صفحات المستقبلياسين السويحة

المجلس الوطني: ائتلافٌ عجوز لثورةٍ فتيّة


بعيداً عمّا يشكّل قلب وجوهر الثورة من عنفوانٍ وفتوّة وابتكارٍ وتجديد، يستمر المجلس الوطني، أكان في تعاطيه مع القضايا العامّة السوريّة أو قضايا العلاقات بين مختلف الجماعات والأحزاب في داخله، بسلوك نهجٍ يضع أمام الأعين مدى تكلّس مفاصله وشيخوخة عقده السياسي وافتقاره لروح التجدّد والابتكار. أي، بمعنى آخر، ابتعاده الشاسع عن كل ما تفجّر في صدور السوريين منذ آذار 2011، فبعد أزمة سياسيّة عصفت بداخله نتيجة التجديد غير الجماهيري لبرهان غليون، والتي أدّت إلى استقالته وتحميله، بصورةٍ ﻻ تخلو من شعبويّة، مسؤولية تقصيراتٍ وأخطاء لم تكن ذنبه وحده، وربما يجب أن تُسأل الكتلة الأكبر والأكثر تأثيراً في المجلس عنها، انتخب المكتب التنفيذي أمس (الأحد) عبد الباسط سيدا رئيساً للمجلس بالإجماع. سيدا، الأكاديمي الكردي المستقل، كان مرشحاً “توافقياً” بين الكتل المؤثرة في المجلس. نترجم: هو المرشح الذي ﻻ يُحسب ﻻ لصالح أحد وﻻ على أحد، ﻻ جماعة سياسيّة بعينها خلفه وﻻ مقدرة لديه على التأثير في التوازنات داخل المجلس. أي، انتخب الأفرقاء- الشركاء “شعرة معاوية” جديدة متوقعين أﻻ تنقطع.

لعلّ تصريحات منذر ماخوس، منسق العلاقات الخارجيّة في المجلس الوطني، لوكالة “فرانس برس” خير دليلٍ على العقل الذي يسير عليه المجلس في طور “إعادة الهيكلة” المفترضة، والتي تُشبّه أكثر فأكثر لـ”إصلاحات” النظام من حيث جديتها، حيث أشار السيد ماخوس إلى أنّ عبد الباسط سيدا “ﻻ يملك خبرة سياسيّة كبيرة” لكن اختياره جاء ﻷنه “يلقى قبول الجميع”. هكذا يجيب المجلس الوطني، الهيئة المعارضة الأكبر، على الأسئلة الكبرى: ليس بالإجابة الأفضل، وإنما بالإجابة التي تمنع تمزّقه، وفي حال عدم وجود هذه الإجابة فلا داعٍ للرد على السؤال مهما كان مصيرياً.

بين كتلةٍ، الإخوان المسلمين، هي الأكبر والأكثر تأثيراً، ﻻ ترغب بأخذ الواجهة كي ﻻ يُحسب المجلس الوطني كتنظيمٍ إسلامي وكي ﻻ تُحسب انتكاسات المجلس الوطني عليهم كجماعة، وكتلٍ أخرى مثل “إعلان دمشق” لم تستطع تقديم مرشحها، جورج صبرا، فوق إرادات الإخوان وحلفائهم في المجلس، يبدو أن الرئيس الجديد للمجلس، كالرئيس السابق، وككل الأسئلة الجوهرية والتحديات التي تعرّض لها المجلس الوطني خلال الشهور الماضية: مشروع دمٍ سيضيع بين القبائل.

لم تسمح الظروف التي يعيشها الداخل في بلورة نخبة سياسيّة جديدة، فبين الاغتيال والاعتقال والتهجير ضاعت كفاءات كثيرة من شبانٍ وكهول، والباقي منصرف للعمل الميداني والعون الإغاثي. بالتالي أُجبرنا على المراهنة على مقدرة المعارضة التقليدية داخل وخارج البلاد على استيعاب متغيرات المرحلة ومجاراة أحداثها والتصدي للمسؤوليات الناتجة عنها. أمامنا النتيجة، في المجلس الوطني وفي هيئة التنسيق وفي “مستقلين” هنا وهناك.

محتومٌ على الثورة أن تستمر إلى ما بعد إسقاط النظام..

http://www.syriangavroche.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى