المعادلة التي يصعب على واشنطن تحقيقها في سورية!
الطاهر إبراهيم
يعتقد الكثير من الإستراتيجيين أن إدارة الرئيس ‘باراك أوباما’ أصبحت محشورة في الزاوية السورية بعد أن رفض الرئيس ‘أوباما’ الصيف الماضي، اقتراحا من ‘هيلاري كلينتون’ و’ديفيد بيترايوس’ مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية آنذاك، بدعم من وزير الدفاع الأمريكي ‘ليون بانيتا’ أن تقوم واشنطن بتعديل سياستها وترسل أسلحة يحتاجها مقاتلو المعارضة السورية الذين يقاتلون جيش بشار أسد. ترافق ذلك مع فشل ‘سيرغي لافروف’ وزير الخارجية الروسي – أو هو لا يريد ذلك – بدفع ‘بشار أسد’ للعدول عن سياسته التدميرية والجلوس مع المعارضة للوصول إلى قواسم مشتركة. كان متوقعا من موسكو وقد أفسحت لها واشنطن في المجال، حين تخلت عن تسليح المعارضة السورية، أن تنجح في إنهاء الاقتتال بما تتمتع من نفوذ على ‘بشار أسد’ الذي تدعمه دعما كاملا في مجلس الأمن، وبتقديم السلاح الذي يقتل به السوريين. بل إن ‘لافروف’ ما يزال يتمسك بأسطوانته القديمة التي يتهم فيها المتشددين في سورية بأنهم سيطروا على الفصائل المقاتلة في الجيش الحر، ويرفضون الحوار.
أما وقد فشلت موسكو بما كانت تأمله منها واشنطن، فقد ارتفعت أصوات في أمريكا، وخارجيا من حلفائها في أوروبا، منادية بتسليح المعارضة السورية. ‘ويليام هيغ’ وزير خارجية بريطانيا الحليف الأوثق لواشنطن، قرع ناقوس الخطر، ودعا صراحة إلى رفع حظر توريد السلاح إلى السوريين، ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم في وجه آلة بشار أسد المدمرة.
‘فريدريك هوف’ مسؤول الملف السوري في إدارة ‘بل كلينتون’ (بقي يعمل في وزارة الخارجية الأمريكية حتى عام 2012) دعا إدارة ‘أوباما’: إلى (البحث عن فصيل في المعارضة السورية يكون الأكثر اعتدالا، والأكثر احتياجا للسلاح، والعمل على توصيله له بسرعة).
ولكن هل هناك حقا في الجيش الحر فصائل متطرفة وأخرى معتدلة؟ هنا علينا أن نفرق بين ما تطلبه إسرائيل من ‘أوباما’ في مقاربته للتعامل مع المقاتلين السوريين في صراعهم مع بشار أسد وبين واقع مكونات هذه الفصائل.
نستعجل هنا لنقول: إن المقاتلين السوريين قبل أن ينخرطوا في الجيش الحر، سوا أكانوا جنودا منشقين، أو شبابا التحقوا مع قيادات مدنية، لم ينتموا إلى أي جماعة إسلامية. فقد جفف القانون 49 (أصدره حافظ أسد عا م1980 ويحكم بإعدام كل منتمٍ للإخوان المسلمين) أيَ إمكانية لنشوء تنظيمات إسلامية. هؤلاء المقاتلين كان همهم تخليص سورية من الحكم الأسدي العائلي، وبناء دولة سورية حرة تكون لكل مواطنيها، بعد أن كان الجميع مهمشين. نؤكد أن كثيرا من هؤلاء، خاصة المنشقين عن الجيش، كانوا لا يؤدون الصلوات الخمس، وإن كانوا يصومون رمضان.
لكن ممارسات الجيش الأسدي أثناء حربه لهم، أقنعت المقاتلين أن الاستهداف الإجرامي موجه للمواطنين السوريين من السنة حصرا، وأن القتل كان ‘على الهوية’، لا فرق بين طفل أوامرأة أورجل. على أن مواجهة هؤلاء للجيش الأسدي لم تكن نزهة. كانت آلة القمع الأسدية تستخدم الدبابات والطائرات التي تلقي القنابل البرميلية على المخابز والتجمعات المدنية. هنا تحرك في نفوس المقاتلين الوازع الإيماني، وهم يرون إخوانهم يقتلون رافعين أصابعهم بالشهادتين. فكنت ترى المقاتل يتوضأ ويصلي ركعتين قبل ذهابه للقتال وكأنه يتهيأ للشهادة. بل كثيرا ما كنا نرى في مقاطع ‘اليوتيوب’ كيف يلقن المقاتلون زميلهم الشهيد ‘الشهادتين’ وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. هذه هي السلوكيات التي تريد واشنطن أن تمسحها من ذهنية المقاتلين السوريين، فأنى لها ذلك؟
في المقلب الآخر، نؤكد أنه مضت سنتان على بدء ثورة الحرية والكرامة، وأكثر من 18 شهرا على بدء القتال بين الجيش الحر والجيش الأسدي، لم يصل من واشنطن للجيش الحر إلا أقوال ونصائح لم تكن في واقع الأمر إلا لاستبعاد من تعتبره واشنطن متطرفا إسلاميا.
حدثني أحد القادة الميدانيين في جبل الزاوية، أنهم في بدء معاركهم استعملوا بنادق الصيد مثل ‘جفت الكسر’، ثم بدأوا يكبرون شيئا فشيئا، حتى أصبحوا يملكون راجمات صواريخ ودبابات ومدفعية ميدان، مما كانوا قد كسبوه من الجيش الأسدي، الذي كان أفراده يقاتلون وعيونهم إلى الخلف، يتحينون الفرصة للهرب من معركة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
جبهة النصرة التي أعلنت واشنطن الحرب عليها، لا يختلف أفرادها في قليل أو كثير عن أفراد باقي الفصائل ومعظمهم سوريون، بخلاف ما يشيعه إعلام النظام من أن فيهم من السعودية ومن باكستان ومن لبنان. صحيح أن التمويل في جبهة النصرة، على ضآلته، كان مستمرا ما مكنها من شراء الأسلحة، وهو تمويل من متطوعين أغنياء من داخل سورية ومن خارجها، ويصل الدعم منهم بدون انقطاع، لكن الصحيح أيضا أن أداء جبهة النصرة كان أكثر فعالية بسبب ما يملكون من أسلحة ليست متوفرة لباقي الفصائل. باقي فصائل الجيش الحر كان أداؤها يتعثر. وكثيرا ما استعصت عليهم مواقع بسبب نقص الذخيرة كما هو حاصل في ‘وادي الضيف’.
في المختصر المفيد، فما تسعى إليه واشنطن لن يجد آذانا صاغية من فصائل الجيش الحر، بعد أن حرمت واشنطن هذه الفصائل من السلاح النوعي الذي يتصدى لآلة القتل الأسدية الجهنمية، التي أهلكت البشر ودمرت كل ما هو حضاري في سورية. ما نشرته ‘واشنطن بوست’ مؤخرا من أن إدارة ‘أوباما’ أعادت النظر في موقفها وستوفر للجيش الحر واقيات للصدور ومناظير. حتى لو كان هذا صحيحا، فلن يستفيد منه أفراد الجيش الحر، لأنه لا يؤمن الحماية من قذائف القصف الجوي، وقد حرمتهم واشنطن من مضادات الطائرات. كما أن ال ‘باتريوت’ الذي سلح به ‘الناتو’ حدود تركيا مع سورية ليس من مهامه إسقاط صواريخ ‘سكود’ التي يقصف بها حلب ودير الزور، مع أن المدى للباتريوت يطال صواريخ سكود هذه.
أحد النتائج الجيدة على المقاتلين السوريين أنهم رجعوا إلى إسلامهم بعد أن كان قسم كبير منهم شاردا. وكما كان المتظاهرون يهتفون في تظاهراتهم ‘ما لنا غيرك يا ألله’ بعد أن كانوا من رواد المقاهي، فإن المقاتلين كانوا كلما قصفوا دبابة أو أسقطوا طائرة كانوا يقولون: ‘الله أكبر’. فات الوقت لكي تستدرك واشنطن أمرها، وتقنع السوريين بأن يحاربوا جبهة النصرة، أو حتى يتخلون عنها. هذه المعادلة يصعب على واشنطن تحقيقها.
‘ كاتب سوري
القدس العربي