صفحات العالم

المراقبون أكبر تهديد للأسد


 عبد الرحمن الراشد

قلة تراهن على نجاح مهمة ذوي القبعات الزرقاء، مراقبي الأمم المتحدة، الذين وصل أول ستة منهم للعاصمة دمشق. إنما قد يكون فشل مهمة المراقبين المتوقع هو كعب أخيل الأسد، حيث تنقلب عليه ألعابه المألوفة، الوقت والمماطلة والخداع، التي جربها لأكثر من عام.

عدد المراقبين صغير، حتى بعد أن يكتمل بمائتين وخمسين عسكريا وفنيا معتمدين من قبل الأمم المتحدة. جميعهم يعرف تاريخ النظام السوري في التعامل مع المراقبين، سواء في لبنان أو سوريا، أو في قضايا سابقة، مثل اغتيال الحريري وتحقيقات الأمم المتحدة.

المراقبون بحوزتهم كمّ كافٍ من الصور والخرائط والمعلومات عما يحدث على الأرض، وما يحتاجون إليه هو التأكد منها وليس اكتشافها. أيضا الفارق بين مراقبي الجامعة العربية الذين أرسلهم نبيل العربي ومراقبي الأمم المتحدة، أن العربي سمح بإعطاء قيادة الفريق للجنرال الدابي الذي يمثل نظام البشير الموالي لنظام الأسد والذي وجهت له اتهامات بأنه أحد مجرمي مجازر دارفور في السودان، أما الفريق الأممي فإنه خليط، وبرئاسة عقيد مغربي من داخل بعثات المراقبين المحترفين.

النظام السوري، الذي صار أكثر ثقة ولا يبالي بردود الفعل الدولية على جرائمه، قد يتجرأ على تهديد، وربما إيذاء، المراقبين، كما فعل مع بعض المراقبين العرب الذين اعتبرهم ليسوا في صفه، وهذا سيقوده إلى فخ دولي كبير. وقد حاول لثماني سنوات، وفشل في إيقاف تحقيقات اغتيال الحريري، ونعرف منذ ساعة الجريمة الأولى أنه وراء قتل رئيس وزراء لبنان الأسبق، وهو خلف عمليات القتل الكثيرة للشخصيات اللبنانية المختلفة، ولاحقا، قتل عددا من رجاله في داخل النظام السوري نفسه كانوا على خلاف معه.

كل الذين عملوا في التحقيق في اغتيال الحريري اشتكوا من عمليات التهديد والإيذاء من قبل المخابرات السورية. بداية من المحقق الدولي الشجاع، ديتليف ميليس، الذي تحدى السوريين على الرغم من حملة الأكاذيب ضده، ثم لاحقت مخابرات الأسد القاضي دانيال بيلمار، وكذلك القاضي البلجيكي سيرج براميرتس. لكن ذلك لم يوقف التحقيقات وتأسيس المحكمة. ومارس النظام ملاحقة المحققين والقضاة اللبنانيين الذين تجرأوا على التعاون مع المحققين الدوليين، واضطر أحدهم أخيرا إلى الاستقالة حيث أصيب بانتكاسة وأدخل بسببها إلى المستشفى، وتجرأ على قتل محققين لبنانيين قادوا إلى اكتشاف أصابع الجناة.

إن التعرض للمراقبين الدوليين سيكون خطأ فادحا، لأنهم جاءوا تحت قرار مجلس الأمن رقم 2042، ونص على إرسال بعثة مراقبة دولية مكلفة بتقييم الوضع على الأرض. والقرار أيضا صريح، حيث يشدد على وجوب حصولهم على حرية الحركة. والأخطر أنه يهدد النظام بإمكانية النظر في «خطوات أخرى»، في حال عدم تنفيذ دمشق القرار.

نحن نعرف أن الأسد سيخترع مسرحيات لنقل التهم على الثوار، وقد يعرض حياة المراقبين للخطر باسم المعارضة الإرهابية المسلحة، لكن المجتمع الدولي يعرف كل الحيل التي باتت مكشوفة، وروسيا مهما مانعت لن تستطيع حماية الأسد من التطورات الأخيرة، التي قد تؤذن بمرحلة دولية تتبعها قرارات حماية اللاجئين وممرات إنسانية، وستتجرأ الدول المعنية على الذهاب إلى آخر الطريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى