المعركة على سورية هي معركة على الشرق الأوسط كله!
Jonathan Freedland
إن المعركة على سورية هي معركة على الشرق الأوسط كله، فلنفكر بالعواقب المحتملة لسقوط الأسد: ستبدأ جولة من القتل الانتقامي على يد الأغلبية السنية في سورية ضد الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد وحلفاؤه المسيحيون، وسيسعى هؤلاء إلى الانتقام بعد مقتل الآلاف خلال الانتفاضة الراهنة.
تشير الأحداث الراهنة إلى اقتراب النهاية، مثلما يدرك مشاهدو أي فيلم طبيعة سير الأحداث التي تمهد للنهاية، يعلم المراقبون أن نهاية القصة تقترب، لقد اعتدنا على طريقة انتهاء الثورات العربية ويمكن رصد المؤشرات التي تدل على نهاية الأحداث في سورية. وقعت اللحظة المفصلية الأسبوع الماضي عند اغتيال أربعة أعضاء من نظام الأسد عبر تفجير لا تزال معطياته غامضة، فأنتجت الشائعات قصتين محتملتين تشبهان ما سمعناه في الأيام الأخيرة للأنظمة السابقة في تونس ومصر وليبيا: هربت زوجة الرئيس إلى الخارج (إلى روسيا) واختفى الرئيس نفسه عن الأنظار. سرعان ما ظهر الأسد، لكن عندما يظهر الدكتاتور على التلفزيون لإثبات أنه لا يزال على قيد الحياة، تبدو النهاية وشيكة. قد يتغير مسار هذه القصة المؤسفة طبعاً، إذ يتذكر خصوم بشار الأسد الأكثر تشاؤماً الزخم الذي رافق عملية “عاصفة الصحراء” التي كانت تشير إلى أنّ أيام صدام حسين أصبحت معدودة في عام 1991، لكن سرعان ما طالت تلك الأيام واستمرت 12 سنة. لا يزال نظام دمشق يملك ترسانة عظيمة وحلفيتين قويتين في روسيا وإيران. قد ينجح النظام في الصمود عبر خوض حرب أهلية طائفية قد تدوم أشهراً عدة أو حتى سنوات كما حصل في لبنان خلال السبعينيات. لكن لنفترض أن عائلة الأسد بدأت تنهار فعلاً، ولا شك أن سقوطها سيغير معالم سورية، ذلك البلد الذي عاش تحت سطوة تلك العشيرة طوال أربعة عقود، لكن سيؤثر هذا التطور أيضاً في المنطقة كلها.
لا تُعنى سورية بشؤونها الداخلية حصراً، فهي تتشارك الحدود مع الأردن والعراق ولبنان وتركيا وإسرائيل، وفي هذا الصدد، يقول مسؤول سابق في إدارة أوباما: “لن تنهار سورية داخلياً، بل سينفجر الوضع فيها وستصل شظاياه إلى الخارج”. باختصار، يمكن القول إن المعركة على سورية هي معركة على الشرق الأوسط كله. لنفكر بالعواقب المحتملة لسقوط الأسد: ستبدأ جولة من القتل الانتقامي على يد الأغلبية السنية في سورية ضد الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد وحلفاؤه المسيحيون، وسيسعى هؤلاء إلى الانتقام بعد مقتل الآلاف خلال الانتفاضة الراهنة وللتصدي لتاريخ وحشي شمل ذبح 20 ألف شخص في حماة في عام 1982، وكانت تلك المرة الأخيرة التي واجه فيها فرد من عائلة الأسد اضطرابات شعبية قبل الصراع الراهن. إذا نشب هذا النوع من العنف الطائفي، فمن المستبعد أن يبقى الصراع محصوراً في سورية، وحتى لو لم تمتد أعمال القتل إلى ما وراء الحدود، فسيتدفق السوريون إلى المناطق المجاورة وسينضمون إلى 125 ألف لاجئ هربوا من البلد حتى الآن. ولا ننسى أيضاً احتمال تحول سورية إلى ساحة لحرب بالوكالة لأن المملكة العربية السعودية ستدعم الثوار بينما ستصطف إيران إلى جانب قوات الأسد. لن يبقى الغرب خارج الصراع لفترة طويلة. (يقول البعض إن الغرب بدأ يتدخل منذ الآن وهو يدعم ضمناً شحن الأسلحة السعودية والقطرية إلى الثوار). اللافت خلال اليومين الأخيرين هو أن الحديث تحوّل من فكرة التدخل المباشر (كان عدد داعمي هذا الخيار ضئيلاً) إلى نشر قوات دولية لحفظ السلام بعد رحيل الأسد. اقترح المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، بروس ريدل (وهو من أشرف على التقييم الذي أجراه الرئيس أوباما في عام 2010 عن السياسة الأميركية في أفغانستان وباكستان)، نشر قوات مماثلة، ولكنه ذكر مفارقة كبرى مفادها أن أولى المهمات التي قد تتولاها تلك القوات هي “حماية الطائفة العلوية وحلفائها من أعمال الانتقام”. تراقب الولايات المتحدة وإسرائيل بقلق شديد مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، ويُقال الآن إن البلد يستعد لاستعمال تلك الأسلحة وتسود مخاوف من أن يختار الأسد الحفاظ على مجده بطريقة فتاكة وقاتلة. بالتالي، ليست هذه المسألة محلية ولا تخص سورية وحدها، ولا شك أن إيران ستشعر بتداعيات الأزمة الفورية لأن الصراع يخص حليفتها العربية الوحيدة، كما أن سورية لطالما كانت بوابة إيران للتواصل مع عميلتها في لبنان، ما مكّن طهران من وضع 40 ألف صاروخ في متناول “حزب الله”. من دون سورية، ستخسر إيران ذلك الجسر الاستراتيجي الحيوي نحو العالم العربي (لكن بفضل الغزو الأميركي في عام 2003، تستطيع الآن اعتبار العراق دولة صديقة)، لكنّ المشكلة أعمق من ذلك. من المتوقع أن يتبخر ادعاء إيران السابق بأنها تقود “محور المقاومة” وتُلهم سورية و”حزب الله” و”حماس” كي تقف في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل.
يقول محلل شؤون الشرق الأوسط، دانيال ليفي، إن إيران لم تعد تستطيع المجاهرة بذلك أصلاً، معتبراً أن تحدي حركة “حماس” لإيران من أجل دعم الثوار السوريين والربيع العربي ينسف ادعاء إيران السابق بأن الدول العربية كانت تخضع جميعها لحكام استبداديين تتلاعب بهم الولايات المتحدة. منذ ست سنوات فقط، خلال الحرب الإسرائيلية في لبنان، كان قادة إيران و”حزب الله” يُعتبَرون أبطالاً شعبيين في الشارع العربي السني مع أنهم شيعة، لكن لن يستمر هذا الوضع في ظل المناخ الطائفي السائد اليوم بحسب رأي ليفي. لن يؤدي سقوط الأسد إلى إضعاف إيران فحسب، بل إنه سيترافق أيضاً مع تغيير الثقافة السياسة السائدة في المنطقة، الأسد هو آخر من يمثل نظام ساد في الشرق الأوسط طوال نصف قرن: إنه نظام الحاكم العلماني النافذ والدكتاتور المدعوم من جهاز استخباري لا يرحم، أو ما سماه نديم شحادة من معهد “تشاتام هاوس” “دولة شرطة حيث يخضع الجميع للمراقبة”. ما بدأ مع عبدالناصر في مصر (أو حتى مع أتاتورك في تركيا) سينتهي مع الأسد: إنه النظام الذي يقمع الاختلافات المحلية والإثنية باسم النزعة القومية التي ترتكز على زعيم واحد، وبحسب رأي شحادة، ستعمّ الفوضى في البداية بسبب نشوء مئات الأحزاب الجديدة وظهور عدد أكبر من “السياسيين المتوسطين”، لكنه يأمل في نهاية المطاف أن يمهد هذا الوضع لنشوء شرق أوسط جديد بعد مرحلة الحكم الدكتاتوري، علماً أن الحكام في هذه المنطقة الجديدة لن يصمدوا أو يسقطوا استناداً إلى قدرتهم على استغلال المشاكل لمصلحتهم في لعبة القوة الجيوسياسية، بل استناداً إلى قدرتهم على حل تلك المشاكل. إنه توقع تفاؤلي في منطقة توشك على الانفجار والغرق في عنف دموي، لكنّ مصير سورية سيكون حاسماً في مطلق الأحوال، فإذا صمد الأسد، فستكون الصحوة العربية في عامي 2011 و2012 مجرد نجاح جزئي، لكن إذا نجح الثوار السوريون، فهم سيحققون انتصاراً ساحقاً لأنهم سينفذون بذلك ثورة حقيقية من دون أي تدخل خارجي شامل كما حصل في ليبيا، وسيكون هذا الإنجاز مكتملاً أكثر من إنجاز مصر حيث لا يزال الجهاز الأمني على حاله. قد يكون طول مدة الثورة مؤشر قوة ما يثبت عمق التحرك وصلابته، وهما أمران افتقرت إليهما الانتفاضات القصيرة التي حصلت في أماكن أخرى. لقد أصبحت سورية على حافة الهاوية، ولم يتضح بعد ما سيحصل في المرحلة اللاحقة نظراً إلى طبيعة المعارضة المختلطة والمنقسمة، كل ما نعرفه هو أن مصير أكثر مناطق العالم اشتعالاً يتوقف على مصير سورية
الجريدة
Guardian