة»، فلم يخطط له ولم يرسم له بدايةً وأفقاً ونهاية، أو ما يشبه النهاية. كان الشارع ينتظر الشرارة، وما إن التمعت حتى هبّ غير عابئ بما ستؤول إليه انتفاضته، التي أصبحت من ثم ثورة وربيعاً… وإن حسن لبعض المثقفين أن يروا في هذه الثورة فضيحة لهم وللثقافة العربية المستأنسة بـ «برجها» العاجي و «يوتوبيّتها» وأفقها النظري، فهم لا يحق لهم أن يخلعوا عنها الأثر الثقافي، المتجلّي خصوصاً في خطاب الجيل الشاب وفضاء مواقع التوصل الاجتماعي.
وما إن اندلعت الثورة العربية حتى وجد المثقفون فيها فرصة سانحة للتحليل والتنظير، فراحوا يكتبون ويتأملون سعياً إلى الإجابة عن الأسئلة الكثيرة والشائكة التي طرحتها هذه الثورة. الشارع سبق المثقفين، لكن المثقفين عرفوا كيف يرافقون ثورته ويحيطونها بالكثير من الاهتمام. لقد أيقظهم الشارع من غفلة الأيديولوجيا والنظريات وجعلهم وجهاً لوجه أمام واقع جديد ما كانوا يتوقعون حلوله أو ولادته.
قرأنا الكثير عن الثورات، وبعض ما قرأنا –ونقرأ– جدير بأن يُقرأ، نظراً إلى جديته وصراحته وجرأته، وبعض آخر كان أشبه بـ «التطفل» والفضول. وكم من كتّاب كانوا يُحسبون على الأنظمة والحكام المتسلطين و «الطغاة»، انقلبوا بسرعة وأضحوا مناضلين ومتمردين، متناسين ماضيهم الذي لم يكن بريئاً. بعض الذين أفادوا من هِبات الأنظمة ورموزها وتنعّموا بمكارمها وأعطياتها وتواطأوا مع أجهزتها، انتقلوا للفور الى «الضفة» الأخرى غير مبالين بفضائحهم وأكاذيبهم.
ليس من الممكن الآن الكلام عن ثقافة الربيع العربي ولا عن أدب هذا الربيع، مع أن نصوصاً كثيرة كُتبت وشهادات وقصائد… لكن هذه الأعمال الأدبية لم تستطع الخروج عن طور «رد الفعل» إزاء هذا الحدث،الكبير. وقد يكون الشعر خير وسيلة للاستجابة والتفاعل، لكن القصائد التي قرأناها لم تكن بمعظمها في حجم هذا الربيع الساحر. تحتاج الاعمال الإبداعية إلى المزيد من الوقت كي تنصهر في روح الحدث وتتبلور.
لكن الأسئلة التي لا بد من طرحها الآن هي: كيف عاشت الثقافة العربية هذا الحدث؟ كيف تفاعلت معه؟ أي أثر ترك يها؟ هذه الأسئلة كان لا بد من البحث عن أجوبة لها في بلدان الثورات، أياً تكن هذه الأجوبة، مضطربة أم غير نهائية أو عابرة… ولعل مرحلة ما بعد الثورة هي أشد تعقيداً والتباساً من مرحلة ما قبلها. فما تؤول الثورات اليه قد يحمل الكثير من المفاجآت غير المتوقعة.
الحياة