المعارضات السورية
الياس حرفوش
على طريقة بيع جلد الدب قبل ذبحه، تتناتش المعارضة السورية الحصص، فيما النظام يسير في الطريق الذي لا يعرف سواه كما يبدو، وهو طريق «مواصلة القتل»، كما وصفه الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في تعليقه على مهمة المراقبين العرب.
وعلى ماذا يختلف المعارضون السوريون؟ نفهم من التقارير المنقولة عن مواقف كل من «المجلس الوطني» و «هيئة التنسيق» أن بين أهم الخلافات ما يدور حول مسألة التدخل الأجنبي والحدود المقبولة لهذا التدخل بهدف قلب النظام. ويختلف المعارضون في هذا الشأن، وكأن التدخل الأجنبي بات على أبواب دمشق ولا ينتظر سوى إذن منهم للدخول، أو كأن النظام السوري في صدد تسليم آخر مفاتيح الحكم ولا ينتظر سوى من يتسلمها منه.
وكلنا يعرف، كما يعرف المعارضون السوريون، أن هذا التدخل غير وارد، على الأقل بالطريقة التي يتخوف منها هيثم مناع وصحبه في «هيئة التنسيق» ومن يرى رأيهم حتى من أعضاء «المجلس الوطني». لقد أعلنت الدول التي يتخوفون من تدخلها أنها ليست في وارد ذلك. وأن كل همها في هذه المرحلة هو وقف قتل السوريين، والتحضير لمرحلة انتقالية تلي سقوط النظام الذي طالبت حكومات الدول الغربية الكبرى، مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، بضرورة رحيله.
معنى هذا أن التدخل على طريقة الغزو، كما حصل في العراق، وعلى طريقة الغارات الجوية وحماية الثوار الليبيين من حرب نظام القذافي عليهم، كما حصل في ليبيا، مثل هذا غير وارد تكراره في سورية، على الأقل كما تبدو الأمور الآن. الأمر الوحيد المتاح والذي يجري الحديث عنه في بعض الدوائر الغربية وداخل الحكومة التركية، هو إقامة منطقة أو مناطق عازلة، يكون الهدف منها حماية المدنيين الذين يلجأون إليها فلا تستطيع قوات النظام ملاحقتهم. إذا تطورت الأمور إلى هذا الحد، هل يستطيع أي فصيل معارض أن يقف في وجه مهمة كهذه يكون الغرض منها حماية المدنيين السوريين؟ ألا يصح القول إن أي موقف يرفض المناطق العازلة، من أية جهة أتى هذا الموقف، سوف يكون في خدمة النظام السوري قبل أي جهة أخرى؟
تدور خلافات المعارضين كذلك حول حدود دعم «الجيش السوري الحر» وحول مدى تأييد العمليات التي يقوم بها أفراده المنشقون عن الجيش النظامي ضد وحدات هذا الجيش. والجدل هنا هو حول أهمية المحافظة على تماسك المؤسسة العسكرية بعد سقوط النظام. ذلك أن التهديد الأكبر الذي تواجهه هذه المؤسسة هو انقسامها بين خطوط مذهبية، بحيث تبقى الفرق الموالية للنظام من اللون المذهبي نفسه الذي اختار النظام أن يتلوّن به. ولكن… هل يبرر هذا الحرص عدم دعم مجموعات عسكرية انشقت عن الجيش، وتعلن أن هدف عملياتها هو حماية المتظاهرين من بطش الآلة الأمنية وحماية القرى والبلدات والمدن من الاقتحامات التي تتعرض لها؟
ليس هذا وقت هذه الاختلافات بين أطراف المعارضة السورية التي يكفي التقاؤها في هذه المرحلة على عدم صلاحية نظام دمشق وعدم أهليته لإدارة أمور مواطنيه. ذلك أن اختلافات المعارضين هي جدل نظري لا قيمة له أمام الموت اليومي الجاري في سورية، سواء تعلقت الاختلافات بالتدخل الأجنبي أو بـ «الجيش الحر» أو حتى بالصورة التي ستكون عليها «معالم سورية الغد». سورية المؤمل قيامها غداً هي سورية الحاضنة لكل أهلها، يلتقون ضمن عملية ديموقراطية يختارون فيها حكامهم ونظامهم وطريقة عيشهم وعلاقاتهم مع جيرانهم ومع العالم، بعيداً عن أي وصاية. وكل ما يمكن طلبه من المعارضة، في الداخل والخارج، هو أن توفر الأرضية الصالحة لهذا الانتقال، وأن تقدم للشعب السوري نموذجاً أقل أنانية وأكثر احتراماً للخيارات الحرة للناس، من النموذج الذي يقدمه الحكم الحالي.
الحياة