سلام الكواكبيصفحات سورية

المسيحيون السوريون


سلام الكواكبي

من الملفات التى تتلقفها وكالات الأنباء وخارجيات الدول “المعنية” عندما يتم التطرق إلى الشأن السوري، يبرز ملف الأقليات الدينية إلى الواجهة كقميص عثمان يؤخّر من ضرورة وضوح الموقف وتحديد السياسات.

من تصريحات كلينتون حول ضرورة تطمين الأقليات فى أية عملية تحوّل سياسي نحو الديمقراطية إلى تهديدات لافروف المتعلقة بحماية المسيحيين إلى التصريحات المتناقضة من جانب الفاتيكان التى تشير حيناً الى القلق حيال مصير المسيحيين بعد تغيير النظام وفى أحيان أُخرى، تنفي تعرضهم إلى أية إساءة من قبل دعاة الحرية. ونجد أن تصريحات بعض ممثلي الكنيسة الرسميين المعينين بموافقات أمنية تغذي هذه المخاوف بل وتؤجج الشعور بأن الخطر آتٍ لا محالة ويجب نصرة الظلم والاستبداد لأنه يحمي الأقليات.

ربما تأخرت المعارضة السياسية بإنتاج نصوص واضحة عن مستقبل مشترك لجميع السوريين وتخصيص الأقليات بعبارات مطمئنة. ويبدو أن الخيار كان بالتوجه إلى المواطن السوري وليس إلى المسيحي السوري أو العلوي السوري إلخ. وقد توضّح هذا الخطاب الآن فى الأدبيات السياسية لقوى المعارضة حتى الديني منها. وتجدر الإشارة إلى بعض ممارسات جزء من الحَراك العسكري المساعدة على تغذية آلة التخويف من مستقبل غير مستقر سيتعرض له من هو ليس على دين “الغالبية”.

ولم يعد من المفيد استعادة الماضي المجيد والذي يُشير إلى بروز أسماء مسيحية فى الحقل العام دون تمييز للدلالة على إدارة المجتمع السوري الفطرية للتنوع. لقد أصبحت هذه الاستعادة مستهلكة فى زمن معقد يحمل الكثير من المعطيات الجديدة المتعلقة بإدارة هذا التنوع من قبل أنظمة استبدادية استقطبت ممثلي جميع الأديان واستغلت الانقسامات وعززتها وطورت التطرف وأصّلته. في المقابل، يجب على من يراقب المشهد السوري أن يتعرف عن قرب على تاريخه السياسي الحديث ومشاركة جميع مواطنيه فى بناء الدولة/الأمة على قصر عمرها المجهض من قبل المستبد، وبالتالي بإمكانه أن يستعرض مساهمات المنتمين إلى مختلف الأديان والطوائف فى تحقيق الاستقلاليْن عن الامبراطورية العثمانية أو عن الانتداب الفرنسي وفي تأسيس الأحزاب السياسية والصحافة والعمل المدنى.

إن تصريحات بعض رموز الكنيسة الرسميين تضع مسيحيي سوريا فى خانة الأجانب وتدعوهم إما للحياد أو إلى دعم سلطة تمارس العسف تجاه مختلف أفراد الشعب، وبمرور الأيام، تتبدى الفجوة العميقة بينهم وبين رعيتهم المعنية كما السوريين الآخرين بمستقبل هذا الوطن، كما بينهم وبين كهنتهم الذين يقومون بأعمال إنسانية جبارة تدعم بالمحصلة الحَراك الشعبى السلمي. إن السوريين المسيحيين ليسوا بحاجة إلى شهادة وطنية من أحد، بل هم مؤهلون ليكونوا من مانحيها فى الإطار المطلق، وليسوا بحاجة إلى ممثلين عنهم يسيئون إلى فرادة تجربتهم وإلى عمق اندماجهم متناسين رسالة عبدالرحمن الكواكبي لهم فى طبائع الاستبداد “دعونا نجتمع على كلمات سواء، ألا وهي: فلتحيا الأمة، فليحيا الوطن، فلنحيا طلقاء أعزاء”.

أستاذ جامعي – باريس

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى