المثقف السوري واختبار ثورة الشعب
محمود عبد الرحيم
“المثقف ضمير أمته”، مقولة لا نمل جميعا من ترديدها، لكن الاختبار الحقيقي لصدقية المثقفين هو مواقفهم وانحيازاتهم، خاصة في اللحظات الحرجة، التى تتطلب إعلاء صوت الحق والحقيقة بلا تردد أو مواربة، مهما كان ثمنهما باهظا، و الاصطفاف إلى جانب الشعب، بصرف النظر عن سيف السلطة وذهبها.
وللأسف كثير من المثقفين والفنانين السوريين سقطوا في هذا الاختبار، وكشفوا عن تناقضات مخزية، ومواقف مسيئة لأنفسهم ، اللهم إلا القليل، بالصمت على جرائم ضد الإنسانية، أو الانحياز المقزز لنظام الحكم الدموي الفاسد المستبد في سوريا، ودعمه في حربه غير الشريفة على الشعب الأعزل المطالب بحقه المشروع في الحرية والكرامة الإنسانية، وإسقاط دولة الأمن الوراثية، التى لم يتورع رموزها عن قتل دعاة الحرية والتغيير بشكل وحشي، في وقت جبنوا فيه عن إطلاق رصاصة واحدة على العدو الصهيوني، أو حشد الدبابات والجنود تلك، لإستعادة الجولان المحتل، بدلا من حصار المواطنين وتقتيلهم والتنكيل بهم كأنهم أعداء، وليسوا أبناء هذا الوطن الحقيقيين، وأصحاب السيادة والشرعية الحقيقية، التى سقطت عن هذه العصابة المحتلة للشعب السوري.
وبإسالة شلالات الدم بهذا الشكل الإجرامي ، فقد قطع النظام السوري خط الرجعة على نفسه، وبات خطاب النفاق الذي يردده المثقفون، ويخادع الناس بالتفريق بين بشار الأسد وحزب البعث، والحرس القديم والحرس الجديد، كتلك الأكذوبة التى كانت تروج في مصر، ليس سوى حالة من العبث، وحديث افك مفضوح، وكذلك حديث فرص الاصلاح. فمن يحمل السلاح ضد الشعب ويقطع عليه امدادت الغذاء والدواء، ويمنع عنه الإعلام والاتصالات لإخفاء جرائم ضد الإنسانية بحقه، بل ويحاصره بغية إذلاله وإسكاته صوت الحرية، ليس لديه الرغبة ولا القدرة على الاصلاح الذي فات أوانه، ولم يعد ثمة ما يصلح للاصلاح، فقد دقت ساعة التغيير والعقاب للقتلة.
لقد تصورنا أن النظام السوري لديه حصافة، وسيتعلم الدرس من أقرانه في تونس ومصر، لكنه يعيد ذات السيناريو، ويقوم بحملة تضليل إعلامي وسياسي داخليا وخارجيا، على وقع آلة القمع الوحشية، واقفا في ذات معسكر الغباء السياسي الذي يقف فيه الديكتاتور اليمني عبد الله صالح والديكتاتور الليبي معمر القذافي، لكن هيهات لكل هذه الحيل، التى إن كانت تجدي في الماضي، فقد أنتهى أجلها، بعد أن تكشفت الحقائق وتم سقوط جدار الخوف لدى الشعوب التواقة إلى نسائم الحرية التى حرمت منها سنين طويلة.
ومن يقاوم إرادة التغيير، أو يسير إلى الوراء، أو يلعب بذات قواعد اللعبة القديمة، ولا يستوعب المتغيرات ومتطلبات اللحظة التاريخية، حتما سيسقط وبصورة مخزية، وسيذهب إلى سلة مهملات التاريخ.
وعلى المثقف العربي أن يحسم أمره سريعا، ويراجع رهاناته بعدما ولت “حقبة السلطة” وقدمت “حقبة الشعوب”، وعليه أن يقوم بمسئوليته كمبشر بالثورة ومشارك فيها، وداعم لها، وليس موظفا عند الأنظمة، أو متواطئا معها ، مبررا لأخطائها وخطاياها، أو صامتا على جرائمها، فإذا لم يرفع صوته الآن، ويقوم بواجبه الاخلاقي، فمتى؟
لقد استفزني مشهد شاعر سوري يدعي وائل عبد الرحمن استضافته قناة النيل الثقافية قبل أيام، وراح يتغني بالثورة المصرية وينشد فيها الشعر، ويوجه رسالة انتقاد لاذع لجمال مبارك وأبيه وأمه على إستعداء الشعب المصري، وسوء فهم وتقدير ردة فعله، ما أدى لإسقاط حكمهم، ثم حين سألته المذيعة هبه فهمي عن الثورة السورية، تغير لون وجهه ونبرة صوته، واعترض على السؤال بحجة أنه تم الاتفاق على عدم التطرق للثورة السورية، وعندما ألحت المذيعة على معرفة موقفه من ثورة في بلده، خاصة وأنه يمتدح ثورة شعب أخر، تعثر لسانه، وهربت منه الفصاحة والشجاعة، الأسوأ من هذا أنه راح يهذي بكلمات تسئ إليه، و تظهر حجم تناقضه ونفاق خطابه، بأن ذهب إلى القول بأنه” إذا كان النظام فاسد فالشعب أيضا فاسد، وقبل أن تتطالب بالاصلاح أبدأ بنفسك”، و”كيفما تكونوا يولى عليكم”، و”لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، في تأويل لخطاب ديني في غير سياقه وغير موضعه، لإيجاد مخرج لقمع السلطة وفسادها وإدانة مراوغة للثورة والثوار.
ومثله كمثل عديد من الفنانين والمثقفين السوريين الذين اصدروا بيانات منافقة تحذر من الفتنة الطائفية واستهداف البلاد بمؤامرات خارجية عبر مندسين، في خلط واضح للأوراق ومحاولة لتشويه الثورة وتخويف الجماهير منها، انسجاما مع الموقف السلطوي الأمني، مثلما فعل الممثل جمال سليمان وآخرين، فأي عبث هذا.. وهل نعتبر هؤلاء مثقفين يمثلون ضمير الأمة وصوتها الذي يرفع نداءات الحرية والعدالة، أم مجموعة من الانتهازيين وأبواقا للنظام تبرر له جرائمه، وتخون أمانة الكلمة وشجاعة الموقف وتحمل شارات العار، بإنحيازها ضد شعوبها؟!
بقى أن نجدد الدعم لثوار سوريا، ونعلن انحيازنا لثورتهم الوطنية، وكذا الحال مع الأشقاء في ليبيا واليمن، ونعتذر لشعب البحرين أننا لم نقف معه بالقدر الكافي، ولم نرفع صوتنا عاليا لدعمه في مواجهة حملات التنكيل
بدعاة الحرية التى يقوم بها النظام البحريني، والتى وصلت إلى ملاحقة واعتقال الجرحى ومعالجيهم، وتقديم الثوار إلى المحاكمة واصدار حكم الاعدام بحقهم، بدلا من معاقبة أركان النظام الدموي المدعوم أمريكيا وخليجيا ، خاصة من السعودية العدو اللدود للثورات والثوار، التى ستدور عليها الدوائر إن عاجلا أو آجلا، مهما حاولت تقويض مسار المد الثوري العربي، أو
بقت حجر عثرة في طريق النهضة العربية.
الحوار المتمدن