صفحات الثقافة

المرأة وحضورها على صفحات مراجعة الكتب والنقد الصحافي: هل النقد مهنة ذكورية؟!

ابراهيم درويش

هل الكتابة عن الكتب او مراجعتها، حرفة رجولية؟ وان كان الجواب بنعم فلماذا، هذا سؤال طرحه الملحق الثقافي بصحيفة ‘الغارديان’ الذي اظهر انه على الرغم من كثرة الاسماء النسوية في عالم الرواية وتسيدهن الجوائز الادبية واختصاصهن بالجائزة الخاصة بهن ‘اورانج’ للرواية – التي اعلن عن الرواية الفائزة فيها يوم الاربعاء الماضي، وفازت بها اي ام هومز عن روايتها ‘نرجو المغفرة’- فان هناك غيابا واضحا وكبيرا للمرأة على الصفحات الثقافية او النقد الادبي الصحافي، فمن بين 591 مراجعا ادبيا يعملون في 15 مطبوعة صحافية ـ مجلة وصحيفة- تبلغ نسبة حضور المرأة 37.6 بالمئة.

فقد اظهرت الدراسة المسحية للمشهد الادبي الصحافي في هذه الصحف الرصينة والشعبية تحسنا بنسبة 3 بالمئة عما كان عليه الوضع في العام الماضي الا ان الطريق طويل امام ‘نجمة’ نسوية في عالم مراجعات الكتب على ما يبدو. وتحدث التقرير عن الدور الذي تلعبه المنظمة الامريكية ‘فيدا’ والتي اعلن عن ولادتها عام 2009 لمراقبة وتشجيع دور المرأة في عالم الفنون الادبية، ومنذ تلك الفترة والمنظمة هذه تقوم باصدار تقارير سنوية عن عدد الرجال والنساء الذين يكتبون مراجعات ونقدا في الصحف والدوريات الامريكية، وتظهر ارقام هذه ان وضع المرأة في تحسن الا انها بحاجة الى عمل اكبر. ويعترف من يقومون برصد حضور المرأة على الصفحات الادبية ومراجعات الكتب بمحدودية العمل والارقام التي يقدمونها لانها تظل ناقصة وهو نفس ما تعانيه احصائيات او دراسات مسحية لوجود السود او ابناء الاثنيات الاخرى في القطاعات الثقافية الاخرى من التمثيل وكتاب الاعمدة والمسرح والسينما.

حضور قليل

يحلو للبعض ربط الحديث عن الحضور النسوي في مجلات الكتب والنقد الادبي في الصحافة بفكرة التقاطع التي تعني دراسة مجموعة او مجموعات يتعرضون لشتى انواع الاضطهاد التي ترتبط بهم جميعا وتتداخل في معظم الاحيان. وتقول كاتبة المقال اليكس كلارك انها واثناء عملها كمحررة لصفحات الكتب في عدد من الصحف طلب منها الانتباه لموضوع التوازن بين الرجال والنساء من ناحية الحضور ونشر الموضوعات اكثر من الانتباه مثلا الى التوازن العرقي والمستوى التعليمي، الطبقي والقدرات الجسدية اي اصحاب الاحتياجات الخاصة وما الى ذلك، باستنثاء الحالات الخاصة التي يستدعى فيها كاتب من جماعة معينة لمراجعة كتاب مرتبط بفكره او جماعته. وتقول كلارك ان فكرة ‘التوازن’ لا تعني بالضرورة اعطاء مساحة للنساء اكثر من الرجال بل وتعني ايضا ‘بعض النساء’ اي التأكيد على حضور للمرأة بدرجة معينة. وهذا الحديث لا يلغي حقيقة ان الامور تتغير فيما يتعلق بوضع المرأة في الثقافة، لان كل ما قيل ويقال في العادة هو قائم على التجربة الشخصية والسماع والقصص التي يتم تداولها بين الاصدقاء ولا يمكن والحالة هذه اعتمادها كحقائق. وفي الدراسة المسحية الجديدة يبدو هذا واضحا، فالقراءة لحضور المرأة على صفحات مراجعات الكتب يتراوح من مؤسسة الى اخرى، كما انه عندما يتم تصنيف الكتب المراجعة الى كتب روائية وغير روائية تظهر بشكل واضح، فهناك اختلاف واضح وكبير بين عدد النساء اللاتي يطلب منهن كتابة عرض لروايات وبين من يقدمن عروضا للكتب غير الروائية. ولكن الارقام لا تعطي احيانا صورة عن الواقع الاعلامي، حيث يرى ان قلة حضور المرأة في مجال عرض الكتب وعدم وجود اسماء لامعة في صفوفهن راجع الى ان المرأة لا تدفع نفسها ولا تقوم بالاتصال بدوائر الكتب في الصحف والمجلات مطالبة بارسال كتب كي تقوم بكتابة عروض لها.

حضور في مجالات اخرى

وتتذكر الكاتبة والصحافية كلير تومالين كيف دفعت اثناء عملها في مجلة ‘نيوستيسمان’ و’صاندي تايمز′ باتجاه فتح المجال امام الكاتبة المرأة كي تقدم عروضا للكتب وتقول انها وعلى الرغم من جهدها تعرضت من دوائر المرأة لانتقادات بانها لم تقم بالجهد الكافي، ومع ذلك فواقع الحال في ذلك الوقت ان الكثير من الكتاب الذكور كانوا على اتصال دائم مع دائرة الكتب في الصحيفة او المجلة حيث كانوا مستعدين للحضور الى المكتب لمناقشة الكتب، مشيرة ان الاكاديميين الذكور في حينه كان عددهم كبيرا. وتقول ان ايا من نقاد الفن في مجلة ‘نيوستيسمان’ لم يكن بينهم ولا امرأة واحدة. وبالنظر للوضع الحالي فنجد ان الامور قد تغيرت بشكل كبير. فهناك اعداد من النساء الكاتبات في مجال نقد الفن، ايا كان رسما او مسرحا وسينما، اكثر مما كان في الماضي، ولكن يجب ان لا نحكم على وضعية المرأة في الصحافة الادبية من زاوية عرض الكتب او المراجعات، فالمرأة حاضرة في الصحافة في مجالات اخرى، فمع التغيرات التي حدثت على الاساليب الصحافية والتقدم التكنولوجي فقد حدثت تغيرات جذرية على وضع المرأة في الاعلام وبرز حضور قوي للمرأة في مجال كتابة المقالات والاعمدة الصحافية. وهنا يطرح سؤال اخر يتعلق بموقع المرأة في الصحافة الادبية، وهذا متعلق بطبيعة الموضوعات التي عادة ما يطلب من المرأة الكتابة عنها، اي الكتابة عن روايات كتبتها نساء او تتحدث عن المرأة كتبها رجال او تلك المتعلقة بالقضايا العائلية بدلا عرض كتب مرتبطة بالسياسة، العسكرية او التاريخ التي يتسيد ساحتها الرجال في الغالب. فهل هذا الوضع مرتبط بالنظرة التي تقول ان الرجال قادرون على مراجعة كتب ينشرها رجال معروفون ونساء شهيرات اكثر من النساء؟ حسب تجربة كلارك، فهي تقول انها عملت في مجال عرض الكتب مدة عشرين عاما، ومعظم الكتب التي قدمت لها عروضا كانت روائية، ونادرا ما طلب منها كتابة مراجعة لرواية نشرها اسم كبير في الرواية الانكليزية مثل مارتن اميس وامثاله مع انها قدمته في ندوة عامة، ربما لان منظمي المناسبة رأوا في وجه نسائي اكثر جذبا للحضور وللتأكيد على ان عالم الصحافة الادبية ليس عالما رجوليا في الدرجة الاولى. وفي هذا السياق تنقل عن تجربة كاتبة اخرى في مجال الصحافة الادبية وهي ليندا غرانت حيث تقول’ من الغريب فعلا ان تحتل المرأة الدرجة الثانية على الصفحات الادبية مع ان هناك الكثير من الروايات التي تكتبها نساء وتقرأها النساء، ولا تنحصر المسألة على سيادة الرجال لها بل وحضورهم ايضا’. ويمكن تفسير هذا الوضع ليس من حقيقة كون الرجال هم من يطلبون ويوكلون مهام عرض الكتب لمن يريدون ولكن لعدم حضور المرأة كمحررة ادبية وان وجدت استثناءات، اضافة الى ان امرأة تدير جريدة او مجلة بالكامل ليس حقيقة الا في حالتين.

ما هو السبب؟

واذا اردنا استبعاد فكرة ‘المؤامرة’ الرجولية لمنع المرأة من الكتابة في الموضوعات الادبية الهامة، فكيف نفسر الوضع الحالي؟ هل لان محرري الصفحات الادبية ومدراءهم يبحثون دائما عن ‘النجم’ الذي يحكم على الكتاب ويعطيه الشعبية، اي بالمفاهيم الادبية ‘الاديب’ الملفق على الرغم من ان فكرة الاديب او الكاتب المبدع تفقد معناها في السياق هذا وقد تغيرت النظرة اليها في الاعوام الاخيرة، تماما مثل اي مفهوم من المفاهيم المرتبطة بالاعلام حيث تتسم بالفوضوية. واذا كان الكاتب الاديب بارزا فهذا لا يلغي وجود كاتبات مبدعات في هذا الحقل ونادرا ما منحن فرصة او فتح الباب امامهن، والسؤال لماذا؟

الاجابة عليه معقدة نوعا ما، فبالنظر للمشهد الادبي البريطاني نلاحظ ان الاسماء الكبيرة والتي تنال الجوائز الادبية عادة ما تتسيدها نساء مثلا هيلاري مانتل التي حازت على جائزة البوكر مرتين الاولى عام 2009 عن رواية ‘قاعة الذئاب’ والثانية عام 2012 عن رواية ‘اخرجوا الجثث’. كما تسيدت القائمة النهائية الجائزة التي تقدمها ‘كوستا للكتاب’ اسماء نسوية، وهذا يعني ان كتابة المرأة في صحة وعافية، ويضاف للكتابة ان مناسبات القراءة العامة في حالة من الازدهار، ولا تزال المرأة تشتري معظم الروايات في سوق الكتب. كل هذا جيد ولكن ‘صناعة’ الاسماء والشهرة والمال والنقد والتي تشكل فكرتنا عن الكاتب الناجح، تظل في الاعم الاغلب فكرة رجولية. وما دامت الكتابة النسوية بصحة جيدة فلماذا العويل على وضعيتها في الصحافة الادبية؟ هل يهم المرأة ان تكون مراجعة للكتب ما دامت تبدع وتكتب، وهل مراجعة الكتب حرفة ام مجرد هواية؟ الروائي الانكليزي مارتن ايميس الذي عمل في مجال مراجعة وعرض الكتب في عدد من الصحف ومنها ‘الملحق الادبي’ لصحيفة ‘التايمز′ نشر عام 2001 كتابا جمع فيه عددا من مقالاته التي كتبها على مدار ثلاثة عقود واعطاها عنوان ‘الحرب على الكليشيهة’ وفي مقدمة الكتاب كتب وبحس ساخر عن فكرة مراجعة الكتب وكيف تغيرت بشكل جذري، فهو الذي سخر من هذه ‘الحرفة’ في روايته المعروفة ‘معلومات’. ويقول ان ما اثر على عمل الكاتب الذي رهن حياته لمراجعة الكتب ومناقشتها هو التضخم ودمقرطة الكتابة الادبية. ومع هذه التغيرات تغيرت نظرتنا للادب فهو يقول ان ‘العقيدة الجديدة، الاستحقاق الجديد’ الذي يمارس الان في كل مراجعات الكتب المعاصرة حيث يتسامح المراجع مع صدور رواية جديدة او كتاب صغير الحجم، وينغمس بقراءته باحثا عن اي طريقة يلمعه فيه او يحتك به، سواء بطريقة صحيحة او خطأ، ونتيجة هذا الاتصال مع العمل تظهر المادة للمراجعة بدون اشارة الى ما خلف العمل، ولكن ما يقف خلف كل العملية، الموهبة او القانون هو المعرفة التي نطلق عليها اسم ‘الادب’. على الرغم من سخريته لا يستنكر ايميس هذا الحال لان وجوده لا يمكن تجنبه.

الكل يكتب عن الكتب

كتب ايميس هذا الكلام قبل ان تنتشر مراجعات الكتب على الانترنت وقبل انتشار المدونات، وقبل التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي. فقد اصبحت الكتابة عن الكتب ممارسة يقوم بها الكثير من الناس وبطرق متعددة وفي اماكن مختلفة. ويلاحظ في هذا العالم الكبير للكتب والكتابة حضور بارز للمرأة ـ وهناك مدونات ادبية مشهورة ومؤثرة تديرها نساء مع ان اشهر مدونة تعمل في مجال مراجعة الكتب منذ عام 2006 ‘ديفونغريريدر’ في ديفون شاير- بريطانيا حيث تؤكد انها ليست مراجعة محترفة للكتب. وفي الولايات المتحدة فأهم مدونة مراجعة للكتب موقع ‘بوكسلات’ التي انشأتها جيسا كريسبين، حيث وصفت مدونتها في مقابلة عام 2008 انها ‘في الخارج ولا مقر لها في نيويورك او في المطابع، ونتعامل مع الكتب بجدية اقل من جدية ‘نيويورك تايمز لمراجعة الكتب”. ولعل التطور الاخير وانتشار الاصوات التي تكتب عن الكتب في كل مكان في العالم قد اثر على فكرة مراجعة الكتب ‘الحرفة’ فدور الكتب الالكترونية مثل امازون تطلب من زبائنها كتابة بعض السطور حول ما يرونه مناسبا عن الكتاب الذي اشتروه كنوع من الدعاية للكتاب، فالقاريء هو الذي يسوق الكتب ولم يعد اسم كاتب او اكاديمي عظيم مهما في هذا السياق، مع ان دور النشر تحرص على وضع تعليقاتهم على غلاف الكتاب الصادر- اي المطبوع، حيث يقدم قبل صدوره لاسماء معروفة في المجال موضوع الكتاب. وتعني فكرة التغير في حرفة مراجعة الكتب تقليص المسافات بين عمل المراجع المحترف في الصحيفة او المجلة وبين القاريء الذي يكتب بعفوية او بغضب عن كتاب اشتراه من المكتبة ويقدم اراءه فيه. ومع ذلك فتداخل الاشكال الكتابية لا يعني التعامل مع كلا النشاطين على انهما مختلفان نظرا لاختلاف اللغة والهدف.والمهم في هذا السياق هو ان لا تلغي وتستبعد سلطة ناقد الكتب هذه الاصوات. وفي عالم الرواية بالتحديد التي تعتبر مرآة عالمنا والطريقة التي تمكننا من فهمه، فيجب ان يسمح للجميع بالتحدث عنها. يبدو طرح سؤال عن دور المرأة في نقد الكتب غريبا ولكنه تساؤل عن سلطة المرأة ودورها في صناعة الاسماء والثقافة اي تحولها لمرجعية بدلا من منتج في الكتابة كما في البيولوجيا. وبعد مرور 170 على كتابة المرأة التي استخدمت فيها اسماء رجال لاخفاء هويتهن، واكثر من مئة عام على السماح للمرأة المشاركة في الانتخابات تبدو الرحلة امام المرأة لتحقيق المساواة الكاملة مع الرجال طويلة. على العموم قد يبدو غياب المرأة عن صفحات مراجعة الكتب لافتا للنظر، ففي مجال مراجعة الروايات تظهر الدراسة ان حضور المرأة في ‘لندن ريفيو اوف بوكس′ و’ميل اون صاندي’ كان صفرا، فيما وصلت نسبة المشاركة النسوية في مجلة ‘سبكتاتور’ عشرين بالمئة. ونسبة المشاركة في ‘صاندي تلغراف’ و’ديلي تلغراف’، ‘اندبندنت’ و’ديلي ميل’ خمسون بالمئة للذكور والاناث، اما في ‘الغارديان’ و’اوبزيرفر’ و’نيوستيسمان’ فقد تفوق الحضور النسوي على الرجال. مقارنة مع ‘اندبندنت اون صاندي’ و’فايننشال تايمز′ حيث غلب الرجال النساء. في مجال الاعمال غير الروائية يظهر هنا فقر مشاركة المرأة وتبدو المرأة متفوقة في حالة واحدة في صحيفة ‘اندبندنت اون صاندي’، وحضورها في بقية الصحف تحت الدراسة يتراوح ما بين 15- 36 بالمئة، وهو ما يؤكد ان المرأة تكتب وتقرأ روايات اكثر، لا لانها تحب الرواية بل لان محرري الصفحات الادبية يحولون اليها الاعمال الروائية اكثر من الكتب والدراسات التاريخية. وتظل هذه الدراسة مؤشرا ودراسة لحالة ووضع المرأة في النقد الصحافي الادبي، وللتحقق من وجود تحيز ضد المرأة لا بد من دراسات اعمق.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى