صفحات سورية

المسيحيون والخوف


بهنان يامين

    منذ الفي عام واكثر من عقد، ولد للبشرية مخلص، في مذود للحيوانات، في مدينة بيت لحم، محاطا بأمه والقديس يوسف، وشاهدا على هذا الميلاد لم يكن الا الرعاة الفقراء الذين اعطوا مريم مغارتهم لتلد فيها من ستكرمه كل الكتب السماوية، انه المسيح بن مريم.

   ولد المسيح وسورية ترزح تحت الاحتلال الروماني، والاضطهاد، والذي يرافق أي سلطة غاشمة، والخوف من السلطات المحتلة يسود الربوع السورية، مما اضطر العائلة المقدسة الى الهجرة الى مصر، حيث اقاموا لسنوات هربا من العسف الروماني.

   تجاوز المسيح الخوف، وهو حسب ما تنقل الاناجيل، كان يجادل العلماء ورجال الدين في مصر، حيث باشر رسالته وهو طفل لم يتجاوز الاعوام العشرة. عاد والعائلة المقدسة الى الربع الجنوبي من سورية، فلسطين التي ترزح اليوم تحت الاحتلال، حيث عاش في مدينة السلام الناصرة، ليكنى بها ويدعى بيسوع الناصري، ومنها سينطلق الى كل البشرية بمحاربة الخوف الكامن عند الناس، ويجمع حوله الانصار، الذين لم يكونوا الا فقراء ومظلومين ومضطهدين.

   عاش السيد المسيح حياته كلها متجاوزا الخوف، الذي لم يعرفه الا لحظة ما قبل اعتقاله، لا خوفا من الاعتقال بل لحظة ضعف امام الموت، حاول المسيح ان ينقل الى اتباعه تجاوز الخوف هذا، ولكنهم لم يستطيعوا ذلك، فسلمه يهوذا المعروف بالاسخريوطي الى كلا السلطتين، سلطة الاحتلال والسلطات الدينية، ونكره خليفته مار بطرس ثلاث مرات، ليحمل صليبه متجاوزا الخوف من الموت، وينطلق في جلجلته، التي ستصبح رمزا لتجاوز الخوف ومحاربىة الاضطهاد.

   بعد قيامة السيد المسيح، وظهوره لتلاميذه تجاوز هؤلاء الخوف، وأخذوا يبشرون بتعاليمه، ليكسبوا الاتباع الذين كانوا يزدادون، وكانوا من جميع الامم، لم يعرف المسيحيون الاوائل الخوف، حيث كانوا يتجمعون في المقابر والدياميس وينطلقوا منها لمحاربة سلطات الظلم والقهر والاضطهاد. كانوا كلما يقدمون الشهداء، كلما كانوا يزدادون صلابة وقوة وعزيمة لمحاربة الأضطهاد والظلم والفساد، المتمثل انذاك بكلا السلطتين السياسية والدينية.

   لو عرف المسيحيون الخوف انذاك، لاندثرت المسيحية ولم تنتشر في كل بقع العالم، لتشكل اليوم الجزء الاعظم من سكان الكرة الارضية. عدم الخوف هذا ادى في النهاية الى اعتراف السطات السياسية متمثلة بالامبرطور الروماني قسطنطين، بالمسيحية كديانة للدولة الرومانية، سامحا لهم اقامت شعائرهم الدينية بحرية كاملة.

   هذا الاعتراف كان بداية قوننة المسيحية وتحويلها الى مؤسسات والى سطلة دينية بديلة للسطات التي زالت بفضل نضال المسيحيين الاوائل. هنا كانت بداية  الخوف عند المسيحيين، حيث تحولت قياداتهم، التي قادتهم في نضالهم والذين سيتحولون الى سلطات، ويطلبون من اتباع السيد المسيح الخضوع للسلطة السياسية، ويحولونهم الى رعايا نازعين عنهم الميزة  الاساسية التي ثبتت المسيحية الا وهي محاربة الاضطهاد والخوف.

   اليوم، وسورية السيد المسيح، تشهد ثورة عارمة ضد الظلم والاضطهاد والفساد، المتمثل بالسلطة السياسية التي تضرب بقسوة هذا التحرك، ليسقط المناضلون الواحد تلو الآخر، وصولا الى اليوم الذي تنتهي فيه هذه السلطة التي حكمت سورية لنصف قرن من الزمن. بالطبع يشارك قسم لا يستهان به من المسيحيين في هذا الحراك الثوري، ولكن القسم الاعظم منهم لا زالوا مأسورين بالخوف، الذي مع الاسف الشديد، تغذيه عندهم السلطات الدينية، التي ارتاحت في ظل أمان كاذب، بأن الانظمة هي التي تحمي الرعايا. تنطبق هذه الحماية عندما تكون السلطة السياسية سلطة ديموقراطية وعادلة ووطنية، اما عندما تكون السلطة غاشمة وقمعية، فهذه الحماية مرفوضة وغير مقبولة.

   نحن لن نغوص كثيرا في التاريخ، وسنأخذ مثالا من تاريخنا الحديث. عندما قامت الدولة العثمانية بمجزرتها ضد المسيحين، ارمن وسريان، قتل فقط اولئك الذين استكانوا الى السلطات ولم يحاربوها طيلة مئات السنوات من الاحتلال والظلم والقهر. وحدهم الذين تجاوزوا الخوف من قرى جبل اطور عابدين وماردين، وتسلحوا وحاربوا جنبا الى جنب، وانتصروا لينقذوا الناس من المذبحة.

  المسيحية قامت لمحاربة الاضطهاد والفساد، اينما وجدا وتحت اي مسمى كانتا، وذلك للنضال من أجل المضطهدين والمظلومين على الارض. المسيحية في فترتها النضالية الاولى لم تعرف الخوف ومن هنا انتصرت. اليوم على المسيحيين تجاوز الخوف هذا ويخرجوا من عباءة الانظمة والسلطات الدينية، لينطلقوا لواجبهم المسيحي الاول الا وهو محاربة الظلم، ليلتحقوا بالمسيحيين الذين يشاركون في الحراك منذ بدايته. عليهم ان يسمعوا صوت السيد المسيح والشهداء الاوائل في المسيحية الذين لم يعرفوا الخوف، وانتصروا وثبتوا المسيحية.

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى