صفحات العالم

المصيدة: أميركا تتوارى وطالبان تتقدم؟!

راجح الخوري

سوريا دولة مفصلية في منطقة طالما اعتبرتها واشنطن حيوية لأمنها القومي، لكن هذا يبدو الآن بلا معنى، قياساً بالموقف الاميركي والغربي الذي يكتفي بالتفرج على الازمة الدامية التي تدمر هذا البلد منذ ثلاثة اعوام تقريباً، وهو ما دفع الامم المتحدة الى القول ان ما يجري في سوريا يشبه الى حد ما حرب الابادة التي شهدتها رواندا بداية التسعينيات.

لكنها المصيدة التي يتفق الاميركيون والروس ضمناً، على انها تقوم بالمهمات القذرة نيابة عنهم، عندما تصبح الجغرافيا السورية اشبه بمسلخ مجنون يمكن من خلاله تطبيق شعار “دعوهم يتذابحون” الذي طالما حلمت به وعملت له الاوساط الصهيونية وقد ساهمت بدورها في تعطيل الموقف الغربي وإفشال الحل السياسي الذي اقترحته الجامعة العربية عام 2011.

عندما تقول اوساط الحكومة البريطانية لوكالة “رويترز” ان الغرب يعتقد انه كلما طال امد الصراع زاد نفوذ الاسلاميين، فانها لا تكتشف شيئاً. فقد كان الامر واضحاً في الغرب منذ بداية هذا الصراع، الذي تمت ادارته بعناية ليصل الى ما هو عليه، فالمطلوب ان تتحول سوريا مصيدة تدمر النظام الاستبدادي وتستجلب الى رمالها الدموية المتحركة ايران الشيعية وأذرعها العسكرية اللبنانية والعراقية والجهاديين السنّة من كل الاصقاع، بما يؤجج الصراع المذهبي الذي اشعلت اميركا شرارته في العراق، عندما تعمّد بول بريمر حل الجيش العراقي لتغرق البلاد في الفوضى!

لا اصدق ان اميركا والغرب منزعجون من ازدياد نفوذ الاسلاميين فلقد كان المطلوب دائماً ايقاعهم في المصيدة، ومن لم تقتله طائرات “الترون” في افغانستان ودبابات الروس في الشيشان يمكن ان يقتل في سوريا. وعندما تقول المصادر البريطانية ان الاسد يمكن ان يبقى سنوات، فلأن طاحونة القتل يجب ان تستمر لسنوات، وخصوصاً بعدما نجحت سياسة حفظ التوازن بين نظام ممنوع عليه الانتصار ومعارضة ممنوع عليها الهزيمة، ومن لا يصدق ليتأمل في مسألة تسليح الغرب للمعارضة بالقطّارة ووفق تطورات الميدان. قبل 13 عاماً نزل الاميركيون في افغانستان ، وفي الوقت عينه تقريباً، سحق الروس الشيشان. لكن تعالوا معي الآن لمعاينة مسخرة المساخر، وخصوصاً بعدما نقرأ التصريحات الاميركية والغربية المتكررة عن عدم التدخل والامتناع عن دعم المعارضة متزامنة مع اعلان محمد امين مسؤول حركة طالبان عن الاشتراك في القتال المستعر في سوريا، التي يقاتل فيها ايضاً ومنذ زمن مجاهدون من الشيشان.

الروس يعطلون الحل السياسي ومؤتمر جنيف بات كذبة سمجة، والاميركيون يسهرون على اطالة امد الصراع وكلاهما صنع “جبهة النصرة”، وآخر الابداعات الايرانية هي استجلاب مجاهدين شيعة باكستانيين لدعم النظام في مقابل مجاهدين سنّة باكستانيين يصلون للقتال ضده، والكبار يقولون في سرّهم “دعوهم يتذابحون”!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى