صفحات الرأي

المعضلات الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية: حين تتصادم سياسات الهوية مع الاستراتيجية/ افشان استوار

 

 

يمكن القول إن السياسة الخارجية للجمهورية الإيرانية هي حصيلة مصالحها الذاتية، المُتمثِّلة بحماية الحكم الإسلامي الإيراني من التهديدات الخارجية. هذه السياسة قد تبدو تارةً هجومية وطوراً براغماتية، لكن ثمة هنا زاوية طائفية أيضاً. فبسبب عزلتها عن جيرانها منذ ثورة 1979، انتهجت إيران استراتيجية تقوم على نسج علاقات مع كيانات غير دُولتية لمساعدتها على ترقية مصالحها الاستراتيجية. وعلى رغم أنها تدعم جماعات سنّية، كحركتي الجهاد وحماس الفلسطينيتين، إلا أن مساندتها للمنظمات الشيعية أثارت حنقاً شديداً لدى جيرانها. وقد درَّ هذا التوجُّه، المترافق غالباً مع السياسة غير المعلنة المتعلقة بتصدير الثورة، على إيران مكاسب استراتيجية، لكنه أسفر أيضاً عن تعميق التصورات حول تحيّزاتها الطائفية.

الدين والسلوكيات الإيرانية في الشرق الأوسط

الدين كان عاملاً لم تنفصم عراه عن عملية صنع القرار الإيراني منذ ثورة 1979.

أيضاً منذ الثورة، شدّد قادة إيران على التزامهم بمبدأ الوحدة الإسلامية، وخفّفوا من الطابع الشيعي للجمهورية الإسلامية حين كانوا يتطرقون إلى السياسة الخارجية. كما ثابروا على طرح التعاليم الإسلامية التي حدّدها زعيم الثورة أية الله روح الله الخميني، وليس على المركزية الشيعية.

على رغم تطلعاتها الإسلامية، ركّزت المقاربة الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط بدءاً من العام 2003، على الجماعات الشيعية المسلحة. وبالفعل، ساعد العمل من خلال هؤلاء الوكلاء غير الدولتيين إيران على تمديد نفوذها الإقليمي على نحو واسع، خاصة في العراق ولبنان وسورية واليمن.

خلاصات

تؤثِّر الهوية والعقائد الدينية على مقاربة إيران لعلاقاتها الخارجية، لكنها لاتُمليها. لا بل يُعتبر دور الدين ضئيلاً في علاقات إيران مع الدول. بيد أن عامل الدين يبرز بشكل واضح في روابط إيران مع الجماعات غير الدُولتية.

إسباغ الطائفية بشكل أساسي على السياسة الخارجية الإيرانية، يحجب أكثر مما يكشف طبيعة سلوكياتها. لكن، وكما بات الشرق الأوسط أكثر طائفية منذ سقوط صدام حسين واندلاع الربيع العربي، انسحب الأمر نفسه أيضاً على السلوكيات الإقليمية الإيرانية.

قدّمت عمليات إيران في سورية أوضح الأمثلة على سلوكها الطائفي. فهي سهّلت انخراط آلاف المُتشدّدين الشيعة من غير السوريين في الدفاع عن نظام بشار الأسد. وعلى رغم أن القادة الإيرانيين ركّزوا على شرعية تدخلهم في سورية، ونفوا وجود أي أجندة طائفية، إلا أن القوات الإيرانية وأتباعها نسجوا دورهم على منوال مندرجات طائفية فاقعة الوضوح.

ليس بالإمكان فصل النشاطات الإقليمية الإيرانية عن انفجار النزعة الطائفية السنّية في طول الشرق الأوسط وعرضه. وتتهم إيران جيرانها السنّة بدعم صعود التطرُّف السنّي، وتشعر أنها مضطرة إلى مواجهة هذا السلوك عبر مضاعفة دعمها لحلفائها الشيعة.

مقدّمة

يتصاعد الاهتمام بالدور الإقليمي لإيران، على إيقاع جَيَشان الحروب في الشرق الأوسط. فالجمهورية الإسلامية تدعم بنشاط ودأب حلفاءها في النزاعات الرئيسة في المنطقة- العراق، سورية واليمن-، الأمر الذي وضعها على طرفي نقيض مع معظم جيرانها. ومثل هذه القِسمة ليست سياسية ولا هي استراتيجية، بل طائفية. إذ أن إيران وحلفاءها الأساسيين كلهم شيعة أو يُعتبرون كذلك، وهم يقاتلون معاً ضد قوات سنّية تدعمها دول يقودها السنّة. وقد أسفرت هذه الديناميكية عن تعميق إنزلاق المنطقة إلى خضم الطائفية، وفاقمت النزاعات السياسية بين إيران والعديد من جيرانها السنّة.

يعتبر منتقدو إيران، خاصة السعودية، أن الطائفية والتوسُّعية تغشيان سياساتها الخارجية، ويجادلون بأنها  تستغل القلاقل السياسية في طول المنطقة وعرضها لتسييد وكلائها الشيعة المُتشدّدين، وتقويض الوضع الراهن الذي يُهيمن عليه السنّة. ويضيفون أن هدفها النهائي هو إنشاء كيان شيعي توسعي موالٍ لها متجاوز للحدود القومية، يمتد من إيران إلى لبنان ويشمل العراق وسورية، أي شىء مماثل لإمبراطورية فارسية مُنبعثة من جديد، لكن هذه المرة بقسمات توحيدية خاصة تستند إلى كلٍ من المذهب الشيعي والولاء للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية. وهذا سيناريو يثير القلق الشديد لدى جيران إيران، ويدفع السعودية، وآخرين أحياناً، إلى إبداء الالتزام بمنع تحققه.1

تستهدف السياسات الخارجية للجمهورية الإسلامية ترقية مصالحها الاستراتيجية، وتلعب الطائفية دوراً في هذه السياسات، لكن ليس بالطريقة الشاملة والغامرة التي يتحدث بها منتقدوها. لا بل الواقع أن الجمهورية الإسلامية انتهجت طيلة تاريخها مساراً لاطائفياً إلى حد بعيد. فقادة إيران لطالما شدّدوا على المُثُل العليا الإسلامية وخطبوا ود حلفاء من السنّة. كما أن غالبية الباحثين الذين درسوا السياسية الخارجية الإيرانية منذ العام 1979، لايُصنّفون هذا السجل من السلوك على أنه طائفي، أو بأنه يستهدف في المقام الأول النهوض بأجندة شيعية، بل على العكس يرون أن عملية صنع القرار في إيران أقرب ماتكون إلى السياسة الواقعية.2

افشان استوار

مع ذلك، يبدو أن العامل الطائفي في السياسة الخارجية الإيرانية قَويَ عودَهُ خلال العقد المنصرم. وكانت المحفزات الرئيسة لهذه الانعطافة نحو دعم واضح وقاطع للوكلاء الشيعة وحلفائهم في الشرق الأوسط، هي حدث إطاحة الزعيم العراقي صدام حسين العام 2003، واندلاع الربيع العربي في أواخر 2010. هذان الحدثان وما أشعلاه من نزاعات، خاصة في العراق وسورية واليمن، باعدا بحدّة بين مصالح إيران وجيرانها. ثم جاء الخوف المتبادل من نوايا كل طرف، ليقذف بإيران ومنافسيها العرب بشكل مطّرد إلى خضم السلوكيات الطائفية. مثل هذه النزعة الطائفية لاتتوافق مع المواقف الرسمية لإيران، بيد أن العلاقات الوثيقة مع الحلفاء الشيعة باتت هي أساس النفوذ الإيراني في المنطقة. فحين أصبح حلفاؤها في العراق وسورية واليمن في مهب التهديدات، ضاعفت طهران اندفاعتها نحو استراتيجية مناصرة الشيعة، كوسيلة لحماية مصالحها واستثماراتها الإقليمية. وهذا تجسّد  بالدرجة الأولى في خطاب وسلوكيات الحرس الثوري الإسلامي، الذي يُعتبر المنظمة العسكرية الأبرز في إيران والأداة القيادية الأساسية في نشاطاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وكان الحرس، إضافة إلى انخراطه في نزاعات المنطقة، باشر منذ ذلك الحين بوصف حلفائه ووكلائه على أنهم جبهة شيعية موحّدة لديها طموحات إقليمية.

سُمعة إيران والرؤى الطائفية المتنافسة

تبادلت إيران والسعودية العام 2016، في سياق صراعهما المرير، اتهامات علنية بممارسة النهج الطائفي، ما فتىء أن وصل صداها إلى أماكن قصيّة، كوسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة. ففي أيلول/سبتمبر من ذلك العام، نشرت نيويورك تايمز مقالاً لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تحت عنوان “فلنخلّص العالم من الوهابية”3 ادّعى فيه أن هذه الأخيرة أصبحت وباءً يُطلق العنان للإرهاب والشغب الإجرامي في طول الشرق الأوسط وعرضه وفي العالم. أسبغ ظريف على الوهابية نعت “التحريف اللاهوتي” الذي “أتى على الأخضر واليابس” وكانت له مضاعفات “مدمّرة” على المجتمعات الإسلامية. كما جادل بأن العنف الذي ترتكبه جماعات جهادية على غرار القاعدة، هو حصيلة مباشرة لـ”مثابرة الرياض على رعاية التطرف”، وأن هذا العنف هو في جذر الصراعات الراهنة في الشرق الأوسط. واتهم ظريف السعودية بـ”لعب ورقة إيران” لتحريض حلفائها على الانخراط في حربي سورية واليمن، وخلُص إلى القول إن “العمل الجاد والصلب مطلوب ضد التطرف”. لكن، وعلى الرغم من اتهامه الرياض بالتسبُّب في كل الفوضى الراهنة، إلا أنه دعاها إلى أن تكون جزءاً من الحل. وهذه تبدو بالطبع دعوة جوفاء حين توضع في سياق اللهجة الاتهامية العنيفة للمقال، ولاتعدو أن تكون مجرد مجادلة ضد جار إيران وخصمها اللدود، أو رشقة أخرى من رشقات الحرب الباردة المتواصلة معها.

مع ذلك، يتضمن كلام ظريف في ثناياه، وجهة نظر إيران حول الطائفية والنزاع الطائفي في الشرق الأوسط. فهما، برأيه، ليسا أساسيين، بل حصيلة فرعية لجهود مخطئة ومضللة تبذلها السعودية وحلفائها الغربيين لعزل إيران وكبح نفوذها. هل ساهمت إيران بأي طريقة في استيلاد هذا المستنقع الطائفي الراهن في المنطقة؟ لا، أبداً، يرد ظريف. اللائمة تقع برمتها على طرف واحد.

جاء مقال وزير الخارجية الإيراني في أيلول/سبتمبر 2016، بعد مقال آخر كان نشره في كانون الثاني/يناير تحت عنوان “التطرف السعودي الطائش والأرعن”، جادل فيه هذا الدبلوماسي المخضرم أنه في حين وضع رئيس إيران حسن روحاني “الصداقة مع جيراننا، والسلام والاستقرار في المنطقة والتعاون الدولي على رأس أولويات إيران”، كما برهنت على ذلك الصفقة النووية في تموز/يوليو 2015، إلا أن “بعض الدول”، خاصة السعودية، وقف حجر عثرة أمام جهود طهران لتحقيق “الانخراط البنّاء”.4

والآن، يدشّن ظريف هجوماً حاداً مشابهاً على النظام السعودي، ويورد أسباباً عدة لقيام الأخير بإلحاق الأذى بالأمن الإقليمي: فهو لا يعرقل جهود إيران لإبرام التسويات ونسج الصداقات وحسب، بل “ينشط أيضاً لرعاية التطرّف العنيف”. ويربط ظريف السعودية بالهجمات الإرهابية على الغرب، وبفروع القاعدة في الشرق الأوسط، والتطرّف في أنحاء العالم” ، ويُدرج الحرب السعودية في اليمن، ودعم الرياض للمتمردين الإسلاميين في سورية، وسلوكيات أخرى، في إطار محاولة استدراج إيران إلى أفخاخ “وحرف مسار الاتفاقية النووية” عبر مفاقمة التوترات في المنطقة”.5

وهكذا، بدا مقال كانون الثاني/يناير كوميض فاقع في العلاقات الإيرانية- السعودية، كان قد سبقه قبل ثمانية أيام إقدام الحكومة السعودية على إعدام الشيخ نمر النمر، رجل الدين والناشط الشيعي البارز، ومعه 46   سجيناً (معظهم من السنّة المتشددين). هذه الخطوة أثارت حفيظة وحنق إيران وغيرها، ودفعت المرشد الأعلى علي خامنئي إلى التحذير من أن النظام الملكي السعودي قد يتعرَّض إلى “انتقام إلهي”.6 وقد حذت الميليشيات الشيعية العراقية حذوه وهدّدت بالانتقام،7 ثم تتوجّت موجة الغضب حيال إعدام النمر بانطلاق مظاهرة كبرى خارج السفارة السعودية في طهران، اجتاحت خلالها مجموعة من المتشدّدين المبنى وأشعلت فيه النيران.

لم تتأخر ردود الفعل على إيران. فقد قطعت السعودية وكل حلفائها في مجلس التعاون الخليجي (ماعدا عُمان)، إضافة إلى الأردن والمغرب والسودان، علاقاتها الدبلوماسية معها أو خفّضت مستواها.  كان هذا الحدث مُربكاً لإيران، فسارعت حكومتها إلى محاولة حصر ارتداداته من خلال الزعم أن عناصر مارقة هي التي نفذّت الهجوم، وقامت باعتقال بعض الأفراد المتورطين. والحال أن الرسالة المفتوحة التي وجهها ظريف عبر المقال، جاءت في هذا السياق، لكنها بدلاً من الاعتذار، حاولت الدفاع عن إيران عبر اتّهام السعودية بأنها المُذنب الحقيقي المسؤول عن القلاقل الإقليمية.

وفي أواخر ذلك الشهر، ردّ وزير الخارجية السعودي عادل جبير على التحية بمثلها ونشر مقالاً في نيويورك تايمز أيضاً، رد فيه على ماوصفه بالأكاذيب “العجيبة” مذكّراً بسمعة إيران:

“لسنا نحن البلد الذي دُمغ بأنه دولة راعية للإرهاب. إيران هي ذلك البلد. لسنا نحن البلد الخاضع إلى العقوبات الدولية بسبب دعم الإرهاب. إيران هي ذلك البلد. ولسنا البلد الذي أُدرجت أسماء مسؤوليه على قوائم الإرهاب. إيران هي ذلك البلد”.8

وأضاف وزير الخارجية جبير تهماً أخرى مفادها أن إيران “اختارت أن تُغطّي، من خلال إدانتها السعودية، سياساتها الطائفية والتوسُّعية الخطيرة”، بدلاً من بذل الجهود الضرورية للتحوّل إلى “عضو محترم في المجتمع الدولي”. ووفقاً لجبير، كان السلوك الطائفي الإيراني “متّسقاً ومتواصلاً منذ ثورة 1979”. وأشار إلى أن “هدف تصدير الثورة” الذي أعلنته إيران هو في جذر علل سياساتها الخارجية، مُشدّداً على أن دعم إيران للجماعات الشيعية، “حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن والميليشيات الطائفية في العراق” هو دليل على استمرار الأجندة الطائفية لديها”. كما جادل أن مثل هذا السلوك يقف على طرفي نقيض مع الرغبة المُعلنة التي تبديها طهران للتعاون:

“فيما تزعم إيران أن الصداقة تحتل أولى أولوياتها، يشي سلوكها بالعكس تماما. فهي اللاعب الأكثر ميلاً للمشاكسة والتحارُب في المنطقة، وأفعالها تكشف عن التزام بالسعي إلى الهيمنة الإقليمية، وعن رأي متجذر لديها بأن المبادرات التصالحية تؤشر على ضعف، سواء من طرف إيران أو من جانب خصومها”.9

يتعيّن ألا نُطل على هذه الملاحظات من منظور التوترات السعودية- الإيرانية. إذ يتشاطر مسؤولون شرق أوسطيون مثل هذه النظرة إلى إيران بكونها قوة طائفية وتوسعيّة في المنطقة. ففي آذار/مارس 2015، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إيران بـ”محاولة الهيمنة على المنطقة” من خلال دعم الجماعات الشيعية في العراق وسورية واليمن.10 كما شدّد على أن انخراط فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في معارك العراق، هو على وجه الخصوص سلوك طائفي. وألمح أردوغان إلى قائد هذا الفيلق الجنرال قاسم سليماني، الذي يشرف على العمليات العسكرية الإيرانية في الخارج، قائلاً: “هذا شخص أعرفه جيّدا.. ما هدف إيران؟ زيادة قوة الشيعة في العراق؟ هل هذا ماتريد؟”.

وقبل أردوغان، كان عدد من الدول العربية يُدلي باتهامات مماثلة في مايتعلّق بنشاطات إيران خارج حدودها. كما أدانت جامعة الدول العربية برمتها تقريباً في اجتماعها السنوي في العام 2016 11 “التدخلات” الخارجية الإيرانية، ولم يشذ عن توقيع هذا البيان سوى لبنان.

والحال أن القلق الذي تشعره العديد من الدول الإسلامية إزاء التطلعات الطائفية الإيرانية المُتصوّرة، يعود إلى خطاب قادة إيران وسلوكياتهم غداة ثورة 1979. (صحيح أن القومية- الإثنية للشاه محمد رضا بهلوي والإرث التاريخي لإيران منذ السلالة الصفوية الحديثة، هي مصادر أعمق للتوتر، لكن هذا ليس مدار بحثنا هنا). فهذه الثورة أسبغت شكلاً راديكالياً ثورياً على الإسلام الشيعي، وضخّت آراء مناهضة للمَلَكِيَة في السياسات الإيرانية. هذه الإيديولوجيا أرعدت فرائص مَلَكِيات الخليج العربية والعراق المجاور.12 فقد شعر صدام، بعد تصاعد الفعالية السياسية للغالبية الشيعية العراقية المحرومة سياسيا، أن بلاده مُستهدفة ومكشوفة أمام الثورة الإيرانية. كما زعم أن غزو العراق لإيران العام 1980، الذي أشعل فتيل الحرب العراقية- الإيرانية التي دامت نحو 8 سنوات، كان ضرورياً لتحصين العراق والعالم العربي السنّي من تمدد الشيعية المتطرفة بقيادة أية الله روح الله الخميني (أبو الثورة الإيرانية ومرشدها الأعلى الأول).13 هذا الموقف حظي بدعم مجلس التعاون الخليجي، الذي شكّلته المشيخات العربية في الخليج الفارسي لخلق جبهة موحّدة ضد إيران، ووقف إلى جانب صدام حسين في الحرب. وتجسّدت المساندة في قيام السعودية والكويت، على وجه الخصوص، بتوفير قسط كبير من التمويل للمجهود الحربي العراقي. 14

صحيح أن الزعيم العراقي كان ظاهرة إشكالية ومُلتبسة، إلا أن البعض اعتبره متراساً وحصناً ضد طموحات إيران في الشرق الأوسط. فهو حَكَمَ البلد الذي يضم أكبر كثافة سكانية شيعية في العالم العربي، ويتضمن أهم المقامات والمزارات ومراكز التدريس الشيعية. وقد حرص صدام، عبر الاعتقالات والتعذيب والقتل، على ألا تتجذّر الاندفاعة الثورية المُتّقدة للثورة الإيرانية في العراق، أو أن تُحتضن من قِبَلْ آيات الله العراقيين البارزين، ثم تمتد إلى المجتمعات الشيعية العربية في مناطق أخرى في الخليج الفارسي. ولذلك، حين أُطيح بصدام في العام 2003 وبدأت الأحزاب الشيعية بالهيمنة على السلطة السياسية في العراق، تصاعدت المخاوف إلى ذروتها في دول الخليج المجاورة من احتمال توسُّع نفوذ إيران الطائفي وطموحاتها الإقليمية. 15

سارع الملك الأردني عبد الله الثاني، الذي تلمّس النفوذ الإيراني المتزايد في الديمقراطية العراقية الوليدة، إلى التحذير العام 2004 من أن إيران تسعى في الواقع من خلال بناء قاعدة دعم في العراق إلى إقامة “هلال” شيعي ضخم يمتد من أراضيها إلى العراق وسورية ولبنان.16 ومثل هذه الكتلة الجغرافية التي تتضمّن سياسات مُتماثلة، قد تتحدى الوضع الراهن القائم على الهيمنة السنّية الموالية للغرب في الشرق الأوسط. جرس إنذار عبد الله هذا تمحور حول المقولة بأنه إذا ما وقع العراق تحت هيمنة الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، سيكون لذلك مضاعفات متعاقبة على المنطقة: فالتوترات السنّية- الشيعية ستعاود الظهور، ما سيؤدي إلى زعزعة استقرار دول الخليج التي توجد فيها أقليات شيعية كبيرة، مثل السعودية. وجادل عبد الله أن هذا “سيفاقم أكثر احتمال نشوب صراع سنّي- شيعي” خارج العراق.

يعتقد العديد من الدول العربية وتركيا، إن لم يكن أيضاً المراقب الموضوعي، أن التاريخ الحديث تمخّض بالفعل عن الصراع الطائفي الذي حذَّر منه الملك عبد الله. فهم يرون إلى عراق مابعد البعث الذي يسيطر عليه الشيعة على أنه الأصل الذي تخلّقت منه سلسلة النزاعات الطائفية في سورية واليمن والعراق، وأيضاً احتجاجات الربيع العربي في البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية. كل اللائمة تنصّب هنا على رأس إيران، التي يقول منتقدوها إن هذه الأزمات هي الحصيلة المباشرة لطموحاتها المنفلتة من عقالها والهادفة إلى السيطرة على المنطقة عبر نثر بذور الشقاقات الطائفية، وتشكيل فرق مسلحة شيعية قوية في المنطقة. 17

هل إيران لاعب طائفي؟

نشاطات إيران في الشرق الأوسط موثّقة تماماً وتبدو طائفية بطبيعتها. إذ ليس ثمة شك بأن طهران منخرطة بعمق في النزاعات الراهنة في العراق وسورية. صحيح أن مدى النشاط الإيراني في اليمن يبدو أكثر ضبابية،18 إلا أن طهران لاتخفي دعمها للحوثيين الشيعة الزيديين ولحركتهم أنصار الله.19 وحقيقة أن حلفاء إيران في هذا النزاع هم من غير أهل السنّة، الذين إما يتقاسمون مع قادتها الطبعة الشيعية نفسها (كحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية) أو يتماهون مع أشكال أخرى من الإسلام الشيعي (العلوية في سورية والزيدية في اليمن)، ليست قابلة للجدل. فهذه الروابط تضفي لوناً طائفياً واضحاً على السياسة الخارجية الإيرانية. لكن هل السياسة الخارجية الإيرانية مَسُوقة حقاً بالمصالح الطائفية، أم أن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك؟

حين نُحلل سلوكيات إيران الاستراتيجية وعملية صنع القرار فيها، حري بنا أن نلاحظ أن ثمة مستويين رئيسيْن في سياستها الخارجية، كلاهما يقعان تحت العين الساهرة للمرشد الأعلى وخاضعة إلى سلطته، لكنهما تختلفان في الشكل والمضمون. المستوى الأول، هو السياسة من دولة إلى دولة، التي تديرها في معظم الأحيان الحكومة المنتخبة في طهران؛ والثاني هو علاقة إيران مع الكيانات غير الدُولتية، التي يُشرف عليها الحرس الثوري وتجري غالباً خارج سياق صلاحيات الحكومة.

هذا قد يجعل السياسة الخارجية تبدو مُتلبّسة بجملة تناقضات. ففيما تروّج البلاد لفكرة تفوّق نظام الحكم الإسلامي فيها، ولاتزال تُعتبر النصير الصريح الأبرز لنزعة معاداة أميركا والصهيونية، إلا أن علاقاتها تشي بصورة أكثر تنوعا. كذلك: على رغم أن معظم حلفاء إيران الصاخبين هم من الكيانات غير الدُولتية، التي تتشكَّل في معظمها من الجماعات الإسلامية الشيعية، إلا أن طهران تحتفظ بروابط مُثمرة مع جمهرة من البلدان التي تعتنق أنظمة غير إسلامية. إذ تشتهر إيران، على سبيل المثال، بأنها أقرب إلى الهند من جارتها الإسلامية باكستان. وهي لطالما فضّلت غالباً المسيحيين الأرمن على الشيعة الأذربيجانيين في النزاع المتواصل بينهما.20 ثم أن معظم القادة الإيرانيين المدنيين والعسكريين المُلتزمين عقائدياً، لايجدون غضاضة في تطوير روابط مهمة مع أنظمة مُلحدة كالصين وكوريا الشمالية وفنزويلا.

علاوة على ذلك، تشي علاقة إيران المُقلقة والمُحرجة مع تنظيم القاعدة، بأن ثمة ماهو أكثر من الأهداف الطائفية في سياستها الخارجية. فقد أقام عدد قليل متناثر من ناشطي القاعدة وعائلاتهم في إيران بين الفينة والأخرى منذ الغزو الأميركي لأفغانستان في العام 2001. أول موجة من هؤلاء، ضمّت أفراد عائلة أسامة بن لادن التي حطّت الرحال في إيران بعد فرارها من وجه القوات الأميركية في أفغانستان. وقد وضعتهم السلطات الإيرانية قيد الاعتقال استناداً إلى قواعد قانونية غامضة. بيد أن الوثائق الداخلية التي صودرت في أيار/مايو 2011 خلال غارة أبوت أباد التي قُتَلَ فيها أسامة بن لادن، تعتبر إيران عدوا، لا حليفاً، وتُسبغ عليها وعلى الشيعة نعوتاً عنصرية.21 كما تصف أعضاء الجماعة في إيران بأنهم أسرى.

وبعد أن أطلقت إيران بعض أعضاء القاعدة العام 2009، لمّحت مذكرة داخلية رُفِعَت إلى أسامة بن لادن أو إلى مساعديه بأن هذه الخطوة ربما كانت حصيلة عمليات التنظيم ضدها، بما في ذلك خطف “نائب القنصل التجاري الإيراني في بيشاور” (مدينة في باكستان). ويوضح كاتب الرسالة أيضاً أن اتصالات القاعدة مع طهران “معدومة عمليا”: “إنهم (الإيرانيون) لايبعثون برسائل إلينا.. هذه عقليتهم وأساليبهم. إنهم لايريدون أن يكشفوا أنهم يتفاوضون معنا أو يتفاعلون مع ضغوطاتنا”.22

مع ذلك، يبدو أن ثمة شكلاً من أشكال التفاعل المُتواصل بين القاعدة وإيران. فعدا عن الأسرى، سُمِحَ لأعضاء آخرين في التنظيم بالمجيء والعيش في إيران بحُرية. ففي تموز/يوليو 2016، فرضت وزارة المالية الأميركية عقوبات على العديد من أعضاء القاعدة الذين يُعتقد أنهم يعيشون في إيران، بسبب دعمهم النشط للعمليات الإرهابية عبر المنطقة، بما في ذلك في سورية.23 لكن، من غير الواضح أي هدف يخدم أعضاء القاعدة المقيمين في إيران وما وضعيتهم هناك، وكيف يقومون بأعمالهم بحرّية. وعلى رغم أن إيران والقاعدة في حالة حرب في سورية واليمن، إلا أنهما طورتا علاقة مفيدة للطرفين، على الأقل في ما يتعلّق بوجود ونشاطات أعضاء القاعدة العاملين انطلاقاً من إيران. وكما تستنتج أكاديمية “وست بوينت” العسكرية الأميركية من وثائق أبوت أباد، تبدو العلاقات بين إيران والقاعدة “مُترعة بالصعوبات”.24 فإيران تثمّن في الغالب الوجود المحدود للقاعدة على أراضيها بكونه شكلاً من أشكال النفوذ والسطوة اللذين يمكن توظيفهما ضد الولايات المتحدة، أو ضد جيران كالسعودية وباكستان، أو ضد دول يُعتقد أنهم يتحدرون منها.25 وتعتقد وزارة المالية الأميركية أن إيران أبرمت صفقة مع هذه المنظمة الجهادية تسمح لها بموجبها بتواجد صغير ومحدود، في مقابل عدم قيامها بعمليات إرهاب أو تجنيد ضمن حدودها.26 وربما تعتبر إيران أيضاً أن أعضاء القاعدة يمكن أن يكونوا رهائن لديها إذا ما أطلّت الحاجة برأسها. لكن، كيفما كان الأمر، مثل هذا الترتيب غير مريح سياسيا.

لماذا تنسج الجمهورية الإسلامية علاقات من الصعب أن تنسجم مع معتقداتها الدينية؟ لأنها تتوافق عموماً مع سياسات النظام وعدائيته للولايات المتحدة، أو لأنها تخدم بعض الأهداف الاقتصادية أو الاستراتيجية. والحال أن معظم علاقات إيران ليست مسُوقة بالاعتبارات الدينية أو الإيديولوجية، بل تستند سياساتها الخارجية، مثلها مثل معظم الدول، إلى عوامل عدّة. وحين يأتي دور الدين، فإنه يتقاطع عادة مع أبرز المصالح الاستراتيجية والأمن القومي. بكلمات أوضح، تتحرّك السياسة الخارجية الإيرانية في العديد من الحالات على إيقاع ميولها المرتبطة بالسياسة الواقعية؛ تلك الميول التي تمكّنها من الانخراط في صفقات أسلحة مع الولايات المتحدة وإسرائيل خلال الحرب العراقية- الإيرانية، والحفاظ على علاقة محدودة مع القاعدة، وإبرام شراكة استراتيجية مع روسيا.27

المعضلة مع مبدأ تصدير الثورة

كي نفهم الأساس المنطقي لهذه السياسة الخارجية الإيرانية، يتعيّن أن نلاحظ أن ثورة 1979 كانت قبل كل شيء رفضاً للهيمنة الأجنبية على البلاد، خاصة منها النفوذ الأميركي. فالقضايا الرئيسة التي لمّت شمل المعارضة الإيرانية المتنوّعة، كانت النزعة المعادية للإمبريالية والولايات المتحدة. وقد استخدم الثوريون شعاراً شعبوياً- لاشرق ولاغرب- لتوكيد رغبتهم بأن تشق إيران طريقاً إيديولوجياً وسياسياً مستقلا. تضمنت الثورة ألواناً من القومية الإيرانية والإسلاموية التي رددت أصداء فكر الفيلسوف فرانز فانون، وأرادت صياغة الإسلام الشيعي بوصفه النظام السياسي الوطني والمحلي الحقيقي. إضافة إلى ذلك، كان لدى الخميني أجندة إسلامية قوية.

بعد الثورة، برز الخمينيون كجناح مُهيمن، وكان عداؤهم لأميركا حازماً وجازماً، تماماً كرغبتهم في إقامة حكم إسلامي على إيقاع نظرية الخميني في ولاية الفقيه. هذا النظام من الحكومة الدينية، التي تمّ تبينه في دستور الجمهورية الإسلامية العام 1979، وضع السيطرة الكلّية تقريباً بين يدي رجل دين شيعي واحد، هو المرشد الأعلى الذي سيُشرف على كل أفرع الدولة وله حق النقض (الفيتو) على عملية صنع القرار. وقد عمل المرشدان، وهما الخميني الذي تسلّم المنصب من 1979 وحتى وفاته في 1989، وعلي خامنئي الذي خلفه في ذلك العام ولايزال في هذا المنصب، كمشرفين عامين على عملية صنع القرار وليس كمديرين لكل دقائقها. صحيح أن مكتب المرشد الأعلى في عهد خامنئي بات أكثر انخراطاً في تقرير السياسات عما كان الأمر في عهد الخميني، إلا أن الهيئات الرسمية مُنحت عموماً حرية تطبيق أجنداتها، طالما أنها لاتخرج عن السياقات التي يحددها المرشد الأعلى.

هناك، عدا المرشد الأعلى، مؤسسات حكومية أخرى استُحدِثَت بعد الثورة للنهوض بالمهام اليومية الخاصة بوضع السياسة العامة وتنفيذها، منها السلطة التنفيذية المُنتخبة ديمقراطياً المنوط بها السياسة الخارجية. أما مجلس صيانة الدستور- الذي يتكوّن من فقهاء شيعة دينيين ومدنيين- فيقوم بالتدقيق في ملفات المرشحين للمناصب، ويعمل لضمان توافق وانسجام سياسات الحكومة مع الشرع الشيعي. ويُعتبر المجلس الأعلى للأمن القومي اليوم أهم هيئة في إيران لصنع القرارات الاستراتيجية، وهو يتألف من كبار المسؤولين الحكوميين، والقادة العسكريين، وممثلي القائد الأعلى. ويُقال إن هذا المجلس هو الذي يجب أن يُقرّ رسمياً القرارات الاستراتيجية والسياسات الخارجية، سواء جاءت من الحكومة أو من الحرس الثوري، قبل أن تشق هذه طريقها إلى حيّز التنفيذ.

الجزع الغامر من احتمال قيام الولايات المتحدة وحلفائها بمحاولة قلب نظام الحكم الثوري الناشىء، هو الذي أملى حسابات وآليات صنع القرار في إيران. وجاء غزو العراق لإيران في أيلول/سبتمبر 1980، والحرب التي تلته، ليجسّد أيّما تجسيد هذا التوجُّس. كما أن الدعم الذي أغدقته الدول الغربية وجيران إيران العرب على صدام حسين خلال الحرب، أثبت لها أن واشنطن وحلفاءها لن يألوا جهداً مهما كان لإلحاق الهزيمة بثورتها.28 كانت إيران آنذاك مُزنَّرة بدول معادية لها، ومنسلخة عن معظم المجتمع الدولي؛ وصديقتها الوحيدة كانت سورية في عهد حافظ الأسد، التي تشاطرت معها العداء لعراق صدام حسين.

بيد أن قيادة طهران لم تعتبر أن تباعدها وعزلتها هما حصيلة سلوكها المعادي وخطابها الحاد، بل أطلّت عليه، على العكس، على أنه مؤامرة إمبريالية ضد الجمهورية الإسلامية الوليدة تستهدف تدمير نظامها الديني. وهكذا، أكد الخميني في العام 1984 أن الحرب لاتُشن ضد إيران بل ضد الإسلام الذي ترفع طهران لواءه:

“القوى العظمى مُصمِّمة على معارضة الإسلام في الوقت الراهن، والأنظمة الدُمى تسير في ركابها.. هل إيران التي تهددهم أم الإسلام؟ إذا مادعوا العرب إلى التوحُّد، فهذه ستكون دعوة للتوحُّد ضد الإسلام. إنهم يعتبرون الإسلام معادياً لمصالحهم. أنتم… يجب أن تلاحظوا أن كل القوى انتفضت ضد الإسلام وليس ضد إيران.. وإذا ماسنحت لهم الفرصة وإذا لم تنتبهوا فإن الإسلام سيُجتث”.29

أثبتت الحرب لقادة إيران المقولة بأنهم إذا ما أرادوا حقاً حماية الثورة، يتعيّن عليهم نشر إيديولوجيتها وسياساتها خارج حدود البلاد. أفضل دفاع، في تقديرهم، كان الهجوم الجيّد، ولذا تبنّوا شكلاً راديكالياً متطرفاً من الدُولانية (Internationalism) وأطلّوا على السياسة الخارجية بكونها وسيلة لإدارة النزاعات والتهديدات الوشيكة، وليس لتوطيد التحالفات وأوجه التعاون (أي عملياً رفض معايير الدُولانية الليبرالية).30 وشملت مثل هذه المقاربة سياسة تصدير الثورة، التي عنت نقل سياسات الثورة وقيمها الإيديولوجية إلى الكيانات المُضطهدة الأخرى- خاصة في العالم النامي-، ومساعدة الحركات الإسلامية وحركات التحرُّر المُماثلة على تحقيق حق تقرير المصير.31

الحرس الثوري كان الآلية الرئيسة لتحقيق هذه السياسة. وكما قالت هذه المنظمة العام 1980:

“لامناص أمامنا سوى تعبئة كل القوى المؤمنة في الجمهورية الإسلامية، وأيضاً تعبئة كل القوى في المنطقة برمتها. يجب أن نُلقي الرعب في قلوب أعدائنا حتى تهجر قلوبهم فكرة غزو وتدمير ثورتنا الإسلامية. وإذا لم يكن لدى ثورتنا رؤية عالمية وهجومية متّقدة، فسيعمد أعداء الإسلام إلى استعبادنا مجدداً ثقافياً وسياسيا”.31

سعت إيران، تحت ظلال مبدأ تصدير الثورة هذا، إلى إبرام شراكات مع مروحة من القوى غير الدُولتية. فهي ضخّت عبر الحرس الثوري المساعدات إلى معظم المنظمات الفلسطينية- كما دعمت أيضاً متشددين مسيحيين فلسطينيين كجورج حبش ومنظمته العلمانية (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين). وأدّى جهد مماثل إلى تنظيم مجموعات شيعية غير إيرانية لم تقبل – على عكس الفلسطينيين- الدعم الإيراني وحسب بل تبنّت أيضاً الإيديولوجيا الخمينية. حزب الله اللبناني كان النموذج الأكثر سطوعاً لنجاح الحرس الثوري في مجال حياكة علاقة ولاء وثيقة مع كيان أجنبي وفق خطوط سياسية ودينية مشتركة. أما قصة النجاح الأخرى فتمثّلت في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وجناحه العسكري فيلق بدر، اللذين أسسهما المهاجرون العراقيون في إيران ودرّبهما الحرس الثوري إبّان الحرب العراقية- الإيرانية.33

وهكذا، أصبح الدعم الجازم للجماعات غير الدُولتية في الشرق الأوسط عاملاً تأسيسياً في سياسات إيران الخارجية في حقبة مابعد 1979، واعتبره قادة إيران مقاربة ضرورية لأمن ونجاح الثورة الإسلامية على المدى البعيد. وعلى رغم أن حجم النشاطات الخارجية الإيرانية وَهَنَ طيلة الثمانينيات والتسعينيات، حين عكفت البلاد على معالجة اقتصادها الممزّق، تواصل الدعم للمنظمات الحليفة خارج حدودها، ومعه استمر السعي لاقتناص الفرص لتوسيع قاعدة وكلائها، كما فعلت في حرب البوسنة في التسعينيات.34

أصبحت هذه العلاقات، مع الوقت، استثمارات استراتيجية حيوية آتت أُكلها لإيران. فمعها باتت هذه الأخيرة قادرة على تطوير دور غير عادي لها ولوكلائها في أهم النزاعات والقضايا السياسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي للبنان، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الأوسع، والاحتلال الأميركي للعراق، والحرب المتواصلة في سورية. لقد اكتشفت إيران، التي استبعدها وعزلها جيرانها، فوائد جمّة في إبرام الصداقات مع مجموعات غير دُولتية.

حدود النزعة الإسلامية وبروز الوكلاء غير الدُولتيين

على رغم أن الجمهورية الإسلامية هي بجلاء تام مشروع شيعي، إلا أن الخميني أثبّط الطائفية الشيعية السافرة. فهو في الواقع شدّد على النزعة الإسلامية، وأطلق نداءات بشكل منتظم إلى السنّة داعياً إياهم إلى الوحدة الإسلامية. كان الخميني يُحاجج بأن أعداء الثورة الإيرانية- الولايات المتحدة وإسرائيل والإمبريالية- هم بوضوح أعداء الإسلام، وبأنهم يسعون إلى إضعاف الأمة العالمية الإسلامية عبر مفاقمة النزاعات الداخلية المذهبية. وفي بيان أذاعه العام 1980، أكد الخميني:

“المُشجي والأخطر من القومية هو خلق الفُرقة بين السنّة والشيعة، ونشر الدعاوي الخبيثة بين الأخوة المسلمين.. أنا أمد يد الأخوة إلى كل المسلمين المُلتزمين في العالم، وأطلب منهم أن يعتبروا الشيعة إخوة أحباء لهم، وبهذا نُثبط مخططات الأعداء الشريرة”.35

علاوة على دعوات الوحدة هذه، كان الخميني يريد أيضاً أن تُلهم الصيغة الإيرانية من الحوكمة الإسلامية، التي قذفت برجال الدين إلى مواقع السلطة السياسية وصنع القرار، المجتمعات الإسلامية الأخرى وتدفعها إلى تبني أنظمة دينية مُشابهة. لقد تبنّى الخميني القضايا الإسلامية، وجعل فلسطين القضية الأعلى والأسمى على ماعداها، كي يُظهر أن حركته ومصالح الجمهورية الإسلامية لها قاسم مشترك مع العالم الإسلامي الأوسع. وهكذا أطلّ الخميني ومعه أعتى أنصار تصدير الثورة – مثل أية الله منتظري الذي كان يُفترض أنه خليفته المحتمل -، وابنه محمد منتظري، وعلي أكبر محتشمي، على مسالة دعم الحركة الفلسطينية على أنها أكبر اهتمامات إيران في السياسة الخارجية.36 لا بل أناط أية الله منتظري بالحرس الثوري مهمة قيادة عملية الدعم للفلسطينيين:

“إن تحرير القدس الحبيبة قضية مهمة لنا. وبالتالي، وفي سبيل تحقيق شعار “اليوم إيران، غداً فلسطين”، ولتعزيز الروابط العميقة بين الثورة الإسلامية في إيران وبين الثورة الفلسطينية، سيكون من المناسب أن ينفّذ الحرس الثوري برامج معيّنة (بين الناس) في داخل البلاد وخارجها لتعزيز الأسس الإيديولوجية، وكذلك لترقية وتوسيع معرفتهم الدينية بالمسلمين الفلسطينيين”.37

فاق دعم الفلسطينيين أي نزوع طائفي شيعي خفي. المثال الفاقع على ذلك كان الدعم المكين بعد الثورة الذي قدمته إيران إلى حركة فتح بقيادة ياسر عرفات في نزاعها مع حركة أمل الشيعية في جنوب لبنان- وهي منظمة أسّسها رجل الدين الإيراني الشيعي موسى الصدر ومساعده مصطفى شمران، الذي كان هو نفسه شخصية بارزة في الثورة الإيرانية.38 كانت حركة أمل مشروعاً طائفياً يركّز على استنهاض الطائفة الشيعية اللبنانية المُهمشة منذ أمد بعيد سياسياً واجتماعيا. بيد أن أمل فقدت حظوتها بسرعة لدى الخميني، لأنها بدت مهتّمة بتوكيد مصالح شيعة جنوب لبنان على حساب مصالح المُتشدّدين المنفيين من الفلسطينيين في لبنان (أقام هؤلاء الأخيرون قواعد في المناطق الشيعية عبر المصادرة والقمع، فأثاروا بذلك توترات ونزاعات مع حركة أمل).39 لكن إيران قطعت علاقاتها في نهاية المطاف مع عرفات بعد أن دعم الزعيم الفلسطيني صدام حسين في الحرب العراقية- الإيرانية. ومع ذلك، بقي الدعم للحركة الفلسطينية الأوسع وللمنظمات الفلسطينية المُتشددة أولوية لإيران.

بيد أن هذا الدعم الحماسي للفلسطينيين لم يستجلب للخميني أو لقضيته دعماً سنيّاً يُعتد به. فالنكهة الشيعية الخاصة للثورة الإسلامية وللنظام الديني، المنغرسين بعمق في التقاليد الفقهية، خفضت بشكل حاد جاذبية نموذج الخميني في أعين القواعد الإسلامية السنّية.40 وقد حاول نشطاء إيرانيون تحقيق اختراقات في صفوف المنظمات الإسلامية السنّية، من أريتريا إلى الفيليبين،  لكن الرسالة الخمينية بقيت عصية على الرواج.41

لم يكن السنّة وحدهم من جانبوا تقبّل هذه الرسالة. إذ حمل رجال دين شيعة بارزون خارج إيران على حجر الزاوية في إيديولوجيا الخميني- الحكومة الإسلامية بقيادة رجال الدين- بكونها انحرافاً عن الدور اللاسياسي لرجال الدين في المجتمع الشيعي.42 كما لم تحظَ أفكار الخميني بالترحاب في بعض الدوائر الدينية ولم تكُ جذابة للعامة بين الجاليات الشيعية في جنوب آسيا والعالم العربي. 43

لكن رسالة الخميني لقيت صدىً في أوساط النشطاء الشيعة المُسيسين أصلاً في العراق ولبنان. وكان الثوريون الإيرانيون (بما في ذلك قادة دينيون وأوائل أعضاء الحرس الثوري) قد شكَّلوا شبكات غير رسمية في لبنان وبين شيعة العراق قبل الثورة. كما أفادوا من روابط سابقة مع نشطاء من الشيعة العرب ونجحوا، بدعم من الدولة، في تحويل هذه العلاقات إلى منظمات تابعة لإيران.44

أفادت هذه الجهود من الخلل الاجتماعي والسياسي الذي أفرزته الصراعات الإقليمية. وفي حالة حزب الله، كان الغزو الإسرائيلي للبنان العام 1982 نقطة تحوُّل في السياسات المحلية الشيعية، حيث سرّع الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان من وتائر الانقسام داخل حركة أمل، ودفع النشطاء الأكثر تشدّداً فيها إلى الانتقال بحزم إلى المعسكر الموالي للفلسطينيين وباتوا أكثر تقبُّلاً لإيديولوجيا وسياسات الخميني.45 وفي العراق، أدى قمع صدام حسين للجماعات الشيعية السياسية، والذي تصاعد بعنف بعد الثورة الإيرانية، إلى تعميق نزعة التطرف لدى النشطاء الشيعة العراقيين، وأسفر عن طفرة في أعداد المنفيين الشيعة العراقيين الذين استقروا في إيران. دعم إيران لهذه المجموعات أنتج حزب الله في لبنان ومنظمات عراقية في المنفى مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وفيلق بدر في إيران. وكل هذه الحركات تبنّت الإطار العام للإيديولوجيا الخمينية.

بيد أن إيران أصابت نجاحاً أقل في أماكن أخرى. فقد حاولت في الثمانينيات تأطير وكلاء متناظرين مع إيديولوجيتها بين شيعة أفغانستان والمسلمين السنّة الطاجيك، وجاءت الحرب السوفييتية في أفغانستان لتفتح لها منفذاً لتقديم دعمها. وعلى رغم أن هذا الدعم ساعد على تطوير بعض الوكلاء الموالين إسمياً لطهران داخل البلاد، إلا أن هؤلاء لم يندمجوا في حركة واحدة مُستدامة.46 صحيح أن إيران حافظت على اتصالات مع ميليشيات الهزارة والطاجيك وواصلت مدّهم بالدعم في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، بيد أن هذه المساندة لم تلفح الخمينية أو الأهداف السياسية الإيرانية الأوسع بجاذبية خاصة.47 وبالمثل، كان تدخل الحرس الثوري الإيراني في نزاع البلقان في أوائل التسعينيات، حيث زوّد الميليشيات الإسلامية البوسنية بالأسلحة وأشكال دعم أخرى، قصير العمر نسبياً ولم يُوفّق في بناء حركة راسخة موالية لإيران.48

بعد الحرب مع العراق، تحوّلت الروابط مع حزب الله والفصائل الفلسطينية إلى أصول استراتيجية لإيران، ووفّرت لها طيلة التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين رادعاً موثوقاً ضد الهجمات الإسرائيلية والأميركية. كان في وسع إيران، بفعل قدرتها على التهديد بالتصعيد عبر وكلائها، أن تستخدم هؤلاء كأدوات في التعامل مع عدوَّيها الرئيسَيْن. ومن المحتمل أن تكون هذه الديناميكية قد بلورت بالنسبة إلى إيران مدى أهمية تطوير شبكات الوكالة هذه والحفاظ عليها في المواقع الجغرافية ذات الأهمية الاستراتيجية.

كان سقوط صدام حسين العام 2003 نقطة انعطاف في الشرق الأوسط. فهو وفّر الفرصة للشيعة العراقيين المُضطهدين منذ آماد طويلة للعودة إلى العمل السياسي، وأشرع الأبواب أمام النفوذ الإيراني. وهكذا، سرعان ما هرع حلفاء إيران في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وفيلق بدر الذي درّبه الحرس الثوري إلى العودة إلى البلاد من المنفى، وأصبحوا جزءاً من الواقع السياسي العراقي الجديد. لكن السياسات الداخلية العراقية أثبتت أنها عامل معقّد في علاقات إيران. ففي خضم سعيه لإبعاد نفسه عن الانطباع بأنه وكيل إيراني، بدّل المجلس اسمه ليصبح المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، وخفّفت قيادته الدينية من التزاماتها السابقة إزاء الخمينية.49 وهذا مادفع إلى بروز انشقاق في فيلق بدر بقيادة هادي العامري، الذي شكّل كياناً سياسياً جديداً بقي على صلة وثيقة بالحرس الثوري وطهران، أسماه منظمة بدر.50

تزامن الاحتلال الأميركي للعراق مع تصعيد إدارة الرئيس آنذاك جورج دبليو بوش حملاتها الإعلامية على إيران. وحتى قبل ذلك، اعترت المخاوف قادة إيران بعد أن صُنِّفت بلادهم في “محور الشر” خلال خطاب بوش حول حالة الأمة العام 2002، ثم مالبثت هذه المخاوف أن تفاقمت مع تزايد التهديدات العسكرية الأميركية.51 وجاء الكشف علناً عن البرنامج النووي السرّي الإيراني ليوفّر لبوش سبباً مباشراً لرفع وتائر الضغط على طهران. ويجب أن نضيف إلى ذلك مشاعر التهديد التي اعترت هذه الأخيرة بسبب وجود مئات آلاف الجنود الأميركيين على طول الحدود مع العراق، ناهيك عن وجود عسكري أميركي آخر في أفغانستان. وهذا مادفع الحرس الثوري إلى الرد بتدشين برنامج سرّي لتنظيم وتدريب ميليشيات شيعية صغيرة واستخدامها لشن الهجمات على القوات الأميركية.52 كان في وسع طهران، عبر وكلائها الشيعة، أن تضايق وتستهدف بالوكالة الوحدات الأميركية، كما كان في مقدورها التهديد بتصعيد العنف إذا ما وجهت الولايات المتحدة ضربات إليها. هذه الميليشيات، وعلى عكس حلفاء إيران البادين للعيان بجلاء، كانت مُنسجمة مع الإيديولوجيا الإيرانية وأكثر انخراطاً في العنف الطائفي، خاصة خلال الحرب الأهلية بين 2006-2007. 53  وقد طبّقت إيران استراتيجية مماثلة في أفغانستان، حيث زوّدت بالسلاح أقساماً من حركة التمرد ضد الأميركيين، بيد أن هذه الروابط لم تؤدِّ إلى خلق قاعدة وكيلة قوية وملتزمة بأجندتها كتلك التي برزت في العراق.54

تحوّلت الميليشيات العراقية، بعد أن نمت حجماً وازدادت نفوذاً، إلى وسيلة في يد إيران للتأثير على السياسات العراقية من تحت. وجنباً إلى جنب مع العلائق المديدة مع بدر والمجلس الأعلى والروابط الجديدة المتأنّية مع سياسيين شيعة بارزين، استطاع النفوذ الإيراني التغلغل في تضاعيف الديناميكيات السياسية العراقية.

هذه العلاقات، خاصة مع الرابط الوثيق للمجلس الأعلى مع الميليشيات الشيعية المتطرفة، جعلت إيران بشكل قطعي لاعباً طائفياً في العراق.

الطائفية والربيع العربي

يُعتبر علي خامنئي، كسلفه، من الدُعاة المُتحمّسين للوحدة الإسلامية. وهو يرى أن الانقسامات في العالم الإسلامي ليست ظاهرة طبيعية، بل حصيلة الدعاوة الاميركية وسياسات حلفاء الولايات المتحدة. لا بل هو ينفي الطابع الشيعي للجمهورية الإسلامية، مؤكّداً على سبيل المثال:

“كانت القوى المتغطرسة تحاول منذ انتصار الثورة الإسلامية أن تصوّر ثورتنا على أنها شيعية.. لكن لو كانت ثورتنا شيعية، لأصبحت معزولة عن العالم الإسلامي ولاعلاقة لها به. والعالم الإسلامي لم يكن ليقيم معنا علاقة أيضاً. كان سيُبدي العداء لثورتنا، لكنه لاحظ أن ثورتنا ثورة إسلامية”.55

تكشف هذه المزاعم عن السمعة التي يرغب خامنئي في أن تكون لصيقة بصورة إيران. إلا أنها تفقد مصداقيتها على ضوء السلوك الإيراني الراهن في الشرق الأوسط، ولاسيما منذ انطلاقة الربيع العربي.

لقد رحّبت إيران، في البداية، بالاحتجاجات الشعبية التي انتشرت في مختلف أرجاء العالم العربي في أواخر العام 2010 ومطالع العام 2011. وكانت مفارقة أن تُبدي مثل هذه الحماسة، بعد التخبّط الذي عانته هي لدى اندلاع اضطرابات حاشدة في إيران، إبان النزاع الذي أثارته إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد لولاية جديدة في العام 2009. فعلى الرغم من التنديد الغربي، لم تتوانَ القوى الأمنية الإيرانية آنذاك عن قمع التظاهرات بعنفٍ شديد، ضاربةً عرض الحائط بالتظلُّمات المشروعة للمواطنين الإيرانيين، ومُندِّدةً بالأحداث لكونها مؤامرة خارجية هدفها إطاحة النظام. لكن، حين عمّت الاحتجاجات البحرين ومصر، هلّل القادة الإيرانيون لمشاعر التململ التي أُفلتت من عقالها، وقالوا إنها مُحقّة ومشروعة. كانت للمسؤولين الإيرانيين تصريحات قوية النبرة في شكل خاص في الملف البحريني، ودعوا أسرة آل خليفة السنّية الحاكمة إلى احترام الديمقراطية الشعبية والنزول عند رغبة الشعب. كانت المشكلة بسيطة، كما رآها علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري السياسة الخارجية في فريق المرشد الأعلى الإيراني:

“أعلن شعب البحرين أنه ليس في حالة حرب مع أحد. إنه يطالب بـ[مفاوضات] بينه وبين النظام. يطالب باعتماد نظام “الصوت الواحد للشخص الواحد”… لايجوز التعامل مع الشيعة على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في البحرين. إنهم يشكّلون نحو 60 إلى 70 في المئة من السكان هناك. ويجب أن تكون حصتهم في التصويت متكافئة مع هذه النسبة.56

في نظر ولايتي، جوهر القضية في البحرين ليس الهوية الدينية، بل الإنصاف. للبحرينيين، سواءً كانوا شيعة أم لا، الحق في إسماع أصواتهم. وإذا حدث أيضاً أن إيران تضم أكثرية شيعية، فهذا لايعني أن دعمها لأبناء الطائفة الشيعية في البحرين مدفوعٌ بمصالح مذهبية. ثم أبرز ولايتي الدعم الواسع الذي تقدّمه بلاده لجميع المسلمين لدرء اتهامات التحيّز عنها:

“ألم يسبق أن قدّمنا، نحن في الجمهورية الإسلامية، الدعم لحركة حماس والجهاد الإسلامي، وكلاهما من الطائفة السنّية؟ ألم نقدّم الدعم للبوسنيين، إخوتنا السنّة؟… لم يعد مجدياً في هذه الأيام حوك مثل هذه المؤامرات، والادّعاء أن البحرينيين، بصفتهم من الطائفة الشيعية، يتحرّكون ضد حكومة سنّية تحت تأثير الإيرانيين”.57

من الحجج الأكثر شيوعاً التي يلجأ إليها المسؤولون الإيرانيون، ومنهم ولايتي، ردّاً على مايُثار عن ميول مذهبية لدى إيران، القول إن لبلادهم أصدقاء في الطائفة السنّية، مايُسقط عنها برأيهم صفة التعصب المذهبي. غير أن ذلك لم ينجح في تهدئة المخاوف التي تقضّ مضاجع الدول المجاورة لإيران.

لم يكن التعصُّب المذهبي هو الشرارة التي ألهبت الاحتجاجات في البحرين في شباط/فبراير 2011، وبالطبع، لم تكن إيران العقل المدبّر لها، بحسب ما أظهره الخبيران في شؤون الشرق الأوسط، توبي ماثييسنToby Mathiessen وفريدريك ويريFrederic Wehrey . بل كانت حركة شعبية انطلقت من رحم طائفة مهمَّشة، مع أنها تشكّل أكثرية عددية، للمطالبة بمشاركة أكثر للجميع وبالإصلاح السياسي.58 غير أن الانتفاضة الشيعية، وبغض النظر عن الأسباب، أحيت المخاوف المتوغّلة عميقاً في نفوس قادة الدول في الخليج العربي الذين لطالما تملّكتهم الخشية من قيام إيران باستخدام السكّان الشيعة لزعزعة الاستقرار في أنظمتهم الملَكية. لقد رأوا ضلعاً لإيران في الاضطرابات، ورصّوا الصفوف للتحرُّك والقضاء عليها.

والحال أن إيران أضرّت بالحركة الاحتجاجية في البحرين، حين بدت كنصير أساسي لها، ولاسيما بعدما سُحِقَت هذه الحركة في عملية عسكرية عنيفة شنّها مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية. لقد سبق أن ربطت السلطات البحرينية بعض الناشطين الشيعة المحليين بالحرس الثوري الإيراني، فتحوّل هذا الأخير إلى كبش محرقة سهل يُستخدَم لتقويض شرعية الاحتجاجات. وعندما بدأ المعلّقون التابعون للحرس الثوري الإيراني يهدّدون بالانتقام رداً على التدخل العسكري، ساهموا في جعل الروابط الضعيفة بين إيران والحركة الاحتجاجية تبدو أقوى مما هي عليه في الواقع. ورد في افتتاحية في صحيفة “جافان” المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني:

“على السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أن تعلما أنه يجب عليهما أن تتوقّعا عند ارتكاب أول حمام دم أو مجزرة بحق الشعب البحريني، ردّاً قاسياً سيجعل الملك البحريني والقوات السعودية والإماراتية في وضع غير آمن. وكذا الأمر بالنسبة إلى القاعدة العسكرية الأميركية التي تضم 5000 عنصر والتي لن تبقى بأمان، بل ستتلقى ضربة قوية بسبب المسؤولية المشتركة. سوف يجري التعامل معهم انطلاقاً من المنطق القرآني القائل بمبدأ العين بالعين والسن بالسن. على هذين البلدَين أن يتقبّلا أيضاً انتشار الحركات الثورية داخل أراضيهما”.59

ثم خَلُصَ الكاتب إلى أنه في حين تحصد واشنطن وحلفاؤها الخسران في الربيع العربي، تُحرز إيران “تقدماً في مايتعلّق بأهدافها”. كما أكّد بثقة أن “التغييرات في منطقة الشرق الأوسط متناغمة ومتّسقة مع أهداف إيران”.60 مثل هذه البيانات توضح بجلاء أن الانتفاضة في البحرين خدمت من منظور الحرس الثوري أجندة إيران.

بيد أن مساندة إيران الحماسية للربيع العربي تعثّرت حين اصطدمت بسورية. بالطبع، لاتفتقر السياسات الدولية إلى الرياء والنفاق، خاصة في الشرق الأوسط. وإيران ليست استثناء لهذه القاعدة. ففي حين أنها هلّلت  لسطوع إرادة شعب البحرين، أدانت المؤامرة الخارجية التي تخلق الاضطرابات في سورية. وأيضاً فيما هددت المظاهرات في مصر والبحرين أنظمة غير صديقة لها، جاءت احتجاجات سورية لتعرّض أهم حليف لها إلى  مخاطر شتى. كانت سورية في عهد حافظ الأسد حليف إيران الوحيد في المنطقة، لا بل كانت واسطة العقد  في استراتيجيتها ضد إسرائيل والولايات المتحدة. كما كان بشار الأسد المحور الرئيس لعمليات الدعم الإيرانية لكلٍّ من حزب الله ولكوكبة من محور المقاومة التابع لطهران. وحين خرجت الاحتجاجات عن سيطرة النظام،  تقدّم الحرس الثوري الصفوف لمساعدة الأسد على سحق التمرد المتصاعد. وحينها، أوضح قائد فيلق القدس قاسم سليماني دوافع إيران كالتالي: “هدف أميركا الرئيس هو كسر جبهة المقاومة، ونحن سندعم سورية حتى النهاية”.61

عمد أعداء إيران ومنافسوها إلى دعم المتمردين، وغالبيتهم من السنّة، مافاقم وتائر المخاطر بالنسبة إلى طهران. وقد خلُصت هذه الأخيرة إلى أنه إذا هُزِمَ الأسد واستُبدل برئيس تابع للولايات المتحدة ولمنافسيها العرب الخليجيين، فسيلحق بالمصالح الإيرانية أفدح الأضرار. كان دعم إيران للأسد، ببساطة، وسيلة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، كما كان حاجة ملحّة لمنع حركة فتّاكة مناوئة للشيعة يرعاها أعداء إيران، من الاستفحال في المنطقة. جاء في افتتاحية لصحيفة “سياست روز” الإيرانية المحافظة:

“أحد الأحلام العصيّة على التحقُّق للولايات المتحدة ولحلفائها آل سعود، هو أن تصبح إيران مثل سورية. إنهم يحلمون أنه بعد سقوط الأسد، سيأتي دور إيران كي تغزوها جماعات التكفيريين، والسلفيين، والقاعدة، كما يفعلون في سورية. والواقع أن آل سعود بدأوا حرباً ضد إيران، لكن جنود هذه الحرب ليسوا الجيش السعودي بل الوهابية المتطرفة والإرهابيون التكفيريون الذين يكنّون البغضاء ويضمرون العداء للإسلام الشيعي. ويجري الآن بث الأخبار والتقارير التي تحمل مواقف معادية لإيران والشيعة والتي يطلقها رجال دين في هذه الجماعات، بهدف تصعيد الأجواء المعادية لإيران”.62

ادّعت إيران دوماً، في معرض دفاعها عن دورها في الحرب السورية، أنها تُقارع مؤامرة خارجية تستهدف إطاحة الحكومة الشرعية في دمشق. لكن، كان من المستحيل في الواقع إخفاء الأبعاد الطائفية للنزاع. فحلفاء إيران في سورية موالون لبشار الأسد. وعلى رغم وجود سنّة ومسيحيين بين هؤلاء الموالين، إلا ان العلويين (أي الأقلية الشيعية نفسها التي تتحدّر منها عشيرة الأسد) تحتل معظم مواقع السلطة. ومع تسارع رحى الحرب، سهّلت إيران دخول حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية، ومؤخراً المرتزقة الشيعة الأفغان والباكستانيين، إلى سورية لدعم النظام. وهذا ماجعل الجانب الإيراني من الصراع شيعي وطائفي بشكل واضح، تماماً كما أصبح التمرد سنيّاً.

بذلت إيران والحرس الثوري قصارى جهدهما لحرف الأنظار عن هذه الواقعة، عبر نفي أي أجندة طائفية والتشديد بدلاً من ذلك على أن حربهما ليست ضد السنّة بل ضد الأرهابيين والتكفيريين (وهذا التعبير الأخير مستخدم على نطاق واسع لوصف إيديولوجيا الجماعات الجهادية مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية المُعلنة ذاتيا) الذين يعتبرون زملاءهم المسلمين الذين لايشاطرونهم معتقداتهم كفارا، وبالتالي لايحظون بحماية الشريعة الإسلامية. لكن النزعة التكفيرية بالنسبة إلى المسؤولين الإيرانيين مترادفة مع الصيغة الوهابية من المذهب السنّي التي تروّج لها السعودية. على سبيل المثال، أشار علي أكبر ولايتي إلى السعودية على أنها “أصل ومصدر” النزعة التكفيرية، مضيفا: “الوهابية هي تفسير متطرف ومخطئ للإسلام، وصادراته هي داعش، والنصرة، والقاعدة… ولذا وجود السعوديين في سورية يرتبط على نحو وثيق بالجماعات الإرهابية التكفيرية”.63

وبالمثل، زعم علي لاريجاني، في معرض تعليقه على تنظيم الدولة الإسلامية والجهاديين الآخرين في سورية، أن مثل هذه الجماعات “لاعلاقة” لها بالإسلام، وأن المذهب السنّي “يرفض وينفي مبادئ ونمط تفكير” الدولة الإسلامية ومن لفّ لفّها. وأضاف: “وحدهم الوهابيون ينتسبون إلى مثل هذه المعتقدات”.64 كما صرّح أية الله صادق لاريجاني، شقيق رئيس البرلمان ورئيس هيئة القضاء في إيران، أن “التيارات التكفيرية والسلفية لاعلاقة لها بالإسلام” أو بالسنّة، بل هي طوائف إيديولوجية اختلقها الغرب “لإضعاف المجتمعات الإسلامية” من داخلها.65

ليس نفور إيران من الوهابية والجهادية السلفية أمراً مفاجئا، فكلا هذين التيارين يقولان إن الشيعة مذهب مُنحرف وخطر، ويندرج المعتقدون به خارج إطار الإسلام.66 وسبق لعبد العزيز آل الشيخ، رئيس هيئة كبار العلماء ومفتي السعودية أن قال لصحافي سعودي في أيلول/سبتمبر 2016: “يجب أن نفهم أنهم (النظام الإيراني) ليسوا مسلمين، فهم أبناء المجوس (أي الزرادشتيين)، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم وتحديداً مع أهل السنّة والجماعة”.67 هنا، أي في مثل هذا المناخ من العداء المتبادل، ينغرس خطاب المسؤولين الإيرانيين.

بيد أن لجوء إيران إلى مساواة الوهابية بالنزعة التكفيرية لايفعل شيئاً سوى مفاقمة سياسات الهوية. فالتأكيد أن الطرف الآخر ليس سنيّاً في الواقع بل حركة إيديولوجية متطرفة (تكفيرية)، أي خارج سياقات الإسلام وبالتالي ليس مُسلماً، ماهو إلا طريقة لزرع البلبلة في الديناميكات الطائفية في العراق وسورية. وكما الحال مع مفتي السعودية، يسمح هكذا خطاب للمسؤولين الإيرانيين بالانخراط في لعبة التكفير الخاصة بهم، عبر تحديد من هو ليس مُسلماً وتبرير الخطوات التالية. هذه الاتهامات قد تلامس الحقيقة بالنسبة إلى المراقبين الحياديين للوهابية، لكن حين تُصبح أداة في السياسة الخارجية فهي لاتؤدي سوى إلى المزيد من تناسل الغلظة والحدّة لدى جيران إيران السنَّة.

نحو حركة شيعية عابرة للقوميات

على رغم عمرها الذي ناهز أربعة عقود، تحرّكت الجمهورية الإسلامية على إيقاع لاطائفي حين كان الأمر يتعلّق بسياسات إقليمية وأجنبية أوسع. بالطبع، ثمة أمثلة سهّلت فيها الخلفيات الطائفية المشتركة علاقات إيران مع كيانات غير دولتية، تجسّدت أساساً بحزب الله والجماعات العراقية. لكن حين نُطِل على سلوكياتها في السياسة الخارجية بكليتها، نجد أن هذه العلاقات ليست كافية لتنم عن أن السياسة الخارجية كانت مسّوقة أساساً بنبض شيعي.

مع ذلك، تحوّل السلوك الإقليمي الإيراني منذ الربيع العربي نحو منحى برّاني أكثر طائفية. فالطائفية باتت وسيلة لإيران ومنافسيها السنّة للدفاع عن مصالحهم وأرصدتهم في صراعات المنطقة. ويبدو أن الحرس الثوري، مثله مثل أعدائه، اعتنق هذا المنطق نفسه وبات يرى إلى نفسه وإلى ساحة المعركة السياسية الإقليمية ككل من منظور طائفي. بيانات مسؤولي الحرس الثوري وسلوك منظمتهم، يشهد على مثل هذا التحوُّل، ويشي بأن أجندة الحرس في الشرق الأوسط باتت تحت سطوة النوازع الطائفية.

على سبيل المثال، أكد قاسم سليماني أن موقع إيران في العالم الإسلامي لايشق له غبار، مضيفاً: “على رغم أن عدداً من البلدان الإسلامية تزعم أنها تقود العالم الإسلامي اليوم… لا أحد منها قادر على تحمّل هذه المسؤولية الخطيرة سوى إيران”.68 لكن، ما الذي مكّن إيران من بلوغ مثل هذه الذُرى، فيما فشل العديد من الدول الإسلامية في تحقيق ذلك؟ يرد سليماني أنه يكمن في تفانيها في النشاط الخارجي “عبر دعم المقاتلين الإسلاميين والثوريين والدفاع عن المسلمين والإسلام من هجمات الأعداء”. وهذا ماسمح لإيران “بتسنُّم زمام قيادة العالم الإسلامي”.69

يعتبر سليماني أن قوة إيران تنبع من مصدرَين رئيسَيْن: “عظمة الثورة الإيرانية” و”تأثيرات الثورة على “العقيدة الشيعية المُبجّلة”. ويشير إلى العراق كنموذج “تمكّن فيه الشيعة من حصد حق الحكم”، للدلالة على مدى النفوذ الإيراني. ووفقاً له، لم يحدث في أي مرحلة في التاريخ أن انتجت “نضالات الشيعة أو رجال الدين الشيعة” هكذا “مضاعفات عالمية”، كما فعلت الثورة الإسلامية”.70

هذه البيانات تحتضن في تضاعيفها قضية الاستثنائية التي تقضّ مضاجع جيران إيران. فسليماني يزعم في آن أن إيران تُمسك بزمام قيادة العالم الإسلامي، فيما هو يربط النفوذ الإيراني بالنشاطات الخارجية وبالشيعية. وهكذا، وبقدر ما يُقلل مسؤولون إيرانيون من قيمة النزعة الطائفية في النشاطات الخارجية الإيرانية، يحتفي بها سليماني، ويطرح إنجازات الشيعة في إيران على أنها النموذج الأمثل للتأثيرات السياسية للثورة.

على رغم أن سليماني يرتقي بإيران إلى مصاف زعامة العالم الإسلامي برمته، إلا أن معنى ذلك أضيق بكثير. فالعالم الإسلامي بالنسبة إليه وإلى السلطات الإيرانية عموما، ينقسم بين أولئك االذين يدعمون الإسلام وبين من يساندون أعداءه. وكلاء إيران وحلفاؤها جزء من المعسكر الأول، أي ما يُسمى محور المقاومة، في حين أن معظم جيران إيران السُنّة من أصدقاء الغرب ينتمون إلى المعسكر الثاني. وبالمثل، النزاعات في الشرق الأوسط تنقسم وفق هذه الخطوط ويُشعل إوارها أعداء الإسلام وأتباعهم. يجري الإطلالة على تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الجهادية الأخرى في إطار هذا السياق، ويُعتبرون أدوات اختلقها الغرب لتدمير الإسلام من داخل. وكما يوضح الجنرال إيرج مسجدي، نائب قائد الحرس الثوري، فإن “السعوديين والصهاينة” يستخدمون تنظيم الدولة الإسلامية “لتدمير الإسلام الحقيقي، والجبهة التي يقودها الشيعة”.71 وفي معرض وصفه لدور إيران في سورية، يزعم اسماعيل حيدري، وهو قائد آخر في الحرس الثوري، أن الحرب ليست نزاعاً أهلياً، بل هي معركة “الإسلام ضد الكفار”. حرب الخير ضد الشر: “فإلى جانب الخير تقف إيران، وحزب الله، والمجاهدين العراقيين والأفغان، وكل هؤلاء شيعة. وإلى جانب الشر تنتصب إسرائيل، والسعودية، وتركيا، وقطر، ودولة الإمارات، وأميركا، وفرنسا وقوى أوروبية أخرى”.72

وبالمثل، خلال مناقشة وضعية الفلسطينيين، قال علي شمخاني، رئيس جهاز الأمن القومي الإيراني، إنه “فيما تلتزم الدول السنّية جانب الصمت في ما يتعلّق بالجرائم اللاإنسانية التي يرتكبتها العدو الصهيوني، يأتي الشطر الأعظم من الدعم للشعب الفلسطيني المظلوم من شيعة إيران”.73 يريد شمخاني هنا أن يُشدّد على أنه فيما تُدين بعض الدول سياسة إسرائيل إزاء الفلسطينيين بالأقوال، تنحو إيران نحو الأفعال. إنها تفعل ماتقول. لكن ما هو أهم هنا هو الأطر الطائفية التي وضعها شمخاني. فالقول بأن إيران الشيعية هي التي تساعد السنّة الفلسطينيين هدفه تعيير الدول السنّية. كما أن هذا يؤكد أيضاً على الهوية الشيعية لإيران.

كل ذلك يعني أنه بدل أن يعمل المسؤولون الإيرانيون على تقويض الجمعيات الطائفية، تُغذي بياناتهم السرديات الطائفية عبر خطابهم نفسه. علاوةً على ذلك، تتطابق هذه البيانات مع شيء من الصدقية الفكرية، من حيث أنها تشير إلى أن المسؤولين الإيرانيين أنفسهم يدركون أن حركتهم السياسية- مهما كانت الأوصاف التي يسبغونها عليها- هي شيعية في المقام الأول، وتجري في عكس تيار مصالح أو سياسات معظم الدول السنّية. وعلى أي حال، الأبعاد الطائفية للصراعات في سورية والعراق واضحة للعيان، وأقرب حلفاء إيران فيها هم شيعة أو يُعتبرون كذلك. وعلى رغم أن القيادة الشيعية تحاول أن تقفز فوق هذه الحقيقة غير الملائمة عبر مختلف المسارب اللغوية، إلا أن الرموز الدينية واللغة المُستخدمة لوصف انخراط إيران وحلفائها في هذه النزاعات، تُثبط هذا المسعى.

على سبيل المثال، يؤكّد قادة الحرس الثوري بانتظام أن الحرب في سورية غير طائفية، بل هي معركة بين حكومة شرعية وإرهابيين مدعومين من الخارج. وسبق لنائب قائد فيلق “أنصار الحسين” التابع للحرس الثوري أن وصف القوات الموالية للنظام في سورية بأنها “130 ألف سنّي يدافعون عن بلادهم ويحتاجون إلى مساعدتنا”.74 ومع ذلك، فهو كالحرس الثوري نفسه، ينجرف في اللغة الرمزية والمذهبية الشيعية. وهذا على أي حال مايشير إليه اسم الفيلق الذي يتولى نيابة قياده، أي فيلق أنصار الحسين، في إشارة إلى الإمام الحسين ثالث الأئمة الشيعة والشهيد البطل الأكثر تبجيلاً. مثل هذه الأسماء المُنتشرة في صفوف الحرس الثورية تشي بالهوية الدينية لهذا الأخير”.75

هذه البصمات الخارجية للهوية الطائفية تخترق شبكات إيران في سورية، وتمحضها مظهراً مذهبياً فاقعاً وبائنا. وفي سبيل مساعدة القوات التي تعاني من التمدّد الزائد في سورية، طوّر الحرس الثوري وحدة تُعرَف باسم لواء “فاطميون” الذي يتكوّن من مابين 3 آلاف إلى 13 ألف (التقديرات متباينة) مهاجر أفغاني مقيمين في إيران، أساساً من إثنية الهزارة الشيعية وبعض السنّة الطاجيك.76 ويُعتبر المهاجرون الأفغان طبقة دنيا في إيران، وهم غالباً من الفقراء ومحدودي التعليم وفرص العمالة. معظهم لديهم وضعيات إقامة مؤقتة ويصعب عليهم الحصول على أذونات إقامة قانونية. عمليات التجنيد للحرب تفيد من هذه المعطيات، حيث يُمنح الأفغان رواتب شهرية، وأذونات عمل، أو وثائق إقامة.77 بعضهم تم تجنيده في السجن ومُنح العفو في مقابل الخدمة العسكرية،78 فيما أتت مجموعات أصغر من خارج إيران، بما في ذلك جاليات أفغانية في سورية ومن أفغانستان نفسها.79 وثمة وحدة مماثلة تحمل الاسم لواء “زينبيون”، تضم مئات إلى بضع آلاف (مرة أخرى التقديرات متباينة) شيعي من أصول باكستانية. غالبية هؤلاء يأتون من الشيعة الباكستانيين المقيمين في إيران، خاصة أولئك المرتبطين بجامعة المصطفى العالمية في قم.80

لا يُطلَق على الوحدات الأقغانية ولا الوحدات الباكستانية نعت قوات مرتزقة، أو حتى الفرقة الأجنبية، بل تُعرَّف بتعابير دينية. وكان الجنرال المتقاعد محمد علي فلكي، الذي خدم في سورية، يُشدِّد على هذه النقطة بقوله: “إنهم يقاتلون في سورية انطلاقاً من التزامهم بالإسلام لا العرق… انطلاقاً من التزامهم بالعقيدة الشيعية”.81 هذه الفكرة يُجسِّدها اسما الوحدتين اللذين يبجّلا أفراد آل النبي محمد: فالفاطميون هم أنصار فاطمة بنت الرسول وزوجة أول إمام شيعي علي بن أبي طالب. وكما هو معروف، تحدّر كل الأئمة الـ11 الباين من نسل فاطمة وعلي، ماجعل من الأولى أم الجماعة لسماتها القدسية الموقرّة، ورفعها إلى مرتبة لانظير لها في هيكل المذهب الشيعي، شبيهة بموقع مريم لدى الكاثوليك. وبالمثل، اسم “زينبيون” يكرّم بنت فاطمة التي رافقت شقيقها الإمام الحسين في وقفته الأخيرة واستشهاده في كربلاء العام 680. وقد أكسبتها أعمالها البطولية في تلك الحقبة التأسيسية للمذهب الشيعي، مكانة عليّة مقدسة في التقاليد الروحانية الشيعية. توفيت زينب في دمشق، وأصبح مسجد أُقيم تخليداً لذكراها محجّة للشيعة ومركزاً لحي شيعي كبير.

قد يرى البعض إلى هذه المظاهر الدينية على أنها مجرد شكليات سطحية. لكن، حتى لو كان الأمر على هذا النحو، يبقى العامل الرمزي مهمّا. فهذه المظاهر لاتوظّف عمداً وعن وعي ذاتي من لدن المشرفين على هذه الشبكات في الحرس الثوري وحسب، بل هي أيضاً عرض غير متحفّظ للمذهبية لايخفى عن أهل السنّة.82 فقد أُريد لكلا هذين الفيلقين أن يُمثلا جيوشاً شيعية تتكوّن من مقاتلين متّقدي الإيمان بالعقيدة الشيعية. وهذا ماعبّر عنه قائد “فاطميون”، المعروف بالاسم الحركي كربلاء، بقوله: “التكفيريون لا إيمان لهم، والعديد منهم يخشون الموت. لكننا نحن لانخشى الشهادة”.83 الاسم الحركي لهذا القائد مهم أيضا، فبحمله اسم كربلاء، يستعيد ذكرى استشهاد الإمام الحسين، ويربط وشائج قُربى بين المقاتلين وبين أسلافهم من القادة الروحيين.84 وكما هو واضح، ليس ثمة أي إشارة هنا إلى المنحى الدنيوي. وبالتالي، إذا ما كانت أهداف هذه الشبكات لاطائفية، فهي مُختفية وغائرة تماماً تحت عباءة وملاءة هذه المنظمات.

والحال أن المنحى الديني الذي يتحدث فيه الحرس الثوري عن المشاركين في العمليات السورية ينضح بالكثير من المعاني. وربما أوضح إشارة عن العمليات البرية الإيرانية في سورية، جاءت من شريط تصويري وضعه مخرج أفلام قُتِلَ في كمين نصبته مجموعة متمردة سورية في أواخر آب/أغسطس 2013. وقد بثّت هذه المجموعة الشريط لتقديم الدليل على طبيعة الدور الإيراني في  الصراع، ولاحقاً قامت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي. سي) بتحويله إلى فيلم وثائقي قصير.85

يركّز الفيديو على وحدة تابعة للحرس الثوري تُشرف على ميليشا سورية تُدعى لواء “السيدة رقيّة” قرب مدينة حلب. والسيدة رقيّة هو الاسم الذي يستخدمه الشيعة لابنة الإمام الحسين التي توفيت وهي طفلة في السجن، بعد سنوات قليلة من استشهاد والدها ودُفنت في دمشق حيث بُنِيَ لاحقاً مسجدٌ تخليداً لها. ومثلها مثل عمّتها زينب، يُستخدم اسمها كمعلمٍ لكلٍّ من الهوية السورية والشيعية ويستثير مشاعر الظلم الذي لحق بوالدها الشهيد، والسجن القاسي لعائلته، والقمع التاريخي الذي أثقل كواهل الشيعة في ظل الهيمنة السنّية بعد مذبحة كربلاء. وعبر تبنيهم لهذا الاسم، يمثّل الحرس الثوري وحلفاؤه السوريون في الشريط المُصوّر على أنهم المدافعون عن السيدة رقيّة حرفياً وشكلياً. إنهم يدافعون عن الأرض التي تحتضن ضريحها ويقاتلون للحفاظ على إرث آل البيت.

تعتمد الطريقة التي تصف بها إيران الحرب في سورية، خاصة خلال تأبين العسكريين الذين يسقطون هناك، على أسلوب التشبيهات ذات المضامين الدينية. فالجنود الذي يُقتلون هناك يصنّفون شهداء، ويدفنون وفق  مراسم تكريم العسكريين الوطنيين والتقديس للأبطال التاريخيين الدينيين الشهداء.86 ويعلن المسؤولون الإيرانيون أن هؤلاء سقطوا “دفاعاً عن مقام السيدة زينب”، وهو تعبير يُستخدم لتشريف شقيقة الإمام الحسين. وقد بات مسجد السيدة زينب في دمشق، الذي تقول تقاليد الشيعة إنه يتضمن ضريحها، الاستعارة المجازية المركزية لانخراط وتضحية الإيرانيين في سورية. كما أن القبة الذهبية للمسجد تزيّن النصب التذكارية لمئات العسكريين الإيرانيين والأفغان والباكستانيين الذين قتلوا في المعارك.87

تصف إيران دورها في الحرب ضد الدولة الإسلامية في العراق بمصطلحات مماثلة. فالعراق هو موطن أكثر الأضرحة الشيعية قداسة، بما في ذلك ضريح الإمام الحسين في كربلاء والإمام علي في مدينة النجف. هذا الإرث التاريخي الديني حوّل العراق إلى أرض مقدّسة للشيعة. وهكذا، حين بدأ الجنود الإيرانيون يُقتلون في العراق بعد فترة قصيرة من تدخُّل طهران لدعم حكومة رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي في حزيران/يونيو 2014، وُصفوا بأنهم سقطوا “دفاعاً عن الأضرحة المقدّسة”.88 ومرة أخرى، كانت لهذا البيان مضامين حرفية وشكلية. ففي حين أن إيران دافعت عن حكومة في بغداد، إلا أنها رأت نفسها أيضاً تدافع عن أرض الأئمة المقدسة لحمايتها من جائحات وبلايا الدولة الإسلامية المعادية للشيعة. وهذا رأي تشاطره قادة إيران، بما في ذلك حتى الرئيس الإيراني الحذر والمتحفظ حسن روحاني، الذي تعهّد بأن إيران “لن تألو جهدا” لحماية المقامات الشيعية المقدسة في العراق.89 وكما مع شهداء إيران في سورية، حملت الإعلانات والنصب الخاصة بالجنود القتلى في العراق رموز الأضرحة الشيعية في ذلك البلد.90

في العراق وسورية واليمن، أقرب حلفاء إيران هم من الشيعة. وتؤلِّف منظمات مثل حزب الله، ومختلف الميليشيات الشيعية العراقية، والكتائب الأفغانية والباكستانية، وقوات التعبئة الشعبية في سورية المؤلفة في غالبيتها من العلويين، وأنصار الله الزيدية في اليمن، شبكات من الوكلاء لإيران يتشاطرون الهوية المذهبية نفسها. بالطبع، من الصعب على أحد، بما في حتى السلطات الإيرانية التي تحرص على تأكيد الطبيعة اللاطائفية لعلاقاتها مع هؤلاء، أن ينفي الحقيقة بأن كل هذه الأطراف تتقاسم بالفعل الانتماءات الطائفية نفسها. أكثر من ذلك، يبدو أن هذه العلاقات، خاصة بالنسبة إلى أعداء إيران ومنافسيها السنّة، تتحوّل إلى حركة شيعية متشددة عابرة للقوميات بقيادة إيران.91 وهذا لا ينم عن سوء إدراك، بل عن أمر يشعر الحرس الثوري أنه أنجزه، ويوضحه الجنرال فلكي كالتالي:

“لقد تم تشكيل جيش التحرير الشيعي، وهو الآن تحت قيادة الحاج قاسم سليماني ويدين بالطاعة لسلطة قائد الثورة (أي المرشد الأعلى). وهذا الجيش يشكّل جبهة واحدة في سورية، وجبهة واحدة في العراق، وجبهة واحدة في اليمن. القوة البشرية لهذا الجيش لا يمكنها أن تأتي (فقط) من القوات المسلحة الإيرانية، ولذا في أي منطقة تبرز فيها الحاجة إلى هذا الجيش، يتعيّن على شعب تلك المنطقة أن يتنظّم ونحن سنوفَّر له الدعم المناسب.”92

يقول فلكي أيضاً إن جيش التحرير الشيعي يسير على إيقاع القيادة الإيرانية، ويعمل أفراده بشكل جماعي “تحت قيادة أشقائهم في الحرس الثوري”، ويشتركون مع إيران في الأهداف. إنهم يخوضون الجهاد معاً “في زيّ واحد، وتحت ظلال علم واحد، وكمنظمة واحدة، وجبهة واحدة”.93 وعلى رغم أنه يقال إن هذا الحشد الجماعي يضم في صفوفه سنّة، إلا أن العقيدة الشيعية هي القوة المُحددة لهويته”.

أجّجت تعليقات فلكي قدراً من الاهتياج في الصحافة العربية والغربية، حيث جرى تسجيل الدمغة الطائفية الواضحة لجيش التحرير الشيعي. وفي مابدا أنه جهد لحصر الخسائر، عمد الموقع الالكتروني الذي نشر مقابلة فلكي، “مشرق نيوز”، إلى إزالة كلمة شيعي من النص الأصلي المُقتبس. وهكذا، وعلى الرغم من تزايد المظاهر الخارجية للطائفية، إلا أن هذا الحذف يؤكد مجدداً أن الحساسية من الظهور بصبغة طائفية، لمّا ينحسر لدى السلطات الرسمية الإيرانية.

أفادت جهود الحرس الثوري لتشكيل حركة شيعية عابرة للقوميات، تتألف من جماعات متشددة ونشطاء في الشرق الاوسط الأوسع وجنوب آسيا، من تصلُب الهويات الطائفية منذ اندلاع شرارة الربيع العربي. ثم جاء القمع العنيف للاحتجاجات الشيعية في البحرين والسعودية، الذي ترافق مع الحروب في سورية ومع صعود نجم الدولة الإسلامية في العراق والتدخل بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن، ليساهم في الشحذ الجماعي للهوية في صفوف شيعة المنطقة. وقد لاحظ توبي ماثييسن Toby Matthiesen هذه الظاهرة المُنبثقة مما وصفه بـ”المجال العام الشيعي”، حيث انتشرت الرموز التي استُخدِمت لإسباغ القداسة على الصراعات في سورية والعراق “على نطاق واسع عبر وسائط التواصل الاجتماعي والأقنية الفضائية الشيعية.. ما عزّز الهويات الطائفية العابرة للقوميات”.94

والواقع أن الحروب في العراق وسورية واليمن ليست ببساطة مجرد مواجهات استراتيجية بالنسبة إلى الشيعة المحليين (أو العلويين والزيديين)، بل هي صراعات وجودية لاتعني الهزيمة فيها مجرد خسارة النفوذ ضد الأعداء، كما الحال مع إيران، بل تعني احتمال فقدان القرى، والمدن، أو جاليات مذهبية برمتها على يد أعداء حاقدين ومتعطشين للدماء، أو على الأقل الرضوخ إلى سيطرتهم الوحشية. وقد كان في وسع إيران والحرس الثوري حصد الدعم، لأنه لم يتوفّر للشيعة أي قوة أخرى مستعدة للوقوف إلى جانبهم.

على أي حال، الزمن وحده كفيل بتوضيح مصير شبكات الحرس الثورية، لكن الدلائل على نماء الحركة العابرة للقوميات بارزة للعيان. فالجماعات الشيعية الموالية لإيران باتت تعتبر نفسها بالفعل رابطة عالمية تحت السلطة الروحية والسياسية للمرشد الأعلى الإيراني.95 ومثل هذه الرؤى تبلورت بفعل وحدة الهدف في نزاعات المنطقة التي كلما طالت، كلما أصبحت أكثر صراعات تستند إلى سياسات الهوية. وهذا بدوره سيُعزز وينمّي أكثر الروابط بين إيران ووكلائها.

خاتمة

لاشك أن المذهب الشيعي محوري في السياسات الإيرانية الداخلية، بيد أن بصماته في السياسات الخارجية أقل وضوحاً. فالهوية الدينية ومعتقداتها تؤثر على المقاربة الإيرانية للسياسات الخارجية، لكنهما لا تُمليها. الدين عامل من العوامل العديدة التي ترفد السلوك  الإيراني، وغالباً ما لايكون احتسابه في صدارة الاعتبارات ولا حتى الثانوية منها. صحيح أن السمة الشيعية للجمهورية الإسلامية قد تجعل القادة الإيرانيين أكثر استعداداً لدعم الشيعة خارج إيران، إلا أن هذه الميول غالباً ما تقيّدها المصالح الذاتية للنظام. لذا، يجافي الدقة من يصف نهج إيران في السياسة الخارجية بالمذهبي (كما لو أن المعتقدات الشيعية وأهدافها هي محرِّك هذا النهج). المذهبية هي وجه مضمر ولا مناص منه من السياسة الخارجية الإيرانية، لكن الطموحات الطائفية ليست ما يحرِّك عجلة القرارات الإيرانية.

إيران لا ترى إلى نفسها على أنها لاعب مذهبي، لكن الظروف والسياسات الإقليمية العدائية حملتها على أن تنحو هذا المنحى. وعلى وقع الثورة والحرب مع العراق، خسرت إيران الكثير من شعبيتها في دول الجوار. ومع إبعادها وعزلها، لم تعد ترغب في تخفيف حدة سياساتها، فتعاظم اعتمادها على وكلائها غير الدولتيين لنشر نفوذها في الشرق الاوسط وترجيح كفتها على منافسيها. وعلى رغم أن ثمة علاقات تربطها ببعض المجموعات السنّية، إلا أن إيران نسجت أبرز علاقاتها مع الشيعة، الأمر الذي أضفى على السياسة الخارجية الإيرانية صبغة مذهبية لا لبس فيها، وأثار سخط دول الجوار، وساهم في تصلُّب ميولها المذهبية.

منذ اندلاع الربيع العربي، ومع تفاقم الانقسامات الطائفية في الشرق الاوسط بفعل الاضطرابات السياسية التي نفخت في إوارها، أجّجت السياسات الإيرانية ونشاطات الحرس الثوري تحديداً، نيران الخلافات أكثر مما أخمدتها. بيد أن إيران ليست وحدها في هذا المضمار، فطيلة عقود طوال، رعت السعودية صيغتها المتشددة من المذهب السنّي في الشرق الأوسط وفي العالم على حدٍّ سواء. مثل هذه الرعاية كانت أيضاً بلا شك عاملاً من عوامل زيادة الانقسام. كما أن دعم الدول العربية للتنظيمات السنّية الإسلامية في المنطقة- ناهيك عن سياسات هذه البلدان المذهبية إزاء سكانها الشيعة والشيعة عموماً-  فاقمت الانقسامات الدينية الطابع. ثم جاء بروز التنظيمات الإسلامية والجهادية – ومنها أحرار الشام، والقاعدة والدولة الإسلامية- ليرسم وجه النزاعات الطائفية في العراق، وسورية، واليمن، على قدر ما رسمها وكلاء إيران.

لكن، على من تُلقى لائمة الويلات المذهبية الراهنة في الشرق الأوسط؟ في الإمكان توجيه سهام الاتهام إلى عدد من الأطراف. فالدول العربية تتهم إيران، وهذه تلقي اللائمة على الولايات المتحدة وإسرائيل وجيرانها العرب، وخصوصاً السعودية. والكل يتهم أميركا. لكن مثل هذه السرديات مبسّطة وتفتقر إلى النقد الذاتي. كما أنها تكون انتقائية حين تُغفل مصادر سياسات الهوية الداخلية والخارجية.

ليس ثمة شك أن سياسات إيران الخارجية ليست، في مجملها، طائفية، إلا أنها صارت كذلك مع غلبة المذهبية على سياسات جيرانها.

هوامش

1 انظر على سبيل المثال: “The Saudi Blueprint,” Economist, January 9, 2016, http://www.economist.com/news/leaders/21685450-desert-kingdom-striving-dominate-its-region-and-modernise-its-economy-same; وبن كسبيت، “إسرائيل تخشى عودة الأمبراطورية الفارسية”، موقع المونيتور، 21 أيلول/سبتمبر 2015، http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2015/09/israel-fear-persian-empire-iran-shiite-hezbollah-axis-nuke.html

2 انظر: Ray Takeyh, Guardians of the Revolution: Iran and the World in the Age of the Ayatollahs (New York: Oxford University Press, 2016);  R. K. Ramazani, “Ideology and Pragmatism in Iran’s Foreign Policy,” Middle East Journal 58, no. 4 (2004): 549–59; and Brenda Shaffer, “The Islamic Republic of Iran: Is It Really?,” in The Limits of Culture: Islam and Foreign Policy (Cambridge, MA: MIT Press, 2006). وأيضاً النتائج في مجلّدين تمّ تحريرهما مؤخراً حول السياسة الخارجية الإيرانية Thomas Juneau and Sam Razavi, eds., Iranian Foreign Policy Since 2001: Alone in the World (New York: Routledge, 2013); and Shahram Akbarzadeh and Dara Conduit, eds., Iran in the World: President Rouhani’s Foreign Policy (New York: Palgrave Macmillan, 2016).

3 Mohammad Javad Zarif, “Let Us Rid the World of Wahhabism,” New York Times, September 13, 2016, www.nytimes.com/2016/09/14/opinion/mohammad-javad-zarif-let-us-rid-the-world-of-wahhabism.html.

4 Mohammad Javad Zarif, “Let Us Rid the World of Wahhabism,” New York Times, September 13, 2016, www.nytimes.com/2016/09/14/opinion/mohammad-javad-zarif-let-us-rid-the-world-of-wahhabism.html.

5 المصدر السابق.

6 “Iran: Saudis Face ‘Divine Revenge’ for Executing al-Nimr,” BBC News, January 3, 2016, http://www.bbc.com/news/world-middle-east-35216694.

7 Phillip Smyth, “Iran’s Martyrdom Machine Springs to Life,” Foreign Policy, January 5, 2016, http://foreignpolicy.com/2016/01/05/irans-martyrdom-machine-springs-to-life/.

8 Adel Bin Ahmed al-Jubeir, “Can Iran Change?,” New York Times, January 19, 2016, http://www.nytimes.com/2016/01/19/opinion/saudi-arabia-can-iran-change.html.

9 المصدر السابق.

10 Humeyra Pamuk, “Erdogan: ‘Iran Is Trying to Dominate the Region,’” Al-Arabiya, March 27, 2015, http://english.alarabiya.net/en/News/middle-east/2015/03/27/Erdogan-Iran-is-trying-to-dominate-the-region-.html.

11 Associated Press, “Arab League Condemns Iranian ‘Meddling’ in Arab Affairs,” Al Jazeera, January 10, 2016, http://america.aljazeera.com/articles/2016/1/10/arab-league-condemns-iranian-meddling-in-arab-affairs.html.

12 R. K. Ramazani and Joseph A. Kechichian, The Gulf Cooperation Council: Record and Analysis (Charlottesville: University Press of Virginia, 1988), 6–8.

13 Shahram Chubin and Charles Tripp, Iran and Iraq at War (Boulder, CO: Westview Press, 1988), 140.

14 Dilip Hiro, The Longest War: The Iran-Iraq Military Conflict (New York: Routledge, 1991), 155–59.

15 انظر مثلاً: David Hirst, “Arab Leaders Watch in Fear as Shia Emancipation Draws Near,” Guardian, January 26, 2005, https://www.theguardian.com/world/2005/jan/27/iraq.davidhirst.

16 Robin Wright and Peter Baker, “Iraq, Jordan See Threat to Election From Iran,” Washington Post, December 8, 2004, http://pqasb.pqarchiver.com/washingtonpost/doc/409726489.html.

17 ناقشتُ هذه المسألة في مقال نُشر سابقاً: Afshon Ostovar, “And for the Middle East, a Cold War of Its Own,” Lawfare (blog), January 24, 2016, https://www.lawfareblog.com/and-middle-east-cold-war-its-own; انظر أيضاً النتائج المُستخلَصة من: Afshon Ostovar, “Deterrence and the Future of U.S. GCC Defense Cooperation: A Strategic Dialogue Event,” CNA, July 2015, http://calhoun.nps.edu/bitstream/handle/10945/45796/Deterrence%20and%20the%20Future%20of%20U.S.-GCC%20Def%20Cooperation_DCP-2015-U-010969-Final.pdf.

18 Thomas Juneau, “No, Yemen’s Houthis Actually Aren’t Iranian Puppets,” Washington Post, May 16, 2016, https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2016/05/16/contrary-to-popular-belief-houthis-arent-iranian-proxies/.

19 نُشر هذا الخبر على الموقع الإلكتروني الإخباري للحرس الثوري الإيراني، ويزعم أن أنصار الله كانوا قادرين على اختراق نظام تحكم طائرة سعودية بدون طيار وإسقاطها بمساعدة إيران: “Ansar Allah Brought Down a Saudi Drone with Iran’s Help” [Ansar Allah pahpad-e Saudi ra ba komak-e iran bar zamin neshanad], Basij Press, February 22, 2016, http://basijpress.ir/fa/news-details/70820.

20 Shaffer, “The Islamic Republic of Iran”; انظر أيضاً: James Berry, “Brothers or Comrades at Arms? Iran’s Relations with Armenia and Azerbaijan,” in Iran in the World, eds. Akbarzadeh and Conduit, 59–74.

21 Don Rassler et al., “Letters From Abbottabad: Bin Ladin Sidelined?,” Combating Terrorism Center, May 3, 2012, https://www.ctc.usma.edu/posts/letters-from-abbottabad-bin-ladin-sidelined.

22 Rassler et al., “SOCOM-2012-0000012-HT,” in “Letters From Abbottabad.”

23 “Treasury Targets Key Al-Qa’ida Funding and Support Network Using Iran as a Critical Transit Point,” press release, U.S. Department of the Treasury, July 28, 2011, https://www.treasury.gov/press-center/press-releases/Pages/tg1261.aspx.

24 Rassler et al., “Letters From Abbottabad,” http://nsarchive.gwu.edu/NSAEBB/NSAEBB410/docs/UBLDocument16.pdf.

25 Daniel Byman, “Unlikely Alliance: Iran’s Secretive Relationship With Al-Qaeda,” IHS Defense, Risk and Security Consulting, July 2012.

26 “Treasury Further Exposes Iran-Based Al-Qa’ida Network,” press release, U.S. Department of the Treasury, October 18, 2012, https://www.treasury.gov/press-center/press-releases/Pages/tg1741.aspx.

27 انظر: Trita Parsi, Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States (New Haven: Yale University Press, 2007).

28 Takeyh, Guardians of the Revolution, 89.

29 خطاب ألقاه الخميني في جمران، إيران، انظر: “Khomeyni Tells World Prayers Leaders to Politicise Sermons,” BBC Summary of World Broadcasts, May 15, 1984.

30 Fred Halliday, “Three Concepts of Internationalism,” International Affairs 64, no. 2 (Spring 1988): 187–98.

31 حول مفهوم وسلوك تصدير الثورة، انظر: Afshon Ostovar, Vanguard of the Imam: Religion, Politics, and Iran’s Revolutionary Guards (New York: Oxford University Press, 2016), 102–20; Ali Alfoneh, Iran Unveiled: How the Revolutionary Guards is Turning Theocracy into Military Dictatorship (Washington, DC: AEI Press, 2013), 204–37; and R. K. Ramazani, “Iran’s Export of the Revolution: Politics, Ends, and Means,” in The Iranian Revolution: Its Global Impact, ed. John L. Esposito (Miami: Florida International University Press, 1990), 40–62.

32 Payam-e Enqelab, no. 4 (1980): 32–34.

33 Falah A. Jabar, The Shi‘ite Movement in Iraq (London: Saqi Press, 2003), 235–59.

34 حول سبب تراجع دعم الأنشطة الخارجية من القيادة الإيرانية خلال ثمانينيات القرن المنصرم، انظر: Ostovar, Vanguard, 118–20.

35 Ayatollah Ruhollah Khomeini, Islam and Revolution: Writings and Declarations of Imam Khomeini (1941-1980), trans. Hamid Algar (Berkeley, CA: Mizan Press, 1981), 302.

36 Ostovar, Vanguard, 104–17.

37 “Montazeri’s Guidelines for the Revolution Guards,” BBC Summary of World Broadcasts, May 19, 1982.

38 Roschanack Shaery-Eisenlohr, Shi‘ite Lebanon: Transnational Religion and the Making of National Identities (New York: Columbia University Press, 2008), 89–118.

39 المصدر السابق، ص. 47.

40 Emmanuel Sivan, “Sunni Radicalism in the Middle East and the Iranian Revolution,” International Journal of Middle East Studies 21, no. 1 (February 1989): 1–30.

41 المصدر السابق، انظر أيضاً: Ostovar, Vanguard, 104–7.

42 Moojan Momen, An Introduction to Shi‘i Islam (Oxford: George Ronald, 1987), 295–7; Elvire Corboz, Guardians of Shi‘ism: Sacred Authority and Transnational Family Networks (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2015), 166–72.

43 ما زالت نظرية الخميني حول ولاية الفقيه لا تحظى بشعبية في أوساط كبار رجال الدين خارج إيران. انظر على سبيل المثال: Hayder al-Khoei, “Post-Sistani Iraq, Iran, and the Future of Shia Islam,” War on the Rocks, September 9, 2016, http://warontherocks.com/2016/09/post-sistani-iraq-iran-and-the-future-of-shia-islam/.

44 Ostovar, Vanguard, 102–18; Shaery-Eisenlohr, Shi‘ite Lebanon, 95–118; also Jabar, Shi‘ite Movement in Iraq.

45 أحمد نزار حمزة، “على طريق حزب الله” (دار المحجة البيضاء، بيروت 2010)، ص. 22-26 (في النسخة الإنكليزية)؛ وأيضاً: Augustus Richard Norton, Hezbollah: A Short History (Princeton: Princeton University Press, 2007), 32–34.

46 Niamatullah Ibrahimi, “The Failure of a Clerical Proto-State: Hazarajat, 1979–1984,” Crisis States Research Center, London School of Economics and Political Science, September 2006.

47 Mohsen M. Milani, “Iran’s Policy Towards Afghanistan,” Middle East Journal 60, no. 2 (Spring 2006): 235–56.

48 Ebrahim Gilani, “Iran’s Ungrateful European Friend,” Institute for War and Peace Reporting, August 6, 2010, https://iwpr.net/global-voices/irans-ungrateful-european-friend.

49 Phillip Smyth, “Should Iraq’s ISCI Forces Really Be Considered ‘Good Militias’?,” Washington Institute for Near East Policy, August 17, 2016, http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/should-iraqs-isci-forces-really-be-considered-good-militias.

50 Ostovar, Vanguard, 171–4.

51 “President Delivers State of the Union Address,” White House Office of the Press Secretary, January 28, 2002, https://georgewbush-whitehouse.archives.gov/news/releases/2002/01/20020129-11.html.

52 Joseph Felter and Brian Fishman, “Iranian Influence in Iraq: Politics and ‘Other Means,’” Combating Terrorism Center, October 1, 2008.

53 Edward Wong and Sabrina Tavernise, “Sectarian Bloodshed Reveals Strength of Iraq Militias,” New York Times, February 25, 2006; Ches Thurber, “From Coexistence to Cleansing: The Rise of Sectarian Violence in Baghdad, 2003–2007,” Al Nakhlah (Spring 2011): https://www.ciaonet.org/attachments/17899/uploads; and, James D. Fearon, “Iraq’s Civil War,” Foreign Affairs 86, no. 2 (March–April 2007): 2–15.

54 Alireza Nader et al., Iran’s Influence in Afghanistan: Implications for the U.S. Drawdown (Santa Monica, CA: RAND Corporation, 2014), 14–16.

55 خطاب علي الخامنئي في مدينة قم في إيران، كانون الثاني/يناير 2007، نقلاً عن كريم سجادبور “في فهم الإمام الخامنئي: رؤية قائد الثورة الإسلامية الإيرانية”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 10 آذار/مارس 2008، ص. 27.

56 Iran Leader Advisor: No Sectarian Agenda Followed in Bahrain,” BBC Monitoring Middle East, March 15, 2011.

57 المصدر السابق.

58 Toby Matthiesen, Sectarian Gulf: Bahrain, Saudi Arabia, and the Arab Spring That Wasn’t (Stanford: Stanford University Press, 2013); and Frederic Wehrey, Sectarian Politics in the Gulf: From the Iraq War to the Arab Uprisings (New York: Columbia University Press  2014), 73–102.

59 “A Karbala in Bahrain and Different Outcomes,” [Karbali-ye bahrayn va peyamad-haye motafavet], Javan, March 17, 2011, http://javanonline.ir/fa/news/443704/.

60 المصدر السابق.

61 “We Will Support Syria to the End…,” [ta akhar az suriyeh hemayat mi-konim], Fars News Agency, September 4, 2013, http://farsnews.com/newstext.php?nn=13920613000905.

62 Mohammad Safari, “There Is No Longer Any Need for Relations With Saudi Arabia; Mobilizing the Capacity of the People in the Region Against Al Saud,” Siyasat-e Ruz, January 13, 2014, BBC Monitoring Middle East, January, 19 2014.

63 “Velayati: Daesh, al-Qaeda Are ‘Exports’ of Wahhabism,” Tehran Times, May 6, 2016, http://www.tehrantimes.com/news/301168/Velayati-Daesh-al-Qaeda-are-exports-of-Wahhabism.

64 “Iran Takes Deliberate and Precise Actions in Syria,” [Iran dar suriyeh raftari-e sanjideh va daqiq dasht], Fars News Agency, January 20, 2016, http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13941003000154.

65 “The Head of the Judiciary Requests the IRGC and Ministry of Information to Prevent the Infiltration of Takfiris Into the Country,” [Dar khast-e qovveh-ye qazaiyyeh az sepah va vezarat-e ettelaat / jelogiri az vorud-e jariyan-haye takfiri be keshvar], Mehr News Agency, January 15, 2014, http://mehrnews.com/news/2215145/.

66 كول بانزل، “المملكة ودولة الخلافة: مبارزة الدولتين الإسلاميتين”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 18 شباط/فبراير 2016، http://carnegie-mec.org/2016/02/18/ar-pub-62893

67 Ben Hubbard, “Iran and Saudi Arabia Squabble as Millions of Muslims Begin Pilgrimage,” New York Times, September 6, 2016, http://nytimes.com/2016/09/07/world/middleeast/hajj-saudi-arabia-iran.html.

68 “No Country but Iran Is Capable of Leading the Muslim World,” [Hich keshvari joz Iran qader beh rahbari-e jahan-e eslam nist], Fars News Agency, February 13, 2014, http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13921124000724.

69 المصدر السابق.

70 المصدر السابق.

71 “Daesh Believes That the Shia Must Be Annihilated for Them to Achieve Victory,” [Daesh aqideh darad baray-e movaffaqiyyat bayad shiiyan ra nabud konad], Entekhab, August 28, 2015, http://www.entekhab.ir/fa/news/223019/

72 سُجّلت تعليقات الحيدري في وثائقي للبي.بي.سي، “Iran’s Secret Army,” available here: “Iran’s Secret Army,” YouTube video, posted by “Darius Bazargan,” November 22, 2013, https://www.youtube.com/watch?v=ZI_88ChjQtUy.

 

73 “Shamkhani Meets With Leaders of Palestinian Groups,” [Didar-e shamkhani ba rahbaran-e goruh-haye felestini], Tabnak, October 1, 2014, http://www.tabnak.ir/fa/news/438746/.

74 “Syria and Lebanon Are Iran’s Frontline,” [Khat-e moqaddam-e Iran, suriyeh va lobnan ast], Fars News Agency, May 15, 2016, http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13930225000092.

75 انظر: Ostovar, Vanguard, 121–40.

76 “‘Fatimaiyun’ Were the Vanguard of the Syria Conflict,” [“Fatemiiyun” pish-qaravol nabard-e suriyeh budand], Bultan News, July 24, 2016, http://www.bultannews.com/fa/news/385539/.

77 Farnaz Fassihi, “Iran Pays Afghans to Fight for Assad,” Wall Street Journal, May 22, 2014, http://online.wsj.com/articles/SB10001424052702304908304579564161508613846.

78 Shelly Kittleson, “Islamic Front Control Staves Off Opposition Infighting in Aleppo,” Al-Monitor, November 4, 2014, http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2014/11/cooperation-prevents-syria-opposition-infighting-aleppo.html.

79 Farzin Nadimi, “Iran’s Afghan and Pakistani Proxies: In Syria and Beyond?,” Washington Institute for Near East Policy, August 22, 2016, http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/irans-afghan-and-pakistani-proxies-in-syria-and-beyond.

80 المصدر السابق.

81 “Sardar Falaki, One of the Commanders of the Syrian Front, in an Interview With Mashregh News Site,” [Sardar Falaki, az farmandehan-e jebhe-ye suriyeh dar goftogu ba saiyt-e khabari Mashreq], Bultan News, July 24, 2016, http://www.bultannews.com/fa/news/385539/.

82 المصدر السابق.

83 “A Commander From Zaynabiyun: I Was Supposed to Go to Pakistan to Get Married, but Deemed It More Necessary to Defend the Shrine,” [Yeki az farmandehan-e Zaynabiyun: qarar bud baray-e ezdevaj be Pakestan beravam ama defa az haram vajeb-tar didam], Fars News Agency, July 25, 2016, http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13950503001442.

84 المصدر السابق.

85 “Iran’s Secret Army.”

86 انظر على سبيل المثال مراسم تشييع روح الله قرباني الذي قُتل بالقرب من حلب: “Three Details of the Commemoration of Ruhollah Qorbani, Martyr in Defense of the Shrine,” [Joziyyat-e 3 marasem-e bozorgdasht-e shahid modafe-e haram, ruhollah qorbani], Tasnim News Agency, November 5, 2015, http://www.tasnimnews.com/fa/news/1394/08/16/909280.

87 انظر على سبيل المثال المُلصق التكريمي لشهداء الحرس الثوري الإسلامي الإيراني الذين قُتلوا في سورية: “Farewell Ceremony and Procession of Martyrs in Defense of the Shrine ‘Mosafer’ and ‘Rezi’ Was Announced,” [marasem-e veda‘ va tashiy‘-e shahidan-e modafe‘-e haram “Mosafer” va “rezi” e‘lam shod], Langar News, April 3, 2016, http://langarnews.ir/51692/.

88 انظر: Ostovar, Vanguard, 204–29.

89 “Iraq Crisis: Battle Grips Vital Baiji Oil Refinery,” BBC News, June 18, 2014, http://www.bbc.com/news/world-middle-east-27897648.

90 انظر على سبيل المثال المُلصق التكريمي لشهيد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني القائد حميد تقوي: “Commemoration Held for Chief Martyr Taqavi,” [Marasem-e bozorgdasht-e sardar shahid Taqavi bargozar shod], Fars News Agency, January 5, 2015, http://www.farsnews.com/newstext.phpnn=13931015001155.

91 Mehdi Jedinia and Noor Zahid, “Iran’s Launch of Shia Army Threatens to Escalate Sectarian Tensions,” Voice of America, August 29, 2016, http://www.voanews.com/a/iran-launch-shia-army-escalate-sectarian-tensions/3485547.html.

92 “Sardar Falaki,” Bultan News.

93 المصدر السابق.

معهد كارنيغي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى