المعارضة – الوسطية – في زمن الانتفاضة
صلاح بدرالدين
عادة ماتبرز وتنشط الأفكار والمواقف الوسطية على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد انتصار الثورة وتحقيق أهداف الانتفاضة في ازالة نظام الاستبداد في أجواء الحرية ولكن في حالتنا السورية بدأت تظهر من دون كوابح ومازلنا في منتصف الطريق والانتفاضة مستمرة والسلطة تقمع دون رحمة فماذا يعني ذلك ؟ هل من أجل فرملة حركة الاحتجاجات والمظاهرات والاتيان بحلول وسط تبقي على أسس وجوهر ومؤسسات النظام مع عمليات تجميلية شكلية ؟ هذا هو التساؤل الرئيسي الذي يشغل بال الأطياف الوطنية عامة وقادة الانتفاضة الميدانيين ومختلف تنسيقياتها منذ لقاء – سمير اميس دمشق – وما تبعه من نشر حزمة من بيانات واعلانات حول ” هيئات ولجان وقيادات ومعارضات ” تعين نفسها بنفسها من دون الرجوع الى الشعب السوري ومن وراء ظهر انتفاضته السلمية الباسلة كممثله شرعية وحيدة في المرحلة الراهنة أو ليس من حق السوريين الذين يقدمون التضحيات الجسيمة كل لحظة ويدفنون شهداءهم كل يوم ويواسون جرحاهم كل ساعة ويبحثون عن ملاجىء آمنة لعشرات الآلاف من المهجرين والنازحين في بلدان الجوار ويراهنون على حراكهم الانتفاضي السلمي لخلاصهم وحريتهم الذي دخل شهره الرابع والذي أصاب النظام من الصميم وجعله يترنح يمينا وشمالا ينتظر مصيره عاجلا أم آجلا أليس من حقهم وواجبهم أيضا أن يشعروا بالقلق على مايجري في ” بيتهم المعارض ” وجبهتهم الداخلية التي وحدتها الانتفاضة بدماء نسائه ورجاله من شباب وشيوخ وأطفال .
قد يجوز قبول الحلول – الوسطية – والسعي اليها في حالات نشوب النزاعات وظهور الخلافات وبروز الاجتهادات بين مكونات الجبهة الواحدة والخندق الواحد ولكن لايمكن حتى مجرد تصورها في ظروف الصراع بين الحق والباطل وبين الشعب من جهة ومنظومة الاستبداد الأمني من الجهة الأخرى كما في حالتنا السورية المشخصة فالصراع قد بلغ أوجه في شكله التناحري بين طرفين على الأرض : الانتفاضة باحتجاجاتها وتظاهراتها السلمية الحضارية الداعية الى سقوط النظام والنظام بمؤسساته وأجهزته السلطوية الحاكمة تهدف الى اسقاط الشعب بالقتل والاقتلاع والاعتقال والتهجير وباالرغم من اعلان اصحاب الموقف – الثالثي – في ساحتنا الوطنية بانتمائهم الى الدعوة الحيادية الايجابية ورفع شعارات براقة الا انهم يصبون في مصلحة الاستبداد اعترفوا بذلك او انكروا واذا كنا نرفض اي موقف وسطي محايد من الجوار العربي والاقليمي والدولي فكيف سيرضى الشعب السوري وانتفاضته مثل هذه المواقف من جزء من السوريين وجماعات سياسية تسمي نفسها بالمعارضة ان المطالبة الوسطية بتأجيل اسقاط النظام تحت ذرائع وحجج لانراها واقعية بل نخشى ان تكون تؤسس لاعادة انتاج نوع جديد من الاستبداد عبر عمليات ترقيعية تجميلية معروفة هذا ما حصل بالأمس القريب للنظام العراقي المخلوع التوأم لنظام بلادنا في اواخر عهده عندما ظهر في الداخل العراقي ومن جانب تيارات محسوبة على المعارضة وشخصيات كانت ترمز لها دعوات تهدف الى حلول وسط مثلا باعفاء الدكتاتور والابقاء على حزبه أو حلول أحد أبنائه محله وخلافها من سيناريوهات استحوذت غالبيتها رضا وقبول أطراف اقليمية وجهات دولية مثل دول الخليج ومصر وتركيا وأوساط أمريكية مقررة وليس سرا أن صحيفة – الغارديان – قد كشفت البارحة ( الجمعة ) ” أن الولايات المتحدة تضغط على المعارضة السورية لإجراء حوار مع الرئيس بشار الأسد، مع بروز تفاصيل عن خارطة طريق مثيرة للجدل حول الاصلاحات من شأنها أن تتركه بالسلطة في الوقت الراهن على الرغم من المطالبة برحيله بالاحتجاجات التي تشهدها سوريا منذ أكثر من ثلاثة أشهر.وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر في المعارضة السورية إن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية يشجعون سراً مناقشة مسودة وثيقة غير منشورة جرى تعميمها بمؤتمر المعارضة الذي انعقد بدمشق الإثنين الماضي واضافت أن الرئيس الأسد سيشرف على ما تعتبره الوثيقة “الانتقال الآمن والسلمي إلى الديمقراطية المدنية”، والتي تدعو إلى “تشديد السيطرة على قوات الأمن وتفكيك عصابات الشبيحة المتهمة بارتكاب فظائع بحق المتظاهرين، ومنح الحق بتنظيم المظاهرات السلمية، والحريات الاعلامية، وتعيين جمعية وطنية انتقالية واشارت الصحيفة إلى أن الوثيقة تطالب أيضاً بـ “اعتذار واضح وصريح، ومحاسبة المؤسسات والأفراد الذين فشلوا باستيعاب الاحتجاجات المشروعة، وتعويض أسر الضحايا، واخضاع حزب البعث الحاكم لقانون جديد للأحزاب السياسية على الرغم من منحه حق ترشيح 30 عضواً من أصل 100 عضو في الجمعية الوطنية الانتقالية المقترحة، على أن يتم تعيين الأعضاء السبعين الآخرين من قبل رئيس الجمهورية بالتشاور مع مرشحي المعارضة وقالت إن خطة خارطة الطريق وقّع عليها لؤي حسين ومعن عبد السلام، المثقفان العلمانيان بمجموعة تسمى لجنة العمل الوطني، واللذان قابلا نائب الرئيس فاروق الشرع قبل الخطاب الأخير للرئيس الأسد وترأسا اجتماع المعارضة السورية بدمشق الإثنين الماضي”
وتشير الدلائل والمصادر الاعلامية والدبلوماسية إن النظام السوري يراهن على «كسب الوقت». ورغم ما قاله وزير خارجيته وليد المعلم عن «شطب أوروبا من الخارطة» والتوجه شرقا، فإن سفيري سوريا في كل من لندن وواشنطن سعيا إلى ترتيب زيارة للنائب عن حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا بروكس نيومارك وعضو الكونغرس الأميركي دينس كوسينيت للقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
كما أشار المصدر إلى تزامن موافقة النظام السوري على عقد المعارضة مؤتمرا تشاوريا علنيا وسط العاصمة دمشق مع زيارة النائبين، وأيضا مع حملة إعلامية في وسائل الإعلام الإنجليزية والبريطانية. وكلها محاولات أثمرت تصريحات أميركية اعتبرت عقد لقاء للمعارضة وسط دمشق أمرا إيجابيا.
لم تتوقف – الهجمة الوسطية – المثيرة للجدل والريبة عند هذا الحد حيث طلع علينا السيد – حسن عبد العظيم – بفرمان سلطاني يعين فيه نفسه وصيا على – المعارضة – ويعين أسماء – معارضة – أخرى وحسب مزاجه في الداخل والخارج من دون الرجوع الى الشعب الذي يعلم هذا السيد العظيم من يمثله في المرحلة الراهنة وهم على أي حال منشغلون بقضية مصيرية ولاوقت لديهم لمثل هذه المسرحيات .
كل من يراقب هذه الحركات الأخيرة يعتقد للوهلة الأولى أن استحقاقات الصراع على المناصب الحكومية قد بدأت وأن هناك مرشحون قيد الاستعداد لقطف ثمار انتصارات الانتفاضة رغم أنها لم تزل في سوح الكفاح وفي المواجهة بالخندق الأمامي أحوج ماتكون الى الدعم والاسناد وماالمظاهر الأخيرة التي بدأت من – سميراميس – ولم تنته بعد الا جزءا من الردة الداخلية المضادة كما جاء على لسان أحد فرسانها فقد صرح السيد – ميشيل كيلو – لفضائية الحرة يوم جمعة : ارحل وفي برنامج الجهات الأربع والتظاهرات مازالت في أوجها أنه ” لايفهم شعار اسقاط النظام وكيف سيسقط ولكنه عالم بتغييره ومستعد للاستجابة لدعوة مؤتمر الاصلاح التشاوري الذي يدعو اليه النظام اذا قام ببعض الخطوات المطلوبة وأظن أنه قائم بها ” وهذا مؤشر خطير ليس على طريق تجاهل الانتفاضة فحسب بل في مجال التشكيك بهدفها الوحيد وهو اسقاط النظام وبالتالي تنكر لشهدائها ومناضليها وتضحياتها .
الحوار المتمدن