المعارضة السورية تفتقر إلى الإمكانيات بدون مساعدة دولية
ايغناثيو روبيريث
ترجمة: الحدرامي الأميني
منذ آذار| مارس عام 2011 صارت سوريا مسرحاً لقمع مصمِّم، بدون عَجَلَة لكن من غير توقف، يُمَارَس بطريقة تدريجية على البلد بأكمله، ممتداً إلى المدن والأقاليم والقطاعات الاجتماعية التي كان يُعتَقَدُ في البداية أنها غائبة عما اعتبره نظام بشار الأسـد، في الأيام الأولى من الأحداث، أمراً يتعلق ببساطة بانتفاضة محلية يسهل إخمادها. وهي ليست كذلك بأي شكل من الأشكال.
بعد عام ونصف على بداية انتفاضةٍ، لا مفر منها في سياق موجة التغيير والاحتجاج التي تسري، منذ أواخر العام 2010، في كل البلدان العربية بطريقة أو بأخرى، اكتسبت الأزمة السورية سماتٍ قريبة لتلك التي تشكل ثورة، بل حتى حرباً أهلية، مصحوبة بتداعيات دولية وإقليمية، متبوعة بقلق وإحباط وسلبية، وجهل بما يتوجب القيام به، من قِبَل الأمم المتحدة والجامعة العربية، وكذلك البلدان الغربية والشرق أوسطية.
العقوبات الدولية، سحب وطرد السفراد، التحذيرات والتهديدات، لم تغير شيئاً حتى الآن في هذا السلوك القمعي المفتوح، المُخطَّط والمستمر، الذي يسلكه النظام السوري. كل أسبوع، ولا سيما عند الخروج من صلاة الجمعة، تصلنا أنباء عن فظائع جديدة ترتكبها القوات المسلحة والشبيحة وعملاء مختلفون، في حماة وحمص والحولة.. الخ، مع قوائم بالضحايا، تزيد ولاتنقص، ولا توفر المسنِّين أو النساء والأطفال، والتي يمكن أن تكون قد تجاوزت الآن خمسة عشر ألف قتيل ونصف مليون من النازحين.
وإذ نتأمل مندهشين في سلوك غير مبالٍ من قِبَل النظام السوري، والمعاناة المستمرة للسكان المدنيين، وبرغم الضغوط الدولية العديدة وجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة كوفي أنان، والازدراء العالمي لنظام دمشق، يبدو لنا أنه من الصعب الاحتفاظ بالآمال في حصول تفاوض مع بشار الأسـد يؤدي إلى تسوية سلمية وإصلاحات في صالح هذا البلد الذي يستمر نظامه في النهج نفسه منذ اليوم الأول، رغم فقدانه الشرعية بشكل كامل، كاسباً الوقت ربما، معاقباً بدون هوادة في كل الأحوال.
التحفظ الدولي
السوريون في المعارضة، المجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر، يعلمون أنهم لن يستطيعوا أبداً التخلص من هذا النظام بدون مساعدة دولية مباشرة، ذات طبيعة عسكرية بطبيعة الحال. حتى هذه اللحظة لم يقرر أي بلد بشكل علني تقديم هذه المساعدة، ولا حتى البلْدان الأكثر تأثراً لأسباب تعود إلى الجيرة أو المنافسة الدينية والسياسية. وبالتحديد، لم تفعل ذلك بطريقة واضحة لا تركيا ولا العربية السعودية، وهما القوتان الإقليميتان الكبريان، وإن كان قد حصل فبالكاد فعله أحد بلدان الخليج.
الغضب الدولي الواسع يتناقض مع الضعف أو القصور في الردود المحددة تجاه العمل الممنهج في التدمير والانتهاك الذي يقوم به نظام لا يتخلى عن اللجوء إلى الوحشية، رغم كونه معزولاً نسبياً ومحاصراً. من الواضح أن سوريا ليست ليبيا، وأن بشار الأسـد لا علاقة له بالقذافي، هكذا يُبَرَّر بطريقة مخجلة نوعاً ما عدم اتخاذ قرار بأي نوع من أنواع التدخل العسكري، كما حصل في ليبيا، من أجل تحرير البلد والإطاحة بالطاغية.
التعقيد الطائفي والديني في سوريا، موقعها الجغرافي والسياسي في شرق أوسط في اضطراب دائم، في وسط العالم الإسلامي والعربي، مرونة ذلك التكتل من العلويين والبعثيين، المزيج الغريب من الشيعية والاشتراكية، التحالفات الدولية لنظام دمشق (إيران، الصين، روسيا، حزب الله)، كل ما سبق هي منذ أعوام معطيات مطواعة أفادت ديكتاتورية وراثية مقيتة يُقَدَّر أنها ساهمت، رغم ذلك، في توفير استقرار ليس متوفراً بكثرة في هذه المنطقة بالتحديد. الخلاصة، منذ آذار| مارس 2011 لم تكن هناك إرادة لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد نظام بشار الأسـد بسبب تلك القناعة التي تفضِّل الظلم على الفوضى، للحيلولة دون حدوث شرور أكبر، وبسبب الخوف من أن عدم استقرار سوريا سيكون له تداعيات متسلسلة ذات طبيعة مأساوية، يصعب توقعها، داخل وخارج البلد. لكن، بعد هذه الشهور، لا يوجد في سوريا لا نظام ولا عدالة، وقد احتدم الصراع وأصبحت المخاطر أكثر تهديداً وأكثر قرباً من أي وقت آخر.
شبكة من المصالح المختلفة
في الحقيقة إن الوضع الرهيب الذي تعاني منه سوريا يميط اللثام عن شبكة من المصالح المختلفة، الأمر الذي لا يساهم في تسهيل الجهود الدولية، سواء في الغرب أو في ما بين البلدان العربية. فإذا كان هؤلاء وأولئك يرفضون نظام دمشق فإنهم لا يفعلون ذلك انطلاقاً من الأسباب نفسها، ولا بالحدة ذاتها. فالشروط التي جعلت التدخل في ليبيا ممكناً لا تتوفر عملياً في الحالة السورية الأكثر تعقيداً إلى درجة كبيرة. الأزمة السورية يمكنها، على سبيل المثال، أن تزيد من حدة الخصومة بين المسلمين الشيعة والسنة، إلى حد أن تطلب العربية السعودية تسليح المعارضة السورية السنية، لكن مع بقاء أنظارها مشدودة إلى الشيعة في أرضها، وبشكل خاص جداً، إلى الشيعة في إيران والبحرين، وبطبيعة الحال، في سوريا نفسها.
تظهر مخاوف جدية في تركيا من إمكانية حصول تحركات جديدة للانفصاليين الأكراد على كلا جانبي الحدود، مستغلين الأزمة لخدمة قضية استقلالهم. ثمة خشية أيضاً من أن يلجأ الديكتاتور لاستعمال أسلحته الكيميائية، إلى آخره.
مع الصعوبة في فصل ما هو حرب أهلية عن ما هو حرب دولية، واستحالة العثور في التاريخ على حرب أهلية خالصة، يبدو أن كل الفاعلين في الأزمة السورية لديهم عائلات أو قرابات سياسية، دعم معنوي ومدد لوجيستي، في البلدان المجاورة. لبنان هو عنصر أساسي، بوصفه ضحية مُحتَمَلَة لعدم الاستقرار في سـوريا، وقد بدأ بالمعاناة من آثار التوتر في سوريا والمواجهات بين الأديان والجماعات الأهلية على أرضه. الشيء نفسه يحدث في تركيا وفي العراق. هذه البلدان الثلاثة شرعت بالفعل في إيواء اللاجئين السوريين.
أنْ يتداخل القمع العشوائي والوحشي الذي يمارسه النظام بخبرة عسكرية موجهة لإرهاب السكان المدنيين بجنوده وشبيحته، مع سلوكيات إرهابية أعلى صوتاً وأكثر تواتراً، مع حضور الجهاديين وعناصر إيرانية، فهذا يعطي فكرة عن التعقيد المتزايد الذي تبيّنه هذه الظاهرة، والتي تضمن طريقة معالجتها من قِبَل نظام دمشق حصول الأسوأ من السيناريوهات المحتمَلة حالما تسكت الأسلحة، حتى لو كان سكوتها بسبب عجزها عن الاستمرار في القتل وحسب، وهو سيناريو انهيار النظام، بسبب فقدانه لمصادر التأييد والدعم أو بسبب وطأة العقوبات الدولية أو كليهما، على خلفية حرب أهلية أو ثورة شاملة.
العراق كذكرى سيئة
سيناريو كهذا يمكن أن يعيد إنتاج ما قد عرفه العراق اعتباراً من الغزو الأمريكي في عام 2003. في سوريا، يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى ليس لأن تدخلاً عسكرياً، لا يمكن استبعاده، سيطلقه من عقاله، وإنما بسبب هذا الاحتراق البطيء والقاتل الحاصل في نسيج اجتماعي في حالة تفكك، والذي قد يتسبب، مع سقوط النظام، في حصول مواجهة بين الجماعات الأهلية والأديان، بين المركز والأطراف، بين الأقليات والأقاليم المختلفة، الخ، وفق التباينات التي تشجعها التعددية الاجتماعية في سوريا، ودينامية المواجهات والتوترات ما بين الأخوة الأعداء، وعدد لا نهاية له من العوامل النابذة، تجعل من إعادة طرح الميثاق الوطني، بل حتى من التشكيك باستمرار سوريا كأمة واحدة، أمراً لا مفر منه يوماً ما. طبعاً في هذه الوضعية المرعبة ستكون حاضرة جداً المصالح الدولية للبلدان المجاورة، دع عنك إسرائيل، من أجل إثبات وجودهم في قضايا إقليمية لم يتم تسويتها بطريقة حاسمة منذ أن أصبحت سـوريا بلداً مستقلاً.
وافقت الأمم المتحدة والجامعة العربية على تعيين كوفي أنان للتفاوض مع الديكتاتور السوري وتطبيق خطة سلام لم تسجل أي نجاح على الإطلاق منذ أواخر آذار| مارس. لم يتم احترام وقف إطلاق النار، إطلاق السجناء، نزع السلاح من المدن، حرية تنقل الصحافيين والمنظمات الإنسانية، الدفع باتجاه حوار سياسي، تقييد استعمال الأسلحة الثقيلة ضد الأهداف المدنية، إلى آخره. على العكس من ذلك، يزداد العنف ويبلغ مستويات جديدة، ويستمر النظام في استخدام الدبابات والمدافع في تدمير الأحياء السكنية، وليس هناك حدود للوحشية العشوائية. قد يبقى هذا النظام لبعض الوقت ويسحق المعارضة، لكنه لن يكون قادراً إطلاقاً على إعادة البلد إلى الوضع الطبيعي واستعادة شيء من الشرعية.
الأسَدَان، الأب حافظ والابن بشار، وأقرباؤهم، يذكِّرون أيضاً بصدام حسين، وبعائلته الجهنمية، الذي كثيراً ما تُغوضي عنه لأن مماهاة حصلت بينه وبين الاستقرار الإقليمي ورفاهية بلده. لكن معه ومع زمرته، كما مع آل الأسـد، لم يكن ثمة عدالة ولا نظام. لم يتركوا وراءهم إلا تراثاً شديد المرارة لشعوبهم.
http://www.ateneadigital.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_8851_ESP.asp