صفحات سورية

المجلس الوطني السوري و المعارك الانتخابية المبكّرة


وسام الناصر

مع بزوغ أولى الاحتجاجات الشعبية في سوريا مطلع العام الماضي بدأ جليد الحياة السياسية المتراكم بالذوبان شيئاً فشيئاً بعد ركود وثبات دام لأعوام طويلة. و ما كان يوحي بشيء من التفاؤل هو نشوء حركات و تيارات سياسية جديدة إلى جانب الأحزاب التقليدية، كشفت الستار عن جيل شاب متعطش للعمل السياسي والحوار والنشاط الاهلي والمدني.

لكن أمام تبني النظام السوري «الحل الأمني» واستحالة العمل السياسي السلمي في الداخل؛ برز دور المعارضة السورية في الخارج، والتي أعطت لنفسها الحق في تمثيل الشعب السوري والتفاوض باسمه. وهنا لا يمكننا الحديث ببساطة عن معارضة واحدة في الخارج؛ بل «معارضات» و بمشارب و اتجاهات سياسية مختلفة، أدى الفشل في توحيدها ضمن إطار تنظيمي واحد إلى بروز كتلة «المجلس الوطني السوري»، مدعماً بآلة إعلامية ضخمة، و كأنه التيار الوحيد الممثل للسوريين. الحقيقة إن تشكله لم يكن أبدا ثمرة تآلف و توحد مكوناته المختلفة، بل كان حصيلة ضغوط لأطراف دولية في إطار رحلتهم في البحث عن طرف محاور يشاركهم في التحضير للتدخل الدولي على غرار النموذج الليبي. و قد تبنى المجلس خطاباً سياسياً تطمينياً للدول الأقليمية، وبدأ يصوع السياسية الخارجية لسوريا الغد، و يحدد تحالفاتها الجديدة(العلاقات مع لبنان، التفاوض مع إسرائيل على الجولان، قطع العلاقات مع إيران و غيرها) . أما على الصعيد الداخلي، فقد تخلى المجلس عن أي دور ريادي يمكن أن يلعبه في قيادة الحراك، مقابل تبني كل ما يصدر عن «بعض الشارع السوري» من دعوات للتسلح و التدخل الخارجي، ليقدم نفسه بديلاً شرعياً و وحيداً للنظام الحالي. وهذا لا يمكن فهمه إلا في إطار حملة انتخابية مبكرة بدأها رئيس المجلس نفسه برهان غليون، بتوجيه خطاب للشعب السوري عبر قناة الجزيرة عشية عيد الأضحى الماضي، وكان إخراج المشهد يوحي بأن المتحدث ما هو إلا رئيس سوريا المقبل1 !

ولكن الأطراف الأخرى المكونة للمجلس الوطني بتناقضاتها العميقة( من أحزاب و تيارات و شخصيات مستقلة)، لن تسمح بأن يطفو شخص أو تيار على حساب الآخرين. وهذا كان واضحا من اللحظة الأولى لتشكيل المجلس سواء بتأخر الكثير عن الالتحاق به، أو بالانسحابات المتكررة منه. و تتوج ذلك بالمعارك الضارية على رئاسة المجلس التي انتهت بالتمديد لبرهان غليون.إلا أن الانقسام الحاد بين مكونات المجلس الوطني أصبح صارخا بعد فشل مؤتمر«أصدقاء سوريا» في تونس بتبني تسليح المعارضة السورية، كخيار وحيد لإسقاط النظام.

و كنتيجة طبيعية لعمق التناقضات بين مكونات المجلس الوطني جاء انشقاق عشرين شخصية و تشكيلها «مجموعة العمل الوطني السوري» بقيادة هيثم المالح. وبالمتابعة الدقيقة لبيان هذه المجموعة المنشقة و مقارنتها مع بيان المجلس الوطني بعد مؤتمر تونس، يتضح لنا أن الخلاف الحقيقي بينهما ليس عسكرة الثورة و لا مسألة التدخل الخارجي؛ إنما هو صراع مراكز قوى داخل المجلس الوطني، يأتي في سياق معاركها الانتخابية المبكرة. و ليس هو فقط مجرد نزاع بين شخصيات تتسابق على رئاسة المجلس، و لا نزاعات بين التيارات الليبرالية و الإسلامية؛ وإنما هو أيضا صراع بين التيارات الإسلامية نفسها داخل المجلس، فالوعي السائد بأن الإسلاميون هم من يسيطرون على المجلس الوطني يهمل مسألة هامة، هي أن الإسلاميون هم تيارات و حركات متعددة لا تدور بالضرورة في فلك الإخوان المسلمين.

