المعركة الأخيرة يوم غد الجمعة… ومنظومة إقليمية جديدة تلوح في الأفق
ألقى الغرب بورقته الأخيرة والتي كنا ننتظرها منذ زمن طويل، ألا وهي ورقة الحظر التجاري والنفطي. الولايات المتحدة تصدرت المشهد ولكن الاتحاد الأوروبي سيتبعها لاحقا ومعه ربما دول أخرى من العالم الأميركي.
توقيت فرض هذه العقوبات ليست اعتباطيا بالطبع وهو يهدف إلى استثمارها للضغط على مجلس الأمن الذي سينعقد اليوم. الولايات المتحدة تأمل أن فرض هذه العقوبات وما رافقه من جلبة إعلامية كبيرة سيشجع “المحتجين” في سورية على الخروج والتظاهر غدا الجمعة، مما يحرج الحكومة السورية ويضعف موقفها أمام حلفائها في مجلس الأمن.
الولايات المتحدة تريد أن تقول لروسيا وغيرها من الدول أن سورية ستصبح دولة ضعيفة ومفلسة، وبالتالي لا مصلحة لكم بالتمسك بها والدفاع عنها لأنكم تستنزفون موقفكم السياسي في معركة خاسرة وغير محرزة.
لا شك أن الحظر التجاري والنفطي على سورية ستكون له آثار اقتصادية كبيرة، خاصة وأنه لن يكون أميركيا فقط بل سيمتد أيضا إلى أوروبا على الأغلب. سورية ستخسر الكثير اقتصاديا ولن تستطيع أن تحقق معدلات النمو التي كانت المنظمات الدولية تتوقعها، مما يعني أنه لا أمل قريب بتحسن دخل الفرد السوري وسيظل المواطن السوري فقيرا بل وسيزداد فقرا مقارنة مع مواطني الدول المجاورة.
الولايات المتحدة بفرضها هذه العقوبات تأمل أن تحقق أمرين:
تقليل الموارد المالية لسورية بما يعيق تسلحها ويضعف قدرتها على خوض الحروب، وهو هدف مهم لأن سورية في الأعوام القليلة الماضية كانت تشهد طفرة تسلحية مما يوحي باستعدادها لخوض حرب قريبة ضد إسرائيل (وفي هذا الإطار أيضا تدخل الحملة الإعلامية الشديدة ضد الجيش السوري والنظام السوري والتي تهدف لتشويه صورتهما في العالم العربي استباقا للحرب المرتقبة التي سوف تصطف فيها دول الخليج إلى جانب إسرائيل وأميركا ضد إيران وسورية وحزب الله).
إضعاف شعبية النظام السوري داخليا ودفع أنصاره للانقلاب عليه.
إسقاط الأنظمة بواسطة العقوبات والحصار هي سياسة نادرا ما نجحت، وفي منطقة الشرق الأوسط بالذات ليست هناك أية تجارب تاريخية تظهر إمكانية إسقاط الأنظمة عن طريق الحصار. إيران تخضع لحصار غربي منذ عام 1979، وهذا الحصار تحول إلى حصار دولي قبل بضعة سنوات، ولكن النظام الإيراني مع ذلك لم يسقط وهو لا يبدو آيلا للسقوط في المدى القريب. أيضا النظام العراقي السابق خضع لحصار اقتصادي هو ربما أشرس حصار في التاريخ ويفوق كثيرا الحصار الذي تتعرض له إيران الآن، ولكن النظام مع ذلك كان ثابتا وقويا ولم يسقط إلا بالغزو الأميركي. كوريا الشمالية وكوبا هي أمثلة على دول أخرى فشل الحصار الاقتصادي في إسقاط أنظمتها.
نظرية أن الحصار الاقتصادي يسقط الأنظمة هي خرافة تتستر وراءها الولايات المتحدة للتغطية على الآثار الشنيعة التي يتركها الحصار الاقتصادي على الشعوب. الرأي العام الغربي عموما لم يعد يتقبل منطق فرض الحصار الاقتصادي على أي بلد، ولكن المؤسف في الحالة السورية هو أن الولايات المتحدة تستعين ببعض مهرجيها الذين تسميهم بالمعارضة السورية وهي تدعي أمام وسائل الإعلام أن هؤلاء الطراطير هم من طلبوا منها حصار سورية اقتصاديا. أي أن الولايات المتحدة هي ليست ضد الشعب السوري ولكن محمد العبد الله ورضوان زيادة هم من أحرجوها وأجبروها على فرض الحصار الاقتصادي!
عموما لا يبدو حتى الآن أن هناك إمكانية لفرض حصار دولي على سورية، وبالتالي فسورية سوف تتكيف مع الحصار الغربي خلال السنوات القادمة وتتجاوز الأزمة المتوقعة على المدى القريب، وهذا هو ما يراهن عليه النظام السوري (وليد المعلم كان واضحا عندما قال أن سورية ستنسى وجود أوروبا على الخريطة).
الفرصة الوحيدة لإعطاء طابع دولي للحصار على سورية هي من خلال جلسة مجلس الأمن، ولذلك نتوقع أن تخرج مظاهرات في سورية غدا للضغط في هذا الاتجاه. عدم خروج مظاهرات في سورية غدا هو أمر مستبعد في رأيي في ظل الجلبة الإعلامية. انظر هذه الصورة لواجهة أحد المواقع الإخبارية الهامة في سورية كمثال. من يرى هذه الصفحة يظن أن النظام السوري سوف يسقط غدا:
العالم العربي صار من التاريخ
لا شك أن الحصار الغربي لسورية له معاني سياسية استراتيجية أعمق بكثير من معانيه الاقتصادية قريبة المدى. إن فرض الحصار الغربي الشامل على سورية يعني فعليا نهاية مرحلة من تاريخ سورية والمنطقة بدأت منذ إنشاء جامعة الدول العربية في عام 1945 وبداية مرحلة جديدة لا يبدو أنه سيبقى لمصطلح “العالم العربي” فيها أي معنى، مما يحتم على حزب البعث إجراء إعادة نظر جدية في منطلقاته النظرية إن كان يريد أن يحتفظ ولو بقدر بسيط من المصداقية والواقعية.
مصطلح “الوطن العربي” هو مصطلح نبع من الفكر القومي العربي الذي كان رائجا في سورية في النصف الأول من القرن العشرين. السعوديون والمصريون في تلك الحقبة لم يكن لديهم إدراك لمعنى هذا المصطلح لأنهم كانوا ما يزالون يعيشون في فكر الحقبة العثمانية الذي ينظر لسكان المنطقة على أنهم جماعات وقبائل وطوائف وليس على أنهم شعب واحد.
الفكر القومي العربي كان فكرا نخبويا في سورية (الكبرى)، وفي خارج سورية لم يكن هناك أحد يحمل هذا الفكر ما عدا أشراف الحجاز الذين تبنوه أثناء تمردهم على السلطنة العثمانية المدفوع من بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى.
بعد الحرب العالمية الأولى وسيطرة الاستعمار الغربي على سورية الكبرى بدأ نزوح القوميين العرب نحو مصر والعراق هربا من سلطات الاستعمار، وهذا ما أدى إلى وصول الفكر القومي العربي إلى النخب المصرية والعراقية خلال الفترة بين الحربين العالميتين.
النخب العراقية تقبلت الفكر القومي بشكل متفاوت حسب الانتماء الطائفي والإثني، ففي حين رحب السنة العرب بهذا الفكر تعامل معه الشيعة بحذر وتحفظ وتعامل معه الأكراد بالرفض التام. مما شجع على هذا التفاوت في تقبل الفكر القومي النزعة العنصرية العربية التي سيطرت على الفكر القومي في العراق والتي تعود أسبابها إلى تاريخ المجتمع العراقي الذي هو تاريخ غني بالصراعات الإثنية الضاربة في القدم.
أما في مصر فالفكر القومي قوبل في البداية بالنحفظ والاستغراب من قبل النخب المصرية التي كانت قد كونت لنفسها هوية وطنية خاصة تعود إلى مرحلة نشوء الدولة المصرية وصراعها مع الاستعمار الأجنبي في القرن 19.
في أثناء الحرب العالمية الثانية أعلنت بريطانيا تبنيها للفكر القومي العربي وذلك رغبة منها في احتواء التمدد النازي في صفوف القوميين العرب والذي كان قويا في تلك الفترة ويهدد الوجود البريطاني في المنطقة.
في هذا الجو الذي صارت فيه القومية العربية شعارا بريطانيا معلنا سارع الهاشميون في العراق والأردن (أصدقاء بريطانيا) إلى إعلان عدة مشاريع وحدوية تحت زعامتهم، وهذا ما أثار حفيظة آل سعود وحكام مصر من حزب الوفد الذي خشوا من قيام دولة هاشمية كبيرة في العراق وسورية والأردن وفلسطين تهدد مصالحهم، فكانت المفاجأة أن أعلنت مصر في عام 1943 تبنيها للمشروع القومي والوحدة العربية، وهو ما لاقى استحسان القوميين العرب الذين سرهم أن تكون مصر قد تقبلت أخيرا فكرة الوحدة العربية بل وطرحت مبادرة لذلك.
ولكن الأيام سرعان ما أثبتت أن الدعوة المصرية لبحث الوحدة العربية (والتي أدت في النهاية إلى إنشاء جامعة الدول العربية في عام 1945) لم تكن إلا مؤامرة مصرية-سعودية-سورية لإحباط مشروع وحدة الهلال الخصيب الذي كان الهاشميون يسعون له بشكل محموم، ولهذا السبب انقلب القوميون العرب على الجامعة العربية بعد إنشائها وقالوا أن هذه الجامعة ما هي إلا مؤامرة بريطانية لضرب الوحدة العربية، خاصة وأن ميثاقها لم ينص على الوحدة العربية من الأساس وكل ما نص عليه هو التعاون بين الدول العربية واحترام حدودها وسيادتها!
هذه المؤامرة المصرية-السعودية والتي تواطئ فيها حكام سورية في ذلك من الوقت من الإقطاعيين والبرجوازيين الدمشقيين هي ما خلق النظام الإقليمي الحالي والذي يقوم على خرافة اسمها العالم العربي وجامعة الدول العربية، بينما في الواقع لا نجد أن لهذا العالم العربي أي معنى جيوسياسي حقيقي ولا نجد أن لجامعة الدول العربية أي دور سياسي فاعل.
حكام سورية في ذلك الوقت كانوا منقسمين إلى فئتين، الحلبيون (والذين أسسوا لاحقا حزب الشعب ومقره في حلب) كانوا يؤيدون المشروع الهاشمي ويطالبون بتوحيد سورية والعراق والأردن بشكل فوري، أما الدمشقيون (والذين أسسوا الحزب الوطني في دمشق) فكانوا يعلنون في الظاهر تأييدهم للوحدة العربية ولكنهم في الباطن عملوا على إحباطها وشاركوا في صياغة المؤامرة المعروفة بالجامعة العربية.
الدمشقيون كانوا يقولون أن مشروع الوحدة العربية الذي يطرحه الهاشميون ما هو إلا مؤامرة استعمارية بريطانية صهيونية هدفها وضع سورية تحت النفوذ البريطاني وترسيخ وجود إسرائيل، وبناء على هذا المنطق شاركوا في المساعي المصرية-السعودية لإنشاء الجامعة العربية والتي أحبطت فعليا مساعي الوحدة العربية وقضت عليها.
في كتب التاريخ السورية نجد دائما التأييد والتبرير للموقف الدمشقي، ولكنني عندما أنظر الآن بعد مرور 70 سنة إلى واقع سورية والعراق وما حل بهما من كوارث ومصائب لا أستطيع أن أتفهم موقف البرجوازيين الدمشقيين في تلك الفترة ولا أستطيع أن أفسره سوى على أنه تشبث بالسلطة والمصالح الشخصية الضيقة على حساب المصلحة القومية.
هذه المنظومة الإقليمية التي أدخلنا فيها ساسة دمشق في عام 1945 هي منظومة مدمرة للشعب السوري (والشعب العراقي أيضا)، لأنها تقوم على شعارات كاذبة مزيفة تدعي التضامن العربي والسعي للوحدة العربية، بينما ما يحدث في الواقع هو أن هذه المنظومة تقدم الغطاء لبعض الأنظمة العربية التي لاعلاقة لها بالقومية والتي كانت وما زالت تسعى لضرب المشروع القومي وخدمة مصالح الدول الاستعمارية.
جامعة الدول العربية لم تكن تسعى لخدمة المشروع القومي سوى في فترة محدودة جدا هي فترة حكم جمال عبد الناصر. أما في الفترات الأخرى فهذه الجامعة لم تكن على الدوام إلا غطاء للدول الاستعمارية وعملائها لضرب أي مشروع قومي في المنطقة، والأمثلة كثيرة وأبرزها الدور المشين الذي لعبته جامعة الدول العربية في عام 1990 لتغطية تدمير العراق والدور الذي لعبته لتغطية تدمير ليبيا مؤخرا والدور الذي تحاول أن تلعبه الآن لتغطية تدمير سورية.
إن سقوط نظام حسني مبارك في مصر أسقط معه على ما يبدو حقبة الجامعة العربية. المملكة السعودية (والتي هي رأس المحور الأميركي في المنطقة) لن تقبل على ما يبدو بعودة المنطقة العربية إلى حقبة شبيهة بالحقبة الناصرية. السعودية اعتبرت أن سقوط مبارك سيفتح الباب أمام عودة مصر إلى تبني سياسة أقرب إلى القومية العربية، وتبني مصر لهكذا سياسة يعني أن المنظومة العربية كلها ستتبناها، وهو ما سيجعل السعودية في موقف سيء للغاية شبيه بموقفها في الخمسينات والستينات عندما كانت محاصرة ومعزولة عربيا وكانت تتعرض للنقد الشديد يوصفها مركزا للرجعية والتخلف والعمالة للاستعمار.
السعودية لن تقبل مطلقا بالعودة إلى ذلك الزمن، خاصة وأن موازين القوى في المنطقة الآن اختلفت بشدة عن الخمسينات والسيتينات. في الخمسينات والستينات كانت لأميركا اليد العليا في المنطقة لأسباب عديدة منها أن إيران وتركيا كانتا مواليتين لأميركا ومعاديتين للمشروع القومي العربي. أما الآن فإيران وتركيا هما متعاطفتان مع العرب وأميركا هي أضعف بكثير مما كانت عليه في ذلك الوقت. هذا هو السبب الذي دفع بالسعودية إلى الجنون وإلى محاولة نسف النظام الإقليمي القديم تماما وإنشاء نظام جديد يقوم على الرجعية المطلقة والحروب الدينية والطائفية الصريحة.
السعودية قامت فور سقوط مبارك بطرح مشروع بديل للجامعة العربية هو مشروع توسيع مجلس التعاون الخليجي ليشمل الأردن والمغرب. أيضا قامت السعودية وحلفاؤها بشن هجوم كاسح على الأنظمة القومية في المنطقة لإسقاطها وخاصة في ليبيا وسورية، وتدخلت السعودية في البحرين عسكريا لمنع سقوط النظام البحريني الموالي لها. ناهيك عن الحملة الإعلامية المسعورة التي يشنها الإعلام السعودي لترويج الخطاب الطائفي ونسف أي بقايا للشعور القومي في المنطقة.
السعودية باختصار تريد القضاء على كل ما له علاقة بالقومية والوطنية في هذه المنطقة وترويج ثقافة جديدة هي ثقافة الحروب الطائفية (وهذا هو هدف الولايات المتحدة أيضا). لهذا السبب نجد الحملة المسعورة التي يشنها الإعلام الخليجي على سورية الآن والتي تهدف لتشويه صورة آخر دولة قومية في المنطقة وشحن الناس طائفيا ضد النظام السوري. السعودية تريد أن تفعل في سورية كما فعلت في العراق، أي أنها تريد تشويه صورة النظام السوري إلى أقصى حد ممكن وشحن الناس طائفيا ضده تمهيدا لعزله وتوجيه قطعان الوهابيين نحوه من كل حدب وصوب.
المشروع السعودي (والذي هو نفسه المشروع الأميركي-الصهيوني) يسير نحو النجاح، وأكبر دليل على ذلك هو الموقف الأميركي اليوم والذي يؤكد أن الولايات المتحدة قطعت شعرة معاوية مع سورية كما فعلت مع إيران منذ زمن طويل.
سورية الآن تتجه نحو أن تكون إيران ثانية في المنطقة، أي أنها ستكون دولة محاصرة ومرفوضة تماما من أميركا وأتباعها. هذا الواقع الجديد يختلف عن الواقع القائم منذ أواخر الثمانينات والذي كانت سورية بموجبه تحافظ على بعض التواصل مع العالم الأميركي.
سورية كانت محاصرة من أميركا وأتباعها بعد توقيع اتفاقية كامب-دافيد بين مصر وإسرائيل في السبعينات، ولكن سورية تجاوزت الحصار في تلك الفترة بسبب الدعم السوفييتي. في الثمانينات بدأ التقارب بين سورية ودول الخليج، وبعد مشاركة حافظ الأسد الرمزية في حرب تدمير العراق في عام 1991 تحسنت العلاقات مع دول الخليج والغرب بشكل كبير. هذا التحسن سرعان ما انهار بعد أحداث أيلول 2001، ومنذ تلك الأحداث إلى الآن استمرت العلاقات السورية-الأميركية بالتدهور تدريجيا حتى وصلنا إلى مرحلة القطيعة الكاملة الآن.
أميركا حاولت بين عامي 2008-2010 التقارب مع سورية على أمل جذبها إلى فلكها، ولكن هذا المسعى انتهى تماما الآن ونحن دخلنا في مرحلة مواجهة مفتوحة وطويلة الأمد مع أميركا وأتباعها في العالم.
المواجهة مع العالم الأميركي لن تكون سهلة، خاصة وأن أتباع أميركا في المنطقة سيستخدمون السلاح الطائفي بكل قوة. أنا لا أستعبد أن يؤدي هذا الشحن الطائفي الكبير ضد سورية إلى بروز أعمال إرهابية شبيهة بما تعرض له العراق وبما تعرضت له سورية في السبعينات والثمانينات، ومن الوارد جدا أن يحظى الإرهابيون بدعم وتسليح من السعودية وأميركا كما كان يحدث في تلك الفترة.
القطيعة بين سورية والسعودية ستصبح قطيعة تامة على ما يبدو. سورية ستعتمد على العراق كبديل للسعودية، وربما يكون أحد أهداف الحصار النفطي الأميركي على سورية هو إحباط مشاريع مد أنابيب الغاز والنفط العراقي إلى سورية. سورية في المرحلة المقبلة ستكون جزءا من منظومة إقليمية تمتد من طهران إلى بيروت، وهذه المنظومة ستكون في حالة قطيعة وحرب باردة مع المنظومة الأميركية في المنطقة (إسرائيل ودول الخليج).
موقف العداء الذي تتخذه السعودية تجاه هذه الكتلة لن يخدم مصالحها لا سياسيا ولا اقتصاديا، ولكن السعودية للأسف هي دولة لا تعرف كيف تحفظ مصالحها ولا تعرف سوى أن تكون أداة للولايات المتحدة. الأجدى بحكام السعودية أن يشرعوا بإصلاح نظامهم السياسي والاجتماعي بدلا من محاولة إغراق المنطقة في الفوضى الطائفية على أمل إنقاذ نظامهم المتخلف.
أما تركيا فهي ستبقي على علاقات جيدة مع هذه الكتلة لكي تحفظ مصالحها الاقتصادية على الأقل. القطيعة بين تركيا وهذه الكتلة تعني أن تركيا ستحاصر نفسها في الشرق الأوسط.
أما مصر فموقفها سيعتمد على مدى خضوعها للضغط الأميركي والسعودي. طبعا مصلحة مصر تقتضي تطبيق سياسة مماثلة للسياسة التركية، أي المحافظة على علاقات جيدة مع كتلة الممانعة ومع أميركا في وقت واحد.
سورية لا مصلحة لها بالقطيعة مع أحد، ولذلك من المتوقع أنها ستسعى لتحسين علاقاتها مع العالم الأميركي، رغم أن ذلك يبدو هدفا بعيد المنال في المرحلة المقبلة. ربما تلعب تركيا دورا في المصالحة بين سورية وأوروبا على الأقل، ولكن ذلك سيحتاج بضعة سنوات على ما أظن. ما سيساعد سورية على تحسين علاقاتها مع أوروبا هو تغير الحكومات الأوروبية (وهو أمر سيحصل قريبا) بالإضافة إلى الإصلاحات المنتظرة في سورية والتي من المفترض أن تقوم سورية بالترويج إعلاميا لها في الغرب (رغم صعوبة ذلك).
لمواجهة الحملة الطائفية المسعورة التي ستشنها السعودية على سورية في المرحلة المقبلة أتوقع من النظام السوري أن يقوم بتعزيز علمانيته، وربما حتى يقوم بإدخال فقرة في الدستور الجديد تنص على علمانية الدولة بشكل صريح (هناك إشارات في جريدة الوطن لذلك)، ولكني مع ذلك لا أتوقع أن يهدأ الوضع السوري بدون أن يقوم الإعلام السوري بشن حملة إعلامية مضادة ضد دول الخليج توضح فسادها وتخلفها وطائفيتها.
على الصعيد الجيوسياسي القومي (رغم أن هذا الحديث لم يعد له معنى في هذا العصر للأسف) أتمنى أن يتحول التقارب الاقتصادي المنتظر بين سورية والعراق إلى شكل اتحادي على غرار الاتحاد الأوروبي مثلا، وأتمنى تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين سورية ولبنان وتفعيلها. النظام السوري يحقق نجاحات جيدة في مجال السياسة القطرية، ولكن إنجازاته القومية هي معدومة منذ عام 1970 إلى الآن. حافظ الأسد كان يتذرع بصدام حسين كسبب لفشل المشروع الوحدوي بين سورية والعراق. الآن بعد زوال صدام حسين لا بد لسورية أن تلعب دورا إيجابيا في العراق لدعم المشروع القومي في ذلك البلد والتخفيف من غلواء الطائفية.
سورية تستطيع أن تؤثر على العراق كما أن إيران وأميركا والسعودية يؤثرون عليه. سورية حاولت منذ سقوط صدام أن تدعم القوميين في العراق، وهو مسعى جيد، رغم أن سمعة سورية في العراق الآن سيئة لأن الشيعة يتهمونها بدعم تنظيم القاعدة والسنة أصبحوا مشحونين ضدها بسبب الدعاية السعودية والأميركية.
التقارب الاقتصادي المنتظر مع العراق هو بداية جيدة، وربما يتأثر العراقيون بالتجربة السورية ويقررون الرد على الهجمة الطائفية الوهابية بالميل نحو العلمانية، رغم أن هذا سيستغرق وقتا طويلا. المطلوب الآن في المدى المنظور هو تحقيق الوحدة الاقتصادية مع العراق، أما الأشكال الأخرى من الوحدة (بما فيها السياسة) فهي ما زالت هدفا بعيدا.
http://hanisyria.wordpress.com/