المدن السورية تعلن القيامة
فلورنس غزلان
كيف تسنى لكِ أن تجمعي بين الحب والجمال، بين الموت والفرح؟ تزفين شبابك إلى أعراس الحرية معمدين بدماء يبذلونها قرابين على مذبحك…لأنك الأجمل، لأنك الأغلى على قلبوهم..لأنك عروسة الجميع ياشام التاريخ وياصانعة الحاضر، تتكاثر أعراسك تنشدين وترقصين وتزغرد نساءك على أنغام ابتدعها شبابك، جديدة اللحن مختلفة الوقع والإيقاع..فراح خصرك الممشوق يتمايل بفخر وأنت ترفلين بفساتين الأعراس ، الممتدة من سهول حوران لجبال العلويين..رغم أن الأفاقين وحواة العصر حاولوا ويحاولون حصارك…..يحاصرون حضورك، يحاصرون ظهورك، يحاصرون أعراسك، لكنك تستمرين ، ترفضين النوم ، قلبك يستقبل مُهَجاً من خيرة الفتيان، يملأ الأرض بضجيج الحرية، يفتح أجنحته لاستقبال المزيد من القرابين ، لم تتعب أهدابك ولا خدودك الوردية عن غسل الأرض بدموع اللهفة ودموع العزيمة والإيمان فقد علمك التاريخ أن ثمن الحرية..هو دم الإنسان.
طال غيابك وطال انتظارنا…صارت طعمة الأيام مختلفةً، قطعها حضورك المفروض على الخبر..، لم يكن صدفة ، ولم نضرب معه ميعاداً، فأنت من يحدد زمن اللقاء ومكانه، لحظة الفجر وساعة الصفر، أنت من يوجه ريحها لسواحل أقفرت ولسهول تصحرت، فأعدتِ لها المطر وأعدت لها غيث الحلم…ينتصب اليوم على مشارف درعا ومداخل اللاذقية ودمشق ، وبانياس وكل الأرض السورية، يتعانق ماء البحر مع خضرة السهل ومع أجنحة صقور أعلنت فضاء سوريا حكراً على الحرية، ، تطلقين فراشاتك الملونة ترفرف بأعلام الأمل، فتقتنصها بنادق الفشل وبنادق الموت وتزج بها في أقفاص بلا أوكسجين، فتعلن رفضها لحياةٍ أسيادها حملة الأصفاد وصانعي السلاسل، ترفض فراشاتك وعصافيرك الاعتراف بأيدٍ لوثت خصلات شعرك وحقول قمحك بأقدامها، تعتقد أن التاريخ يمكنه أن يعود للوراء ..وأن العسف يستطيع إستعادة الأمواج وتسيير الأشرعة على هواه..
لكن راحتيكِ تقتلع أصنام الطغاة من جذورها، لكن راحتيك تمزقان رموز القتل والفناء..ترسم أصابع شبابك أسماء وأحلام الحرية فوق النجوم ولا تأبه للرصاص يقتنصها من أماكن غدرٍ ..بناها يوماً لتكون صرحاً لتشويه تاريخك الأموي والغساني..
من محطات الانتظار نأتيك..نستمع لصوتك ، لسنونات الأمل ترفرف فوق جبالك وسهولك..تخترق أصوات الرصاص ويصل لهاث أنفاسها إلى أقصى الشرق والغرب، جديدة أنت يامدن سوريا..جديدة في قيامتك ..التي استيقظت بعد نوم غرسه الخوف سكيناً في بطن أحلامك، قهر توقك للحرية، وها تنفضين عنك غباره مصممة على اقتحام جدران عزلِهِ لك، جدران فصله بين بيوت أهلك وتكويناتهم، التي عرفت وحدة هوية وطنية لاتستطيع كل حبائل الزيف وأكاذيب تعود الطغاة على انتحالها بحق شعوبهم أن تمر من بين نسيج خيوطها المتين.. طغاتك القدماء والجدد..لايحسنون الفهم ولا التعلم…مرت أمامهم دروساً وعظات..لكنهم لم يتعلموا..يبدو أن مايجمعهم هو الغباء..يبدو أن مايحملونه من صفات مشتركة تضمن بقاءهم هو هذا الانفصام عن إرادة الشعوب ، عن إرادة الشباب، لم يتركوا نظرية طاغية إلا واتبعوها ، من صين ماوتسي تونغ إلى روسيا ستالين، وكوريا كيم إيل سونغ…اخترعوا ” طلائع الثورة، وشبيبة الثورة، والحزب القائد” قلبوا التاريخ وغيروا المناهج..جعلوا من خطب الزيف ديناً جديداً يؤمه شيوخاً مربوطين من ذيولهم في قصور وأقبية أجهزة الأمن ورجالاته.
مدنك يابلدي ترتدي ثياب عرسها وحدادها بنفس الوقت..عرسها الأول منذ نصف قرن وحدادها على شهداء ينطق دمهم الغالي..بأنهم لم يبذلوه من أجل مطالب بخيسة بنظر من يحاول الالتفاف على تضحياتهم، وترقيع الوطن بتحسينات تمكنهم من إعادة قبضة اليد على مقدرات الشعب وعلى منافذ الحرية، لقد جاءت ترقيعات السيدة” ثعبان” بعيدة كل البعد ومتأخرة ..جداً..مَن نكث العهد وخالف الوعد هو رئيس الدولة..هو وريث العرش، الذي لم يختره شباب وطن، لم يعرفوا منذ ولدوا معنى الانتخاب ، معنى الاختيار..معنى حرية التعبير..معنى ممارسة حقوقهم كمواطنين لا رعايا وموالين…معنى أن ينظموا ويشكلوا احزاباً تناسب آراءهم ومعتقداتهم الفكرية، لا أن يقودهم حزب واحد وتقرر عنهم ” قيادة قطرية” لاتمثلهم ولا علاقة لهم بها..وعدتم وكان ممكن للإصلاح المطروح منذ عقود أن يرى النور..لو لم تغلوا أجهزة أمنكم وشبيحتكم بدماء شباب الوطن..وعدتهم يارئيس الدولة الراحل مساء ونكثت بوعدك صباحاً ، حين اجتاحت قوات شقيقك ” ماهر الأسد” مدينة درعا وعاثت بمقدراتها وغاصت بدماء أبنائها ، قتلت واعتقلت واغتالت جرحى ومرضى وعُزَّل…حتى الآن هناك المئات من مجهولي المصير، ممن نقلوا كجرحى أو رهائن، أو معتقلين أو شهداء بطائراتك العمودية، التي لم تخترق يوماً ساحة قتال مع العدو القريب من درعا..لكنها تباسلت وتجاسرت على رش رصاصها الحي في رؤوس أبناء درعا والصنمين واللاذقية وغيرها وغيرها..من سيعيد لأمهات الشهداء حقوقهن؟ من سيحاسب القتلة؟ من سيعيد للوطن كرامته؟ وللآرض ملحها وروحها الحرة؟ ..هل ستعيدها ترقيعاتك على لسان سكرتيرتك السيدة شعبان ، والتي أطلق عليها المواطنون” السيدة ثعبان”.!، من يحترم شعبه ياسيادة الرئيس الراحل قريباً..يتوجه إليه شخصياً، يحاوره ، يعتذر منه، يعزي بأبنائه..لايرسل إحدى كلابه الوفية..هذا ينم على انفصالك عن شعبك وعدم احترامك له..حتى” مبارك وابن علي”..كانوا أكثر شرفاً واحتراماً لشعوب قمعوها أعواماً…البارحة أعلنت وسائل إعلامك أنك ستتوجه للشعب خلال ساعتين…لكن الشعب لم يتحف بطلتك…ماذا لديك لتعيطيه ولتقوله ؟!…بعد أن غرقت يديك ويد شقيقك بدماء أبناء الشعب السوري..كل ماستطرحه سيكون لغاية بقاءك..وهذا مارفضه شباب الثورة السورية ، لأنهم أسقطوا صنم والدك زارع الخوف، ومزقوا صورك رمز العنف والقتل..ارتفع سقف مطاليبهم الآن..منذ وقت ليس ببعيد وقبل أن تشتعل نيران الثورة قلت في إحدى مقالاتي” أنه مازال أمامك فرصة للانفتاح على الشعب ، أن الكرة مازالت في ملعبك..وكانت أمامك الفرصة…لكنك استنفذت كل الفرص المتاحة..واستخدمت القتل والعنف..وحين يراق الدم…يرتفع سقف المطالب، ولا يرتضي الشعب الآن إلا بالتغيير..التغيير الكلي لنظامك..فارحل قبل أن تزج سوريا بحرب قذافية..لا أحد يريدها ولا أحد يسعى إليها، وقد أثبت شباب سوريا أنهم أكثر وعياً من مسؤوليها ومن مفكريها ومن سياسييها..وبرزت وحدة صفهم وردهم على محاولات التشويه لنضالاتهم جاءت من أفعالهم ومن أقوالهم..حين وضعوا أيديهم بأيدي بعض من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن شرق سوريا إلى غربها..فهلا أدركت فداحة الأمر قبل فوات الأوان..أما اكتفيت بعد كل هذه الدماء؟..أم أن السلطة والكرسي أهم عندك من الشعب والوطن؟!
ــ باريس 28/03/2011