حيث تضم الجماعة المنشقة حركتان من أهم الحركات الإسلامية (الإسلاميون الجدد) واللتان تشكلان منافساً حقيقياً للإخوان المسلمين، هما: حركة «العدالة و البناء» بقيادة أنس العبدة و «التيار الوطني السوري» برئاسة عماد الدين رشيد. الأولى تأسست في لندن عام (2006)، وتعتبر منذ تأسيسها من المنافسين الشرسين لجماعة الإخوان المسلمين، و قد استغلت تعليق الإخوان مشاركتهم في إعلان دمشق عام (2005) و فرضت نفسها كممثل للتيار الاسلامي داخله في الخارج2 . والثانية هي امتداد ل«التيار الإسلامي المستقل» الذي كان يضم أحمد معاذ الخطيب، وعماد الدين رشد، وغيرهم من علماء الدين الشباب، والذي ينشط في سوريا منذ عدة سوات ويتمتع بشعبية واسعة في الداخل. وقد أعلن عن تأسيس «التيار الوطني السوري» في القاهرة في شهر كانون الأول 2011، في مؤتمر أكد خلاله عماد الدين رشيد، رئيس المكتب السياسي للتيار، على تمايزه عن التيارات و الحركات الإسلامية الاخرى قائلا: «لم يكن البعد الفكري و الخلفية التي انطلق منها التيار محاكاة لفكر سابق موجود، و لا لجماعة موجودة، و لا لتيار أو حزب قد تشكل من قبل، إنما هو حالة من تأطير التيار الإجتماعي الإسلامي البسيط، الذي هو بعيد عن الفكر الحركي، الذي هو بعيد عن الحالة التأطيرية التنظيمية في المساق التاريخي…»3 .

إن انعدام وجود أي بنى تنظيمية للإخوان المسلمين في سوريا، خلق فرصة للتيارات الإسلامية الأخرى لتستحوذ على القاعدة الشعبية، وذلك من خلال اعتمادها على كوادر شابة مثقفة مدعمة بخطاب إسلامي سياسي معتدل، مطعم بمفاهيم الحرية والدولة المدنية.

أمام هذا الواقع، ستكون مهمة الإخوان المسلمين صعبة في مواجهة هذه التيارات الإسلامية الحديدة، وغيرها من تكتلات يقودها أئمة المساجد و علماء الدين في سوريا، خاصة مع الصورة القاتمة التي يحتفظ فيها الوعي السوري عن الإخوان المسلمين و طليعتهم المقاتلة. طبعا هذا لا ينفي وجود قاعدة شعبية معينة للإخوان، يُعمل على إعادة تنظيمها و هيكلتها، و لا ينفي أيضا إمكانية دخول مختلف التيارات الإسلامية في تحالفات انتخابية (وهذا أمر منطقي).

السؤال الهام إذاً كيف يمكن فهم اختلاف هذه الأطراف المتفقة على إسقاط النظام عن طريق تسليح الشارع و الدعوة إلى التدخل الخارجي، إلا في سياق اختلافها على تمثيل الشارع والتفرد به، و إدعاء كل طرف بأنه مصدر الدعم المادي و العسكري «للجيش الحر» و غيره من الجماعات المسلحة.

يبدو أن الجماعة المنشقة(مجموعة العمل الوطني السوري)، استطاعت بناء جيشها الحر الخاص بها، من خلال قوة تواجدها على الأرض، و أمنت مصادر التمويل اللازمة، و لن تسمح للمجلس الوطني بعد الآن بالانفراد لا بالقرار السياسي، و لا بالقرار العسكري على الأرض وأعلنت حملتها الانتخابية منذ اللحظة.

1-انظر فيديو خطاب برهان غليون، متاح على موقع« يوتوب» على الرابط http://www.youtube.com/watch?v=lLdgWtiKUcc:

2 -مقالة لتوماس بيري باللغة الفرنسية:

Pierret Thomas, « Syrie : l islam dans la révolution », Politique étrangère, 2011/4 Hiver, p. 879-891. DOI : 10.3917/pe.114.0879 .

3- انظر فيديو المؤتمر الصحفي لعماد الدين رشيد و الذي أعلن فيه عن تأسيس«التيار الوطني السوري»، متاح على «يوتوب»، على الرابط: – http://www.youtube.com/watch?v=IDxJQH-8T2g&feature=player_embedded

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى