المجلس الوطني يمثلني
نشرة الرأي
مع دخول الثورة السورية المجيدة شهرها الثامن, تشهد البلاد تطوراً خطيراً في نوعية العنف الذي تستخدمه السلطة بحقِ المتظاهرين السلميّين العزّل . وعلى الرغم من حجم الدمار الذي يصيب العديد من المدن والبلدات المنتفضة , وآلاف الشهداء والجرحى والمصابين وعشرات آلاف المعتقلين والمهجرين ,مازالت هذه السلطة تركب رأسها وتصرَّ على الحل الأمني . فهي لاتبدي الأهمية اللازمة للمآلات الخطيرة التي تسوق البلاد إليها , وللضغوط التي تمارس عليها , عربيّاً وإقليميّاً ودوليّاً . ولعلَّ تحفظاتها العديدة على قرار الجامعة بشأن سورية , وطريقة تعاملها مع الثورة على الأرض خلال المهلة المحدّدة , ومجريات زيارة وفد الجامعة العربية لدمشق , وما صدر من تصريحات هنا وهناك , يشير إلى أنَّ السلطة كعادتها , تسعى لكسب الوقت ,علَّها تخمد الثورة وتضع الجميع أمام الأمر الواقع .
إنَّ الجرائم المرتكبة بحقِ الشعب السوري وقواه الثائرة قد فاقت الوصف بعنفها ووحشيتها وبربريتها . إنَّها تدخل في مصافِّ الجرائم ضد الإنسانية . فالمهمَّة الملحَّة الآن هي تكثيف الجهود السياسية والإعلامية لوضع الدول العربية وجامعتها والمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة أمام مسئولياتها , لوقف القتل وحماية المدنيين بكافة الوسائل المشروعة , ووفقاً للقوانين الدولية ذات الشأن . فسوريا مسئولة عن تطبيقها والالتزام بها بصفتها عضواً مؤسساً في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية , وللسوريين الحق في طلب هذه الحماية , بعد أن وصل الدمُ إلى الرُكب وبلغ العنف السلطوي حدّاً لا يطاق .
* * * *
في هذه الأجواء التي تمرُّ بها الثورة , وُلِدَ المجلس الوطني في 2/10/2011 من قوى أساسية في المعارضة الديمقراطية المتواجدة في الوطن والمهجر وقوى الثورة في الداخل . جاء المجلس الوطني تعبيراً عن نجاح المعارضة في الائتلاف والتوحد , وتلبية لنداء الثوار على الأرض وحاجة الثورة لكيان سياسي يعبّر عن إرادتها وتوجهاتها , ويمثلها في الفضائين العربي والدولي . وتأتي أهمّيته من تبنّي شعارات الثورة ومطالبها , في الوقت الذي قصَّرت بعض القوى عن استيعابها . فوقفت على مسافةِ واحدةِ من الثورة والنظام .من خلال لاءاتها الشهيرة وبياناتها وتصريحات بعض مسئوليها .لكن المؤتمر الصحفي الذي ترأسه الدكتور برهان غلّيون , وتلاوته فقرات من بيان المجلس وما صدر رسميّاً عنه ,يشيران إلى أنَّ المجلس ينحاز إلى صفِ الثورة السورية التي دخلت مرحلة جديدة بتبني شعار إسقاط النظام .
لعلَّ أهمُّ ما يميّز هذه المرحلة هو :
1 ـ الانتهاء من الجدل الحاد الذي استغرق أشهراً عدّة عن الموقف من الثورة والنظام , وكيفية الخروج من أزمة البلاد المزمنة التي سببها هذا النظام الاستبدادي . نكاد نشهد فرزاً واضحاً داخل المعارضة الديمقراطية التقليدية , يتجلّى الآن في استقطابين رئيسيين مختلفين في الرؤى والتوجهات .
2ـ اتساع دائرة الثورة ، وذلك بانضمام القسم الأكبر من المعارضة الديمقراطية رسميّاً ,ومن خلال المجلس الوطني السوري ،وإعلان انحيازه ودعمه لها وسعيه للانخراط فيها .وقد تجلى هذا بوضوح في أمرين أساسيين :أولهما مشاركة عدد من فصائل الثورة في قوام المجلس الوطني السوري المذكور ،وثانيهما في اعلان قوى الثورة ،في تظاهرات أسبوع “المجلس الوطني يمثلنا ” تأييدها له ،في أوائل هذا الشهر .
3- يمكن للمجلس ،إذا أحسن التصرف ونسق مع قوى الثورة ،أن يشكل الغطاء السياسي لفعالياتها ،وأن يكون سفيرها لدى المجتمعات العربية والإقليمية والدولية ،يشرح وجهة نظرها ويزيل الكثير من المخاوف والتحفظات التي تبديها بعض الأوساط تجاه الأحداث الجارية عندنا .
4ـ ونظراً لما للمجلس الوطني من صلات متنوعة وقدرة في التأثير على العديد من الأوساط المترددة والصامتة , يحدونا الأمل في انضمامها لهذه المعركة , لصالح التغيير الديمقراطي , وحسم موقفها إلى جانب الثورة .
5ـ لكنَّ المسالة الهامّة في الدور الذي يمكن أن يلعبه المجلس , آتية أيضاً من سعيه الجاد للحفاظ على سلمية الثورة, وإحباط توجه السلطة الحثيث لجر البلاد إلى حربٍ أهليّةٍ . فهو المؤمل لصياغة خطاب جامع , يمكن أن توافق عليه اغلب مكونات مجتمعنا السوري وفعالياته المختلفة .
********************************************************
رغم مرور قرابة شهر على تأسيسه , مازال المجلس الوطني السوري غارقاً في استكمال قوامه التنظيمي وتشكيل لجانه المتخصصة . وهذا ما يؤرقنا ويدعونا إلى القلق . فالأنباء التي تصلنا تشي بوجود منافسات غير مبررة , وإعاقات غير مقبولة وتؤدة في العمل لا تتناسب مع المرحلة ومتطلباتها . وبصرف النظر عن مدى صحتها , فالجميع , خصوصاً داخل الوطن , يشكون بطء الأداء ,كما يشكون من القصور الإعلامي والتباين في الرؤى والمواقف في بعض الأحيان , مثل التناقض الذي يظهر لدى بعض قادة المجلس , حين يدلون بمواقفهم في الإعلام عن هذه القضية أو تلك . فهذا يوحي لدى السامع انّه لا يوجد تنسيق أو توحيد في المواقف والرؤى السياسية , في حين تحتاج تلك المسائل إلى مناقشة مسبقة وأجوبة موحدة .
باعتقادنا إنَّ الأسس الأولية التي قام عليها المجلس ,سواء ما تعلّق بالتساوي بين أطرافه في التمثيل وفي التناوب على الرئاسة , والتوافق حول المسائل الأساسية , صالحة من حيث المبدأ لتخفيف الكثير من التناقضات , وإزالة المصاعب التي تواجه المجلس. لكن هذا الأمر لا يمنع , بل يحتاج إلى صياغة لائحة أساسية تنظم حياته الداخلية , والتي من المفترض أن تؤسس على العمل الجماعي وتحديد صلاحيات الهيئات المختلفة والتنسيق فيما بينهما , والتحلّي بالمرونة والحوار الهادىء .
إنَّ من أهم واجبات المجلس بعد استكمال بنيانه , أن يبقى بابه مفتوحاً أمام جميع الشخصيات والتجمعات التي تتلاقى معه بالرؤى والأهداف التي طرحتها الثورة . ويمكن لهؤلاء أن يختاروا الانضمام إلى المجلس أو يبحثوا في الأشكال التي تساعد على تنسيق الجهود والعمل المشترك . إنَّ توحيد المعارضة الديمقراطية بمختلف أطيافها والتي انحازت إلى الثورة أمرٌ ضروريٌ وملحٌ من أجل مواجهة النظام وعزله وإسقاطه , لكنَّ الأهم عدم إضاعتها البوصلة والوقوع في منازعات أو مناكفات جانبية فيما بينها , لا تفعل إلّا أن تطعن الثورة وتصبُّ الماء في طاحونة النظام .
* * * *
أخيراً نأمل من مجلسنا الوطني , بعد أن يستكمل قوامه ومؤسساته , أن يقدم لمجتمعنا السوري ومحيطه العربي والإقليمي والدولي رؤيته الإستراتيجية وأهدافه الراهنة أي المهام المطلوبة في مرحلة التغيير القائمة وصورة سورية المستقبل بعد انتصار الثورة كما يراها . فعلى المجلس أن يقود الحراك السياسي بأفكار وصياغات مبتكرة ومطوَّرة ومقنعة , حسبما يقتضيه واقع الحال .
إنَّ صياغة وثيقة كهذه يمكنها أن تشكل رسالة إلى جميع مكونات مجتمعنا , تؤكد أنَّ سوريا الديمقراطية سيسود فيها القانون والمساواة والعدالة وستتسم بروح التسامح والمصالحة بعد رد المظالم إلى أهلها . فالثورة لن تطال أهل النظام الذين لم يلوثوا بالدم ولا المال الحرام . فلا مكان للانتقام أو التهميش . فالوحدة الوطنية هي التي ننشدها في ظل الحرية والكرامة الإنسانية .
خلال الشهرين الماضيين , صار واضحاً , لدى العديد من الدول العربية والأجنبية , أنَّ النظام لا يملك إرادة صادقة لحلٍ سياسيٍ , من شأنه أن يحفن الدماء ويلبي مطالب الثورة المشروعة. على العكس, نراه يمعن بالبطش والقمع ويستخدم كل أصناف السلاح معرّضاً الجيش إلى الانقسام والبلاد لمخاطر الحرب الأهلية .
هذه المرحلة التي نمرُّ بها , تتطلب من مجلسنا الوطني التحرك السريع لدى الأوساط العربية والإقليمية والدولية لشرح خطورة الوضع , وأنَّ الوقت حان لاتخاذ تدابير مستعجلة لمساعدة الشعب السوري على الخروج من محنته , ووضع حدٍ للمجازر التي ترتكب . إنَّ تواجد نخبة كفوءة من قادة المجلس خارج الوطن يساعد على تشكيل العديد من اللجان وإرسالها لمختلف البلدان من أجل نصرة شعبنا واتخاذ القرارات الضرورية لوضع حدٍ للمأساة التي يعيشها شعبنا السوري .
ومن الهام جداً أن تؤكد الوفود الزائرة على عدالة القضية السورية , وأهمية الخلاص من النظام الاستبدادي وإقامة النظام الديمقراطي الذي سيكون عامل استقرار في المنطقة , وساعٍ إلى إقامة أفضل العلاقات مع الدول الأخرى القائمة على المصالح المشتركة والتعاون في إيجاد حلول سلمية للقضايا المثارة .