صفحات سوريةعلي العبدالله

المعارضات وتحدي جنيف 3/ علي العبدالله

 

 

 

تشهد الساحة السياسية السورية المعارضة تحركا كبيرا على خلفية السعي الى توحيد مواقف المعارضات. فقد تم عقد لقاءات حوارية بين اطراف فيها في استوكهولم وباريس ودبي، واجتماعات برعاية خارجية( مصر، روسيا) ويجري الاعداد للقاءات اخرى من أجل تحقيق توافق على موقف من الحل السياسي وتمثيل المعارضة في المفاوضات.

غير ان المناخات السائدة في اوساط تشكيلات المعارضة المتعددة والمتنافسة لا تشي بامكانية التوصل الى توافق او اتفاق على رؤية واحدة ووفد موحد حيث ماتزال قصة أبريق الزيت: حصة وموقع كل طرف في هذه اللقاءات، بذريعة الاكبر والاكثر تمثيلا، دون اعتبار لجوهر المشكلة: المطالب السياسية والتحرك المناسب لتحقيقها. في الحوار الذي دار بين “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” و “هيئة التنسيق الوطنية لقوى المعارضة” جرى تبادل اوراق وتصورات لخارطة طريق دون ان يتم العمل على التقريب بينها والخروج بورقة موحدة من جهة، ومن جهة ثانية قبلت قوى سياسية معارضة المشاركة في اجتماع القاهرة الاول رغم الموقف الرسمي المصري الرافض لمشاركة شخصيات من الاخوان المسلمين ومن اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي واعادة نائب رئيس الائتلاف من مطار القاهرة ومنعه من دخول مصر لحضور الاجتماع. وفي لقاء موسكو التشاوري الثاني قبلت الكيانات السياسية المعارضة في وفدها احزابا شكّلها النظام كي تلعب دور حصان طروادة داخل اللقاء بالعمل على خفض سقف المطالب والمواقف او دفع اللقاء الى الفشل وتحميل الاطراف المعارضة المسؤولية. وقد حصل ذلك بتمرير ماسمي “منصة موسكو”، ورقة معظم بنودها وضعها وفد النظام، أخذت بمطالبه دون مطالب الثورة.

وقد أطلقت عملية الاعداد للقاء القاهرة الثاني اشارات جد سلبية حيث وزعت لجنة المتابعة المقاعد على اساس المحاصصة بين الكتل والكيانات السياسية(35 مقعدا لهيئة التنسيق، 27 مقعدا لكتلة الجربا، 30 مقعدا لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ….الخ)، ولارضاء كل منها بحصته ارتفع عدد المدعوين الى قرابة المئتين، وتضمنت ترشيحات الكتل والكيانات اسماء شخصيات غير مناسبة لمهمة من هذا الطراز والوزن تم ترشيحها لاعتبارات ذاتية تخص قيادة هذه الكتل والكيانات. وهذا يتناقض مع روحية العمل من اجل توحيد موقف المعارضات خاصة وان قاعدة العمل الرئيسة هي التوافق ما يجعل مسألة الحصص نافلة لا طائل من ورائها، هذا بالاضافة الى خلافات على اهداف اللقاء ومخرجاته بين كتل وكيانات مشاركة.

اثار تحرك لجنة متابعة اجتماع القاهرة وتوجهاتها قلق “الائتلاف” وهواجسه من وجود نية لتشكيل بديل له في ضوء صمت المشاركين على استبعاد شخصيات منه في اللقاء السابق ومشاركة شخصيات منه منخرطة في صراع داخله مع كتل واجنحة فيه واحتمال اتباعها سلوكا انتقاميا من خصومها بالدخول في لعبة تشكيل بديل تحتل فيه موقعا رئيسا. وهذا دفع قيادة الائتلاف الى التحرك على الساحتين السورية والعربية عبر عقد لقاءات مع قاد عسكريين وميدانيين للاتفاق معهم على التعاون والتنسيق، وزيارة وفدين منه الى السعودية، بداية الشهر الحالي، وقطر، في النصف الثاني منه، من اجل تعزيز موقفه وحضوره السياسي واحتواء محاولات القفز على موقعه ودوره.

كل هذا قبل ان ندقق في مواقف الاطراف الاقليمية والدولية الراعية لهذه اللقاءات التي تتعارض في المواقف والمصالح في الملف السوري. فروسيا التي استضافت لقاءين تشاوريين كشفت عن هدفها النهائي في اللقاء الثاني ألا وهو خلق تفاهمات بين اطراف المعارضة المشاركة وبينها وبين النظام خارج بيان جنيف وضمان ميل الاتفاق لصالح النظام وتوجهاته في انهاء الصراع على قاعدة بقائه في السلطة مع تحسينات شكلية مثل اشراك بعض شخصيات المعارضة المرضي عنها، والتي يمنحها شهادة الوطنية، في الحكومة وطرح الاتفاق على مؤتمر جنيف3 ، كما اعلن عن ذلك منسق اللقاء الروسي فيتالي نعومكين في المؤتمر الصحافي بعد انتهاء اعمال اللقاء الثاني بقوله:” إن مهمة المشاركين في منتدى “موسكو 2” تتمثل في محاولة التوصل إلى رأي مشترك وتشكيل منظومة موحدة لطلبات ومقترحات يتوجه بها السوريون إلى مؤتمر “جنيف 3″، واعتباره ماتم الاتفاق عليه “ارضية لعقد جنيف3”. اما النظام المصري فينطلق في تحركه من نقطة مركزية: التصدي للدور التركي في الاقليم انطلاقا من الملف السوري والسعي لجمع اطراف من المعارضة قابلة للعب هذا الدور، وهذا ما اكده برفضه حضور شخصيات من الاخوان المسلمين ونائب رئيس الائتلاف اللقاء الاول باعتبارهم اقرب الى تركيا ولا يخدمون هدفه في اخراج تركيا من الاقليم.

لكن من سوء طالع الدول الراعية لهذه اللقاءات ان ثمة عوامل اقليمية ودولية افرزت سياسات ومواقف لا تتقبل توجهاتها وتعمل على الضد منها، فالتحرك الايراني المحموم للامساك بملفات اقليمية وتعزيز اوراق ايران السياسية قبيل التوقيع على الاتفاق النهائي حول الملف النووي في شهر حزيران القادم استدرج ردا قويا باطلاق فعالية سياسية للتقارب بين عدد من الدول العربية والاقليمية وجسر الهوة بينها للتصدي للاندفاعة الايرانية ما رتب اعلان تفاهمات ومواقف متقاربة بين السعودية وتركيا وقطر وبدء عاصفة الحزم وامتداد التفاهم الى الساحة السورية عبر رفع سوية الدعم العسكري لقوى المعارضة لمحاصرة التحرك الايراني وكبح جماحه، وهذا حد من فرص الدول الراعية للقاءات بفرض تصورها على حل الملف، خاصة في مواجهة سعي النظام المصري لسحب المعارضة الى القاهرة ووضعها تحت جناحه واستبعاد اطراف فيها ضدا بالموقف التركي، فقد عبرت تسريبة سعودية عن عزمها عقد مؤتمر للمعارضة فيها لافهامه رفضها استبعاد “الائتلاف” ومحاولته اقامة بديل من اطراف خارجه.

ليس امام المعارضات السورية وقت مفتوح تضيعه في المماحكات والسجالات السياسية لان معاناة المواطنين بلغت حدودا لا تطاق، وصبرهم على تصرفاتها غير المسؤولة قد نفذ، هذا بالاضافة الى تنامي حضور الحركات “الجهادية” ولعبها على وتر معاناة المواطنين ومظلومياتهم لاستقطاب متطوعين وحواضن اجتماعية ما سيرتب شل قدرة المعارضات على التأثير على التطورات بصورة متزايدة، ولذا ليس امامها غير الاتفاق والتوافق والذهاب الى المشاورات التي سيجريها السيد دي ميستورا في مكتب الامم المتحدة في جنيف بداية الشهر القادم وهي متفقة على سقف لمطالبها يستند الى بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى