صفحات سوريةطريف الخياط

“المجلس الوطني السوري” أداة حل أم جزء من المشكلة!

طريف الخياط
يميل البعض إلى وصف المعارضة السورية ممثلة بالمجلس الوطني بالشلل الجزئي أو الكلي. ويتهم آخرون «الجميع» بالتآمر على الشعب السوري ليشكلوا بدورهم الجوقة المعاكسة للازمة النظام «المؤامرة».
في السياسة تتآمر المصالح والظروف قبل المتآمرين، فتبنى السياسات الخارجية للدول الكبرى على أساس خطط تستقرئ وتستغل الظروف المتاحة، وتبحث إمكانية التأثير في المتغيرات الدولية والإقليمية، وتتعامل مع الطارئة منها. وبالتالي فإن على أي منظمة تضطلع بدور سياسي أن تؤمن نفسها بدرع مدروسة من الاستراتيجيات والخطط البديلة. ذلك بالضبط ما تفتقده المعارضة ممثلة بالمجلس الوطني السوري.
إن آلية صنع القرار داخل أروقة المجلس لا تزال غير واضحة، ونشاطاته الأخرى يغلب عليها الشخصانية والطابع الفردي. الزيادة العددية دون توزيع واضح للأدوار، تسبب حالة من الترهل تزيد من خطر الانشقاقات والانسحابات التي يتوجب تداركها. المكونات السياسية للمجلس مستقطبة بشكل يعرقل آلية اتخاذ القرارات، وينذر بتفكك المناخ السياسي العام في البلاد إلى فصائل تتجاذبها القوى الدولية في مرحلة ما بعد الأسد.
الذراع العسكرية يجب أن تكون ورقة ضغط في يد القيادة السياسية، والتي يترتب عليها تقديم رؤية واضحة ومقبولة تحدد الخطوط العريضة للحراك الشعبي. من أهم إشكاليات المجلس الوطني علاقته المرتبكة بالجيش الحر من جهة والنشطاء على الأرض من جهة أخرى. لافتات المظاهرات تتحول إلى شعارات يرددها بعض أعضاء المجلس الباحثين عن انتزاع شرعية شعبية سهلة، تقتصر على الأقوال دون الأفعال. ومع تزايد الدعوات لتوفير السلاح اللازم للجيش الحر، تتشكل قضية خلافية، تشق طريقها إلى أروقة المجلس متسببة في تصدع يعكس الانقسام الدولي تجاه القضية نفسها.
اتسم الحراك الشعبي في سورية بالبطء من حيث انتشاره الأفقي على الرقعة الجغرافية، ولد المجلس الوطني تحت ضغط المد الثوري لكن ببطء مماثل. المحور الزمني للثورة السورية يتسم بالطول ويفتقر لحركية الأحداث المفصلية، ما سمح للإعلام أن يركز عدساته على أدق التفاصيل التي لم يتطرق إليها في بقية الثورات. الحصة الزمنية المخصصة للحدث السوري في وسائل الإعلام، أمنت منبرا لشخصيات معارضة تفتقر إلى الرؤية والخبرة السياسيتين، ساهمت بقصد أو من دون قصد بتكوين صورة مرتبكة عن المعارضة السورية، وأضاعت الفرصة لتشكل شخصية خطابها السياسي.
قمع النظام ووحشيته جعلت الثورة السورية تبدو مترددة، ومنحت النظام الذي ضربته الموجه متأخرة عن غيره الوقت الكافي لمراقبة الثورات العربية وحسم خياراته قبل بدء المعركة. تاريخيا، عندما يتحسس النظام وخزة السكين يتراجع بضع خطوات ويرضى بالقليل المتاح. لم يخفَ على صانع القرار السوري أن أثر الدومينو العربي قد يطيح به، فتبنى منذ اليوم الأول سياسة تستغل المشاعر الطائفية في حشد تأييد مختلق استخدمه كأداة للإمعان بالحل الأمني، والذي في حال فشله يمهد الطريق لحرب أهلية طويلة، تجعل سيناريو تقسيم سورية محتملا في حال تقبل حلفاء الأسد لطرح من هذا النوع.
على المستوى السياسي نجح النظام في تطويع عامل الزمن في حين أساءت المعارضة استخدامه. ضعف المجلس الوطني يدفع اليوم إلى الواجهة مزيدا من الدعوات المطالبة بهدمه كلية بدءا من رجل الشارع وصولا إلى أوساط المعارضة. من الممكن ترجمة المزاج الشعبي إلى دعوة غير مباشرة للإصلاح، في حين تغيب عند السياسيين المطالبين بحل المجلس أي رؤية عن البدائل المحتملة في ظل افتقارهم لشبكة العلاقات الدولية التي يتمتع بها المجلس، والتي تستجر يوما بعد يوم مزيدا من الاعتراف الدولي به.
لم يكن الربيع العربي مفاجئا من حيث توافر الظروف الموضوعية لقيام الثورات في المنطقة، لكن الشرارة التونسية عبرت عن لحظة تاريخية مباغتة، فتدحرجت عجلة التغيير حتى اصطدمت بالمطب السوري الذي يمثل قلعة من ركام الحرب الباردة. لم يرتق أداء المجلس الوطني إلى الديناميكية اللازمة لإدارة أزمة من هذا المستوى.
إننا اليوم أمام مرحلة حاسمة من عمر الثورة السورية، تتطلب من المجلس التأمل والتحليل الدقيق، تتطلب تنظيما داخليا وتنسيقا فاعلا مع الكيانات المدنية والعسكرية التي أنتجتها الثورة. ولا شك أن فشل المجلس وانهياره خسارة سياسية فادحة ونقطة تسجل لصالح النظام.
*نقلا عن “الراي” الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى