المدارس السورية معسكرات حرب/ مروان أبو خالد
يعيش أطفال سورية منذ اندلاع الانتفاضة السورية العام 2011 ظروفاً مأساوية على الصعد كافة. فحرب النظام ضد السوريين أدت إلى مقتل 6500 طفل بالحد الأدنى، وشرّدت أكثر من مليون طفل في مخيمات اللجوء القائمة في دول الجوار. وما نتج عنها من دمار في البنى التحتية التعليمية، وارتفاع في كلفة التعليم، يهدد بحرمان ملايين الأطفال السوريين من الحصول على حقهم الطبيعي في التعلم.
فقد أدت الحرب إلى دمار وتضرر عدد كبير من المدارس قدرته “منظمة اليونيسف” بـ2960 مدرسة، بالإضافة إلى استخدام 1401 مدرسة كملجأ للنازحين والهاربين من العمليات العسكرية. في حين أشارت منظمة أنقذوا الأطفال إلى وجود 5 آلاف مدرسة مدمرة وغير صالحة للاستخدام، الأمر الذي يهدد قرابة 2.5 مليون طفل بفقدان فرص التعلم.
وتأتي إدلب في مقدمة المحافظات التي تضررت مدارسها بنسبة 60%، كما لحق الدمار بحوالي 34% من مدارس درعا، وتحولت أكثر من ألف مدرسة في البلاد لمراكز عسكرية للمجموعات المسلحة النظامية والمعارضة على حد سواء. وقد أشارت بعض الدراسات الاقتصادية إلى أن كلفة المدارس المدمرة بلغت قرابة 5.7 مليارات ليرة، وقدرت المراجع الحكومية قيمة الأضرار الأولية في المؤسسات التابعة لوزارة التعليم العالي ما بين 4-6 مليارات ليرة.
كما تسببت ظروف التدهور الاقتصادي التي أنتجتها الحرب، وإطلاق يد تجار الأزمات المحتكرين من قبل الحكومة، إلى رفع أسعار القرطاسية بمعدلات خيالية، لاسيما أن سلع القرطاسية تعتبر من السلع المحررة والتي لا يوجد قيود حكومية على سعرها. فمن ناحية زادت التكاليف التي يتحملها الموزعون الذين يبيعون بالجملة للمكتبات في مختلف المحافظات، فارتفاع أسعار البنزين والمازوت أدت لزيادة تكلفة النقل، بالإضافة إلى هدر الوقت بسبب الازدحام الشديد الذي تشهده معظم المناطق. كلّها تكاليف يضيفها الموزع إلى الحساب، ما يؤدي لزيادة الأسعار. في دمشق، على سبيل المثال، يباع الدفتر (70 صفحة) من المصدر للمستهلك مباشرة بسعر 100 ليرة، في حين يبلغ سعر الدفتر نفسه 135 ليرة، عندما يأخذه موزع الجملة من المصدر ويبيعه لصاحب المكتبة. بينما يبيعه صاحب المكتبة للمستهلك بسعر 175 ليرة، أي أن ما يقارب من 75 ليرة زيادة في السعر تعود كربح لصاحب المكتبة وموزع الجملة.
من ناحية أخرى، تسببت عبثية تدخل البنك المركزي لضبط سعر صرف الدولار، بفوضى عارمة في الأسواق لم تسلم منها سوق القرطاسية. فالتجار قد امتنعوا مؤخراً عن طرح مواد القرطاسية في السوق، السبب في ذلك أن الدولار غير ثابت بل يقف على زغل حسب تعبير التجار، ويتأرجح حول الـ200 ليرة. ويخشى التجار من البيع الآن حتى لا يفوتوا على أنفسهم أرباحاً إضافية في حال ارتفع سعر صرف الدولار بعد أن ربطوا أسعار المبيع بارتفاع الدولار أو انخفاضه. علماً ان مستودعات معظمهم مليئة بلوازم القرطاسية منذ أعوام، أي أنهم لم يستوردوها وفقاً لسعر صرف الدولار الآن. هذا ما أدى لحصول نقص في المعروض نتج عنه حدوث زيادة جنونية في الأسعار. وبحسب ماهر، صاحب إحدى المكتبات في دمشق، فإن كمية القرطاسية التي كان يمكن شراؤها بـ 500 ليرة في العام الماضي، لا يقل سعرها اليوم عن 2000 ليرة كحد أدنى. كما أن أسعار اللباس المدرسي والحقائب المدرسية قد زادت بنسبة تتراوح بين 100-150%. ما يعني أن كلفة الطالب الواحد خلال العام الدراسي المقبل لن تقل وسطياً عن 5000 ليرة، الأمر الذي سيؤدي حتماً لتسرب مزيد من الأطفال خارج مدارسهم لعدم قدرة الأسرة على تحمل تكاليف التعليم الباهظة.
الظروف الأمنية المترافقة مع ارتفاع تكاليف التعليم أدت إلى امتناع عدد كبير من الطلاب عن إكمال تعليمهم، فمن أصل 5 ملايين طالب و365 ألف موظف، لم يلتحق منهم خلال العام 2012 سوى 22.8% فقط. كما أن سياسات تقليص الدعم الحكومي، وإعطاء الأولوية للإنفاق العسكري لتمويل الحرب، قد أدى لتراجع الإنفاق على التعليم من 35.4 مليار ليرة العام 2010، إلى 19.5 مليار ليرة العام 2013، وذلك وفق أرقام المركز السوري لبحوث السياسات.
لقد خلّفت سياسات الحرب والفشل الاقتصادي دماراً هائلاً في قطاع التعليم، وأدت إلى ارتفاع نسبة الأمية للسكان فوق 15 سنة لحوالي 31.5% حسب إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء للعام 2012، ما يعني أن مستقبل سورية بات على المحك، ما لم ينقذ أبناؤها من شبح الأمية والجهل المخيّم فوق بلادهم.
المدن