المفاوضات بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي وتأثير ذلك على سورية –مجموعة مقالات-
رد عربي على إيران/ ميشيل كيلو
أسقطت سياسات إيران جميع أنواع السياسات العربية السائدة، وخصوصاً منها سياسة “نتركهم بحالهم فيتركونا بحالنا”، وسياسة “نستطيع احتواء خطرهم بالتقارب منهم واسترضائهم”، وسياسة “دولتنا وحدها تستطيع ردعهم”، وسياسة “نقوي سلطتنا فيهابوها ويخشوا مواجهتنا”، وسياسة “لا يمكن أن يكونوا على ذلك القدر من السوء الذي يشتهرون به”، وأخيراً سياسة “لسنا بحاجة إلى أية سياسة حيال إيران، فهي دولة مسلمة وجارة وشقيقة، وتريد لنا ما نريده لها من خير”.
صار من الواضح أنه ليس لدى العرب سياسة فاعلة تجاه إيران، وأنهم تركوا جميع المنافذ التي يمكن أن تتسلل منها إلى ضعفهم، داخلية كانت أم خارجية، مفتوحة على مصراعيها. وبدل أن يدرسوا بدقة وشمول وهلع النتائج التي يمكن أن تواجههم بعد قيام وتكريس نظام طائفي، يحكمه معصومون/مقدسون، يعتبرون أنفسهم وكلاء عن الله وناطقين باسمه، أعلنوا حتى قبل نجاح ثورتهم تصميمهم على تصديرها إلى جيرانهم، المسلمين طبعاً الذين تستطيع “الثورة” استغلال عواطفهم الدينية، وسذاجتهم الإيمانية، لاختراقهم والتلاعب بهم، بالتلازم مع وضع يد طهران على قضاياهم، وخصوصاً منها قضية فلسطين، وتحويلها إلى سلاح ابتزاز موجه إلى صدورهم، تنزع إيران بواسطته شرعية نظمهم الوطنية و”الجهادية”، وتحفر هوة توسعها باستمرار بينهم وبين قطاعات كبيرة من شعبهم، بينما تعمل على نقل ولائهم إلى نظامها وقادتها، وتحرص على تعميق يأسهم من حكامهم، وتوطيد اقتناعهم بأن قضاياهم صارت في أيديها الأمينة، وأنها ترسم سياساتها، وتحدد أهدافها في ضوء قيمهم الدينية، ورغبتها في
“صار من الواضح أنه ليس لدى العرب سياسة فاعلة تجاه إيران، وأنهم تركوا جميع المنافذ التي يمكن أن تتسلل منها إلى ضعفهم، داخلية كانت أم خارجية، مفتوحة على مصراعيها”
حمايتهم والدفاع عنهم، انطلاقاً من واجب ديني يحملها أعباء، ولا يعود عليها بأية منافع غير خدمة الإسلام والمسلمين، فلا بأس إن هي نظمت، لهذا الهدف المفعم بالرغبة في التضحية من أجلهم، الفئات الموالية لها ومولتها وسلحتها، وأسست لها جيشاً، لا ضير إن كان بقوة جيش الدولة أو أقوى منه، ما دام خارجي المهام، ولن يقاتل غير الصهاينة والأميركيين، أو يتوقف يوماً عن الجهاد من أجل تحرير فلسطين. اليوم، يقف العرب أمام عجزهم وغفلتهم، وهم يواجهون جيوشاً داخلية تنوب عن الجيش الإيراني في غزو بلدانها، وإخضاعها لطهران وحكامها الأطهار (قدس الله سرهم)، وإطاحة الدولة المحلية ووحدة الشعب والمجتمع، باسم ثورتهما بقوة السلاح.
هذه استراتيجية سياسية إيرانية، وليست مؤامرة، يكفي الرد الأمني لإحباطها. لذلك، من المحتم مواجهتها باستراتيجية مضادة، تبني على تفوق العالم العربي على جميع جيرانه، في كل ما يتعلق بالعناصر المعطلة، كالقدرات البشرية والموارد والثروات والخبرة الحضارية والتاريخية، ولا تبنى على خلافات النظام وضعفه وتناحره، وتجهيل الشعوب وتجهيلها وإفقارها، على أن تكون داخلية الأبعاد أيضا، وتطاول طبيعة النظم وآليات اشتغالها وعلاقاتها بمجتمعاتها، في إطار ما هو ضروري جداً من شراكة بينهما، وأن تغطي الدول الإقليمية والعالم الخارجي. هذه الاستراتيجية التي تتخطى قدرات أية دولة، وستطبق كي تنجح على مستوى عابر للدول، من المنطقي والحتمي أن تكون عربية المنطلق والمآل، تعيد إلى الانتماء العربي أبعاده الضائعة، حتى في حال انطلقت، أولاً، من بلد واحد، أو تجمّع بلدان بعينه، فالأساس في الرد أن يضم قدرات البلدان والشعوب العربية، ويوجه طاقاتهم الهائلة نحو ما سيرسمه لها من أهداف عليا، تحققها سياسات متطابقة، أو متكاملة، تكورهم حول ذاتهم، وتحصّنهم بقوة واقع أن العرب هم وسيبقون أمة واحدة، وعليهم التصرف ككيان واحد، يحمي كل جزء منها باقي أجزائه، كما لو كان الخطر البعيد عنه يستهدفه هو أيضاً، ويهدد وجوده.
لن يصد الخطر الإيراني خصوصاً، والخارجي عموماً، أي رد محلي أو جزئي مقطوع الجذور بباقي أجزاء الجسد العربي، كما لم ينجح من قبل في صد الخطر الصهيوني. ومع أنني لا أقلل من أهمية الرد الوطني، بل وأعتبره حاسماً في التصدي لأي معتد، فإنني أؤمن بأن طابعه تغير، وأنه فقد الكثير من طاقاته التعبوية والمعنوية، بعد تراجع البعد العربي في السياسات المحلية، وأنه في سبيله، اليوم، إلى التلاشي، تحت وطأة ما ينزل بنا من هزائم في كل مكان، ويبرز من أخطار تعجز، اليوم، أية دولة عربية عن مواجهتها منفردة، إلا إذا كانت تريد أن تتعرض للدمار الكامل والشامل، بقوة التعاون بين إيران واختراقاتها الداخلية التي تمتلك جيوشاً تتمتع بقوة تدميرية كبيرة، كما حال حزب الله في لبنان وسورية، والحوثي في اليمن.
ليست هذه دعوة إلى تجديد الصراعات العربية/ العربية التي قتلتنا في الماضي باسم الوحدة القومية؟ إنها دعوة إلى التقدم نحو زمن عربي، يحمي العرب فيه وجودهم ودولهم بمشتركاتهم الجامعة، وبما بينهم من مقومات تحول دون جعل الدول القائمة محل إنكار وصراع، يدفعهم إلى ممارسة أوسع قدر ممكن من التعاون والشراكة، فيما بين بلدانها.
إيران موحدة ومركزية وعدوانية، وتمتلك مرتكزات منظمة ومسلحة داخل بلداننا. ولن ننجح إذا لم نواجهها بعالم عربي موحد الإرادة والوسائل والأهداف، لا يفيد من قدراته الذاتية وحدها، بل كذلك من قدرات العرب الذين يعيشون داخلها، وهم في أسوأ حال، تحيق بهم أخطار الاستيطان الفارسي والطرد من وطنهم.
لا محل، من الآن فصاعداً، لأنصاف السياسات والمواقف حيال إيران. يكفينا العراق ولبنان وسورية واليمن، حيث يذبح أتباع إيران شعوبنا ويدمرون بلدانها، بمشاركة مباشرة من كبار قادتها وجيشها. من يؤمن بأنصاف الحلول والمواقف يجد نفسه، ذات يوم غير بعيد، لاجئاً في خيمة أو في فندق فخم، وسيدركه القتل والإذلال، ولو كان في بروج مشيدة. عندئذ، لن يبقى له غير البكاء على أطلال وطنه وحكمه.
العربي الجديد
الرياض وطهران: 35 دقيقة قد تهزّ المنطقة/ صبحي حديدي
لم تكن مصادفة أنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما اختار البرلمان التركي (وليس الأندونيسي مثلاً، كما قالت ترجيحات مبكرة يومذاك) لمخاطبة العالم المسلم، في مستوى شعوبه وقضاياها الكبرى، إسوة بأنظمته ومصالحها الصغرى؛ وذلك في أوّل إطلالة دولية، لأوّل رئيس أمريكي أسود، ولد لأب مسلم. ولسوف تتولى تلك الخطبة التشديد على البُعد الثقافي (الديني والحضاري والتاريخي، في معانٍ أخرى) وراء خطوة كهذه بصفة خاصة، ثمّ إبراز الخلفية الستراتيجية والجيو ـ سياسية لعلاقة الغرب بالعالم المسلم، وبتركيا خصوصاً.
وإلى جانب مستقبل التعاون في ملفات سياسية كبرى، مثل العراق وإيران والسلام العربي ـ الإسرائيلي والقضية القبرصية وأفغانستان والباكستان وناغورني ـ كارباخ، كانت الركيزة الفكرية، أو الثقافية لمَن يشاء، في خطاب أوباما هي امتداح التجربة الديمقراطية التركية. وذاك مديح شمل سيرورة نشوء تركيا الحديثة (ومن هنا جاءت فقرة التغنّي بشخص مصطفى كمال أتاتورك)، ثمّ التطورات اللاحقة التي عزّزت النظام الديمقراطي التركي (إلغاء محاكم أمن الدولة، وإصلاح قانون العقوبات، وتدعيم قوانين حرّية الصحافة والتعبير، ورفع الحظر عن تدريس اللغة الكردية…). وعلى نحو مبطّن، ولكنه غير خافٍ بالطبع، خاطب أوباما تركيا بوصفها، أيضاُ، دولة أطلسية تستضيف قواعد عسكرية أمريكية أساسية، تُناط بها مهامّ لوجستية وعملياتية لا يُستهان بها.
جرت مياه كثيرة في أنهار تركيا والولايات المتحدة منذ تلك الخطبة، غنيّ عن القول؛ ولم تكن تركيا في حينه أردوغانية ـ إذا جاز التعبير ـ إلى الدرجة التي هي عليها اليوم؛ كما لم يكن الجوار الإقليمي عاصفاً إلى هذا الحدّ، غير المسبوق: علاقات تركية ـ إسرائيلية لم تشهد، من قبل، هذا المستوى من الخلاف والتوتر والمواجهة؛ و»ربيع عربي» هزّ أنظمة استبداد مكينة عتيقة، وأعاد تركيب معادلات المنطقة الجيو ـ سياسية، بعد أن قلبها رأساً على عقب تقريباً؛ وتنظيمات جهادية متشددة لم تكتفِ بتسعير الممارسات الإرهابية، بل ذهبت بالعنف إلى أقصى أنساقه وحشية وهمجية؛ وتمدد إيراني في المنطقة، أتاح له الغزو الأمريكي للعراق أن يتطوّر إلى مشروع نفوذ إقليمي واسع الجغرافيا وجَشِع الأطماع، يقطع قوس منطقة عريضة تبدأ من العراق وسوريا ولبنان، دون أن تتوقف عند فلسطين والخليج العربي واليمن.
الأرجح أنّ هذا المشهد، المركب والمعقد والزاخر بالمعطيات المتفجرة، كان محور الدقائق الـ35 لاجتماع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء زيارة الأخير للمملكة مطلع هذا الشهر. هذه محادثات «على انفراد»، كما تصف اللغة الدبلوماسية طرازاً من مداولات ساسة العالم، على طاولة تنفرد عن المعلَن لكي تنتهج ما هو مكتوم وسرّي، حيث تُصاغ سياسات كبرى، وتُتخذ قرارات حاسمة. صحيح أنّ البيان الصحفي المشترك، الذي أعقب الزيارة، لم يشر إلى أيّ اختراق دراماتيكي في العلاقات السعودية ـ التركية، في مستوى اللفظ على الأقلّ؛ إلا أنّ علائم كثيرة تنبيء بأنّ تحوّلاً نوعياً سوف يطرأ على تعاون البلدين، في ميادين كثيرة، لعلّ أبرزها احتواء المدّ الإيراني في المنطقة عموماً، وإعادة «جدولة» الأولويات في تحديد الأخطار الأدهى؛ كأن يراجع العاهل السعودي قراءة أخيه الراحل الملك عبد الله لخطر الإخوان المسلمين بالمقارنة مع المدّ الإيراني، خاصة إذا نجحت طهران في انتزاع اتفاق دولي حول برنامجها النووي.
وهكذا فإنّ الأيام القليلة القادمة حبلى بالمتغيرات، أغلب الظنّ، ولعلّ تلك الدقائق الـ35 سوف تهزّ قوس النفوذ الإيراني ذاته، أوّلاً؛ قبل أن تنتقل الهزّات إلى سائر المنطقة، حيث الأرض حاضنة زلازل كثيرة، أصلاً!
القدس العربي
إيران إمبراطورية الوهم/ بشير البكر
ثمة حالة من النشوة، يعيشها حكام إيران هذه الأيام، ومرد ذلك أنهم يتقدمون في العراق وسورية واليمن، وقبل ذلك لبنان. إنهم، على ما يبدو، يمرون بلحظة فارقة في تفكيرهم، أو علاقتهم بتاريخهم، إلى حد أن أحد مساعدي الرئيس الإصلاحي، حسن روحاني، تحدث عن عودة الإمبراطورية الفارسية واختار لها بغداد عاصمة.
لم يخطئ حين جعل من بغداد عاصمة للإمبراطورية، لأن ذلك كان لائقاً بها زمناً طويلاً، فهي أرض حضارات إنسانية مديدة. العاصمة موجودة نعم، لكن الإمبراطورية غير موجودة، وإلا فليقل لنا السيد المدعي ما هي الحجج التي جعلته يعتبر أن هناك إمبراطورية فارسية فعلاً. ثم لماذا تحتاج هذه الإمبراطورية عاصمة خارج حدودها، ذلك أن تاريخ الإمبراطوريات القديم والحديث لم يشهد اختيار عاصمة خارج الأرض التي انطلقت منها الإمبراطورية؟
حين نشأت الإمبراطوريات وضعت لنفسها أسساً ومواصفات تطمح للديمومة والخلود. ولذلك، ظل منها شيء خالد في الحاضر في الفن والاختراعات والعمارة والزراعة. بقيت المأثورات الحضارية، على اختلافها، شواهد على أزمنة إمبراطورية غابرة، واستمرت الشعوب التي عاشت في ظلها تشهد لها بذلك، أما النفوذ والقوة والسيطرة التي تأسست عليها الإمبراطوريات فقد اندثرت مع زوالها. وفي حالة الإيرانيين، اليوم، لا نكاد نشهد غير نزعة التوسع العسكري الذي يقوم على اجتياح العالم العربي، ومنعه من صنع حاضره بيد أبنائه.
يغزون سورية واليمن والعراق، بذريعة أوهام لا تنطلي على أحد، ويرسلون الجيوش بحجة الدفاع عن مزارات، وكأن هذه المزارات لم تكن، هنا، منذ قديم الزمان، أو أن الشعوب التي يحتلون ويدمرون بلادها بلا مزارات أو رموز وخيال وفولكلور. ومشكلة الإيرانيين، هنا، تكمن في أنهم لا يريدون أن يتعلموا شيئاً من الدروس التي واجهها الغزاة في التاريخين، الحديث والقديم، وخصوصاً الإمبراطوريات التي لم تفلح في ضرب التنوع الثقافي والعرقي والديني للشعوب التي بسطت نفوذها عليها. وهكذا، خرجت الإمبراطورية البريطانية من الهند وسائر المستعمرات.
لنفترض أن هناك إمبراطورية فارسية اليوم، فماذا لديها لتصدر للشعوب الأخرى؟ ليس سراً أن إيران تعيش في أوضاع مزرية من البؤس والحرمان والقمع السياسي والثقافي والديني، وهي لا تزال محكومة بطبقة من رجال الدين الذين يرفضون كل انفتاح لبلادهم على العصر.
مشروع إيران لن يمر في المنطقة العربية، لسبب بسيط هو أن الإيرانيين يتصرفون كقوة احتلال، ولو أنهم تعاطوا مع أهل المنطقة بطريقة مختلفة، وتواضعوا قليلاً، لوجدوا أن العرب سيكونون فخورين بهم، لأن عناصر اللقاء أكثر من عناصر الافتراق، لكن الطبقة السياسية الحاكمة في إيران تبدو راكبة رأسها، وعلى درجة كبيرة من التعالي على العرب الذين يظلون، مهما حل بهم، أصحاب حضارة عمرها ملايين السنوات، كان لها فضل كبير على الفرس عندما احتضنتهم وقدمتهم للبشرية في فترة ازدهارها، ولم تنظر إليهم كغرباء عنها، بل أبرزت علماءهم ومبدعيهم من منظور الثقافة الإسلامية، ذات الأفق الرحب.
ليس الفارق، اليوم، بين العرب والإيرانيين حضارياً، بل لدى الإيرانيين مشروعهم السياسي، والعرب في حالة تراجع، وهو ما تحاول إيران أن تستغله، وهذا لا يعني بالضرورة أن مشروعها سيملأ الفراغ في العالم العربي، لا بل إنه مشروع لا مستقبل له في منطقتنا، لأنه طائفي من جهة، ومن جهة ثانية، يحمل نفساً استعمارياً واضحاً، وهذان السببان كافيان لكي يدمر نفسه بنفسه. ثم إن إيران على وعي تام بأنها تلعب، اليوم، على قشرة الوعي في المنطقة، وهي تعرف أنها، من خلال عدّة ضعيفة حضارياً، غير قادرة على اختراق ذاكرة العرب ووجدانهم.
العربي الجديد
تموز.. شهر الخيارات/ ميشيل كيلو
تقترب منطقتنا من تموز، الشهر الذي قالت واشنطن وطهران إنه سيكون آخر موعد للتفاوض حول تسوية ملف إيران النووي، فإن جاءت النتيجة مرضية للبيت الأبيض، دخلت علاقات الدولتين إلى حقبة من الانفراج والتفاهم المتبادل، انعكست بصور إيجابية على مواقع إيران العربية عموما، والسورية خصوصاً، وسلبية على ثورة السوريين وقضيتهم. أما إذا لم يتم بلوغ تسوية مقبولة أميركيا للملف، فمن المرجح أن تتم تسوية انعكاسات الفشل السلبية في الساحة السورية، مكاناً تتكثف فيه نقاط ضعف إيران، فإن قررت أميركا معاقبتها وإجبارها على وقف برنامجها النووي، كان من المحتم أن تسعى إلى استهدافها في موقعها السوري المميز، شديد الأهمية والحساسية، بالنسبة لمجمل انخراطها التوسعي/ الإمبراطوري في منطقتنا، حيث تبذل جهوداً جبارة لإقامة توازن مضمون ودائم مع سياسات ومصالح إقليمية ودولية مناوئة لها، تعمل بدورها لاستنزافها سورياً، وفي المحصلة، لإضعاف نظامها واقتناصها استراتيجيا في إيران ذاتها.
إذا صدق الأميركيون، وهم نادراً ما يصدقون، سيكون هناك بعد تموز نمط مختلف من العلاقات الأميركية/ الإيرانية، سواء تم أم لم يتم بلوغ تسويةٍ يريدها الطرفان تحولية، سيتقرر بنتائجها نوع الشرق الأوسط الذي ستتم إقامته، فإن قبلت أميركا دوراً إيرانياً جديداً في البلدان العربية في مقابل تخليها عن برنامجها النووي، كان على الثورة الاستعداد منذ اليوم، وبأقصى قدر من الوحدة والتصميم والجدية والسرعة، لملاقاة النتائج السلبية والتحديات القاسية التي ستترتب على تسليم واشنطن بوجود إيراني استراتيجي ومقبول في بلادنا، لا يستبعد إطلاقا أن يسهم في ضبط المنطقة لصالح دور أميركي يريد التحكم بها عن بعد، من دون انخراط مباشر في قضاياها الشائكة. أما إذا تعثر تفاهم الدولتين، فسيكون على الثورة السورية العمل على الإفادة من خلافهما، لما لذلك من أهمية بالنسبة إلى تحقيقٍ، كلي أو جزئي، لبعض أهدافها، قبل أن يعودا إلى طاولة التفاوض من جديد.
من المرجح أن يكون شهر تموز موعداً حاسماً بالنسبة إلى موقف أميركا من دور إيران العربي. ومع أن أوباما قد يعطي التفاوض فرصة أخرى، فإن ما يوليه من اهتمام استثنائي لعلاقاته مع إيران يجعله يرى في نجاح مفاوضاته معها إنجازه التاريخي الأكبر، فإن نجح فعلاً، لن يكون هناك مشكلة كبيرة بالنسبة إليه، إذا ما عززت شريكته الجديدة مواقعها في بلادنا. في هذه الحال، لن يبقى عندنا أي خيار غير المبادرة إلى استباق هذا التطور الخطير، بإصلاح وضعنا الذاتي، وترقيته إلى مستوى يمكننا من الصمود بنجاح أمام الوقائع الصعبة التي سنواجهها. بينما سيقدم لنا فشل التفاوض وتصاعد خلاف الطرفين فرصةً، يجب أن نعد أنفسنا للإفادة منها، لما يمكن أن يترتب عليها من تطور في المواقف الدولية عامة، والأميركية خصوصاً. وفي جميع الأحوال، إن ترتيب أوضاعنا الذاتية يمكّننا من تحسين المعادلات بيننا وبين النظام لصالحنا، وإخراج أنفسنا من مآزق وقعنا فيها، ونفتقر إلى القدرة على مبارحتها في أوضاعنا الذاتية، المليئة بالنواقص والعيوب.
ينتظرنا بين اليوم وتموز المقبل رهان كبير على الوقت، وآخر أكبر على عملنا، فإذا أخفقنا، كعادتنا، في تنظيم قدراتنا لرد الخطر واستثمار الفرصة، كان إخفاقنا آخر غلطة نقترفها، قبل أن نخرج تماماً من صراع نكاد نكون، اليوم، خارجه، يستوي في ذلك إن نجحت مفاوضات الغرب مع إيران أو أخفقت.
… والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، كما قال شكسبير.
العربي الجديد
الهيمنة الإيرانية حين تتشبّه بنظيرتها السورية قبل ربع قرن/ رستم محمود
مقارنة بحجم الكيان والموارد، تبدو إيران وكأنها وصلت إلى أعلى حالات هيمنتها السياسية والعسكرية على محيطها الجغرافي/السياسي، تلك الهيمنة التي تكاد أن تكون استثنائية في قوس جغرافي يمتد من غزة الى لبنان فسورية والعراق، مروراً باليمن وأجزاء من أفغانستان وأرمينيا وشرق تركيا. حيث تستحوذ إيران على القرار السياسي الإستراتيجي الأعلى في عديد الكيانات هذه، وتهيمن بشكل نسبي على الكثير من المؤسسات «الشرعية» في هذه الدول، وتستطيع فوق ذلك أن تبتز الدول المحيطة بهذه الكيانات، الواقعة تحت الهيمنة الإيرانية.
قبل قرابة ربع قرن، ومع أخذ النظام السوري الضوء الأخضر بالقضاء على «تمرد» ميشال عون في قصر بعبدا، قبيل حرب الخليج الثانية، فإن النظام السوري وقتئذ كان قد وصل لدرجة شبيهة بهذه الهيمنة الإيرانية. فقد كان النظام السوري على «علاقة هيمنة» مع الكثير من التنظيمات الفلسطينية والعراقية والكردية/التركية، ويسيطر في شكل مطلق على لبنان، وله الكثير من الاتصالات التي تمتد حتى إلى أثيوبيا والفليبين وإريتريا والجيش الحمر الياباني.
لا يبدو النظام الإيراني وكأن قد ورث الكثير من نقاط النفوذ التي كانت للنظام السوري فحسب، ولا يبدو وكأنه يرث النظام السوري نفسه، بل أيضاً وكأنه يعيد تجربة النظام السوري نفسه. يتشابه ذلك التطابق بين الهيمنتين السورية والإيرانية في ثلاثة مواضع مركزية مركبة:
أن هذه الهيمنة بالأساس هي لـ «تحصين» السيطرة الداخلية، وبكلمة أدق لتحصين أحوال النظام الحاكم داخليًا عبر هذه الهيمنة. كما كان النظام السوري يسعى إلى استحواذ عدد من الأوراق السياسية الإقليمية، ليتمكن في الدخول في شبكة من المساومات والتوازنات مع الكيانات الإقليمية الأكبر حجماً ونفوذاً، وكذلك مع القوى الدولية المسيطرة على المنطقة، وذلك لتجاوز حالة «فقدان الشرعية» الداخلية.
كانت الشرعية الإقليمية هي المصدر الأول لاستقرار النظام السوري وقتئذ، والنظام الإيراني يسعى من خلال كل حركته ومساعيه الراهنة، لاستحواذ عتبة عالية من «الشرعية» المعترف بها من الدول الكبرى أولاً، ليتجاوز حالة فقدان الشرعية وسوء التمثيل السياسي التي يحياها.
من هنا يُفتح قوس كبير حول استخدام النظام الإيراني هذه الكيانات التي يهيمن عليها، لتصدير أزماته الداخلية المركبة. فكما كان النظام السوري يتجاوز معضلته الاقتصادية عبر الكيان اللبناني، وكذلك معضلته الإيديولوجية عبر التنظيمات الفلسطينية، فإن النظام الإيراني يبدو وكأنه جاهز تماماً لتحويل العراق بكل ثرواته إلى كيان اقتصادي وظيفي، وأن يحوّل محاربة «الإرهاب» في كل من اليمن وسورية إلى إيديولوجية وظيفية، ليتجاوز تهافت إيديولوجيته المركزية بـ «محاربة أميركا».
ثمة نقطة ثانية، حول «البُعد الاستخدامي» المتوقع للهيمنة الإيرانية على الكيانات والجماعات الخاضعة لها، فكما كانت علاقة النظام السوري بها من قبل، على حساب تنمية هذه الكيانات وتطورها الطبيعي، فإن الإيرانية لن تكون إلا لخلق مزيد من الفجوات والتناقضات بين هؤلاء الموالين لها وبين شركائهم المجتمعيين والكيانيين. النظام السوري زرع مزيداً من بؤر التفجير في لبنان وفلسطين والعراق، وأخّر التوصل لأية حلول معقولة بين السلطات التركية والمتمردين الأكراد، ومن ثم سعى إلى «بيع» هؤلاء «الحلفاء/الأوراق» بأبخس الأثمان ساعة الضرورة واللازمة، والإيرانيون لن يكونوا أحسن حالاً في ذلك، مع أوراقهم/عملائهم الذين يهيمنون عليهم.
سيحدث ذلك بالضبط لأمرين منطقيين واضحين، يعود الأول لشكل علاقة «الاستزلام» التي تبدو واضحة في التعاقد بين الطرفين غير المتكافئين، من حيث القوة والقدرة على السيطرة. هذا الخلل القائم على امتلاك طرف للآخر، يشرعن للمالك التخلي عن إحدى ممتلكاته ساعة الضرورة. الأمر الآخر يتعلق بطبيعة النظام الإيراني المشابه لنظيره السوري من قبل، مجرد كتلة صلبة مغلقة وجهازية، غير ملتزم بأي بُعد قيمي في علاقته مع أدواته السياسية.
هذا التوسع في شبكة الهيمنة التي تتجاوز حجم الكيان وموارده وحدود قوته السياسية الموضوعية، سيكون مستقبلاً على حساب المجتمع الإيراني نفسه، كما باتت قوة وهيمنة النظام السوري السياسية على الإقليم وبالاً على السوريين، حاضرهم ومستقبلهم. فهكذا أنظمة مشغولة تماماً عن أحوال مجتمعاتها الداخلية، وحين تتضخم في مجالها السياسي الخارجي، فإنها لا تعود تتعامل مع هذا الداخل إلا بسمة «المحتل»، ترى نفسها أكبر وأكثر تفوقاً من هذا المجتمع، لأنها لا تعتبره مصدراً لشرعيتها ، بل مجرد قاعدة خلفية لتنفيذ سياساته.
لا يُعقل أن يعزز النظام الإيراني من أشكال نفوذه المتعددة يوماً بعد آخر، حتى يغدو القوة الإقليمية الأولى في أكثر مناطق العالم حساسية، بينما يغرق أكثر من ثُلث سكانه في فقر مدقع، ويعاني معضلات اقتصادية وسياسية وثقافية داخلية بالغة العُمق، هذا التناقض لا بد له أن ينفجر، هكذا تقول حركة التاريخ على أقل تقدير.
* كاتب سوري
الحياة
إيران الإمبراطورية/ سلامة كيلة
حين سيطر الخميني على السلطة، بعد انتصار الثورة الإيرانية، نشطت الدولة الجديدة لتصدير الثورة الإسلامية، وتحرشت بالعراق، وقام حزب الدعوة بعمليات عسكرية ضد مسؤولين في النظام العراقي حينها. وكان واضحاً الميل الإيراني إلى السيطرة على المنطقة، عبر المنظور الأيديولوجي “الشيعي”، الذي بات الممهد لمحاولة التمدد. ثم نشبت الحرب العراقية الإيرانية، ولم تستطع إيران الانتصار فيها، على الرغم من سعي الخميني إلى ذلك، على أمل فرض “الثورة الإسلامية”.
مع تعقّد الصراع مع العراق، دخل النظام الإيراني على خط تشكيل القوى الشيعية في لبنان التي مالت، في البدء، لتصفية اليسار، والشيوعيين خصوصاً في البيئة الشيعية (قتل حسين مروة ومهدي عامل). لكن، وجدت أن ذلك يستحيل من دون كسب ورقة مقاومة الاحتلال الصهيوني الذي حدث سنة 1982 لجنوب لبنان، ووجه بتأسيس جبهة المقاومة الوطنية التي لعبت دوراً في تراجع احتلاله من حدود بيروت إلى الجنوب. بهذا، باتت إيران تدعم “خيار المقاومة”، وتدرب وتمد حزب الله بكل الخبرات والسلاح. وتعالى موقفها ضد الدولة الصهيونية (وحتى ضد اليهود)، حيث صارت تمارس كطرف في الصراع، خصوصاً أن حزب الله نشأ كتنظيم يخضع لولاية الفقيه، ويلتزم تعليماته.
بعد الاحتلال الأميركي للعراق دخلت بقوة، تحت أعين الإدارة الأميركية، وبغض نظر أو حتى تنسيق معها. ومارست كل أشكال القتل للخبرات العراقية (العلماء والطيارون، والقادة العسكريون)، وحرصت على تشكيل مجموعات “شيعية” تتبع الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية، وتنطلق من أيديولوجية تعصبية متطرفة (فيلق بدر وعصائب أهل الحق، وحزب الله العراق، وغيرها)، واستفادت من اللعبة الأميركية لتصعيد الصراع الطائفي، بعد استقدام أبو مصعب الزرقاوي (تحت الحماية الإيرانية)، بتعزيز مجموعاتها الطائفية وتمكينها. وبالتالي، إذا كانت تطرح مقاومة الدولة الصهيونية فقد عملت في العراق ما أرادته تلك الدولة، من خلال مساعدة الاحتلال الأميركي على تدمير العراق، ومسخه. وهي تعرف أنه من دون ذلك لن تستطيع السيطرة عليه.
مع انفجار الثورات، فقد دخلت بقوة لسحق الحراك في العراق، ثم دخلت سورية بعد ضعف السلطة نتيجة توسع الثورة، وأصبحت تدافع عن السلطة ليس عبر مستشارين، أو دعم مالي، أو معدات عسكرية، بل عبر حشد “الشيعة” للدفاع عن الأماكن المقدسة في سورية (الست زينب). وأصبحت هي قوة حماية السلطة، والمقاتل المباشر ضد الشعب، وهذا ما أظهرته، أخيراً، بشكل علني ورسمي. كذلك دعمت تقوية الحوثيين، بعد الثورة اليمنية التي أجهضها التدخل الخليجي، ومسخ الحل إلى تغيير شكلي. ولهذا، باتت القيادات الإيرانية تعلن أنها تسيطر على أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. اختلف الخطاب الإيراني من دعم المقاومة إلى السيطرة على العواصم. بمعنى أنه، على الرغم من أن التحشيد يقوم على أساس طائفي، ويستجلب المقاتلين من أفغانستان وباكستان وطاجاكستان، وإيران، والعراق ولبنان، فقد أصبح الحديث عن السيطرة، وعن التحكم.
ربما هذه النقلة هي التي مهدت لخطاب “جديد”، يتحدث عن الإمبراطورية. يقول مستشار روحاني للشؤون الدينية والأقليات، علي يونسي، إن “إيران عادت إلى وضع الإمبراطورية، كما كانت طوال تاريخها”. وعاصمتها هي بغداد التي هي “مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”. هنا ننتقل من صراع علي ومعاوية إلى صراع فرس وعرب، وربما يكشف هذا الأمر كل مجريات الدور الإيراني السابق، وكيف أنه حتى الخطاب الطائفي الشيعي يستخدم من أجل امبراطورية دثرتها الدولة العربية الإسلامية.
أظن أن الأمر “طبيعي”، حيث كان للشاه دور في السيطرة على الخليج وحمايته، ولم يختلف النظام الذي نشأ بعده عن هذا الميل، بل ربما أصبح أكثر حيويةً، اعتماداً على وهم أيديولوجي، يمكن أن يستخدم للتضليل، والذي يقوم على استخدام الشيعة في سياسةٍ تهدف إلى السيطرة والهيمنة.
إيران تقاتل، وتفاوض من أجل سيطرة إقليمية، ودور إقليمي، هذا هو الوضع باختصار.
العربي الجديد
ذاكرة العراق المُرّة/ حازم صاغية
تحفل الذاكرة العراقيّة، أقلّه في العقود الممتدّة منذ مطالع الستينات، بكثير من المرارات التي تتكرّر بصور وأسماء مختلفة، تاركةً هذا المسار التكراريّ، والمتصاعد، يقضم كلّ احتمال مستقبليّ.
ولربّما كان آخر هذه المرارات المستعادة أنّ نوري المالكي حين تولّى الحكومة خلفاً لإبراهيم الجعفري، إنّما صُوّر ممثّلاً للاعتدال والاستعداد للانفتاح على الآخر السنّيّ والكرديّ. بعد ذاك، تقمّص المالكي نفسُه روحَ الجعفري الموصوف بالضيق والتطرّف، ليظهر حيدر العبادي متقمّصاً روح المالكي الأوّل.
وإذا صحّ أنّ الذكرى تنفع، فإنّ التذكّر قد لا يعمل اليوم لصالح العبادي، خصوصاً أنّ ريح الطوائف والمصالح الإقليميّة، في العراق وفي عموم منطقة المشرق، تغلب دائماً ريح الأشخاص وما يشاع عن نيّات حسنة لديهم.
بيد أنّ التذكّر يردّنا بضع سنوات إلى الوراء، إلى 1963 تحديداً. يومذاك أنشأ البعثيّون، إثر انقلابهم العسكريّ على ديكتاتوريّة عبد الكريم قاسم، ما عُرف بـ «الحرس القوميّ»، وهو ميليشيا مسلّحة موازية للدولة، متأثّرة بخليط من الأفكار الفاشيّة واليساريّة الشعبويّة، تهيمن عليها قيادة الحزب في صورة مباشرة.
وشيئاً فشيئاً، وفي ظلّ تمادي «الحرس القوميّ» في انتهاكاته، تعاظم الخلاف بينه وبين الضبّاط البعثيّين أنفسهم. فهؤلاء أحسّوا أنّهم يدفعون كلفة الازدواج السلطويّ من دورهم وهيبتهم، وأنّ ما يدفعونه لا تكفي لردعه، بحال من الأحوال، وحدة مفترضة في العقيدة البعثيّة. هكذا انقلب الرفاق الضبّاط، بعد أشهر قليلة، على الرفاق «الحرسيّين»، وأسلموا رقابهم لعبد السلام عارف، عدوّ الطرفين، «درءاً للفوضى».
والازدواج، اليوم، مع «الحشد الشعبيّ»، أكبر كثيراً ممّا كان في 1963، كما أنّه أوثق ارتباطاً بمجاري السياسات الإقليميّة والدوليّة. إلاّ أنّه، وهذا هو الأخطر، لا يحضّ في مطالعة التاريخ إلاّ على استرجاع ابن خلدون وهو يتحدّث عن دولة كدولة بني بويه داخل دولة بني العبّاس.
وهو ازدواج يجلوه تحرير تكريت راهناً من «داعش»، بالتركيب العدديّ للمحرِّرين كما بتراتُب السلطات التي يتقاسمونها، ولكنْ أيضاً بتذمّر الدول الغربيّة والقيادات السنّيّة العراقيّة من تسليح الشيعة من دون تسليح السنّة الذين سبق لهم أن قاتلوا «القاعدة». ولم يتردّد مقتدى الصدر نفسه في أن يضمّ صوته إلى أصوات سنّيّة في التحذير من أعمال الثأر والانتقام. وكلّ من يتذكّر الظروف التي أحاطت بإعدام صدّام حسين، لن تفوته الرمزيّة التي يحملها وصول المسلّحين إلى بلدة صدّام وإلى قبره.
لكنّ تحرير تكريت، المهدّد بأن ينقلب غزواً يشرف عليه الجنرال والنجم الإيرانيّ الصاعد قاسم سليماني، ليس أكثر من تجلٍّ أو تعبير عن استحالة الدولة وواحديّة قرارها في العراق. فما بين «الحشد الشعبيّ» المتضخّم في الداخل العراقيّ، وإيران «الإمبراطوريّة» في الخارج، والاستنكاف السنّيّ – الكرديّ عن هذه الدولة مقابل استنكافها عنهم، يتراءى كأنّ الحرب الأهليّة المفتوحة هي أفق العراق الأوحد، بغضّ النظر عن عدد الطائرات الأميركيّة التي تحلّق في الجوّ، كما بغضّ النظر عن «داعش» هذه وما قد يرثها من «دواعش».
الحياة
حرب إيرانية في العراق من دون شريك سني/ حازم الامين
يرعى الأميركيون في العراق انتصاراً شيعياً على السنة. هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث للعراق، ذاك أن الأقنعة في الحرب على «داعش» مُزقت تماماً. قاسم سليماني يقود الهجوم وينشر مزيداً من الصور لنفسه، وأحد قادة الحشد الشعبي يقول لمحطة أميركية: «لقد أصبحنا على مسافة كيلومترات قليلة من قبر صدام حسين»، فيما يكشف جنرال أميركي حقيقة أن من يُقاتل «داعش» في تكريت إنما هم عشرون ألفاً من قوات «الحشد الشعبي الشيعي» وأقل من ألف من مقاتلي العشائر السنية.
وافق الأميركيون على ما يبدو على أن من يجب أن يهزم «داعش» هم الشيعة، ولم يبذلوا مع الحكومة العراقية جهداً لبلورة عدو سني لـ»داعش». لا شيء أوضح من هذه الحقيقة. وهي انبعاث رديء للبوشية (نسبة إلى الرئيس السابق جورج بوش) حين قررت أن إسقاط الديكتاتور صدام حسين يجب أن يترافق مع تهميش السنة في العراق، فكان أن فشلوا في نصرهم.
ها هو أوباما يصنع صدّام جديداً، فالممارسات التي حولت مجرماً كصدام حسين إلى ضحية تتكرر اليوم مع أبو بكر البغدادي. فالحشد الشعبي الشيعي يُقاتل اليوم على أرض السنة في العراق وفي مدن السنة، وهو يترافق مع تزخيم هائل للشعائر المذهبية، وعلى وقع لطميات الانتصار على السنّة لا على «داعش»، كما يترافق مع حرص إيراني واضح على تظهير مشاركة ضباط الحرس الثوري في القتال. كذلك كشفت الحرب في تكريت عن انكفاء سني عن المشاركة في القتال، على رغم أن لدى سنة العراق ما يكفيهم من أسباب للقضاء على «داعش». فالأرقام تقول إن ضحايا «دولة الخلافة» من السنة في العراق وفي سورية يفوقون ضحاياها من أي جماعة أخرى، وانتهاك التنظيم مقدسات السنة ومساجدهم ورموزهم لم يكن أقل من انتهاكه رموز وشعائر الجماعات الأخرى.
إنه فشل أميركي جديد، وهو أشبه بعملية تجديد لعناصر الاضطراب. والمفارقة أن الاندفاع الأميركي غير الحذر وراء الإيرانيين في العراق يجري في ظل انكشاف المشهد المذهبي، ومن يُحذر من تبعاته هم ضباط أميركيون مشاركون في هذه الحرب، وهم وسائل إعلام أميركية تبث مقاطع فيديو لممارسات «داعشية» تقوم بها ميليشيات الحشد الشعبي.
تكرار سقيم لخطأ أول، لكنه هذه المرة خطأ أكثر عمقاً وجوهرية، ذاك أنه يُجدد ضغينة محلية بعيداً عن أوهام العدو البعيد. فالحشد الشعبي يريد الوصول إلى قبر صدام حسين، ويريد هزيمة تكريت، مدفوعاً بقوة الطقس المذهبي، ويتولى «يوتيوب» تظهير هذه الحقيقة أمام الجميع، فينتصر شيعة لهذه المشاهد ويُراكم سنة مزيداً من مشاعر الغضب، ولا يقتصر ذلك على العراق، فتتسرب إلى اقتناعات سوريين ضاقوا ذرعاً بـ»داعش» وإجرامها، حقيقة أن هزيمة عدوهم السني ستتم على يد عدو شيعي لا فرق كبيراً بينه وبين المنتصر الجديد. تبذل «داعش» جهداً كبيراً لإشعار السنة بأنها ليست جيشهم الأهلي، فهم ضحيتها قبل أي جماعة أهلية أخرى. هذه قناعة راحت تتعاظم في السنة الأخيرة من عمر «دولة الخلافة»، لكنها قناعة لم يتم الاستثمار فيها أثناء الحرب على «داعش». وما لا شك فيه أن الحرب في تكريت أصابت هذا الاقتناع بمقتل. هذه الحرب أعادت إنتاج أسباب الأزمة في العراق وفي سورية. وضعت السنّة أمام حقيقة أن عليهم أن يختاروا بين أبو بكر البغدادي وقاسم سليماني. والقول بأنهم سيختارون الأول فيه مجازفة وافتئات، لكنهم من دون شك لن يختاروا الثاني.
من الواضح أن دفاعات «داعش» تتداعى في المدن التي تسيطر عليها، لكن ذلك لا يجري في سياق القضاء على التنظيم الإرهابي، إنما في سياق صراع مذهبي على النفوذ. هذا الدرس لم يتعلمه الأميركيون في العراق. فقد تم القضاء على صدام حسين ليُستبدل بطاغية موازية، فكانت «داعش». واليوم لن تعجز البطن التي أنجبت صدام الأول وصدام الثاني عن إنجاب صدام ثالث.
قبل أشهر قليلة من بدء الهجوم على تكريت، قال الزعيم الكردي مسعود بارزاني إن البيشمركة التي تخوض حرباً على تخوم مدينة الموصل لن تدخل المدينة، وإن هذه المهمة يجب أن تتولاها عشائر الموصل بعد تسوية سياسية معها. كشف هذا الكلام وعياً مبكراً بحقيقة أن القضاء على «داعش» لا يكتمل من دون قيادة السنة في العراق هذه المهمة. ما يجري في تكريت اليوم عكس ذلك تماماً، لا بل ثمة حرص كبير على تظهير نصر مذهبي تمارسه طهران وترعاه واشنطن، أوقع الراغبين في قتال «داعش» من السنة في احتمالات التخوين، وهو ما يُفسر الانكفاء السني عن القتال في تكريت.
والغريب هو تعمد طهران الكشف عن حجم مشاركتها، وهو ما يدفع إلى الاقتناع بأن لا رغبة في القضاء على «داعش»، وأن «دولة الخلافة» هي العدو الضروري لمد النفوذ. وفي هذه اللحظة يكف الأميركيون عن الكلام، ذاك أن القول بأن طهران تتقدم في العراق، وهو ما لا يمكن دحضه، يضع الفلسفة الأوبامية لمكافحة الإرهاب أمام سؤال لا ترغب الإدارة الأميركية في الإجابة عنه اليوم، ويتمثل في: هل ترى واشنطن أن «عدوها السابق» قاسم سليماني هو الشخص النموذجي للقضاء على «داعش»؟ وهل يمكن أن يحصل ذلك من دون شريك سني؟
ما يمكن أن يخلص إليه المرء في ظل الحرب في تكريت هو أننا لسنا في المرحلة الأخيرة من عمر «داعش»، وأن ما يجري هو تجديد لأسباب وثبتها في السنة الأخيرة. قد تزحف الجيوش على المدن التي احتلتها «داعش»، لكن ذلك لن يعني هزيمتها. ولن يكفي قُبح وجه التنظيم ومستويات إجرامه لجعل عشائر السنة في العراق تقبل بقاسم سليماني محرراً لمدنهم. سنكون أمام فصل جديد من الحرب المذهبية. ربما من دون «داعش»، لكن ذلك لا يعني أنها ستكون حرباً أقل كلفة.
الحياة
إيران.. هل تمسك المنطقة؟/ حازم صاغية
بات ثمّة ما يقارب الإجماع على أن الاتفاق الأميركي- الإيراني صار قاب قوسين أو أدنى، فإذا صح هذا التقدير، الذي يُستدل عليه بإشارات وتسريبات وزيارات وتصريحات، بتنا وجهاً لوجه مع تحولات هائلة في النسيج الجيوبوليتيكي للمنطقة إذا صح الوصف.
ذاك أن «التفويض الأميركي لإيران»، بحسب تعبير رائج يستعير تجربة العراق حين ترك الانسحاب الأميركي فراغاً سده الإيرانيون، سيعني بادئ ذي بدء انخفاضاً في حرارة التحالفات الأساسية القائمة على صعد ثلاثة:
-عربياً، لن تشعر الدول الخليجية خصوصاً، وبقية الدول العربية على العموم، بالثقة التي كانت توليها قبلاً للصداقة مع واشنطن. وأغلب الظنّ أن ما وصفته وكالات الأنباء بـ«زيارة الطمأنة» التي قام بها وزير الخارجية الأميركي للسعودية لن تكون كافية لإحداث هذه الطمأنة. ويمكن الافتراض أن تركيا -وهي عضو في حلف «الناتو»- تنتابها هواجس شبيهة بالهواجس العربية، خصوصاً إذا أبقينا في الخلفية التنافس القديم والتقليدي على النفوذ بينها وبين إيران.
-أوروبياً، لن يكون الفرنسيون -وهم أكثر الأوروبيين عناية بمنطقة الشرق الأوسط- مرتاحين إلى «الصفقة» العتيدة الأميركية- الإيرانية، وهو ما عبر عنه بكثير من الصراحة الرئيس فرانسوا أولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس.
وما يزيد القلق الأوروبي (وكذلك الخليجي) أن الانكفاء الأميركي، وما قد يستتبعه من «تلزيم» إيران، إنما سبق أن شهد تمرينه الأولي في موقف واشنطن الرجراج والمتردد حيال الأزمة السورية، وأن هذا الانكفاء ربما كان الاسم الحركي لتحول كامل في الاهتمام باتجاه آسيا والمحيط الهادئ.
– إسرائيلياً، حيث لم نعد، بعد خطبة نتنياهو في جلسة الكونجرس المشتركة، بحاجة للتدليل على موقع المسألة الإيرانية في جدول الأولويات الإسرائيلي. صحيح أن الأمر لا يخلو من اعتبارات انتخابية وحزبية أراد نتنياهو استغلالها، إلا أن هذا لا يلغي وقوع المسألة الإيرانية في دائرة من الإجماع الإسرائيلي. وأغلب الظن أن أي رئيس حكومة قد يخلف نتنياهو مدعوّ لاعتماد الموقف نفسه، ولو بقالب آخر أقل عنجهية وفجاجة.
وهذه العناصر أعلاه بمثابة تحولات غير بسيطة بتاتاً على مسرح العلاقات الدولية والتوازنات التي تتحكم فيها.
يكفي القول، إن إيران نووية، تهيمن على العديد من العواصم العربية، وتؤثر تأثيراً حاسماً على مضيقي هرمز وباب المندب، قد تدفع إلى سباق تسلّح نوويّ لطالما تجنبته المنطقة، بأخطاره الوجودية وبأكلافه الاقتصادية الباهظة.
لكنْ على رغم ذلك، يبقى السؤال الأهم هو التالي: إذا صح الكلام عن تخلٍّ أميركي «يبارك» إمساك إيران بالمنطقة، فهل في وسع إيران أن تمسك بها فعلاً، وما هي أكلاف ذلك؟ غني عن القول، إن الوزن الذي حظي به النفوذ الإيراني حتى اليوم، في كل من العراق واليمن ولبنان، لم يتحقق إلا من خلال الحروب الأهلية (كما الحال في اليمن والعراق)، أو فرض السيطرة على المفاصل الأساسية للدولة والمجتمع بقوة السلاح، وفي ظل رفض القطاعات السكانية المختلفة (كما في لبنان). أما في سوريا، حيث باتت طهران صاحبة اليد العليا في وجهة الأحداث، فدورها مربوط أيضاً بالدفاع عن نظام ساقط ومرفوض من أغلبية شعبه.
بلغة أخرى، فإن إمساك إيران بالمنطقة يعادل مشروعاً أبدياً للحرب الأهلية في أكثر من بلد عربي، وبالتالي إمكان اشتعال المنطقة العربية برمتها على نحو يبدد ثرواتها، ويهدد بإرجاع سكانها مئات السنوات إلى الوراء.
وكل من يلم بالتركيب الأهلي والمذهبي للشرق الأوسط يدرك أنه لن يكون في وسع إيران أن تنتصر على المدى البعيد في مواجهة إطلاقية وبدائية كهذه، فكيف وأن طهران محكومة أيضاً باهتماماتها على جبهتها الشرقية- الآسيوية من جهة الهند وباكستان وأفغانستان، ما يستدعي بذل الكثير من الجهد والمال؟ ثم إن القيام بأعباء هذا الدور الإمبراطوري يتطلب حالة من الاطمئنان إلى أوضاع السلطة في الداخل، وهذا ما ليس متحققاً بالقدر الكافي في طهران.
فإذا ما استمر التورط الإيراني في نزاعات العالم العربي، واستمرت أكلافه البشرية والاقتصادية على إيران، بات من الجائز الكلام عن العراق أو اليمن بالنسبة إليها بوصفهما ما كانته فيتنام بالنسبة إلى الولايات المتحدة، أو أفغانستان بالنسبة إلى الاتحاد السوفييتي السابق.
إلى ذلك كله تبقى نقطة نادراً ما يشار إليها. ذاك أن الحديث السائد عما سـ«تعطيه» الولايات المتحدة لإيران لا يزال يحجب الحديث المقابل عما سـ«تعطيه» إيران للولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، لابد من الافتراض بأن طهران ستتخلى عن سياسة المناهضة للولايات المتحدة كما اتبعتها منذ ثورتها الخمينية في 1979، لكن هل يمتلك الجسم الإيراني حقاً تلك السلاسة والانسيابية اللتين يتطلبهما تحول في هذا الحجم؟ وهل سيكون سهلاً -وفي البال التناقض الكبير بين الجناحين الراديكالي والمعتدل- إعادة تصوير واشنطن بوصفها الصديق، بعد كل هذا الشحن ضدها إيديولوجياً وتعليمياً الذي صُنعت على أساسه أجيال إيرانية متعاقبة؟ إن مهمة الإيرانيين ستكون حتماً أصعب مما يُظن. فالأمر أعقد كثيراً من مجرد الحصول على رفع العقوبات والتنعّم بالعائدات! ذاك أن المقابل الذي يستدعيه ذلك قد لا تملكه طهران.
الاتحاد
السيطرة على العواصم الـ 4 تخويف أم “تشريع”؟ طهران المستفيدة الحصرية من منظومة المزاعم/ روزانا بومنصف
خلال الخطاب الذي القاه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الاميركي في الثالث من الشهر الجاري عن “مخاطر” الاتفاق مع ايران حول ملفها النووي ركز على مخاطر سيطرتها في المنطقة على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وأخيراً صنعاء. وهذا الكلام ليس جديداً من زاوية ان الجنرالات الايرانيين اعتمدوا هذه الدعاية في الاشهر الاخيرة وصولاً الى الرئيس الايراني حسن روحاني نفسه الذي قال في 11 شباط الماضي في الذكرى الـ36 للثورة الاسلامية انما باسلوب أكثر ديبلوماسية من أسلوب الجنرالات الايرانيين الذين يتحدثون عن سيطرة ايران او نفوذها “ان الدولة التي ساعدت شعوب العراق وسوريا واليمن ولبنان لمواجهة المجموعات الارهابية، كما قال، هي الجمهورية الاسلامية”. والمفارقة ان اياً من هذه الدول اي العراق او سوريا او لبنان او اليمن لم تقل بالعكس ولم تحاول ان تدحض هذه الادعاءات او المزاعم الايرانية على رغم ان هذه الاخيرة لا تفيد الا ايران نفسها فيما هي يفترض ان تسيء الى الدول التي لا تزال تعتبر نفسها صاحبة سيادة على اراضيها على رغم كل التدخلات القائمة فيها بما فيها التدخل الايراني وللحاكمين فيها. فهذه الدول لم تعترض على هذه المزاعم ولا تستطيع على الأرجح ان تفعل ذلك لا سيما بالنسبة الى دولتين مهمتين هما العراق وسوريا نظراً الى الاعتبارات المعروفة. فرئيس النظام السوري مثلا الذي لم يصمد سوى بمساعدة ايران وميليشياتها وحلفائها من لبنان والعراق وثار على نقل تركيا رفات سليمان شاه اعتراضاً على خرق السيادة السورية يعجز عن ابداء رد فعل. وكذلك بالنسبة الى الرئيس العراقي حيدر العبادي الذي لم يعترض كذلك على قيادة الجنرال الايراني قاسم سليماني حرباً في تكريت وفي مناطق اخرى تحت عنوان مواجهة الارهابيين بمباركة اميركية لافتة. وفي حين ان اليمن ينقسم تحت وطأة سيطرة الحوثيين بدعم ايراني على السلطة هناك، فان لبنان بدوره يعجز في غياب رئيس للجمهورية وفي ظل حكومة تسعى الى الاستمرار بالحد الادنى عن الرد على المزاعم الايرانية على رغم ان هناك من يعتقد بان لبنان لا يخضع للسيطرة الايرانية كما هي الحال في سوريا او في العراق، وذلك على رغم نفوذ “حزب الله” وسيطرته على قرار الحرب والسلم فيه. لكن الحزب حاول ترسيخ هذا النفوذ ولا يزال مراراً وتكراراً بعد خروج سوريا من لبنان وعلى اثر اطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري لكن من دون ان ينجح في ادارة البلد، كما يعتقد هؤلاء. وكذلك لم يستطع حتى الآن فرض مرشحه لرئاسة الجمهورية بعد مرور عشرة أشهر على الشغور في سدة الرئاسة الاولى على سبيل المثال. وتالياً يغلب الاعتقاد لدى هؤلاء ان ايران تملك عبر الحزب قدرة الفيتو والتعطيل تماماً على ما يحصل في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية، ما يدفع جهات كثيرة الى مناهضة تسليم لبنان الى ايران عبر ايصال مرشح الحزب أياً يكن. فسوريا كانت تسيطر كليا على لبنان وتتحكم بكل تفصيل فيه وايران لا تتمتع بهذه الوضعية، على رغم انها ورثت سوريا وأخذت مكانها. وأظهر “حزب الله” قدرته على السيطرة على العاصمة في العام 2008 كما فعل الحوثيون أخيراً في اليمن بما يفيد بتمكن ايران عبر امتداداتها في لبنان من السيطرة عليه. ولعل هذا الاعتبار هو ما يأخذه المراقبون للوضع اللبناني، خصوصاً مع قدرة الحزب على فرض اجندة ايران في التورط في الحرب السورية او في مواجهة اسرائيل. لكن يبرز هؤلاء في الوقت نفسه استمرار واقع مناهضة ذلك عبر الامداد الاميركي للجيش اللبناني بالاسلحة اللازمة، وكذلك الدعم السعودي عبر الهبات للجيش التي وصلت الى اربع مليارات دولار.
لكن ثمة من يتساءل اذا كان التسليم الاسرائيلي بالسيطرة الايرانية على هذه الدول الاربع وفق ما لفت معلقون كثر على كلام نتنياهو، يعكس جزءاً من تسليم اقليمي ودولي بذلك علماً ان عدداً من دول المنطقة تردد هذه المزاعم الايرانية من دون اي مناقشة حول مدى صحتها من عدمه او ما هي نسبة هذه السيطرة، ما ساهم في تعميم هذا الاقتناع بوجود سيطرة ايرانية فعلاً على هذه العواصم الاربع على رغم ان الموضوع يحتمل نقاشا ان لجعل عودة الاميركيين الى العراق او قدرة ايران على فرض النظام السوري على الغالبية السنية هناك. والتساؤل ينسحب على ما اذا كان تكرار المزاعم يدخل في اطار محاولة تثبيت مسألة على انها باتت امراً واقعاً لا يمكن دحضه وتالياً يجب التعامل معه على هذا الاساس او الحصول على تسليم “شرعي ” واعتراف دولي بذلك على ما يعتقد ان ايران تسعى لذلك في تحركها الكثيف على الارض في المدة الفاصلة بين بدء المفاوضات مع الغرب حول ملفها النووي والاقتراب من التوصل الى اتفاق حوله. كما ان هناك تساؤلاً اذا كان تكرار المزاعم الايرانية اقليمياً هو جزء من تكبير خطر ايران في المنطقة بالاستناد الى ما يدعيه المسؤولون الايرانيون انفسهم، على رغم ان تبني هذه المزاعم يعطيها صدقية في مكان ما ويسمح لايران بالذهاب الى التفاوض متى فتح او في حال فتح حول الوضع في المنطقة من موقع قوة . وفي اي حال تبدو ايران مستفيدة حتى اشعار اخر.
النهار
ما بعد الاتفاق النووي أسوأ مما قبله؟/ عبد الوهاب بدرخان
ما كان لأحد أن يظن أن المفاوضات النووية ستبقى مسلسل فشل دائم، أو مجرد تفاوض من أجل التفاوض. فالتطورات الاقليمية تلحّ، والعقوبات توجع ايران رغم مكابرتها. ما لم يكن متوقعاً هو أن يتبلور “الاتفاق” على وقع تعايش اميركي مع التخريب الذي تتعمّده ايران في أربع دول عربية. والأخطر أن يتبلور ذلك الاتفاق على خلفية تفاهم اقليمي، اميركي – ايراني، لا تزال واشنطن تنكر وجوده وتعتقد أن أصدقاءها العرب يصدّقون، فالوقائع الايرانية تكذّب التطمينات الاميركية في العراق وسوريا (حيث يقود قاسم سليماني المعارك)، وفي اليمن (الغاء الدولة على أيدي حوثيي ايران)، وفي لبنان (مصادرة الدولة عبر منع انتخاب رئيس للجمهورية)، فضلاً عن البحرين (رفض أي حل عبر حوار وطني).
كل الحلول مؤجلة الى “ما بعد الاتفاق”، وكأن التوقيع عليه سيشهد في اللحظة التالية تغييراً جذرياً تبرهن به ايران أنها دولة طبيعية ومؤهلة لدخول مجتمع دولي ترفضه ولطالما استهزأت به. لا توجد أي مؤشرات الى أن ما بعد الاتفاق سيكون أفضل مما قبله، وربما كان العكس هو الصحيح. لماذا؟ هنا تبرز مسؤولية الولايات المتحدة وأجنداتها ومصالحها، وايران تخاطبها وتفاوضها على أساسها. لا تبدو اميركا مهتمّة بإرساء “توازن اقليمي” بل بتكريس أي وقائع قائمة ما دامت تتماشى مع مصالحها، أما هدفها المقبل، بعد الاتفاق النووي، فهو اقامة شراكة ايرانية – اسرائيلية لتقوم بدور “الشرطي الاقليمي”.
كان الاعتقاد السائد منذ أعوام أن أي اتفاق يمنع ايران من الحصول على قنبلة نووية من شأنه أن يخفّض زخم عدوانيتها وتدخلاتها، ومع انتهاء كل جولة تفاوضية تعلن طهران “انتصاراً” جديداً وتؤكد أنها في سبيل تحقيق كل أهدافها والاحتفاظ ببرنامجها النووي. ومع الكذب الدعائي الموجّه الى الداخل كانت ولا تزال تصعّد عدوانيتها، ما يعني أن التعثر العلني للمفاوضات النووية يغطّي تناغماً متقدماً مع الاميركيين الذين يعرفون كل أدوار ايران، خصوصاً في صنع الارهاب، ويفضلون السكوت، حتى أن رئيس هيئة الاركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي لم “يقلق” من التسليح الايراني لميليشيات العراق إلا قبل أيام.
في العواصم العربية المعنية يتصاعد القلق مما بعد الاتفاق النووي. لا لأن طهران ستحتفل بانتصارها بتنازلاتها، أياً كانت، بل لأنها ستوعز الى كل اتباعها أن يشرعوا في تثبيت نفوذهم بتصعيد الترهيب والسيطرة حيثما هي مطلوبة. فالخطط جاهزة لمعارك مقبلة في سوريا، ولضغوط محتملة على الجيش اللبناني لاستدراجه الى تنسيق معلن مع النظام السوري. وفي هذا السياق يتكاثر الحديث عن عودة الاغتيالات لتنال من شخصيات بارزة في لبنان تمهيداً لفرض رئيس الأمر الواقع.
النهار
الأيام الإيرانية/ غسان شربل
لا مبالغة في القول إن العالم يعيش أياماً إيرانية. يتصرف جون كيري كمن يلتفت باستمرار إلى ساعته. يلتقي نظيره محمد جواد ظريف ثم يجول موزعاً التطمينات كي لا نقول الضمادات. واضح أن الغارة التي شنها بنيامين نتانياهو على سياسة باراك أوباما لم تدفع الأخير إلى مراجعة حساباته. الأمر نفسه بالنسبة إلى ملاحظات الحلفاء ومخاوف الأصدقاء. توحي واشنطن بأن أقصى ما يمكن فعله هو السعي إلى اتفاق يمكن الدفاع عنه، وإقناع العالم به. تقول إن العقوبات أوجعت الاقتصاد الإيراني لكنها لم تمنع تقدم البرنامج النووي. تلمّح إلى أن البديل للاتفاق هو الحرب التي لا يريد أحد دفع أثمانها.
ثمة من يعتقد بأن الغرب وقع في الفخ الإيراني منذ سنوات حين ارتضى إعطاء الأولوية للملف النووي الإيراني، مكرساً تغاضيه عن الشق الأهم في البرنامج الإيراني، وهو الدور الإقليمي. بين الذين زاروا طهران في الأعوام الماضية من يعتقد بأنها مهتمة بامتلاك القدرة على صنع القنبلة أكثر من إنتاجها في الوقت الحاضر، وأنها تستطيع إرجاء موعد الإنتاج لأنها ليست مهدّدة بغزو خارجي تشكل القنبلة النووية «بوليصة تأمين» ضده. أول ما فعله أوباما كان إقناع إيران بأن أميركا لا تخطط لعمل عسكري ضدها، ولا تعتبر نفسها معنية بتغيير النظام الإيراني بالقوة.
أشغلت إيران الدول الغربية بمفاوضات البرنامج النووي وسرّعت عملية بناء الدور الإقليمي. في ظل المفاوضات النووية حرّكت بيادقها ببراعة. تكريس الدور لا يحتمل التأجيل. يمكن إرجاء ولادة القنبلة التي قد تأتي لاحقاً، لحماية دور كبير فرضته الوقائع الميدانية.
في ظل انشغال الدول الست بالاقتراحات والاقتراحات المضادة كانت إيران تُحدِث تغييرات كبرى على الأرض. كان أهم ما حققته منع سقوط النظام السوري. كان من شأن إسقاط هذا النظام أن يدمّر الاستثمار الإيراني الكبير في معركة الدور. من دون سورية الحليفة يصبح الدور الإيراني في لبنان محدوداً، كي لا نقول مهدداً. تنتقل المعركة بالكامل إلى المسرح العراقي، أي إلى مكان قريب من الحدود الإيرانية. ألقت طهران بثقلها في المعركة السورية ومنعت انتزاع الحلقة السورية من «هلال الممانعة». كانت المعركة السورية حاسمة، واضطرت إيران إلى تحريك جميع حلفائها أو التنظيمات التابعة لها لتقاتل في الداخل السوري، دفاعاً عن «تحفة» إيران في الإقليم.
يعيش الشرق الأوسط أياماً إيرانية بامتياز. هذا ما تؤكده أي قراءة واقعية للأوضاع. إذا شئتَ اليوم إعادة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى صنعاء وإعادة تحريك الحوار بين اليمنيين، عليك أن تتفاهم مع قائد «فيلق القدس» العميد قاسم سليماني. التفاهم يعني أن تعترف لإيران بأنها صاحبة دور كبير في اليمن.
إذا أردتَ اليوم إقناع النظام السوري بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المعارضات السورية، والبحث جدياً عن حل، عليك التفاهم مع سليماني. والتفاهم يستلزم بالتأكيد التسليم بأن إيران هي اللاعب الخارجي الأول على المسرح السوري. مفتاح الحل في سورية موجود في طهران لا في موسكو.
دعكَ من الحوار بين «حزب الله» وتيار المستقبل. ودعكَ خصوصاً من هذا الحوار الدائر بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والذي يؤكد هشاشة ما بقي من دور للموارنة. إذا أردتَ رؤية رئيس جديد للجمهورية في لبنان عليك التفاهم مع سليماني. والتفاهم يعني أن تعترف لإيران بدور استثنائي في لبنان، يفوق الدور الذي كان لسورية فيه.
دعكَ من التجاذبات داخل المكوّن الشيعي في العراق. ودعكَ من قدرة نوري المالكي على إحراج خلفه حيدر العبادي. إذا أردتَ تهدئة الصدامات بين المكوّنات في العراق عليك التفاهم مع سليماني. مفتاح الاستقرار على الأرض موجود في طهران لا في واشنطن، على رغم احتكار الطائرات الأميركية للأجواء العراقية. تكفي الإشارة إلى أن واشنطن حرصت قبل إرسال مستشاريها إلى العراق، على نيل ضمانات إيرانية لسلامتهم.
في المقابل هناك من يعتقد بأن الفتوحات الإيرانية أكبر من قدرة المنطقة على الاحتمال. تماماً كما أن القنبلة الإيرانية أكبر من قدرة الدول الست على الاحتمال. ويقول هؤلاء إن التمزقات في العراق وسورية ولبنان واليمن سابقة لظهور «داعش» ومرشحة للاستمرار بعده. وأن الاستقرار في هذه الدول يحتاج إلى استرجاع توازنات بين المكوّنات، أخلّت بها الانقلابات الإيرانية . وثمة من يجزم بأن الأيام الإيرانية مفتوحة على نزاعات مديدة بسبب «أزمة موقع السنّة في الهلال» والمخاوف التركية والخليجية ولأن «القبول بدورٍ لإيران شيء والقبول بزعامة إيران للإقليم شيء آخر».
الحياة
الاتفاق النووي والانتشار الإيراني صورة الشرق الجديد!/ جورج سمعان
امتلاك إيران القنبلة النووية سيغير وجه المنطقة. وكذلك الاتفاق بينها وبين الدول الست الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة، على تجميد إنتاج هذه القنبلة سيغير وجه المنطقة أيضاً. مثلما يغيرها ويبدلها هذا الحضور الإيراني المتنامي في أكثر من موقع استراتيجي على خريطة الإقليم. هذان الاتفاق والنفوذ سيشكلان الصورة البارزة التي سيرسو عليها النظام الجديد في الشرق الأوسط. لن يكون الاتفاق الموعود المفاجأة. الصدمة ألا يبرم، وأن تفشل المحادثات طوال هذا الشهر. وأبعد من رغبة الأطراف المعنية بالمحادثات في التوصل إلى نتائج إيجابية، يبدو أن هؤلاء باتوا قاب قوسين أو أدنى من التفاهم. وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني قالت قبل أيام في ريغا: «إن اتفاقاً جيداً بات في متناول اليد» مع إيران. وأكدت وجوب قطع الكيلومتر الأخير. «وهي مسافة تحتاج إلى إرادة سياسية أكثر منها إلى مفاوضات تقنية» ينتظر أن يستكملها مفاوضون متخصصون لترجمة الاتفاق السياسي المتوقع قبل نهاية الشهر الجاري. ونظيرها الإيراني محمد جواد ظريف مثلها تحدث عن «تقدم حقيقي» في المفاوضات الأخيرة في سويسرا. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري سبقهما إلى الرياض، في مهمة بدت كأنها سعي إلى تسويق الاتفاق المنتظر، أو التمهيد له. وبدت في جانب آخر محاولة لطمأنة المملكة ودول مجلس التعاون إلى التزام أميركا أمن الخليج، والتأكيد أن «لا مقايضة» في الملف النووي وقضايا أخرى تعني أهل المنطقة، وعلى رأسها بالطبع النفوذ الإيراني المتنامي.
تواكب أجواء المفاوضات المتفائلة باتفاق وشيك، حركة ميدانية محمومة لإيران في الإقليم، من اليمن إلى العراق وسورية. كأنها جزء من المفاوضات. أي أن المزيد الذي تجهد لكسبه في المنطقة العربية سترى إليه «مكافآت» في مقابل ما قدمت من تنازلات. وهذا ما سيعينها على تسويق ما يتم التوصل إليه مع الدول الست الكبرى، لئلا تواجه اعتراض المتشددين. ولئلا تستثير الشارع في الداخل الذي لا يقبل بالتنازل عما يعتقد بأنه حق وطني في امتلاك التكنولوجيا النووية. وثمة من يعتقد بأن التأخير في إنجاز بعض التفاصيل لإبرام الصفقة مرده تهيئة الأجواء السياسية والشعبية في كل من الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية لاستقبال الاتفاق. لذلك لا تبدو مقنعة تطمينات واشنطن لأهل الخليج وبعض العرب إلى غياب المقايضة. ثمة تعام واضح ليس عما جرى في السنوات الأخيرة، بل عما يجري حالياً في أكثر من ساحة. ويبقى العراق النموذج الفاقع. وضعت إدارة الرئيس باراك أوباما قبل شهور شروطاً على بغداد ومن خلفها طهران لإطلاق التحالف الدولي – العربي لمحاربة «الدولة الإسلامية». على رأسها إبعاد نوري المالكي وإشراك أهل المحافظات والعشائر السنية في هذه الحرب بعد إشراكهم في حكومة وحدة وطنية.
لكن ما جرى حتى الآن، وما يجري اليوم في معركة تكريت يقدم صورة مخالفة تماماً. ترك الأميركيون قيادة المعركة لمقاتلي «الحشد الشعبي»، أي الميليشيات الشيعية التي قاربت قوتها ضعفي قوة الجيش في المنطقة. وحرص الإعلام الإيراني على إبراز الدور الواضح لقوات «الحرس الثوري» وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في إدارة هذه المواجهة التي ستشكل اختباراً لمعركة تحرير الموصل المقبلة. ولا يخفي أهل السنة والأميركيون والعرب المشاركون في التحالف مخاوفهم من أن تؤدي المعركة القائمة إلى تعميق الشرخ المذهبي. كأن أميركا تكرر الخطأ الذي ارتكبته عندما احتلت العراق وأسقطت نظام صدام حسين ثم انسحبت وقواتها، مخلية الساحة للجمهورية الإسلامية. وهو ما عده كثيرون الشرارة التي أشعلت الحرب المذهبية في الإقليم كله أو زادت في سعيرها.
وما حدث ويحدث في اليمن على أيدي الحوثيين منذ أشهر شاهد آخر. لم يبدر أي تحرك غربي أو فاعل لحماية المرحلة الانتقالية. أو لتصويب أو دعم مهمة المبعوث الأممي جمال بنعمر. وما جرى ويجري في سورية منذ أربع سنوات دليل فاضح على تخلي أميركا وأوروبا عن مسؤولياتهما الدولية. أو بالأحرى دليل على إخلائهما الساحة لإيران وروسيا حيث سلما لهذين البلدين إدارة حرب طاحنة قد لا تبقي على شيء في هذا البلد. فلم يسبق في التاريخ أن أفرغ بلد أو منطقة من أهلها على نحو ما يجري في بلاد الشام عموماً، من المحافظات الشمالية والغربية للعراق إلى المدن السورية من حلب إلى دمشق!
ما يجري على الأرض في أكثر من موقع في الإقليم، أو بالأحرى في «العواصم العربية الأربع» التي تتحدث عنها طهران مناطق نفوذ، يؤكد سعي إيران الحثيث إلى استثمار نشط لهذه المرحلة التي تسبق الاتفاق النووي من أجل تثبيت مواقع نفوذها، ودفع «شركائها» الجدد في الاتفاق إلى التسليم بشرعية نفوذها في الخريطة العربية. ولا يبدو أن هذا يضير الولايات المتحدة، وإن سبب قلقاً وتوتراً في العالم العربي. فالأميركيون والعرب يعرفون أن إيران، بالمناورات العسكرية الواسعة في الخليج – وهي ليست الأولى – وما رافقها من تصريحات وتهويلات، لم تستطع إقناعهم المعنيين بأنها القوة الإقليمية الكبرى الوحيدة القادرة على فرض رغبتها وإرادتها على أهل المنطقة بسهولة. بل كشفت الحرب الباردة التي تقودها في مواجهة الخليجيين أن توسل القوة العسكرية ليس كافياً. لقد أهملت الجمهورية الإسلامية الجانب الاقتصادي، تماماً كما فعل الاتحاد السوفياتي. وهو ما عجل في سقوطه أمام مشروع رونالد ريغان في «حرب النجوم». لذلك تلقت ضربة قاسية من تدني أسعار النفط المنخفضة. ضربة تهدد أمنها الاقتصادي والاجتماعي. وتفاقم الآثار والتداعيات التي خلفتها العقوبات. على رغم ذلك لن يكون العنصر الاقتصادي سبباً في إخراج إيران في المنطقة مهما بلغت درجة استنزافها مالياً وعسكرياً. ويجب ألا يراهن خصومها على فاعلية هذا «السلاح» ونجاعته الحاسمة فقط. يجب أن يعترفوا بالحقائق المستجدة على الأرض لا الاكتفاء برفضها كأنها ليست موجودة. كما حصل في العراق الذي أهمله أهل الجامعة العربية وتركوا الأميركيين والإيرانيين يرسمون مصيره ومستقبله. وهذا ما هو قائم إلى اليوم.
هناك أسلحة أو أوراق أخرى تحوزها إيران. لعبت طويلاً بالورقة الفلسطينية. قدمت نفسها دون معظم العرب، قائدة ومحركة للصراع مع إسرائيل. وعملت ولا تزال تعمل لإقامة توازن قوة أو رعب معها عبر صناعة صاروخية متقدمة… وعلى الحدود المباشرة للدولة الإسرائيلية في لبنان وغزة. ولجأت بعد حربي أفغانستان والعراق، إلى الاستثمار في ميدان آخر أكثر ديمومة وأنجع ثماراً. هو رعاية قوى ومكونات عربية تلتقي معها مذهبياً وعقائدياً تبني عليها قواعد ثابتة في الإقليم لا يمكن هزها أو إلغاؤها. أو الطلب منها الانسحاب من أي معادلة. وهكذا يكون حضورها يحظى بشرعية هذه القوى والمكونات. من الأحزاب الشيعية في العراق وقواها وميليشياتها. إلى سورية ونظامها وعسكرها و»الجيش الشعبي» من أبناء الطائفة العلوية وبعض أبناء الأقليات. إلى لبنان و»حزب الله». إلى اليمن وحوثييه. يمكن الطلب من إيران أن تسحب قواتها المقاتلة من بعض هذه البلدان، ولكن ماذا عن هذه المكونات المحلية التي تشكل قواعد و»قنابل نووية» فاعلة وراسخة لحضور الجمهورية الإسلامية و»ثورتها» في هذه البلدان أو «العواصم» الأربع؟ بالتأكيد لا يمكن دعوتها إلى الخروج من بلدانها. هي جزء أساسي وفاعل سواء عبر الديموغرافية وغلبتها أو عبر السلاح وغلبته. والرهان على إضعاف هذه المكونات بكف المساعدة الإيرانية عنها ليس مضمون النتائج، أو يصح في كل الساحات.
كان من الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في العقود الخمسة الماضية ألا تقوم دولة إقليمية كبرى في الشرق الأوسط الكبير يمكن أن تشكل تهديداً لمصالحها الحيوية، وعلى رأسها أمن إسرائيل، وأمن حقول الطاقة وممراتها. لكن هذا الثابت في استراتيجيتها قد ينتهي مع توقيع الاتفاق النووي مع إيران. فقد أبدت إدارة الرئيس أوباما حرصاً كبيراً على تجميد البرنامج النووي بصرف النظر عما سيخلفه التفاهم مع طهران من أضرار جانبية لكن جوهرية. أصرت ولا تزال على منعها من تطوير سلاح ذري لتفادي سباق تسلح في المنطقة. وخوفاً من وصول التكنولوجيا النووية إلى أيدي منظمات إرهابية تتناسل وتتجاوز أخطارها ما شهده العالم في 11 سبتمبر 2001. ولا يغيب عن بال الإدارة بالطبع أن استقرار الشرق الأوسط سيظل يشكل عنصراً أساسياً في النظام الأمني العالمي. ألا يكفي أن الحروب الكبرى اليوم تدور كلها على أرضه، باستثناء حربي أوكرانيا وجنوب السودان؟ من هنا تبحث الإدارة عن سبل ترسيخ هذا الاستقرار. وتأمل بأن يوقف الاتفاق الموعود سباق التسلح النووي وليس التقليدي فحسب. فليس ما يضمن عدم سعي الدول العربية القادرة وتركيا أيضاً إلى بناء ترسانة نووية، إذا قدر لإيران أن تكون لها قنبلتها. لكن وقف هذا السباق ليس رهناً بوقف البرنامج النووي. هو خطوة أولى باركتها وتباركها دول مجلس التعاون. إن مواصلة إيران انتشارها في الإقليم وترسيخ هذا الانتشار هما السبب الأكثر قلقاً لجيرانها العرب. وسيبقيان النار تحت الرماد وسيف المنازلة الكبرى مرفوعاً.
الحياة
أوباما يستعجل خامنئي/ جويس كرم
أسبوع صاخب شهدته المفاوضات بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي أثار فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ضجيجا في قاعة الكونغرس قد يكون أفاده انتخابيا من دون أن يقطع الطريق على إتفاق وشيك، بحسب الأوساط الاميركية.
ومع انتظار ما ستؤول اليه جولة المفاوضات الاحد المقبل في مدينة لوزان السويسرية، وهي الاخيرة قبل انقضاء مهلة 24 آذار (مارس)، تتقاطع المؤشرات على أن الغرب يريد إطار اتفاق قبل المهلة وآخر شامل في نهاية حزيران (يونيو). الا ان كرة الاتفاق وفرصه هي مرة أخرى في الملعب الإيراني وبانتظار رد المرشد علي خامنئي على الاقتراحات التي حملها وزير خارجيته جواد ظريف من المفاوضين. فواشنطن، على حد قول الرئيس الاميركي باراك اوباما لشبكة “سي بي أس”، تستعجل حسم المفاوضات لجهة “التوصل الى اتفاق ذي قيود وبراهين يمنع ايران من تطوير السلاح النووي”، والذي لم يتلق البيت الأبيض اجابة عنه بعد.
أوباما يستعجل الاتفاق بسبب تقديم الغرب الحد الاقصى من التنازلات في الملف النووي الذي سترتفع كلفته السياسية في حال عدم ابرام اطار اتفاق قريبا. ومن بين هذه التنازلات تقصير مدة الاتفاق على تجميد الانشطة النووية من 25 الى 15 ثم الى عشر سنوات، وهي فترة قصيرة قد تعيد المجتمع الدولي الى المربع الأول في عقدة النووي في 2025، أو تفتح النافذة لايران عندها بتطوير السلاح النووي. ويتناقض نص الاتفاق مع القرارات الدولية كافة حول التخصيب، اذ سيسمح لايران بتخصيب اليورانيوم بدلا من نقله الى روسيا وخفض نسبته الى مستوى الخمسة في المئة.
ويبقى الخلاف على رفع العقوبات الدولية والأميركية والأوروبية على ايران والذي يريده خامنئي سريعا، بينما يصر الغرب على جدولتها انسجاما مع مدى استجابة ايران بنود الاتفاق. ويبدو أن الرئيس الأميركي يدرك أن الثقل السياسي لتسويق الاتفاق سيرتفع بعد فترة الصيف والدخول فعليا في موسم الانتخابات الأميركية وبدء المناظرات الجمهورية في آب (أغسطس) المقبل، ومن هنا تشكل جولات التفاوض الحالية الفرصة الأخيرة للبيت الأبيض لانجاز سياسي من هذا النوع.
الا أن تحرك الكونغرس وقيام 47 نائبا جمهوريا بمراسلة القيادة الايرانية لابلاغها بأن رفع العقوبات لن يتم في المدى الطويل الا بموافقة الكونغرس، يضع العصي في دواليب البيت الأبيض. فأوباما غير قادر الا بشكل موقت على تجاوز الكونغرس في رفع العقوبات ولفترة لا تتعدى ستة أشهر. ويعني ذلك إما اكتفاء أوباما برفع العقوبات الدولية أو توقيع قرارات رئاسية توقف تطبيق عقوبات الكونغرس وتنقل الملف الى الرئيس الأميركي المقبل الذي قد يطيح الاتفاق من أساسه في حال كانت بنيته مرفوضة من الحزبين. ويعارض وجهان رئيسيان من الحزبين يتوقع خوضهما سباق الرئاسة، وهما هيلاري كلينتون وجيب بوش، السماح لايران بمواصلة التخصيب.
وعليه، ستكون الأسابيع الثلاثة المقبلة مصيرية بالنسبة الى المفاوضات الايرانية مع الغرب، في ظل رهان أوباما على موافقة خامنئي، وبسبب الشروط المعدلة للاتفاق، وكون عدم الوصول اليه سيعني مزيدا من العقوبات والتشدد بدل فتح نوافذ الاستثمارات التي تنتظرها الشركات الأميركية ومعها الأوروبية.
الحياة
شبكة تعقيدات تسابق الموعد النووي الحاسم “اتفاق إطار” يساعد أوباما على الاحتواء؟/ روزانا بومنصف
تبلورت خلال أقل من اسبوع، في غمرة المفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة مع طهران حول ملفها النووي استباقاً لموعد 24 آذار الحالي المحدد للوصول الى اتفاق، اعتراضات كبيرة لا يعتقد انه يسهل على الرئيس الاميركي باراك اوباما تجاوزها على رغم الانطباعات التي يجزم بها كثر حول حتمية الوصول الى اتفاق في الموعد المحدد. ولعب الاعلام الاميركي والعالمي جزءاً من هذه اللعبة من خلال اعتبار ان الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو امام الكونغرس الاميركي لم يغير او لن يغير شيئاً من واقع هذا الاتفاق او احتمال حصوله . الا ان المراقبين الديبلوماسيين لا يتوقفون عند خطاب نتنياهو فحسب بل يتوقفون كذلك عند ثلاثة عوامل مهمة يتمحور اثنان منها على نتائج الجولة التي قام بها وزير الخارجية الاميركي جون كيري في ختام جولة المفاوضات الاخيرة التي جمعته في سويسرا الى نظيره الايراني محمد جواد ظريف. فاجتماعات كيري مع دول مجلس التعاون الخليجي في المملكة العربية السعودية والمواقف التي اعلنها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حددت الى حد كبير مقدار الانزعاج من الانعكاسات المحتملة لهذا الاتفاق المرتقب على المنطقة. واضطر كيري الى اعلان جملة خطوات من اجل الطمأنة الى مراقبة تصرفات ايران في المنطقة يجزم المراقبون ان الاداء الاميركي إزاءها يغلب الأقوال من حيث نموذج فوري ومباشر هو اعطاء واشنطن مباركتها لما يجري في تكريت في العراق من حملات عسكرية تقودها ايران مباشرة، فيما تثني واشنطن على الدور الايراني هناك. ومن المملكة السعودية الى فرنسا التي نقلت معلومات مفادها “ان باريس تأخذ على واشنطن الدفع احياناً في شكل متسرع نحو التوصل الى اتفاق مع طهران”. والموقف الفرنسي يعطي الموقف الاسرائيلي كما مواقف دول مجلس التعاون الخليجي صدقية استناداً الى ان فرنسا هي احد اعضاء مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا التي تفاوض طهران على ملفها النووي، ما يفيد ان فرنسا كاشفة لموقف الادارة الاميركية التي اضطر رئيسها الى اعادة اظهار تشدد في موقفه يوم الاحد المنصرم عبر قوله: “سننسحب من المفاوضات مع ايران اذا لم نتوصل الى اتفاق يمكن التحقق منه”. لكن ذلك يبعث على التساؤل ازاء وجود موقف موحد في مجموعة الدول الخمس زائد المانيا من هذه المفاوضات او ان ركيزة ما يجري هي المفاوضات الاميركية – الايرانية على ان تلحق بها الدول الاوروبية المشاركة في فرض العقوبات على ايران.
اما العامل الثالث والاخير فهو الاكثر أهمية اذ يتعلق بموقف الكونغرس الاميركي المتشدد اصلاً ازاء اتفاق مع طهران والذي سيجد في مواقف اسرائيل وفرنسا ودول الخليج اسباباً اضافية من اجل الاصرار على قرار من اجل عرض الاتفاق مع طهران حين الوصول اليه امامه من اجل بته على رغم رفض اوباما للموضوع. فاذا عرض الاتفاق عليه من المرجح ان يغير فيه ولا يتركه كما هو في الوقت الذي يتوقع المراقبون مشكلة كبيرة ببن اوباما والكونغرس حين الاعلان عن الاتفاق، لكن الامر مربك وسيكون اكثر ارباكاً اذا كانت غالبية اعضاء من الحزب الديموقراطي مشاركة في هذا الموقف كما ان التحدي الذي يشكله الكونغرس سيتسبب باحراج لأوباما الذي لا يستطيع في اي حال رفع العقوبات المفروضة على ايران باعتبارها متخذة من الكونغرس، وجل ما يستطيعه هو تعليق العقوبات مما يرجح ان يدخله في مد وجزر مع الكونغرس الذي يستطيع تعقيد الامور على اوباما على هذا الصعيد. ومن غير المستبعد الا تكون ايران نفسها مرتاحة لموقف الكونغرس انطلاقاً من معرفتها ان تعليق العقوبات لا يمنع اعادتها لاحقا مع الرئيس الاميركي المقبل على غير ما يكون واقع الغائها من الكونغرس بالذات. والبيان الذي نشره اعضاء جمهوريون في الكونغرس موجها الى ايران يحذرونها فيه من الاتفاق مع ادارة اوباما يرفع التحدي امام الرئيس الاميركي.
ففي خلاصة هذه المواقف الموزعة على تنوع حلفاء الولايات المتحدة يصعب بالنسبة الى المراقبين ان تظهر الصورة الاجمالية وكأن الادارة الاميركية على حق او ترى ما لا يراه الآخرون، في حين ان الآخرين وهم من الحلفاء الاساسيين لواشنطن على خطأ، ما يعزز رأي القائلين إن الرئيس الاميركي يبحث عن ارث شخصي ليس اكثر ولا اقل ازاء الاحباطات التي ووجهت بها مشاريعه على الصعيد الداخلي وابرزها مشروع الضمان الصحي او ما يعرف بـ”الاوباما كير” ومشروع الهجرة الى الولايات المتحدة . وتالياً ثمة تساؤلات اذا كان الرئيس الاميركي يستطيع ان يترك تحفظات هؤلاء الافرقاء جميعهم وراءه والمضي قدماً نحو الاتفاق مع ايران، ولو انه سعى الى تقديم ضمانات عبر كيري او عبره شخصياً كما فعل في الرد على التحفظات الفرنسية او هو لا يزال يستطيع ان يأخذ هذه التحفظات في اعتباره في السعي الى الاتفاق المرجو فيساهم بازالة بعض الاعتراضات.
هذه الاعتبارات تدفع المراقبين المهتمين الى اعلان اقتناعهم بان الامور في ما خص الاتفاق المرتقب مع ايران قد لا تكون منتهية وفق الانطباعات التي تعمم بناء على الجولات الاخيرة من المفاوضات والتي ساهمت فيها مواقف على غرار تلك التي اشاعها وزير الخارجية الايراني بالذات. وثمة من لا يرى الاتفاق الكلي محتملاً على الاطلاق في ظل هذه المعطيات بل اتفاق اطار يسمح غموضه باستيعاب كل التحفظات.
النهار
إيران تختار بغداد… لا دمشق/ حسان حيدر
التصريح الذي أدلى به مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي عن أن بلاده عادت «امبراطورية» عاصمتها بغداد، يكشف، إضافة إلى كونه يندرج في إطار الصفاقة والتبجح السياسيين، عن هوس إيراني عميق ببلاد الرافدين وعاصمة الرشيد على نحو خاص، ويوضح معنى التغطية الإعلامية الإيرانية غير المعتادة لمشاركة «الحرس الثوري» وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في معركة تكريت الحالية ضد «داعش» والسكان السنّة على السواء.
لكن اللافت أن يونسي الذي كان يتحدث في ندوة عن «الهوية الإيرانية» في طهران، لم يشر من قريب أو بعيد إلى سورية التي تدير طهران فيها عملية عسكرية واسعة ومكلفة مالياً للحفاظ على نظام بشار الأسد، وضمان أمن حليفها «حزب الله» اللبناني. فهل يعني هذا التصريح مفاضلة غير مباشرة بين العراق وسورية تشي باختيار الأول واعتباره عنصراً رئيساً في استراتيجية طهران الإقليمية، أو رسالة ما إلى الأميركيين في وقت توضع اللمسات الأخيرة على صفقة متكاملة معهم؟
الحقيقة أن يونسي لا يخبر جديداً عن أولوية العراق بالنسبة إلى إيران، إذ لقي هذا البلد على مر التاريخ اهتمام الفرس منذ ما قبل الإسلام، لكنه يؤكد أن بغداد كامنة في الخلفية العميقة لأي تفكير أو تخطيط استراتيجي لإيران الحالية، بينما سورية لا تعدو كونها «معركة اضطرارية» فرضها كونها ساحة إسناد وإمداد لـ «حزب الله»، حصان طهران الرابح في شرق المتوسط.
فللعراق، على العكس من سورية، حدود مشتركة طويلة جداً مع إيران، وفيه غالبية شيعية متحالفة مع طهران، معظم أحزابها وميليشياتها يتلقى الدعم السياسي والعسكري وأحياناً المالي منها، وأي اضطراب أمني ذي جذور طائفية أو عرقية في هذا البلد يهدد بالانتقال إلى إيران نفسها، وسبق لطهران أن خبرت كيف تؤثر الأوضاع العراقية في عرب الأحواز وسواهم من الأقلية السنية فيها.
ومع أن قوات وخبراء عسكريين إيرانيين ينتشرون بكثرة في المناطق السورية التي لا تزال خاضعة لحكم دمشق، إلا أن الانتشار الإيراني العسكري والأمني في العراق يفوق ذلك بأضعاف. وتقول معلومات أميركية أنه منذ اجتياح «داعش» المفاجئ لمناطق واسعة في العراق، بدأت إيران بإرسال مساعدات عسكرية إلى الجيش العراقي ثم إلى الميليشيات الشيعية، وصلت إلى نحو 140 طناً يومياً من المعدات التي تشمل راجمات صواريخ وقذائف للمدفعية والدبابات، وطائرات مسيّرة من بعد من طراز «أبابيل» يمتلك «حزب الله» مثيلها.
وفي مقابل إبلاغ أميركا القيادة الإيرانية بنيّتها في إعادة إرسال خبراء عسكريين لمساعدة الجيش العراقي في مواجهة «داعش»، تفيد معلومات أميركية أن طهران أبلغت واشنطن مسبقاً بإرسال سليماني وقواته إلى العراق، ما يعني أن التنسيق قائم بين الطرفين ويشمل توزيع المهمات بين برية وجوية، من دون أن يمس ذلك بالنفوذ الإيراني الطاغي.
ومن الواضح أن إيران إذ تبالغ في تصوير خطر «داعش» على وحدة العراق الجغرافية إنما تبرر إرسالها قوات برية، ويجاريها الأميركيون في هذه المبالغة رغبة في تسهيل الاتفاق المزمع بينهما، واعترافاً بالدور الإيراني الإقليمي.
غير أن هذا التركيز على العراق لا يعني أن طهران ستتخلى بسهولة عن سورية ونظام الأسد إذا لم تحصل على ضمانات بأن «حزب الله» لن يحاصَر بين نظام جديد في دمشق لا يغفر له قتال السوريين على أرضهم، وبين إسرائيل التي ترغب في تقليم أظافره.
تعرف طهران بالتأكيد أنها ستخسر في النهاية معركة سورية التي لن تستطيع مهما طالت وارتفعت كلفتها أن تبقي حكم الأقلية العلوية قائماً، ولهذا تستغل الوقت في مدّ «حزب الله» بأكبر قدر ممكن من السلاح، وخصوصاً الصواريخ البعيدة المدى، في حال تلكأ الأميركيون في تقديم الضمانات التي تطالبهم بها.
الحياة
الحرب التالية: تحرير سورية من الاحتلال الإيراني/ عبدالوهاب بدرخان
في بداية السنة الخامسة للثورة/ المأساة/ المحنة السورية ربما يتوق النظام نفسه لأن يثور هاتفاً «حرية… كرامة» بعدما أصبح تحت الاحتلال الايراني. اذ لا يمكن الحلقة العسكرية الضيقة للنظام أن تدّعي أنها أحسنت ادارة الأزمة، حين افتعلت حرباً ومؤامرة حيث لا حرب ولا مؤامرة، وحين استدرجت الشعب من تظاهرات الـ «سلمية… سلمية» الحقيقية الى التعسكر وحمل السلاح، وحين قتلت مواطنين بالسلاح الكيماوي ثم سلّمت ترسانتها ثمناً لبقاء النظام، وحين استقدمت تنظيم «داعش» ليشاركها الإجهاز على المعارضة قبل أن ينقلب عليها، وحين اقتلعت السكان من حواضرهم العريقة وشرّدت نصف الشعب بين الداخل والخارج، وحين سوّلت لها لاأخلاقية «مقاومتها» و «ممانعتها» أن تقصف الأحياء السكنية بالبراميل المتفجرة… فالزمرة التي ترتكب كل هذه الفظاعات لا عجب أن تستبدل قاسم سليماني ببشار الاسد، بعدما يئست من قدراتها النارية التي لم تستطع، على رغم تفوّقها، أن تحقق أي نصر حقيقي يستعيد ما كان أو يعيد عقارب الساعة الى ما قبل 15 آذار (مارس) 2011.
بلى، كانت هناك ادارة للأزمة اتقنتها روسيا بانتهازية خالصة فوضعت قضية سورية على طاولة الروليت البوتينية وقامرت أولاً الشعب وستقامر برأس النظام عندما تحين الفرصة. وكانت أيضاً ادارة نفّذتها عدوانية ايران ذهبت أبعد من روسيا، فصنعت «المؤامرة» على سورية وخاضتها حرباً على الشعب السوري، لكي تفوز أخيراً بهذا الاحتلال، بل راحت تطالب أخيراً بـ «ضمانات سيادية» ببلايين الدولارات لتواصل تمويل النظام والحفاظ عليه. أي أن الايرانيين باتوا يلزمون النظام بدفع «رهنية» في مقابل إبقائه وربطه ببقاء الاحتلال. وعلى رغم أن المواجهة لم تتطيّف في لغة الثورة وثوارها، إلا أنها اصطبغت باللون الطائفي الفاقع مع دخول الايرانيين من «الحرس الثوري» مع الميليشيات الشيعية كـ «حزب الله» و «أبو فضل العباس» الى جانب مقاتلين أفغان وباكستانيين ومن جنسيات اخرى، ليعملوا جميعاً على تهجير السوريين من مواطنهم وبيوتهم.
كل المعارك التي استهدفت تثبيت النظام بقوة السلاح لم تستطع اثبات جدارته أو شرعيته كي يحكم سورية، فكل ما بذله مع حلفائه كان يمعن يوماً بعد يوم في إلغاء تاريخ البلد وطمس معالمه وتغيير تركيبته السكانية. إنهم يحاولون إعادة تأسيس سورية وقولبتها بحسب النمط المذهبي الذي يناسبهم، ويعملون على ترسيخ إسقاط حقوق «الغائبين» كأنهم لم يكونوا ولا كانت لهم مُلكيات ولا عقارات ولا أي مساهمات في أنسنة الأماكن، أو كأن هذه كلّها صارت مجرد غنائم حرب في كنف الغزاة. تصرفوا بأساليب تنظيم «داعش»، قبل أن يوجد، بل إنه استوحى وحشيته من وحشيتهم، وعلى رغم انقلابه على النظام وايران اللذين اجتذباه الى سورية ووفّرا له تسهيلات الانتشار واختراق مناطق «الجيش الحرّ» فإن «داعش» لا يزال يشاركهما العداء للشعب السوري واعتباره مصدر الخطر على وجوده ووجودهما. لكن النظام وايران يتوقّعان الآن أن ينجح رهانهما الأساسي، من خلال ابتزاز «التحالف ضد الارهاب» والمفاوضات النووية، ليكون الخيار بين النظام و «داعش» محسوماً لمصلحة النظام. لكن هذا ليس خياراً ولا يمكن أن يكون.
طوال الأعوام الأربع عمل النظام، بدافع من غرائزه وبدفع من الايرانيين، على إحباط أي حلول لا تعاود تكريس سلطته وسطوته وتشبيحيته كما كانت. لم يعط أذناً صاغية لكل صوت عربي أو غربي دعاه الى وقف القتل واقتراح الحلول وقيادة تنفيذها بنفسه. وعندما طُرحت مبادرة الجامعة العربية وشكّلت الوسيلة المثلى بالنسبة اليه، خصوصاً أنها كانت متكاملة، لم يستطع هذا النظام أن يتنازل عن الحد الأدنى، وهو وقف العنف. وبعدما تدوّلت الأزمة جاءه المبعوث الأممي الأول كوفي انان بنقاطه الست التي لم يتردد النظام في اسقاط أولاها، وهي وقف إطلاق النار. ومع المبعوث الثاني الأخضر الابراهيمي أسقط «الحل السياسي». وها هو يُسقط الدور الأممي نفسه مع المبعوث الثالث ستيفان دي ميستورا. واختار الأخير أن ينال مباركة ايران لتحركه فزار سفارتها في دمشق للتهنئة بعيد الثورة الايرانية يوم ارتكب النظام احدى أبشع المجازر في دوما، كما تطلع الى مباركة من بشار الأسد فأطلق عبارته المجانية («الأسد جزء من الحل»)، وسيضطر دي ميستورا لاستهلاك كل رصيده من النفاق كي يملأ الوقت في مهمة يعرف مسبقاً أنها لن تحقق أي اختراق، وكي يفهم أن الأسد جزء من حل لم يرده اطلاقاً.
ليس في المحنة السورية سوى قصة نجاح واحدة هي الصرخة الأولى التي هزّت جبروت النظام وأنذرته بأن نهايته بدأت. نجاح تضرّج بالدم لكنه أثبت مع الوقت أنه قوة دفع لم تشهدها سورية على مرّ عقود خمسة. ففي تلك اللحظة سجّل النظام فشله السياسي، ومذّاك وهو يحاول اصلاح الخطأ بمسلسل من الأخطاء. أما «النجاح» الآخر فقد يحسب – حتى الآن – للايرانيين، والمستقبل وحده سيبيّن اذا كانت استراتيحية التخريب المنهجي يمكن أن تعاكس التاريخ وتكون مجدية. وأما الفشل الآخر فهو بالتأكيد للمعارضة التي قُبلت كل الأعذار لتفهّم ظروفها وعاهاتها الناجمة عن ممارسات النظام، ولم يعد أي من الأعذار كافياً لتبرير التناحر والتنافر بين شخوصها رغم هول الكارثة داخلياً وانكشاف زيف الدعم وقصوره خارجياً، فبعد أربعة أعوام من المآسي وخيبات الأمل لا شيء يمكن أن يبرر العجز عن بلورة كيان للمعارضة يحظى بقبول وطني، خصوصاً أن وطأة الواجبات ثقلت وأن المهمات ازدادت جسامة. كان الهدف تحرير سورية من نظام دموي مستبد وأصبح تحرير سورية من هذا النظام ومن الاحتلال الايراني.
صحيح أن هناك محاولات بذلت أخيراً وتبذل حالياً لانتاج تفاهم بين معارضتي الداخل والخارج، إلا أنها لم ترقَ الى مستوى تشخيص الأزمة ببعدها الايراني على الأرض، وبالأجندة الايرانية التي بلغت الآن ذروة أهدافها العدوانية. واذا كان الهدف من لقاءات القاهرة تركيب جسم معارض لانعاش المبادرة الروسية وتصحيحها، على قاعدة القبول بحل سياسي مع وجود «موقتاً» للاسد، فهل يمكن أحداً أن يؤكد أن روسيا وحدها قادرة على تسويق أي حل على الاطلاق اذا لم يحظَ بموافقة ايرانية. هناك عواصم تؤيد حلاً سياسياً يحافظ على الدولة والجيش والمؤسسات، وتريد مساعدة المعارضة فيما تحتفظ بحدٍّ أدنى من العلاقة مع النظام، ولأنها لا تملك أي أوراق لإقناعه بحلٍّ لا يريده أو لإقناع ايران بتعديل توجّهاتها فإنها تحاول الضغط على المعارضة لتقدّم تنازلات لا تملكها أصلاً.
اذا لم تدرك هذه العواصم أن قضية سورية، كما هي راهناً، باتت قضية احتلال مثلها مثل قضية فلسطين، فإن مقاربتها لها ستبقى سطحية وستدفع الشعب السوري نحو الضياع. لم يعد كافياً تركيب معارضة لمحاورة نظام لم يعد يملك قراره، بل ان المطلب نمط مطوّر من «منظمة التحرير»، لأن الواقع ينبئ بأن الحرب التالية لا بدّ أن تكون حرب تحرير سورية من الاحتلال الايراني. فثمة أوساط في المعارضة تترقب الاتفاق النووي والتفاهمات الاميركية – الايرانية بشأن أوضاع الاقليم، متوقعة أن تحصل طهران في سورية على ما سبق أن حصلت عليه في العراق، ما يمنحها تفويضاً لـ «شرعنة» احتلالها في مقابل أن تحترم متطلّبات «أمن اسرائيل».
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة
نيران الفتنة المذهبية الكبرى!/ راجح الخوري
غريب، ها هو مارتن ديمبسي يعلن ان من الخطأ ان يكثف الائتلاف الدولي الغارات على “داعش”، مكرراً دعوة باراك اوباما الى التحلّي بالصبر الإستراتيجي، فهل المطلوب ترك المهمة للإيرانيين الذين يقودون العمليات في تكريت كما في سوريا؟
ديمبسي يدعو الى التروي وأخذ الوقت اللازم لجمع المعلومات عن المواقع التي يستهدفها القصف، لكأن الحملة التي بدأت منذ ثمانية أشهر تُشن على طريقة “يا ربي تجي في عينو”، او لكأن الأقمار الاصطناعية والصور التي تلتقطها المقاتلات عاجزة عن تحديد الأهداف التي يفترض تدميرها!
مسخرة طبعاً، لكن الأخطر هو ربط وتيرة الغارات الجوية بقدرات الجيش العراقي الميدانية وبرغبة الحكومة العراقية في التصالح مع السكان السنّة، الذين يتوجسون من القوات العراقية ويعتبرون ان الشيعة يهيمنون عليها !
هل هو دخان الفتنة السنّية – الشيعية الكبرى يتعالى من سماء العراق وسوريا، وخصوصاً عندما يحذّر ديمبسي من إنهيار “الائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب” بسبب الانقسامات المذهبية وفشل الحكومة العراقية في إرساء استراتيجية وحدة وطنية سبق لها ان إلتزمتها، وان الإئتلاف يضم دولاً سنّية بشكل خاص لكن” العلاقة بين بغداد وطهران باتت تثير القلق”، وان كل الضمانات التي قطعتها الحكومة العراقية حول إلتزام المصالحة مع السنّة تفتقر الى الصدقية!
اذا كان ديمبسي يقلق من تنامي النفوذ الإيراني عبر الفصائل الشيعية المشاركة في معارك تكريت، فان تصريحات المسؤولين في طهران تتجاوز كل هذا عندما يقال مثلاً “ان بغداد باتت عاصمة الامبراطورية الإيرانية التي يمتد نفوذها من باب المندب الى المتوسط”. واذا عرفنا ان وحدات الجيش العراقي تمثّل ثلث القوات التي تحاصر تكريت وان الحشد الشعبي الشيعي والايرانيين يمثلون الثلثين، وان الضباط الايرانيين هم الذين يقودون الهجوم، في حين تتعالى صرخات المناطق والقبائل السنّية مطالبة بالتسليح لتشارك في القتال ضد “داعش”، يمكن عندها قراءة الأبعاد المقلقة في تصريح ديمبسي.
كلام ديمبسي يتلاقى مع الاجواء التي صوّرتها الإستخبارات الاميركية امام الكونغرس حيث قال جيمس كلابر”ان منحى الأرهاب أسوأ بكثير من أي وقت في التاريخ”، أما مايكل موريل نائب رئيس الإستخبارات السابق فيقول: “أشك في انني سأعيش كي أرى لحظة نهاية تنظيمات الإرهابيين، انه أمر طويل وربما سيظل جيل كامل من أبنائي وأحفادي يراقبون هذه المعركة”، وهذا ما يدفع الى طرح السؤال الأهم:
هل “داعش” أقوى من ٦٠ دولة، أم ان اميركا تريد في النهاية إغراق الجميع في هذه المنطقة في الهزائم، أنظمة ومنظمات حلفاء وخصوماً، عبر الحرب المذهبية الكبرى بين الشيعة والسنّة، التي بدأت تنفيذها بعد إحتلال العراق عام ٢٠٠٣ لا قبل ذلك بكثير؟
النهار
شيوخ التصلّب/ هشام ملحم
الرسالة المفتوحة الى القيادة الايرانية التي وقعها 47 عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ، تهدف الى تقويض أي اتفاق نووي مع طهران، فضلا عن انها سابقة خطرة تضعف قدرة الولايات المتحدة على التفاوض بفاعلية، كما تعكس مدى الشلل السياسي في واشنطن، وعمق حالة الاغتراب بين الجمهوريين في الكونغرس وادارة الرئيس اوباما حيال كل القضايا الداخلية والخارجية. والرسالة التي وجهت بعد اعطاء الجمهوريين لرئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو منبر الكونغرس لمهاجمة السياسة الخارجية لرئيس البلاد، تعني انه لم تعد ثمة محرمات سياسية تمنع الجمهوريين من ارتكاب هفوات خطيرة مستقبلا.
موقعو الرسالة يقولون عمليا ان اوباما سيعبر طريقه الى النسيان في أقل من سنتين، وانه لا يمثل البلاد او ليس قادرا على الدفاع عن مصالحها الحيوية. ونبرة الرسالة فوقية لا بل مهينة للقيادتين الايرانية والاميركية، ومضمونها متغطرس عكس جهل موقعيها حتى بالدستور الاميركي وصلاحيات الرئيس والكونغرس. صلاحيات اوباما تسمح له بتوقيع اتفاق والاتفاق سيكون ملزما للرئيس المقبل على نقيض ما يدعيه موقعو الرسالة. وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف كان ظريفا للغاية عندما فنّد في رده على الرسالة الحجج الواهية التي تستند اليها.
صحيح ان بعض القادة الديموقراطيين تجاوزوا في خطبهم واجراءاتهم الاعراف فقط من اجل تحدي رئيسهم الجمهوري او الاستخفاف به. وهذا ما فعلته نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة عندما تحدت البيت الابيض وزارت دمشق في 2007 والتقت رئيس سوريا بشار الاسد، الذي كان يسهل آنذاك عبور الجهاديين للقتال الى جانب تنظيم “القاعدة”. ولكن لم يحصل في السابق ان وقّع 47 شيخاً رسالة موجهة الى قادة دولة تربطها بأميركا علاقات متوترة للغاية، وظهروا وكأنهم يتعاونون مع المتشددين في طهران لتقويض الاتفاق. ويبدو ان استخفاف الجمهوريين – هل يمكن ان نقول كراهية بعضهم لاوباما؟ _ مرشح لتأزيم علاقات واشنطن مع حلفائها الاوروبيين المشاركين في المفاوضات النووية، وخصوصا اذا نجحوا في تقويض الاتفاق في حال التوصل اليه.
الجمهوريون المتشددون، الذين يعتقدون ان فرض عقوبات اقتصادية جديدة على ايران سوف يرغمها على تقديم تنازلات اضافية، ينسون ان العقوبات حتى على دول أصغر لا تنجح تماما، وأي نظرة على أثر العقوبات الاقتصادية على كوبا وكوريا الشمالية وباكستان تؤكد ذلك. ما يفعله الكونغرس الجمهوري ضد الرئيس اوباما لا يبين فقط مدى استهتاره به فحسب، بل مدى ضحالته السياسية. اللافت في الرسالة ان كاتبها السناتور الجديد طوم كوتن قد انتخب قبل أشهر للمرة الاولى، وهو الان يستمتع بالاهتمام الاعلامي المكثف به. ويبدو ان شيوخ الجمهوريين الكبار ما عادوا كباراً.
النهار
قاسم سليماني: الصورة الآفلة/ نديم قطيش
لا يخرج رجل كقاسم سليماني من الظل بسهولة او لأسباب عادية. فقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول المباشر عن حماية الثورة وتصديرها خارج ايران، لطالما سكن، عن عمد، الجانب المعتم من صورة السياسة الأمنية والعسكرية الإيرانية.
لفترة طويلة ظل اسم الرجل أشهر من صورته بكثير. صنع هالته بالغياب في زمن يعاني نجومه من أزمة فائض الحضور في عوالم الميديا المختلفة. لكن ثمة ما تغير مؤخراً. باتت صوره على ارض المعارك، لا سيما في العراق، تظهر بأوقات متقاربة ويحتل خبر انتشارها عناوين الأخبار. صارت قسمات وجهه اكثر قرباً بعد ان انحسر الغموض عنها، واقفا بين مقاتلين عاديين او محتسياً الشاي معهم في أمكنة مرتجلة. واحد منهم ومثلهم، او هكذا تدعي الصورة، وإيران احوج ما تكون لمثل هذا الادعاء.
سقوط هالة الغموض عن سليماني أعقب سقوط الموصل بيد داعش. هول انكسار محور الحرس الثوري في وسطه، استدعى سياسة جديدة ومقاربة نفسية ودعائية أوجبت ان يصرخ سليماني بأعلى صوته، باسم ايران: نحن هنا!
فصور سليماني هي التجسيد الملموس للدور الإيراني الحاسم في معركتي العراق وسوريا، والعراق بشكل اكبر بكثير. من دونها لا يستطيع علي اكبر ولاياتي او علي لاريجاني او قادة الحرس ان يدعوا دورا لإيران في عدم سقوط بغداد ونظام الاسد. ومن دونها لا تستطيع ايران ان تلعب على تناقضات مواقف دول الجوار لا سيما تركيا والمملكة العربية السعودية التي يتسم سلوكها حيال التدخل العسكري في سوريا تحديدا بالتردد والارتباك.
ففي حين تأخرت تركيا كثيرا قبل ان تدعم أكراد كوباني السورية كان قاسم سليماني يخوض المعركة ميدانيا مع البشمركة في العراق، ويجالس المقاتلين ويسامرهم، بثياب مغبرة كثيابهم، تفوح منها روائح القتال. وحين كانت السعودية ودوّل الخليج تجتمع في قاعات بعيدة في واشنطن مع قادة التحالف الدولي ضد داعش كان سليماني على ارض المعركة نفسها.
كما انها صور يراد لها التوكيد على حجم التضحيات والمجازفة الإيرانية في المعركة ضد داعش. التوكيد للإيرانيين الذين صدمهم سقوط الموصل. والتوكيد للعراقيين والسوريين ان اليد العليا لا تزال لإيران.
كما تزامن انتشار الصور مع ارتفاع وتيرة التصريحات الإيرانية حول حجم النفوذ الإيراني في المنطقة. فتارة هي الحاكم في اربع عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. وتارة هي الامبراطورية التي لا يهتز لها ركن. ومرة هي قاهرة اسرائيل والتكفيريين ووارثة الامبراطورية الأميركية المنسحبة من الشرق الاوسط! بل وصل الجنون الى حد تبرع ايران بالوساطة بين الجمهوريين والديموقراطيين في واشنطن!! وكل هذه ادعاءات لا تستقيم بغير صور كمثل صور سليماني او صورة طائرة إيرانية تحط في مطار صنعاء، او تفجير مجسم لبارجة أميركية في المناورات العسكرية الاخيرة!
كأن ايران تسعى لتثبيت انتصار غير قائم بصورة تنوب عنه. وتثبيت سوية امبراطورية بقوة الصورة وحدها، غير آبهة ان مفردة امبراطورية اليوم لا ترد الا في سياقين. التأكيد على استحالتها، كما ينبئ التعب الإمبراطوري السريع الذي اصاب واشنطن بعد حربي العراق وافغانستان. او ورودها في صيغة التندر على جنون العظمة التي تستوي فيه ايران مع تركيا. “فالإمبراطور” التركي، رجب طيب اردوغان، جعل من نفسه “مسخرة المساخر” حين نشر في ١٢ كانون الثاني صورة له في القصر الرئاسي الجديد وخلفه ١٦ عارضاً لأزياء عسكرية تنوب عن حقب مختلفة من حقب الامبراطورية العثمانية، التي أراد ان يقول من خلالها انه مجرد امتداد طبيعي لإمبراطورية بني عثمان!
مع ذلك تبقى ايران اكثر استعجالا وانتاجاً للصور. لصورتها التي تريد. لصورة تطمئنها هي اولا قبل الآخرين. ان ما يحصل، يحصل الان وهنا وهو باقٍ ما بقيت الصورة. وهذا فخ الصور باي حال، بوصفها انتصاراً وهمياً على الزمن.
قبل أسبوع، بعد ان ملأت الأشهر الماضية بصورتها الشهيرة على غلاف مجلة “بايبر” بمؤخرة عملاقة لامعة، أعلنت نجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان، عبر فيلم دعائي قصير، انها سجلت شريط فيديو يحتفي بعريها الكامل.
وفي تبريرها لهذه الخطوة، قالت كارداشيان ان جسمها سيتغير وأنها تريد التقاط جسدها (قالت ذلك حرفياً وليس صورة جسدي) والاحتفاظ بهذه الصور الى الأبد! ارادت الانتصار على الزمن بتأبيد لحظة واحدة منه.
قاسم سليماني، تماماً كمثل كارداشيان، يريد صورة للفتوة الإيرانية الآفلة، “للإمبراطورية” وهي تدخل سن اليأس الذي تحكي عنه طوابير الجوعى الإيرانيين الذين يعيش اكثر من نصفهم تحت خط الفقر!
المدن
إيران:إمبراطورية تهذي!/ ساطع نور الدين
بسهولة فائقة بات يتردد على ألسنة كبار المسؤولين الايرانيين هذه الايام تعبير “الامبراطورية” الذي شطب من القاموس السياسي كمصطلح ومفهوم ومقام منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولم يستخدم في القرن العشرين الا من قبل الدول التي أصيب زعماؤها بجنون العظمة.. وغالبا ما تكون صفة “الفارسية” مكملة لتلك العبارة التي لا يزال لها وقع خاص في الثقافة الشعبية الايرانية.
ولا يقتصر رواج ذلك التعريف للدولة الايرانية الحالية على المحافظين من دون الاصلاحيين، او على قادة الحرس الثوري والجيش من دون المدنيين، او على رجال الدين من دون العلمانيين ( وهم كثر في إيران). الجميع من دون استثناء يتباهون اليوم بالمرتبة “الامبراطورية” التي تحتلها بلادهم، ولا يتميزون إلا في درجة ترددهم او سخائهم في إصباغ الصفة الاسلامية عليها، كما جرى في فترات سابقة من عمر الجمهورية الخمينية التي اطاحت بالامبراطور الفارسي الاخير رضا بهلوي، لكنها لم تسقط جميع موروثاته.
وعلى الرغم من ان المرشد آية الله علي خامنئي شخصيا لم يجرؤ حتى الان (حسب الترجمة العربية والانكليزية لخطاباته الاخيرة) على استخدام عبارة “الامبراطورية” لوصف حال الدولة الايرانية التي يقودها، فان الكلمة تحولت الى لازمة ثابتة في كل خطاب سياسي او عسكري طبعا، بل وفي لغة الصحافة والعامة، بما يوحي أن ثمة من طلب إحياء تلك الكلمة السحرية وتعميمها كجزء من عملية التوجيه والتربية الوطنية التي تقوم بها مختلف دول العالم من دون استثناء.
الالتزام بذلك “التعميم”شديد وواسع النطاق، وهو لا ينم بالضرورة عن قوة النظام او عن انضباط الشعب، بقدر ما يعكس شعورا عاما بالفخر لان إيران ما زالت محصنة ضد خطر تفكك للدولة والمجتمع على النحو الذي تشهده غالبية البلدان العربية، بل هي على العكس من ذلك تدير صراعاً سياسياً مع كبرى دول العالم مجتمعة حول ملفها النووي وبالتالي حول موقعها الاقليمي ومكانتها الدولية. ثمة إحساس بالغرور يعبىء المحافظين ويرضي الاصلاحيين، على الرغم من اختلاف وجهتي نظرهما الى مآلات ذلك الصراع ونتائجه. المقارنة تجري هنا مع العالم العربي بالتحديد، لا مع تركيا او الهند او حتى باكستان، حيث يعرف الايرانيون انه لا فرصة لبلادهم في المنافسة..وأيضاً لان الجوار العربي هو ميدان رئيسي للصراع وجبهة أمامية من جبهاته.
لكن الغريب أن ذلك الخطاب التعبوي الايراني يترافق مع إعترافات علنية مدوية، ومن أعلى المستويات الرسمية، ان الدولة على شفير الافلاس وخزائنها المالية شبه خاوية، وان موازين القوى لا تسمح باي مواجهة عسكرية حتى مع حاملة طائرات اميركية واحدة، وأن استمرار الانفاق على المغامرات والتحالفات الخارجية لن يجدي نفعاً لا بالنسبة الى البرنامج النووي ولا الى اي برنامج داخلي آخر.. اما الزعم بان الاختراقات الاخيرة التي حققتها إيران أخيراً في عدد من البلدان العربية، لا سيما في العراق وسوريا واليمن وقبلها لبنان وفلسطين، هي مكتسبات استراتيجية، فهو لا يستقيم مع حقائق التاريخ الذي لم يرحم الايرانيين في اي حرب خاضوها في بلاد ما بين النهرين منذ فجر الاسلام وحتى اليوم، ولن يشفع لهم في معركتهم السورية الخاسرة، ولن يحميهم من الرمال اليمنية المتحركة.. ولن يزودهم طبعاً بأي نفوذ في مفاوضاتهم الصعبة مع الاميركيين.
إيران في حالة إستنزاف شديد، وربما تدخل قريباً في حالة إضطراب مديد. ما يوصف بأنه مشروع توسعي إيراني نحو الغرب العربي (او الاميركي) لا يبدو في العمق سوى تورطٍ في بلدان تسقط يوماً بعد يوم في هوة الفراغ والفوضى، لكنها لا يمكن ان تصبح يوماً مناطق هيمنة دائمة لدولة ذات هوية دينية وسياسية مرفوضة.. تهذي بماضيها الامبراطوري البعيد.
المدن
لماذا يقود قاسم سليماني معركة تكريت؟/ خير الله خير الله
هل تكريت مستهدفة بسبب وجود «داعش» فيها؟ لا شكّ أن التنظيم إرهابي ولا مفرّ من التصدي له. ولكن لماذا يقود قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، قاسم سليماني، القوات الحكومية العراقية والميليشيات التابعة لها وقوات أخرى ايرانية في معركة تكريت؟
وسواء انتصرت كلّ هذه المجموعات العاملة تحت إمرة الضابط الإيراني، على تكريت أم لم تنتصر، ليس ذلك لبّ المشكلة، بل يتمثّل جانب من المشكلة في وجود قائد ايراني على رأس مجموعة مذهبية تسعى إلى استعادة مدينة عراقية من تنظيم إرهابي. أمّا الجانب الآخر من المشكلة، فعائد إلى وجود رمزية لتكريت كمدينة ولما بعد مرحلة إخراج «داعش» منها.
الرمزية، بخصوص تكريت التي خرج منها عدد كبير من ضبّاط الجيش العراقي، رمزية ايرانية تكشف أوّل ما تكشف عن الرغبة في الانتقام وإخضاع العراق وتغيير طبيعة تركيبته الاجتماعية نهائيا في الوقت ذاته.
ما نشهده حاليا تطور جديد على الصعيد الإقليمي يكشف حجم التدخل الإيراني في العراق من جهة ومدى قدرة ايران على التحكّم بقوى عسكرية تعمل خارج أراضيها من جهة أخرى. فلإيران قوى في العراق وسورية ولبنان واليمن وقطاع غزّة.
بالنسبة إلى العراق نفسه، ليست قيادة قاسم سليماني للقوات العراقية وللميليشيات العراقية وغير العراقية، التي تسعى إلى استعادة تكريت من «داعش» حدثا عابرا. هناك تورّط ايراني إلى أبعد حدود في كلّ ما يدور في العراق. تريد ايران إثبات أنّ العراق صار مجرّد مستعمرة. هناك أمر واقع تحاول ايران تكريسه على الأرض.
قبل كلّ شيء، تريد ايران توجيه رسالة إلى كل من يعنيه الأمر. فحوى الرسالة أنّ حلول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مكان نوري المالكي، لا يعني أيّ تغيير جوهري، وأنّ سليماني وغيره من المسؤولين الإيرانيين، يستطيعون دخول العراق ساعة يشاؤون وكيفما يشاؤون ومع من يشاؤون من دون وجود من يعترض على ذلك. أكثر من ذلك، هناك نوّاب عراقيون على استعداد أن يكونوا حرّاسا شخصيين لسليماني، الذي ظهر في إحدى الصور مع عضو في مجلس النوّاب ينتمي إلى ميليشيا مذهبية، يرتدي قميصا اسود ويحمل رشاشا… ويلعب دور الحارس الشخصي له!
تريد ايران القول إنّ أحقادها لا تموت. جاء سليماني للمشاركة في المعركة التي تستهدف إخراج «داعش» من تكريت، وذلك تمهيدا لدخول المدينة التي ارتبط اسمها باسم صدّام حسين، علما أن صدّام ليس من تكريت نفسها، ولا ينتمي إلى إحدى عائلاتها الكبيرة المعروفة.
صدّام من قرية قريبة من تكريت اسمها العوجا. أهل العوجا معروفون بـ«طبعهم الذي لم يألفه التكارتة (أهل تكريت) ولم يحبّوه، فهو مجبول بالعنف وقلة التهذيب والخشونة في التعامل مع الآخرين والتسلّط والابتزاز» (كتاب «دولة الإذاعة» ـ ص 29 للزميل ابراهيم الزبيدي، ابن تكريت، الذي عرف صدّام صغيرا ورافق صعوده وصولا إلى أعلى الهرم).
في كلّ الأحوال، وبعيدا عن نشأة صدّام وأصوله، هناك هدف ايراني يختزله هاجس الانتقام من العراق. هذا الهاجس لا يمكن أن يشكّل أساسا لعلاقات طبيعية بين بلديْن تواجها طوال 8 سنوات في حرب يبدو أنّها لم تنته بعد، من وجهة النظر الإيرانية.
المفارقة أنّ هناك إصرارا على استمرار الحرب بمشاركة أميركية. الأميركيون أزاحوا صدّام وسلّموا العراق على طبق من فضّة إلى ايران. نراهم الآن شركاء ايران في الحرب على «داعش» من دون طرح سؤال في غاية البساطة هو الآتي: ما النتائج التي ستترتب على وجود قائد إيراني من «الحرس الثوري» على رأس القوات التي ستستعيد تكريت من «داعش» بدعم أميركي؟
لا مجال لقبول أيّ تصرّف لـ «داعش» ومن شابهه من تنظيمات إرهابية تحت أيّ مبرّر كان. ولكن هذا لا يعني التغاضي عن أن الممارسات الإيرانية التي يتحكّم بها الحقد على أهل السنّة في العراق لعبت دورها في إيجاد حاضنة للإرهاب في مناطق عدّة.
لا يمكن بناء دولة عراقية لكلّ العراقيين في ظلّ تفاهم إيراني ـ أميركي على أن يكون العراق مجرّد مستعمرة ايرانية يسرح ويمرح سليماني فيها بحجة «الحرب على الإرهاب». مثل هذا الواقع القائم حاليا على الأرض يؤسّس لمزيد من التوتر ذي الطابع المذهبي في البلد. مثل هذا الواقع الذي نشهد أحد فصوله في تكريت ومحيطها يشكّل الطريق الأقصر لتمدد «داعش» مستقبلا بدل اقتلاع التنظيم من جذوره والقضاء على البئية التي يستطيع استغلالها لممارسة وحشيته.
ما قد يكون أخطر من كلّ ذلك، أنّ معركة تكريت كشفت هشاشة المؤسسات العراقية، بما في ذلك رئاسة الوزراء والجيش العراقي. ظهر هذا الجيش في مظهر الجيش الفئوي الذي يقبل أن يسيّره الإيراني من بعيد وقريب وإلى جانبه ميليشيات مذهبية سمّيت «الحشد الشعبي». أمّا العشائر السنّية العربية، فيبدو أفرادها أقرب إلى ممثلين ثانويين في مسرحية. إنّها مسرحية عنوانها الأوّل والأخير الحرب العراقية ـ الإيرانية المستمرّة منذ العام 1980 من القرن الماضي، وأنّه ليس صحيحا أنّ آيه الله الخميني اضطر إلى التناول من «كأس السم» ووقف هذه الحرب في العام 1988.
بغض النظر عن تركة صدّام حسين، تبقى لتكريت رمزيتها. يكفي أنّها أظهرت إلى أيّ حدّ صار الوجود الإيراني في العراق طاغيا. هناك قوات ايرانية تدخل العراق من دون حسيب أو رقيب.
كان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي دقيقا في توصيفه عندما قال، وإلى جانبه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إنّ «ايران تستولي على العراق». فالواضح أنّ هناك رغبة ايرانية في جعل كلّ مؤسسة عراقية مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالقرار الصادر من طهران. الدليل على ذلك أن كلّ ما يقال عن تنسيق أميركي ـ عراقي يبدو وكأنّه استكمال لحرب العام 2003 حين غزت الولايات المتحدة العراق واسقطت النظام العائلي ـ البعثي فيه.
بعد الحرب الأميركية على العراق التي خلّفت زلزالا ما تزال آثاره تتردد في الإقليم كلّه، حقّقت ايران بعض اهدافها بواسطة إدارة جورج بوش الابن. حان الآن وقت تحقيق ما تبقّى من هذه الأهداف بواسطة إدارة باراك أوباما من جهة و«داعش» من جهة أخرى.
الرأي
انقلاب المعادلات في الحرب على داعش: تكريت: من قلعة صدام حسين إلى مدافع الجنرال قاسم سليماني
على مشارف تكريت وما تمثله في تاريخ صدام حسين وسلالته وأقاربه وحتى حزبه، وقف جنرال إيران القوي الشهير قاسم سليماني ليضع بصمته على لحظة تغيير سياسي وتكويني حاسم. إيران تدعم الحشد الشعبي العراقي وقوامه ميلشيات ومتطوعين شيعة في الغالب لتحسم الحرب ضد تنظيم “داعش”، الذي احتل تكريت وثلث العراق الغربي. ملهم الملائكة يتابع هذا الملف حصريا لموقع قنطرة.
سكان تكريت، وقد يتبعهم سكان الأنبار والموصل، يقفون مذهولين، أمام المعادلات، التي انقلبت في أقل من نصف قرن. فأغلب جنرالات جيش صدام، الذي حارب إيران على امتداد ثمانينات القرن الماضي ينحدرون من تكريت وما حولها، وهي التي سميت محافظة صلاح الدين في نهاية ستينات القرن الماضي. وهاهم اليوم يقفون على مفترق خيارين، أحلاهما مر، فاما الخضوع لفوضى التوحش الداعشي العابرة للحدود والتي تلغي كل شخصية قبلية ودينية ومذهبية واثنيه، ولا تقبل إلاّ ببيعة مطلقة لخليفتها الغامض أبو بكر البغدادي، أو القبول بقوات طالما وصفها التكارتة ( كما يطلق أهل العراق على أبناء مدينة تكريت) أنفسهم بأنها صفوية تدين بالولاء لإيران.
ولا يفوت المراقب ملاحظة أن عناصر تنظيم داعش قد هدموا قبر صدام في مسقط رأسه مدينة العوجة، باعتباره ضريحا يمثل شركاً بالله وهو ما يتعارض مع تعاليمهم المستوحاة في أغلب تفاصيلها من الوهابية، وهو ما خلق لدى سكان المنطقة، التي تفتخر بأنها أنجبت من يدعوه بـ” قائد الأمة وفارسها”، حالة إحباط وخيبة دفعت قسماً من أعيانهم وشيوخ قبائلهم الى قبول فكرة الدعم الإيراني.
فجأة يجد أهل تكريت ومن حولها من المقربين لصدام حسين وحاشيته أن أملهم الوحيد وحليفهم الممكن في الحرب على داعش، التي لا تقبل شراكة هو إيران، بل تحديدا رجل ايران القوي، الذي يتصرف بتواضع الجنرال قاسم سليماني، الذي يكنّى في الدوائر السياسية الشيعية “الحاج سليماني” دون إشارة الى رتبته تحبّبا وتقرّبا أو تحفّظا وتكتّما.
سليماني من الكواليس الى البطولة والنجومية
قبل 10 سنوات لم يعرف أحد في إيران أو في المنطقة من هو الجنرال قاسم سليماني، لكن الاحتكاك الامريكي بالقيادات الايرانية على مدى عقد من الزمن إبان الوجود الامريكي في العراق وضع سليماني تحت الأضواء. بل وصل الأمر الى أنّ السفير الأمريكي لدى العراق رايان كروكر وفي مقابلة مع “بي بي سي” فارسي قبل عامين، قد دعا إلى الاستعانة مجددا بالدور غير المباشر الذي لعبه الجنرال سليماني في محادثات بغداد.
في داخل إيران، حيث تشيع أساليب التكتم والسرية في تعامل المسؤولين مع الملفات الخارجية، لم يكن أحد يعرف الجنرال الغامض تقريباً، لكن حضوره المستمر في لبنان وسوريا والعراق وضعه تحت الأضواء، لدرجة أنّ الفائز الأول في مهرجان فجر للأفلام السينمائية في ايران محمد علي شعباني وبحضور الحاكم الروحي الأوحد لإيران آية الله خامنئي أهدى جائزته إلى “سردار حاج قاسم سليماني”، وهو أمر نادر الحدوث في مثل هذه المناسبات في اجواء الحضور الطاغي للخامنئي والذي يشار اليه بتفخيم بالغ في إيران بعبارة “مقام معظّم رهبري”.
وفي تطور بطولي دراماتيكي (يُذكّر الى حد كبير بسطوع نجم الفريق السيسي ووصوله الى رئاسة الجمهورية في ظل انهيار جمهورية الاخوان قصيرة العمر في مصر)، يتولى الجنرال سليماني في هذه المرحلة الاشراف الوثائقي والمعلوماتي على فيلم يُنتج في إيران عن صدام حسين العدو التاريخي للجمهورية الاسلامية.
الموقف الأمريكي حسم الشك باليقين، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تأييدها للتدخل الإيراني في الحرب على داعش، وكشف رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي أنّ دور إيران والميليشيات الشيعية في الهجوم الذي تشنه القوات العراقية لاستعادة مدينة تكريت من تنظيم” الدولة الإسلامية ” يمكن أن يكون “ايجابيا”، إذا لم يؤد إلى توترات طائفية مع السنة. وهو ما فُسر بأنه قبول أمريكي للدور الإيراني مشروط بخجل.
وهكذا باتت تكتيكات قوات التعبئة الشعبية (البسيج) والحرس الثوري الإيراني( باسداران) تسود ساحة المعارك حول تكريت، فالدراجات النارية، التي تُقل مقاتلين يحملون قاذفات صواريخ وقاذفات قنابل خفيفة، والشاحنات الصغيرة، التي تحمل رشاشات متوسطة (من عيارات 10.5، و12.5 وحتى 14 مليمتر)، والأخرى التي تحمل راجمات صواريخ صينية صغيرة خفيفة هي التي تتنقل في الميادين وفوقها ترفرف رايات باللون الأصفر والأخضر وعليها شعارات تنتخي بالمهدي المنتظر وبآل محمد.
كما أن أغلب المقاتلين باتوا يربطون على جبينهم مناديل الحرس الثوري المطرّزة بأسماء ائمة الشيعة وبالأدعية والابتهالات والتي تدعى بالفارسية ( بيشون بند)، وحتى الكوفيات التي يلفها المقاتلون حول رقابهم هي اليوم ايرانية احوازية أو من مناطق لرستان وكردستان ايران، وغابت تماما الكوفيات الفلسطينية والاردنية والخليجية التي كانت سائدة في العراق ، وانحسر استخدامها في مناطق غرب العراق.
الكاتب والباحث مهند العزاوي، مدير مركز صقر للدراسات الإستراتيجية، يعتبر ذلك من مظاهر الفشل الأمريكي الذريع في التجربة العراقية بعد عام 2003، مؤكداً في الوقت نفسه أن “ظهور الجنرال قاسم سليماني والبهرجة الإعلامية التي أحيط بها ، في امرلي أولا وفي بغداد بعدها، ثم في سامراء واليوم في تكريت هو بالتأكيد ليس شيئاً ايجابياً، وحين يتكلم الآخرون عن قانون ودولة ذات سيادة وقانون دولي فكيف نصف تدخل الحرس الثوري والبسيج في أمور تخص العراق داخليا ؟ “.
” أين الجيش الذي كلف بناءه ترليون دولار؟”
وعلى الرغم أن كثير من المراقبين والمحللين ما برحوا يرددون نظرية وجود اتفاق أمريكي إيراني لإسقاط صدام حسين عام 2003، إلا أنّ الوقائع على الأرض أضفت شكوكا على هذه النظرية. لكن سياسة الرئيس الأمريكي باراك اوباما، التي ركزت على عدم التدخل بقوات برية عسكرية أمريكية في اي بقعة في العالم، فتحت الباب لاجتهادات شتى بخصوص سياسة الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة.
الخبير الاستراتيجي والعسكري مهند العزاوي يرى أن “الإدارة الأمريكية وجدت في القوة الايرانية على الأرض الذراع المطلوب لمقاتلة داعش”، ثم مضى الى القول متسائلا: “لماذا يحتاج العراق الى القوات الايرانية، وماذا جرى للجيش الذي كلّف بناءه 10 سنوات من الزمن، وترليون دولار من النفقات ؟”.
ويبدو أن العراقيين عاجزون عن انشاء جيش متكامل يضم كل المكونات بالتساوي بغض النظر عن انتماءاتهم. فالكرد يعتبرون قوات البيشمركة المجرّبة جيشهم، وإيران بقواتها واحدا من حلفائهم وقد كان الجنرال سليماني نفسه حاضرا في معارك تحرير سنجار والمناطق التركمانية في شمال وجنوب كركوك وقدم الدعم الاستخباري وربما اكثر من ذلك لقوات البيشمركة.
أمّا الحكومة المركزية ، فتعوّل على قوات شبه نظامية متعددة تحمل تسميات مختلفة وتعمل بمشوّرة حرس الثورة الايراني وبتسليحه ودعمه المباشر، مفضّلة هذه القوات على جيش نظامي لا تضمن ولاءه.
فيما اعتمد سكان مناطق غرب العراق على قوات الصحوات العشائرية التي انشأتها الادارة الامريكية في العراق لمحاربة تنظيم القاعدة وارهابيي ابي مصعب الزرقاوي، ونجحت فعلا في القضاء عليه في عام 2007.
وهكذا اضحى الوجود الايراني ووجود خبرات عسكرية من دول أخرى بمثابة ضامن متعدد المراكز لتوجيه مستويات القوة في المعارك.
” إيران تعتبر العتبات المقدسة في سوريا و العراق خطا أحمر”
ويخلص من يراقب الوضع في العراق وسوريا الى أنّ الولايات المتحدة قررت أن ترفع يدها عن الملفين وتترك لإيران التصرف بهما، وفي حالة العراق وصف د العزاوي ذلك (بمعركة بدون تكاليف) تنتصر فيها الولايات المتحدة بالجيش الايراني وأسلحته وموارد دولته على تنظيم داعش .
لكن المختصين بالشأن الايراني يرون في هذه الفرضية “تسطيحا للحقائق” على حد تعبير الباحث والكاتب الاسلامي المقيم في لندن علي رمضان الأوسي وهو يحاور الكاتب حول الدور الايراني في معركة تكريت وما بعدها. وفي معرض شرحه للموقف الايراني أعتبر الاوسي أنّ “إيران تعتبر العتبات المقدسة في سوريا أو العراق خطا أحمر، والشعب العراقي متجاوب مع هذا التوجه ( ويقبل الوجود الايراني العسكري بسببه)، ويوجد الآن نحو 5000 مقاتل من عشائر صلاح الدين يعملون بإمرة الحشد الشعبي ويتلقون الدعم والمشورة من القوات الايرانية”.
تعليقات وردت من “جمهور فيسبوك” إجابة عن سؤال طُرح على صفحة DW عربية فيسبوك بخصوص الدور الايراني في معركة تكريت، وعكست جزءا من وجهة نظر الشارع العربي، ونصّ أغلبها على شرعية الاستعانة بإيران ما دام الجانب الآخر يستعين بقطر والسعودية والأردن وتركيا على حد تعبير كثير منها، فيما تساءل البعض: لماذا يجوز للكرد أن يستعينوا بكل دول العالم ، دون اعتراض من أحد، فيما يعترض البعض على استعانة حكومة العراق بإيران ؟
وسبق لرئيس حكومة إسرائيل بينامين نتيناهو في خطابه أمام الكونغرس الأميركي الاعلان أن ايران تهيمن على أربع عواصم عربية ( دمشق – صنعاء- بيروت- بغداد)، وهو ما يمكن ان يخلص اليه أي مراقب لمسار التحولات في المنطقة، وأرجع مهند العزاوي ذلك الى وقت مبكر، “منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق في عام 2011 أصبحت إيران المهيمن على الملف العراقي، ولا يمكن القفز على الحقيقية الجغرافية بأن إيران هي جار للعراق، ولكن المشكلة هي أن حساسيات الماضي، وما جرى خلال السنوات العشر الماضية لم يسمح للعلاقة بين البلدين أن ترتقي الى مستوى الجيرة”.
ملهم الملائكة
حقوق النشر: موقع قنطرة ربيع 2015
خلافات بين العراقيين حول دور إيران في الحرب على “داعش”/ راغدة درغام
للاتفاق النووي الذي يصرّ الرئيس باراك أوباما على إبرامه مع إيران، تداعيات سلبية داخل الولايات المتحدة وإيجابية على صعيد العلاقة الروسية مع دول الشرق الأوسط. فالرئيس الأميركي سينقذ نظيره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر البوابة الإيرانية، من مغامراته في الساحة الأوكرانية، وهو سيؤجج صراعاً دستورياً سيعمّق الانقسام في الصفوف الأميركية عشية حملات الانتخابات الرئاسية. إقليمياً، إن الاتفاق النووي والتوافق الأميركي – الإيراني على استبدال المقاطعة بالشراكة، سيحييان روح الإمبراطورية الفارسية لدى حكّام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. على نسق تصريحات مستشار رئيس الاعتدال حسن روحاني، علي يونسي، الذي اعتبر أن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية. كما سيبعث روح التعالي والتبجّح والمزيد من المغامرة لـ «الحرس الثوري» في الأراضي العربية – كما هو واضح بالترويج علناً لمشاركة قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس»، في معركة تكريت ضد «داعش». تلك المعركة التي يودّ البعض اعتبارها «مقدمة» للمعركة الكبرى في الموصل الآتية قريباً بعنوان الشراكة الأميركية – الإيرانية في الأراضي العراقية قرب تركيا.
جزء من المسؤولين العراقيين يتحدث عن فترة ما بعد «داعش» والانتصار على هذا التنظيم نتيجة المعونة الإيرانية في المعارك، وهو يتصرف وكأن التهادنية الأميركية – الإيرانية باتت المظلة الطبيعية لحماية العراق الجديد في ظلّها. وجزء آخر يحذّر من التمادي الإيراني في العراق، تحت أي تبرير كان، وبالذات في المناطق القريبة من تركيا، لأن التوغل الإيراني في تلك المناطق تعتبره أنقرة تحدياً لأمنها القومي. هناك من يتحدث عن الخسائر الفادحة للميليشيات التي تعمل تحت عنوان «الحشد الشعبي»، ويتحدث أيضاً عن جرائم بشعة لتلك الميليشيات تكاد تقترب من جرائم «داعش» الذي تحاربه، ويحذّر من «تنظيف» طائفي و»تقسيم» الأمر الواقع في العراق ليخدم «الهلال الفارسي». وهناك من يتساءل إن كانت هناك استراتيجية للسُنَّة العرب والأتراك لمواجهة المد الشيعي الفارسي المبارك أميركياً وإسرائيلياً، أو إن كان الخلاف الجذري بين تركيا ومصر حول «الإخوان المسلمين» عرقلة ليس في الإمكان تخطّيها لبناء علاقة سعودية – مصرية – تركية من نوع آخر. فماذا في الأفق؟
أثناء انعقاد «ملتقى السليمانية» الثالث في الجامعة الأميركية العراقية التي أنشأها رئيس حكومة إقليم كردستان سابقاً الدكتور برهم صالح، تحدّث عدد ضخم من كبار المسؤولين العراقيين من مختلف الوزارات والتوجهات، عن حاضر العراق ومستقبله في ظلّ الحرب على «داعش» وفي ظل العلاقة الأميركية – الإيرانية. وساد المداخلات قدر مدهش من الصراحة والمصارحة.
وزير التعليم العالي حسين الشهراستاني، وصف العراق بأنه الخط الأمامي في المواجهة «دفاعاً عن الإنسانية، دفاعاً عن أمن العالم، دفاعاً عن قيم العالم». قال إن «النصر محسوم للعراقيين» في المعارك بفضل «قواتنا وعشائرنا وحشودنا الشعبية والبيشمركة». قال إن الانتصار على «داعش» يتطلب «إلحاق الهزيمة بالفكر التكفيري». ولم يكن وحده الذي تحدّث في هذا الاتجاه.
نائب رئيس مجلس النواب الشيخ همام الحمودي، اعتبر أن الخطر الحالي يضع إزالة «داعش» أولاً في الصدارة كضرورة ملحّة. قال إن إزالة «داعش» تشكّل حاجة ماسة الى بناء «الثقة المتبادلة»، وإن «داعش» ليس تنظيمين في العراق وسورية وإنما هو «واحد». رأيه هو أن حجم الخطورة يتطلّب التحرك الفوري ضد «داعش»، وليس الخوض في التفاوض والتفكير «بماذا بعد داعش الآن». وما يقدّمه للذين يعتقدون بضرورة التفاهم على تقاسم السلطات الآن – هو الطمأنة لهم على أعلى المستويات من القيادات الشيعية الروحية في العراق.
نائب رئيس جمهورية العراق أسامة النجيفي، وهو ابن الموصل، قال إن «إهمال الجانب السنّي لن ينهي المعركة» مع «داعش»، بل «سيعطيها المبرّر للاستمرار». اعتبر تشكيل الحكومة الجديدة «فرصة» يجب عدم تفويتها لبناء البيت العراقي. وحذّر النجيفي من أن بناء قوة شيعية – بأكثر من 100 ألف – أكبر من الجيش العراقي»، أمر يثير القلق و «يجب أن يُضبَط». دعا الى بناء قوى عسكرية «متوازنة لكل العراقيين»، وقال إنه لا بد من قرار من المرجعية الدينية «المؤثرة في هذه المجموعات» التابعة لـ «الحشد الشعبي»، وإن على المرجعيات السنّية الدينية التصدّي «للفكر المنحرف» الذي يتبناه «داعش» من أجل «تدميره».
رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري، حضّ على التفكير في مرحلة ما بعد «داعش»، من منطلق «الأرض ما بعد المعركة» والتي يتم تحريرها. قال إن المناطق التي سُمِحَ فيها حمل السلاح على أيدي «الحشد الشعبي»، قد تكون أكثر عرضة لنتائج حمل السلاح. وحذّر الجبوري علناً من أن العراق «الى التقسيم» إذا لم يتم الاتفاق على كيفية وضع السلاح تحت سلطة الدولة لاحقاً، وإذا لم تتوافر الظروف العراقية والإقليمية للتوصّل الآن الى تفاهمات.
هذه خلافات جذرية بين القيادات العراقية في الحكومة والبرلمان، ولها تأثير حتماً في المعركة ضد «داعش»، بالذات في الموصل والأنبار. والخلافات تشتدّ أكثر عند الحديث العراقي حول الدور الإيراني في هذه المعركة.
فمستشار الأمن القومي، فالح فياض، مثلاً، قال: «بصراحة، سنطلب الدعم من إيران ومن الولايات المتحدة»، والاعتماد على أنفسنا أولاً هو عبر «الحشد الشعبي». قال «نعم» لدور إيران العسكري، و «المستشارون العسكريون الإيرانيون موجودون» في العراق ولهم الفضل بعدما «تأخر المجتمع الدولي في نجدة العراق» والذي «له ثمن». وأكد فيّاض، «أننا سنشكر إيران والولايات المتحدة» على رغم «الحساسية» التي تثيرها إيران في «المحيط الإقليمي الذي لم يهضم» دورها في العراق.
كلام مستشار الأمن القومي واجهه كلام نائب رئيس الجمهورية، إذ قال النجيفي إن «إيران استعملت الفراغ لمصلحتها، لكن غياب العرب أثّر في اللاتوازن» الذي يهدّد العراق.
هذه الانقسامات حادة وحقيقية في تقويم المعركة ضد «داعش» ومستقبل إيران في العراق، لا سيما في ظلّ التهادنية والشراكة الآتية الى العلاقة الأميركية – الإيرانية.
الجنرال الأميركي ديفيد بيتريوس المعروف بإنجاح فكرة «الصحوات» عند العشائر السنّية لإلحاق الهزيمة بـ «القاعدة»، عبّر عن قلقه من سيطرة الميليشيات على الأراضي التي يتمّ تحريرها من «داعش»، داعياً الى ضرورة إدخالها في القوات العراقية المسلّحة. دعا الى التفكير بنوعية القوى العسكرية التي ستسيطر على الشوارع في الموصل بعد هزيمة «داعش» فيها، وقال إن «لا عجلة الى الموصل» بعد تكريت، و «المفتاح هو مَن سيسيطر على المدينة»؟
اللافت لم يكن في ما قاله بيتريوس حول الدور الأميركي العسكري الفاعل «وراء الكواليس بأكبر مما تدرك الناس». اللافت هو ما قاله حول المدى البعيد للرعاية الشيعية لـ «الحشد الشعبي»، إذ قال إن «الحشد الشعبي» قد يهدّد العراق على المدى البعيد»، وإن ظهور قاسم سليماني علناً «قد يرتدّ على إيران» لأنه يفعل ذلك في المثلث السنّي.
إنما هناك من نظر الى الأمر من زاوية المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتحدة، واعتزام طهران إبلاغ كل من يعنيه الأمر أن الصفقة لا تتضمّن تنازلات عن الطموحات الإقليمية وتوسيع النفوذ الإيراني، وأن طهران إذا وافقت على «تأجيل» تصنيع القدرة النووية العسكرية، فإنها في حاجة الى تعزيز «آني» لتوسّعها إقليمياً للتعويض ولإبلاغ الشعب الإيراني أن النظام قوي وسيزداد قوة بموجب الصفقة.
ووفق عراقيين مطّلعين على خفايا العراق، فإن تكاليف حرب إيران في سورية سدّدتها الخزينة العراقية التي باتت اليوم مفرغة أكثر مما كانت عليه في عهد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي. وعليه، إن جفاف الخزينة العراقية يجعل طهران في أشدّ الحاجة الى الصفقة النووية لأنها تمكّنها من المضي في حروب سورية واليمن الضروريين للاستراتيجية الإيرانية من أجل الإطلالة على البحر المتوسط والسيطرة على باب المندب، والتموضع على الحدود السعودية – اليمنية.
إنما هذا لا يعني أن إيران ستكون منتصرة على المدى البعيد. فالتحديات داخل العراق جدّية، وجزء من العراقيين ناقم على طهران. وإذا كان تقسيم العراق السبيل الى ارتياح إيران وحمايتها من النقمة والانتقام، ستقع «الإمبراطورية» الإيرانية لاحقاً وعلى المدى البعيد في أحضان النقمة والانتقام بأبعد وأوسع من العراق بـ «داعشية» أخرى.
فإيران المستفيدة اليوم قد تكون المتورّطة غداً وسط عداء لها، لا سيما إذا نفّذت استراتيجية تقسيم الدول العربية ليتاح لها بناء «الهلال الفارسي». أما اليوم، فإن الرئيس باراك أوباما قرّر أن الحليف الطبيعي للولايات المتحدة هو إيران. وللتذكير، فذلك القرار سبق أن اتخذه «المحافظون الجدد» الذين سيطروا على إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، فما بدأه بوش في حرب العراق، يستكمله أوباما في الصفقة مع إيران.
اليوم، ليس هناك أي دليل على استراتيجية مدروسة بعيدة المدى للقيادات العربية ولا للقيادات السنّية في دول عربية وتركيا وباكستان. أما الاستراتيجية السياسية والأمنية في وجه الصفقة الأميركية – الإيرانية – وفي مواجهة الامتداد الإيراني إقليمياً، فإنها غائبة على المدى البعيد والآني على السواء.
الحياة
إيران بين القضم والحوار/ وليد شقير
لا تظهر تصريحات يدلي بها مسؤولون إيرانيون عن «التوسع الإمبراطوري» الذي حققته طهران، وهو أمر لا يجانب الحقيقة، حتى يعودوا فيوضحون ويعدّلون في هذه التصريحات التي تستفز الدول العربية والإسلامية التي تتوجس من طموحات ايران «الإمبراطورية».
زخر هذا الأسبوع، كما هي الحال كل بضعة أشهر، بالتصريحات الإيرانية التي تستعيد الأحلام الإمبراطورية. وما لبث بعض المسؤولين الإيرانيين الذين أدلوا بهذه التصريحات أن عدلوا فيها أو أوضحوا بعض العبارات التي تضمنتها. فمستشار الرئيس الإيراني، علي يونسي، كان قال إن «إيران أصبحت اليوم إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها حالياً بغداد وهي مركز حضارتنا وثقافتنا كما في الماضي… وجغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك…». وإذ هاجم يونسي التطرف الإسلامي والعثمانيين الجدد والسعودية والغرب والصهيونية في قوله إن «كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية»، يوم الإثنين الماضي، فإنه عاد أول من أمس وقال إن بلاده «تحترم سيادة واستقلال دول المنطقة ولا تتدخل في شؤونها الداخلية لا سيما العراق». وفي تصريحه الجديد حرص يونسي على تطمين جيرانه بأن «الحدود مرسومة بين دول المنطقة وإيران لا تفكر بالتوسع وإن الإمبراطوريات السابقة لن تعود ويمكن أن يحل مكانها التنسيق الثقافي والاقتصادي والسياسي بين دول المنطقة».
كان لا بد من هذا التوضيح في سياق جملة أحداث منها:
1 – إنه شكّل إحراجاً لأحد حلفاء طهران في بغداد، وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري الذي كان يحضر في القاهرة اجتماع وزراء الخارجية العرب تحضيراً للقمة العربية في 28 الجاري. فالأخير اضطر للرد بالتأكيد على استقلال وسيادة بلاده.
2 – إن يونسي والمحسوب على الإصلاحيين، أدلى بكلامه في وقت يجول رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني على دول خليجية (الكويت وقطر) ليدعو إلى الحوار في حل الأزمات الداخلية في الدول التي انغمست إيران في مشاكلها الداخلية بدعمها فرقاء ضد آخرين ومدهم بالسلاح والرجال كما في اليمن.
3 – إنها تصريحات تقوّض محاولة من قبل سلطنة عمان، كما تردد في بعض التقارير، لفتح قنوات التباحث مع طهران، من أجل إيجاد حل سلمي للانقسام الحاصل في اليمن وسائر الدول التي تتدخل فيها طهران.
والمبادرة العُمانية أعقبها نوع من الغطاء السعودي عبر الخطاب الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، داعياً الى «التضامن العربي والإسلامي وحل الخلافات بالطرق السلمية ونهج الحوار لتنقية الأجواء وتوحيد الصفوف…». إلا أنه شدد أيضاً على «احترام مبدأ السيادة ورفض التدخل في شؤوننا الداخلية…».
إلا أن توضيح يونسي لم يسعف طهران كثيراً في تبديد سياسة الاستهزاء بعقول القادة العرب. فالعقل القومي الفارسي يمارس ازدراء تاريخياً للعرب، ويستثني أحياناً الدولة الأكبر بينهم أي مصر، لأنها ساهمت عبر التاريخ في هزم التوسع الإمبراطوري الفارسي.
فمع توضيحه الثاني تحدث قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري عن التأثير المتزايد للثورة الإسلامية في العالم الإسلامي وعن فتح مرحلة تصدير الثورة فصلاً جديداً. وواكبه قول مستشاره الجنرال حسين الهمداني إن العسكريين الإيرانيين حرروا 85 في المئة من الأراضي السورية وأن «الحرس الثوري» باشر إنشاء مجموعات دينية جديدة في سورية وأنشأ 42 لواء و140 كتيبة تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد معتبراً ذلك من أهم إنجازات قوات «الباسيج» في بلاد الشام.
تعتمد طهران سياسة القضم لتوسيع النفوذ الإقليمي، ثم تلجأ إلى طلب الحوار لتثبيت الاعتراف بما قضمته لتسقط الحل السياسي كما حصل في اليمن، بإنهاء الحوثيين للمبادرة الخليجية، ثم تعود إلى البحث في تسوية جديدة على أنقاض السابقة لتكريس مكتسباتها. تستبق إمكان الاتفاق مع دول 1+5 على النووي فتتقدم للمزيد من السيطرة الميدانية، بالاعتماد على قاعدة طائفية ومذهبية، ثم تسبغ إنجازاتها العسكرية بالرغبة في «التنسيق الثقافي»، على وقع ردود فعل مذهبية ضد سعيها إلى السيطرة، لا تنتج سوى مزيد من الحروب والانقسامات، وتشترط رفع العقوبات الاقتصادية عنها منذ اليوم الأول لتطبيق اتفاقها مع المجتمع الدولي على النووي، لتتمكن من هضم التوسع الذي تحرزه في موازاة التفاوض مع الدول الكبرى.
الحياة
التخلّي عن الكيميائي أبقى الأسد في السلطة فهل يُعيد التخلّي عن النووي إمبراطورية فارس؟/ اميل خوري
هل صار في الامكان القول إن المنطقة دخلت العصر الايراني بعدما أعلن مستشار الرئيس حسن روحاني “عودة الامبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد”؟ وهل يكون لبنان من ضمن هذه الامبراطورية أم يبقى خارجها وتكون الفرصة سانحة ليعلن اللبنانيون، على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم، اتفاقهم على تحييد لبنان عن كل صراعات المحاور فيرتاح ويريح وينعم عندئذ بالاستقرار والازدهار؟
لقد مرت على لبنان عصور كثيرة قبل الاستقلال وبعده. فمن عصر الامبراطورية العثمانية، الى عصر القائمقاميتين، إلى عصر المتصرفية، الى عصر الانتداب الفرنسي، الى عصر المد الناصري في مواجهة “حلف بغداد”، الى العصر الفلسطيني، الى العصر الاسرائيلي، الى العصر السوري، واليوم إلى العصر الايراني الذي يطل على المنطقة ولا أحد يعرف متى وكيف، وهل يشعل حرباً اقليمية أم تكون تسوية تتفاداها، ومتى يكون لبنان في عصر لبناني صاف لا زغل فيه؟
يرى ديبلوماسي عربي ان الامر يتوقف على الولايات المتحدة الاميركية ومدى استعدادها لأن تدفع ثمن تخلي ايران عن السلاح النووي كرمى لإسرائيل، وهل يكون جزء كبير من المنطقة يتم رسم حدوده هو الثمن ويبقى الجزء الآخر خارج امبراطوريتها؟ لأن ليس لأميركا مصلحة في ان يكون لإيران هذا الحجم فتصبح هي الاقوى، بل ينبغي أن تتساوى بالقوة مع دول اخرى في المنطقة تحقيقاً للتوازن الذي لا بد منه من أجل التصدي للارهاب الذي بات أولوية عند الجميع، ولا سيما اميركا، حتى اذا ما اختل هذا التوازن انفجرت حروب الاديان التي تتمنى اسرائيل انفجارها. فهل يبقى لبنان، بتفاهم داخلي وخارجي، خارج المعمعة ليبدأ مسيرة تحوله “سويسرا الشرق” فعلاً لا قولاً؟
لا بد اذاً من انتظار نتائج المحادثات حول الملف النووي لمعرفة الخريطة الجديدة التي ترسم للمنطقة، وما هو الثمن الذي ستدفعه اميركا لايران مقابل تخليها عن السلاح النووي، وما هو الثمن الذي ستدفعه ايران إذا فشلت المحادثات، كما كان ثمن العدول عن الضربة العسكرية لسوريا التخلي عن السلاح الكيميائي مقابل بقاء بشار الاسد في السلطة.
ولا يهم اسرائيل ان توسع ايران حدود امبراطوريتها في المنطقة بمقدار ما يهمها ألّا يبقى سلاح نووي غير سلاحها لتظل هي الاقوى في المنطقة وقادرة في اي وقت على اشعال حروب دينية تتفرج عليها وتفرح بها وهي ترى العرب يقتلون بعضهم بعضاً، والمسلمون السنّة يتحاربون مع المسلمين الشيعة، والمسيحيون يذهبون “فرق عملة” لا تُصرف إلا بالهجرة الواسعة الى دول الغرب، ولا همَّ عندها سواء بقي المسيحيون في الشرق أم هجروه الى الغرب، فالمهم ان تصبح هي دولة من المنطقة وليس في المنطقة، تستطيع أن تفرض في المفاوضات مع العرب وغير العرب سلاماً شبيهاً بسلام الاستسلام. ولا يهم اسرائيل ايضاً من يعقد معها هذا السلام، العرب السنّة أم العرب الشيعة وبقيادة ايران، بل يهمها أن تكون وحدها الدولة التي تمتلك سلاحاً نووياً يضمن وجودها وبقاءها ويجعلها الاقوى في اي حرب تواجهها. لذلك فانها تنتظر باهتمام نتائج المحادثات حول الملف النووي كي تطمئن كما اطمأنت الى تدمير السلاح الكيميائي السوري. في حين أن ما يهم أميركا هو ألّا يؤدي تفاهمها مع ايران الى ما يزعج دولاً اخرى في المنطقة ويقلقها، ولا سيما السعودية، وذلك حرصاً على الامن والاستقرار فيها، وهذا التفاهم قد يسهل التوصل الى تحقيق سلام شامل لا تعود مع تحقيقه حاجة الى بقاء مقاومة مع سلاحها.
واذا كان لكل دولة همومها ومخاوفها في المنطقة، فان على الولايات المتحدة الاميركية ان ترسم استراتيجية الاتفاق مع ايران ودول المنطقة على اساس سياسة لا غالب ولا مغلوب كي تستطيع جمع الاصدقاء، وإن كانوا متخاصمين، في جهة واحدة لضرب الارهاب، واستراتيجية احتمال حصول خلاف مع ايران تفرض عليها قلب الطاولة اذا رفعت ايران كثيراً ثمن تخليها عن السلاح النووي. وقلب الطاولة يبدأ من سوريا حيث المسرح جاهز.
والسؤال المطروح هو: هل تطلب ايران الثمن المعقول لتخليها عن النووي، ام تطلب الثمن الذي يجعل الأنواء تعصف بها وتعيدها الى داخل حدودها؟
النهار
الدعائية الإيرانية فاقمت المخاوف من التوسّع العرب يحذّرون أميركا ولا يملكون استراتيجية/ روزانا بومنصف
تتمتع ايران بقدرة دعائية ضخمة وفق مصادر ديبلوماسية بحيث دفعت الانظار والاهتمام في اتجاه بعيد من اي تنازلات تقدمها من اجل وضع حد لملفها النووي في المفاوضات القائمة مع الدول الخمس الكبرى زائد المانيا واثارت مخاوف لدى جيرانها من توسع نفوذها في مقابل ” القلق ” الذي قال مسؤولون اميركيون انه ينتابهم من التدخل الايراني في العراق. فبالكاد يأتي ذكر اي كلام عن تنازلات ايرانية في حين ان الصراع الاميركي الداخلي بين الادارة الاميركية والكونغرس من جهة وبين الادارة وحليفتها التاريخية اسرائيل حول ما قال رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو انه اتفاق سيئ يترك لايران كل قدرتها في الاعداد للاسلحة النووية عزز الانطباعات ان التنازلات الكبيرة تقدمها الولايات المتحدة والدول الكبرى المفاوضة اكثر من ايران. وانسجاما مع هذا المنحى الذي قد يكون يرمي الى المساهمة في تبليع الاتفاق النووي في الداخل الايراني واتاحة مجال اكبر لفريق الرئيس الايراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بعيدا من المتشددين في الحرس الثوري خصوصا في ظل اعتقاد ان ثمة تنازلات يجب ان يبديها الطرفان المفاوضان، فان المنطق الغربي لا يسوق كثيرا للاتفاق بحسابات الربح والخسارة لكل من الاطراف المعنيين وان كان يتحدث عن تجميد قدرات ايران ومنعها من متابعة جهودها في اتجاه امتلاك القدرة على انتاج اسلحة نووية.
القدرة الدعائية نفسها تراها المصادر نفسها في خروج مواقف ايرانية استفزازية الى العلن الى درجة ظهور خطر تنظيم الدولة الاسلامية بمثابة نزهة امام المخاطر التي باتت تشكلها المطامع الايرانية في المنطقة أولاً على الاقل بالنسبة الى دول عربية عدة يظهر اعلامها مدى الاستفزاز الذي تثيره ايران باعلانها سيطرتها على عواصم عربية عدة ومضيها في قيادة المعارك مباشرة في سوريا والعراق استنادا الى ما يعلنه قادة ومسؤولون ايرانيون في هذا الصدد. اذ فيما تنظيم داعش آيل الى الانتهاء عاجلا او اجلا في ضوء الحرب عليه او سواه من الاعتبارات، فان التوسع الايراني هو الذي يشكل الازعاج الاكبر والحقيقي.
ما بدا ان الدول العربية نجحت فيه أخيراً هو دفع الولايات المتحدة الى رؤية المخاطر الايرانية من وجهة النظر العربية خصوصا ان تطورات الحرب على تكريت التي انخرطت فيها ايران مباشرة او عبر دعم الميليشيات الشيعية اشعرت الاميركيين بخطر حرب يقودها الشيعة ضد السنة حيث اكد رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة مارتن ديمبسي الذي زار العراق اخيرا قلقه من الدور الايراني هناك. هذا النجاح محتمل من خلال تلاقي المصالح مع الولايات المتحدة التي تعتبر ان لها مصالح حيوية في العراق من خلال حكومة وحدة وطنية تستوعب السنة. وهو تمثل على ما يبدو في اعلان وزير الخارجية الاميركي جون كيري في الجلسة امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ عن اجتماع يعقد في واشنطن الشهر المقبل (بحيث تكون توضحت احتمالات اعلان اتفاق اطار مع ايران حول ملفها النووي) ويشارك فيه زعماء الدول الخليجية من اجل مناقشة الخطوات اللازمة لمواجهة ايران. اذ ان الولايات المتحدة تجنبت حتى الآن مقاربة اي انتقاد لطهران حول انخراطها في حروب المنطقة من اجل انجاح المفاوضات على الملف النووي.
لكن هل سيكون ممكنا الشهر المقبل مناقشة سبل مواجهة ايران في المنطقة على رغم اعتقاد كثر بعدم وجوب الرهان على تدخل اميركي من اجل دحض المكاسب الايرانية خصوصا في ضوء اعلان كيري في الجلسة نفسها ان التفويض التي تسعى اليه الادارة الاميركية من اجل مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية لا يشمل حماية مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة من قصف النظام لهؤلاء بالبراميل المتفجرة، ما يفيد باستبعاد خرق الالتزام الذي قطعه الرئيس الاميركي لمرشد الجمهورية الاسلامية في تشرين الاول الماضي حول عدم استهداف التحالف الدولي مواقع النظام السوري، وذلك في الوقت الذي تشكل سوريا احدى ابرز المناطق من اجل تضييق هامش التدخل الايراني. والى ذلك الا يحتمل ان يعقد اجتماع مماثل يناقش سبل مواجهة ايران توقيع اتفاق نهائي معها على ملفها النووي في حزيران المقبل؟
تعتقد المصادر المعنية ان الدول العربية لا تستطيع ان تستمر بالشكوى من التوسع الايراني او تتوقع ان تستدرك ايران وحدها المحاذير الخطيرة لتمدد نفوذها من احتمال اثارة فتنة سنية شيعية او انتظار الولايات المتحدة التي لن تتدخل على الارجح لاعتبارات كثيرة باتت معروفة. فثمة ما هو مطلوب من هذه الدول في اعتماد استراتيجية مختلفة ازاء ذلك خصوصا ان كثرا تابعوا باهتمام عن كثب اللقاءات المتعددة التي اجراها الملك السعودي مع زعماء تركيا ومصر وقطر وباكستان وسواها من الدول قبل اسابيع كما راقبوا باهتمام زيارة وزير الخارجية الاردني ناصر جودة قبل ايام الى طهران ولقائه نظيره الايراني الى جانب دعوته الى اجراء حوار عربي ايراني في مقابل زيارة قام بها رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني قبل ايام لقطر. وتاليا فان ثمة تعويلا على سياسة عربية لاحتواء طموحات ايران في ضوء هذه المساعي او الاعداد لسياسة من هذا النوع في حال لم يتم التوصل الى واحدة بعد.
النهار
أوباما والكونغرس زجاج مكسور!/ راجح الخوري
في النهاية هذه أميركا وليست أحدى جمهوريات الموز أو واحدة من دول المساخر المنتشرة في مناطق كثيرة من العالم في مقدمها الشرق الأوسط البائس. أقول هذا لأنه مهما بلغت الخلافات السياسية بين البيت الابيض والكونغرس فمن غير المتوقع او المألوف ان يقع هذا التراشق بالاتهامات بين الطرفين.
ليس قليلاً ان يعتبر باراك أوباما ان تصرفات نصف اعضاء الكونغرس تقريباً وبينهم مرشحون محتملون لخلافته في الرئآسة مثل ميتش ماكونيل وراند بول وماركو روبيو وتيد كروز “تثير السخرية”، وليس منطقياً ان يصل الأمر بنائبه جو بايدن الى إتهام هؤلاء بالقيام بتضليل خطير وبتصرفات لا تليق برجال الكونغرس وبقلة الشرف!
كل ذلك لأن ٤٧ سيناتوراً جمهورياً وجّهوا رسالة الى ايران تحذّر من توقيع إتفاق مع إدارة اوباما قد يسقطه الرئيس المقبل والكونغرس “بجرة قلم”، لأن الكونغرس وحده يملك سلطة رفع العقوبات المفروضة على ايران التي صدرت على شكل قوانين في الاعوام الماضية، وان أي اتفاق لا يقبله الكونغرس هو مجرد إتفاق تنفيذي قابل للتعديل وأوباما سيذهب في أول ٢٠١٧ وهم باقون الى ٢٠١٩.
جاءت هذه الرسالة في وقت دقيق وعلى حافة توقيع الاتفاق، وقبيل عودة جون كيري الى اللقاء مجدداً مع محمد جواد ظريف الأحد المقبل، وهي تأتي أيضاً بعدما سمح أعضاء في الكونغرس من جمهوريين وديموقراطيين ايضاً، بتحطيم هيبة اوباما عندما دعوا بنيامين نتنياهو الى إلقاء خطاب في الكونغرس على رغم إرادة البيت الأبيض، بما يعني تالياً احتدام معركة سياسية وقانونية على الصلاحيات بين البيت الأبيض والكونغرس، في موضوع حسّاس سيشكّل موضوعاً محورياً في الانتخابات الاميركية المقبلة التي يلعب فيها الصوت اليهودي دوراً مؤثراً كما هو معروف.
رسالة الكونغرس الى ايران ستزيد التعقيدات التي تواجه الاتفاق في اللحظة الاخيرة لكنها لن تثني اوباما عن المضي قدماً في هذه الطريق الشوكية، بعدما سُدّت أبواب النجاح أمام كل سياساته الخارجية، ولكن لن يكون سهلاً على أي رئيس جديد ان يسقط الاتفاق، الذي تشارك فيه خمس دول أخرى، على رغم وجود تحفظات فرنسية صريحة ومعلنة عن الاتفاق قد تصل الى حد رفض توقيعه.
محمد جواد ظريف اعتبر ان لا قيمة للرسالة لأنه بموجب القانون الدولي لا يستطيع الكونغرس إسقاط الاتفاق بعد إبرامه، ولكن مهما يكن من أمر من الواضح ان أوباما يواجه سنتين من الزجاج المكسور مع الكونغرس، إلا أن اللغة التي تستعمل الآن غير معهودة في تاريخ الخلافات السياسية الأميركية.
حتى مع فضيحة ووترغيت لم يُقل عن ريتشارد نيكسون إنه قليل الشرف، ولعل من المضحك ان البيت الأبيض يتّهم الجمهوريين بالتواصل مع الخط المتشدد في طهران!
النهار
الإمبراطورية الإيرانية (الشرق الاوسط سابقا)!
رأي القدس
أعلنت إيران على لسان مستشار الرئيس حسن روحاني أنها عادت «إمبراطورية، كما كانت عبر التاريخ، وأن بغداد هي عاصمتها» في إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. وذهب المستشار علي يونسي أبعد حيث قال إن «كل منطقة شرق الأوسط إيرانية، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية»على حد تعبيره. وردت وزارة الخارجية العراقية بالقول إنها: «تعرب عن استغرابها للتصريحات المنسوبة إلى الشيخ علي يونسي المستشار للسيد الرئيس الإيراني بخصوص العراق».
والحقيقة ان كلام المستشار الإيراني لم يكن منعزلا، بل أكده أمس الأول أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني عندما قال إن بلاده منعت سقوط دمشق وبغداد وأربيل بيد تنظيم «الدولة»، مضيفا «أن إيران باتت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق باب المندب». وتزامن كذلك مع تصريحات لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قال فيها إن «إيران أصبحت تهيمن على العراق»، وأخرى لرئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي أكد فيها أن «التدخل العسكري الإيراني الحالي في العراق هو الأكثر وضوحا». ولعل دخول القوات العراقية المدعومة علنا من إيران إلى وسط مدينة تكريت أمس يكرس واقعا لا يمكن التغاضي عنه، أو تصور أنه يمكن أن ينحسر مع غياب استراتيجية عربية محددة الملامح لتحديه أو على الأقل احتوائه.
ويجدر هنا القاء نظرة متأنية على عناصر هذا «المخاض الجيواستراتيجي» الذي تعرفه المنطقة، وخاصة من وجهة موقع العرب فيه:
أولا: إن ما يجب أن يستغرب ليس اعلان إيران عن انتصاراتها الإقليمية وأحلامها الإمبراطورية، بل غياب أي رؤية استراتيجية عربية لدورهم في مستقبل المنطقة، خاصة في ظل قوى أخرى لا تخفي طموحاتها، إذ يتحدث المسؤولون الأتراك عن عودة «السلطنة العثمانية» أو مايعرف بـ «العثمانية الجديدة»، بينما تسعى إسرائيل إلى توسيع اختراقاتها الإقليمية لتشكيل جبهة «الأمر الواقع» ضد النفوذ الإيراني. ويبدو المأزق العربي أعمق كثيرا من مجرد غياب الرؤية، إذ إن استمرار الصراعات العربية – العربية بموازاة تصاعد موجة التكفير والإرهاب باسم الدين، أصبح يشكل تهديدا وجوديا للعرب ليس فقط من جهة مفهوم «الأمة» التي ترتكز في تعريفها الأكاديمي إلى «وجود جوهر عرقي»، بل وحتى كدول قطرية. وبكلمات أخرى فإن أمام العرب معركة شرسة لتثبيت وجودهم أولا، قبل أن يتأهلوا للبحث عن مكان في مستقبل الخارطة الاستراتيجية للمنطقة.
ثانيا: إن تسرع البعض في الحديث عن تشكيل «كتلة سنية» لمواجهة إيران، يتجاهل كثيرا من الحقائق الصعبة على الأرض. أولها إن تركيا، بعكس أغلب الدول العربية، ترتبط بعلاقات جيدة مع إيران، بعد أن توصلا إلى صيغة براغماتية تفصل الثنائي عما هو إقليمي. ويأمل البلدان في مضاعفة التبادل التجاري بينهما إلى ثلاثين مليار دولار بنهاية العام الحالي. كما أن الموقف التركي تجاه العهد الجديد في مصر، يبقى عقبة أمام تشكيل «الكتلة السنية». كما أنه ليس واردا أن تغيب «مصر مستقرة» بثقلها المعروف عن تشكيل هكذا كتلة.
ثالثا: إن «الإمبراطورية الإيرانية» الجديدة تبدي حرصا شديدا على أن تنزع الطابع الطائفي عن تكوينها أو أهدافها، وهو مايبدو جليا في سلسلة من المقاربات السياسية خلال الفترة الأخيرة، ومنها مسارعتها إلى طمأنة مصر على حرية الملاحة في باب المندب، عبر إرسال وفد من الحوثيين إلى القاهرة، ضمن سياسة ثابتة تسعى إلى جذب مصر إلى جانبها، أو تحييدها على الأقل.
كما عمدت إيران إلى إعادة الوشائج مع حركة حماس (السنية) باستئناف دعمها، وإن كانت مازالت ترفض استقبال خالد مشعل بسبب ما تعتبره «تدخلا» ضد النظام في الأزمة السورية.
وهكذا تجعل العرب يبدون وكأنهم هم من يسعون إلى تكريس الطابع الطائفي للصراع بالحديث عن «مشروع سني»، بدلا من إحياء مشروعهم القومي الذي لم يكن معنيا عبر تاريخه بالاختلافات الدينية أو المذهبية، بل طالما استقطب الأحرار من مختلف أنحاء العالم إلى جانب قضاياه العادلة في سبيل التحرر ومقاومة الهيمنة الامبريالية.
فهل ستبحث الدول العربية حقا في قمتها المقررة هذا الشهر عن استراتيجية عاجلة للدفاع عن أمنها القومي، وضمان موطئ قدم في خارطة جديدة تتشكل للإقليم، في ظل هذه الطموحات أو الهواجس المتلاطمة بين «إمبراطورية إيرانية» أو «خلافة داعشية» أو «سلطنة عثمانية» أو «هيمنة اسرائيلية»؟ أم انهم سيكتفون بتكريس خلافاتهم وصراعاتهم؟
القدس العربي
ماذا وراء الكلام الأميركي الإيجابي تجاه إيران؟/ عبدالزهرة الركابي
تواصلت التصريحات الأميركية في الآونة الأخيرة حيال إيران، وهي تصريحات عدّها المراقبون (تصريحات غزلية)، بل أن بعضهم ذهب بعيداً في التحليل عندما أشار الى أن هناك تبلوراً لتحالف أميركي إيراني في العراق، وربما يمتد هذا التحالف الى بلدان أخرى، ينشط فيها الدور الإيراني، ولا سيما في سوريا واليمن ولبنان، خصوصاً وأن هؤلاء المراقبين باتوا أكثر ميلاً الى الإعتقاد بأن واشنطن وطهران، ستتوصلان الى إتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، يتمثل في تعليق إيران نشاطها النووي لمدة عشر سنوات، كما أن الكونغرس الأميركي قام بتأجيل مناقشة قانون يتعلق بفرض عقوبات إضافية على إيران.
هذه المؤشرات إزدادت وضوحاً حيال التعليقات والتصريحات التي أدلى بها كبار المسؤولين الأميركيين، سواء كانوا ساسة أو عسكريين، بشأن الوضع في العراق ولا سيما التي تتعلق بمعركة تحرير محافظة صلاح الدين من هيمنة (داعش)، بعدما راح الجنرال قاسم سليماني قائد فرقة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، يشرف على إدارة هذه المعركة، وبنسبة 80%، من واقع أن أكثر القوات التي تشارك في هذه المعركة، تتألف من الميليشيات الشيعية التي أنشأتها إيران أصلاً، بالإضافة الى مشاركة فعلية وميدانية من قوات الحرس الثوري الإيراني، بينما تتوزع النسبة الباقية 20% على الجيش العراقي عبر الفرقة الخامسة، وبضعة مئات من العشائر السنية في المحافظة.
يُذكر أن عملية تحرير محافظة صلاح الدين والتي لا تزال مستمرة، بدأت بهجوم في اليوم الأول من الشهر الجاري، على قوات (داعش) المتموضعة في مدن تكريت (مركز المحافظة) والدور والعلم، وبقوات يناهز عديدها الثلاثين ألفاً، يشكل الجيش العراقي (الفرقة الخامسة) جزءاً من هذه القوات، ويبقى العديد الأكبر من حصة الميليشيات (الحشد الشعبي).
وتشعر القوى السنية بالخشية من عملية تصفية الحسابات، ربما تلجأ إليها الميليشيات الشيعية، ضد عشيرتي آلبو ناصر (عشيرة رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين) وآلبو عجيل، حيث أن هذه الميليشيات تتهم أفراداً منهما بالوقوف وراء مذبحة قاعدة سبايكر التي راح ضحيتها 1700 تلميذا متدرباً، جلهم من الطائفة الشيعية، حتى ان المتحدث باسم ميليشيا (أهل الحق) جواد الطليباوي، هدد العشيرتين المذكورتين في بيان وزع على وسائل الإعلام العراقية بالقول، (أن الخيار الوحيد أمام عشيرتي البو عجيل والبو ناصر تسليم القتلة ومن ساعدهم على تنفيذ المجزرة لنا، وإلا ستكون العواقب وخيمة). لافتاً إلى (امتلاك ميليشياه أسماء وصور المجرمين الذين قتلوا أبناء القوات الأمنية في سبايكر).
وسبق للقوى السنية ان أتهمت وبإصرار، ميليشيات شيعية (خارجة عن القانون)، في حادثة اختطاف النائب عن جبهة الحوار السنية زيد الجنابي ومقتل عمه الوجيه قاسم سويدان الجنابي ونجله وعناصر الحماية، الأمر الذي جعل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، يعلن عن تجميد ميليشياته (لواء اليوم الموعود وسرايا السلام) حتى إشعار آخر.
وأبدى الصدر إستعداده للتعاون مع الجهات المختصة، للعمل على كشف المتورطين في حادثة الإغتيال، وقال في بيان تلقته وسائل الإعلام العراقية في هذا الجانب، (ألم اقل لكم إن العراق لا يعاني من شذاذ الافاق فحسب بل انه سيعاني من المليشيات الوقحة ايضاً ؟، ألم أقل لكم إنه يجب تسليم الجيش العراقي زمام الامور ؟، ألم أقل لكم إن الحقبة السابقة قد افاءت على العراق بازدياد نفوذ الميليشيات وشذاذ الافاق وتسلطهم على رقاب الشعب المظلوم ؟).
وفي المقابل ترفض الكثير من الاحزاب الشيعية، اي اشارة من قريب او بعيد الى أن يكون (الحشد الشعبي) الميلشيات، بصفته العامة، متورطاً في عمليات قتل او اختطاف، وتعتبر ان الحديث بهذا الاتجاه مستفز، وان هناك من يحاول خلط الاوراق ويشوه صورة الميليشيات التي تقاتل لاستعادة الاراضي وبينها مناطق السنة.
وعلى المنحى نفسه وصفَ الجنرال مارتن ديمبسي رئيس أركان الجيوش الأميركية التدخل الإيراني في العراق بأنه قد يكون (إيجابياً) عندما قال بالحرف، (إن دور إيران والميليشيات الشيعية في الهجوم الذي تشنه القوات العراقية لاستعادة مدينة تكريت من تنظيم الدولة الإسلامية يمكن ان يكون إيجابياً إذا لم يؤد إلى توترات طائفية مع أصحاب الأرض العرب السنة).
هذا وأعلنت السفارة الاميركية في العراق أن السفير ستيوارت جونز زار خلال وجوده في النجف أخيراً، مرقد الامام علي، في أول زيارة لمسؤول أميركي للمقام بعد احتلال العراق في العام 2003، وقد أشار جونز خلال زيارته هذه إلى أن الحكومة العراقية لم تطلب مساعدة التحالف الدولي في العمليات العسكرية الجارية في صلاح الدين، لافتاً إلى أن القوات الأميركية كانت حاضرة في معارك تحرير ناحية البغدادي في الأنبار من خلال الضربات الجوية ووحدة (المارينز).
وأوضح السفير الأميركي أن (بلاده تعتمد على القوات العراقية في التنسيق مع الحشد الشعبي والمجموعات الأخرى التي تحارب التنظيم ونتج عنها نتائج جيدة).
وعلى كل حال، فإن هذا (الغزل) الأميركي حيال إيران، أثار قلقاً لدى دول المنطقة، على الرغم من (التطمينات) التي حملها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لهذه الدول في جولته الأخيرة، والتي صرح خلالها بالقول، (بأن الاتفاق الوشيك مع إيران بشأن ملفها النووي لن يكون مقايضة كبيرة حيال ملفات أخرى).
المستقبل
قاسم سليماني من تكريت: لقد عُدنا/ إيلـي فــواز
واهمٌ من يظن أن حروب الشرق الأوسط المذهبية ستنتهي بانتصار عسكري لأحد الأفرقاء المتصارعين، وتحديداً إيران.
الحرب التي تجري اليوم بإدارة قاسم سليماني لن تجلب الاستقرار للمنطقة، كما يتمنى الرئيس الاميركي باراك أوباما، ولن تقضي على “الارهاب” الانتقائي التي يتجند له العالم اجمع. بل كل ما يجري مرشح لأن يطيل أمد المعاناة على كل المستويات. هذه الحروب تتوقف بفعل الإنهاك، تماماً كما حرب صدام حسين والخميني.
ولكن لهذه الحرب خصوصية جغرافية، اذ انها تجري على اكثر من ساحة وبلد، ويجنّد لها المقاتلون من كل انحاء المعمورة على اساس شعارات مذهبية لم يعد بالإمكان إخفاءها، إن كان من خلال التصريحات التي تصدر من الجهات المتقاتلة، او من خلال تلك اللقطات التي تتناقلها صفحات التواصل الاجتماعي، وتظهر فيها مجموعات تشحذ النفوس على اساس مذهبي محض. وهناك أيضاً الشعارات التي ترفع في الاحياء وعلى الآليات العسكرية، والاناشيد، وكل ما يساهم في تحميس الشباب على القتال والقتل.
اذ من الصعب إقناع الشباب الذين يتركون بلدانهم وضيعهم وأهاليهم للقتال في غير ارض وغير مناطق على غير اساسٍ مذهبي. فالحرب السورية مثلاً أُعطيت عنواناً من قبل قيادة حزب الله في أول ايام انخراطه فيها، بأنها لـ “حماية الاماكن المقدسة”. طبعاً كل المحاولات لتصوير الحرب من قبل ايران وحلفائها على انها حرب على الارهاب، فشلت، خاصة مع دخول ايران فيها بالعتاد والرجال والمال وبقاسم سليماني.
ولقد أصبح سليماني حديث الناس، فصوره المسربة من على الجبهات تملأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. يعمل جاهدا على تلك الصورة. أعماله، شخصيته، تكتب لها كبريات الصحافة العالمية. “بورتريهاته” تتحدث عن مآثره. يرى نفسه انه الفاتح الفارسي الكبير، او ربما الحجاج بن يوسف في طبعته الشيعية.
وهو ينخرط في معركة تكريت، وتحرير الموصل سيكون من الصعب عليه منع اعمال الانتقام الجماعية من اهل تكريت والموصل. فهو الذي بدأها كما يقول اكثر من خبير مع نوري المالكي عام 2003 عندما أسسا ما عرف بفرق الموت التي طاردت الموالين للرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
سيكون من الصعب ايضا ان تندمل كل الجروح االتي تفتحها تلك المعارك في هذا الجسم العربي المتعب.
واهمٌ من يظن ان احدا سينتصر في تلك الحرب. سيموت ابرياء وشباب دفاعا عن اهواء قادة لا يعرفون لطموحاتهم حدودا جغرافية كانت ام ديمغرافية ام حتى دينية.
وما هو اصعب ان الحلول ستأتي عندما تنهك جميع الاطراف، وحتى تأتي تلك اللحظة ستسيل دماء كثيرة، ويمضي وقت طويل.
موقع لبنان ناو
مصائرنا التي يقرّرها علي الكيماوي، رستم غزالي، قاسم سليماني وأبو بكر البغدادي../ يوسف بزي
من يذكر ذاك الشريط الفيديوي لضابط بعثي عراقي وهو يحشو أحد مواطنيه المعارضين بالـ»تي. أن. تي» ثم يفجره، فيما بقية جنوده يتفرجون؟ من يذكر تلك الصور والأفلام عن علي حسن المجيد، الشهير بعلي الكيماوي، إبن عم صدام حسين، وهو يعدم الأسرى بدم بارد؟ من يذكر المقابر الجماعية لأكثر من ثلاثمئة ألف عراقي أبادتهم آلة القتل البعثية في العراق؟ من يذكر صور ضحايا السلاح الكيماوي في كردستان العراق؟ من يذكر القصص والحكايات التي لا تحصى عن التعذيب الوحشي الذي كان يتعرض له العراقيون على يد أجهزة الأمن، عن الإذلال اليومي، وعن الرعب والخوف المتغلغلين في أعماق المواطنين؟
لم ينتج عن انكشاف فظاعات نظام صدام حسين، أي صدمة أخلاقية في وعي المجتمعات العربية. لم تتأسس على تلك الحقائق، أي مراجعة سياسية أو فكرية. لم تحدث أي محاكمة رمزية لـ»البعث» أو للديكتاتورية. لم تقم أي محاسبة من أي نوع لأربعة عقود من الظلم والقسوة والنهب المنظم والتدمير المنهجي للمجتمع وللدولة.
سقط صدام حسين الشخص وحسب، ولم يسقط أشباهه. سقط لأنه ظن أن بمقدوره أن يتفوق أو يماثل حافظ الأسد، فيحتل هو الكويت كما احتل الأسد لبنان (في الحالتين: الطريق نحو القدس!).
في العام 1982، قام حافظ الأسد بتدمير مدينة حماة، وقتل أكثر من أربعين ألف سوري، أتبعها بحملة إرهاب لسوريا كلها، فاعتقل وأعدم وعذب عشرات الآلاف من مواطنيه. قبل ذاك التاريخ وبعده، سجن واغتال ونفى آلاف المعارضين، وحطّم حياة ما لا يحصى من العائلات، وفرض سلطته بالرعب والترهيب. كان «البعث» السوري كـ»شقيقه» العراقي، يعمم الجريمة بوصفها صنو الحكم والسياسة.
سيتأخر «البعث» السوري عن «المأثرة» الكيماوية حتى صيف العام 2013. لكنه سرعان ما سيتفوق على اقترافات صدام حسين. فحتى الآن، وبعد انقضاء أربع سنوات على انتفاضة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد، هناك سبعة ملايين سوري مهجّر، وأكثر من مليون ضحية بين قتيل وجريح. لا أرقام للأيتام والأرامل، لا أرقام دقيقة عن عشرات الآلاف من المفقودين والمعتقلين. لا أرقام للكارثة التي أنزلها الأسد الابن ببلد بات حطاماً. والعقاب مستمر.
من أين أتى هذا الكابوس؟
في مطلع الستينات جاء الأنذال. عصابات من الضباط في الجيوش الرثّة، تستولي على الحكم في سوريا والعراق، وتبدأ «الملاحم» التي ستسطرها على صفحات التاريخ العربي. خمسة عقود من العار اليومي والكوارث والخسائر الحضارية التي لا تعوّض. سيذهب المشرق العربي، بشعوبه وعمرانه، إلى خراب مادي وروحي، يحيل الحياة جحيماً متواصلاً.
أناط صدام حسين مهمة سحق الشعب العراقي بعلي الكيماوي وأقرانه، أمثال ابنيه قصي وعدي، وسائر قادة الأجهزة المخابراتية من عشيرته وأقاربه وأبناء عمومته وأخواله. وأناط حافظ الأسد أيضاً مهمة إخضاع الشعب السوري لشقيقه رفعت الأسد، ومن بعده الابن ماهر الأسد، ومحمد ناصيف، وغازي كنعان، وآصف شوكت، وحافظ مخلوف، وجميل حسن.. وصولاً إلى رستم غزالي.
وهذا الأخير، الذي لم يترك مفسدة إلا وارتكبها، قتلاً وتعذيباً وابتزازاً مالياً وهتك أعراض وبذاءة وانحلالاً أخلاقياً، موصوفاً ومشهوداً، سيهديه حسن نصرالله «بندقية المقاومة» ويقدم له اليوم مئات الشبان أضحية وقرباناً على مذبح بقائه هو وربيبه بشار الأسد جلادين للشعب السوري.
اليوم، بعد علي الكيماوي، ومن نسل زواج ضباط «الحرس الجمهوري» و»قاعدة» أبي مصعب الزرقاوي، يأتي أبو بكر البغدادي، ومن نسل زواج «الأسدية» و»الخمينية»، أتى عماد مغنية وغازي كنعان، وتلاهما مصطفى بدر الدين ورستم غزالي تحت قيادة «الحرس الثوري» وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني..
هؤلاء الضباط، وأشباه الضباط، هم اليوم «نخبة» المشرق العربي وأسياد مصيره، الذين فجروا ملايين الأطنان من الـ»تي. أن. تي»: سيارات وشاحنات مفخخة، براميل متفجرة، صواريخ وقذائف. الذين أطلقوا ملايين الرصاصات اغتيالاً واعداماً، وقتلاً عشوائياً للمتظاهرين وللعابرين والآمنين في بيوتهم. الذين رشّوا أطناناً من السموم الكيماوية، إبادة للسكان من حلبجة كردستان إلى غوطة دمشق. هؤلاء البرابرة لم يعد ينقصهم سوى تلك القنبلة النووية.
ومن أجل تلك القنبلة، كان يجب إجهاض ثورة الإيرانيين عام 2009، وكان يجب الهيمنة على لبنان، وتدمير العراق، وإفلات وحش «داعش» من زنزانات الأسد والمالكي وخامنئي، وتخريب اليمن، وإبادة الشعب السوري برمته إن اقتضى الأمر.
ربما لهذا السبب، لا أمل لنا وللعالم في التغلب على هذا الشر إلا بانتصار الثورة السورية.. وهو أمل ضعيف على الأرجح.
المستقبل
إيران في سورية: من حليف إلى داعم… فحاكِم/ عدنان علي
مع دخول الأزمة السورية عامها الخامس، يبدو الحضور الإيراني فيها أوضح أكثر من أي وقت مضى. عسكرياً وسياسياً، صارت طهران كأنها الحاكم الفعلي. يومياً، تزج طهران بالمزيد من الرجال والعتاد والأموال والجهد السياسي في الحرب السورية، سواء بالأصالة عبر الحرس الثوري والمستشارين العسكريين، أم بالوكالة عبر حزب الله والمليشيات التي تم تجنيدها من بلدان عديدة، بخاصة العراق.
اكتفت طهران في البداية، بإرسال مستشارين عسكريين إلى دمشق والمناطق الساخنة الأخرى، لكنها عمدت بعد ذلك إلى تدريب آلاف العناصر التابعين للنظام في أراضيها، بعدما تبين افتقادهم للخبرة في قمع الثورات الشعبية، لكنها في الواقع كانت تخطط لأن تكون تلك العناصر، والتي سميت لاحقاً (الدفاع الوطني)، جزءاً من منظومة عسكرية وأمنية أشمل تعمل على إقامتها لمساعدتها في فرض سيطرتها على البلاد، في حال انهيار نظام بشار الأسد بشكل كلي. منظومة تضم أيضا مقاتلي حزب الله والمليشيات الشيعية الأخرى، والعناصر العسكرية الإيرانية نفسها، تحت المظلة المالية والسياسية الإيرانية.
منذ العام الثاني للثورة السورية، زاد حجم الانخراط الإيراني في مجرياتها، وهو ما حال دون سقوط النظام، في منتصف ذلك العام مع الاندفاعة العسكرية الرئيسية لقوات المعارضة في دمشق وحلب، فأوعزت إيران لحزب الله بالتدخل الواسع في أكثر من منطقة، وكان الأبرز مشاركته العلنية لأول مرة في معارك القصير بريف حمص.
إضافة إلى حزب الله، سعت طهران إلى تجنيد آلاف المقاتلين العراقيين والأفغان وغيرهم على أساس طائفي. لكن انسحاب كثير من المقاتلين العراقيين من سورية بعد اشتعال الأوضاع في العراق، إضافة إلى ضعف تأهيل المقاتلين الآخرين، والنجاحات التي حققتها قوات المعارضة السورية في أكثر من جبهة، دفع طهران إلى الانخراط بصورة أكبر في الحرب السورية، من خلال الحرس الثوري الإيراني مباشرة، ممثلاً خصوصاً بفيلق القدس وقائده قاسم سليماني، الذي بات يشكل رمزاً للتدخل الإيراني في كل من سورية والعراق. وتخوض طهران اليوم بشكل مباشر تقريباً، معركتين كبيرتين في حلب شمالي البلاد وفي درعا جنوبها، وهي تحاول الإفادة من الحرب على تنظيم “داعش” عبر تسهيل مهمة التحالف الدولي ضده، ودعم القوات العراقية ومفاوضاتها النووية مع واشنطن والدول الكبرى، لتقديم نفسها في سورية كضامن لأمن الأردن والخليج وإسرائيل، في وجه تمدد “داعش” والقوى المتطرفة، مقابل غض النظر من جانب الولايات المتحدة ودول المنطقة عن زيادة حضورها في الساحة السورية، سواء مع تواصل “الوجود الشكلي” لنظام الأسد، أم في حال الانهيار التام لهذا النظام.
تدرك إيران أن ضعف الوجود الديمغرافي الشيعي في سورية (نحو 1.5 في المئة من السكان، بينما لا يعتبر العلويون شيعة بالمعنى الديني) يتركها قوة غريبة وافدة إلى مجتمع سني في مجمله، لا يحمل مشاعر ودية تجاهها، بخاصة مع تصاعد الاستقطاب الطائفي في المنطقة.
لذلك، فإن إيران تسعى إلى تعويض ذلك بعدة طرق: بناء قوات “الدفاع الوطني”، ويقدر عددها حاليا بنحو مائة ألف مقاتل، وهي خليط من العلويين وشباب مهمشين من السنة، وإعطاء دور رئيسي لحزب الله في القتال والقيادة والتدريب والتخطيط الميداني في سورية، واستقدام مقاتلين شيعة من عدة بلدان، وتشجيع حركة التشييع في العديد من المناطق السورية، عبر الإفادة من أجواء الخوف والملاحقة التي تطال غير الشيعة في مناطق سيطرة النظام، وعبر الإغراء المادي، وظروف الجوع والحصار.
كما تستثمر إيران الرغبة الجامحة لدى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، بالتوصل إلى اتفاق حول برنامجها النووي، لزيادة نفوذها الإقليمي، بحيث تغض واشنطن النظر عن الدور الإيراني المتضخم في العراق وسورية، على أمل أن تتوج المفاوضات النووية بالتوقيع على اتفاق “تاريخي”، يعتبر الانجاز السياسي الأكبر له خلال فترتي رئاسته.
وهذا ما دفع رئيس الائتلاف السوري خالد خوجة، إلى الاستغراب خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، من إصرار إدارة اوباما على الربط بين القضية السورية والملف النووي الإيراني، خلافاً لكل من “فرنسا وألمانيا وتركيا التي لديها علاقات مع إيران، وهي داعمة للثورة السورية، وكلها تفصل بين الملف النووي الإيراني وما يحصل في سورية”.
لعل أكثر من يشعر بالقلق إزاء هذه الخطط الإيرانية هو النظام السوري نفسه، إذ يدرك أن طهران، وإن كانت تساعده ظاهراً على مواجهة أعدائه عسكرياً ومالياً وسياسياً، لكنها لن تتمسك به حالما تنتهي من بناء “نظام بديل”، تعمل عليه منذ وقت في الظل، يكون تحت سيطرتها المباشرة، ولن تتأخر في التخلي عنه، حالما تحصل على مباركة دولية وإقليمية للنظام الجديد الذي تسعى إلى تقديمه كبديل مقبول بالنسبة للخارج، بحيث يصبح الخيار: إما داعش أو نظام ممسوك من جانب دولة مقتدرة وحاضرة ميدانياً مثل إيران، ولا مانع أن تكون واجهته من بقايا النظام الحالي، بوجود أو عدم وجود بشار الأسد. معادلة قد تكون بالنسبة لجزء من الخارج، أفضل من المطروح حالياً، أي إما داعش أو نظام الأسد.
إضافة إلى النظام السوري، ثمة قلق ليس خفياً من جانب روسيا التي ترى في إيران “شريكا” يحاول أن يجني وحده، نتائج الدعم المشترك للنظام السوري. وبينما دعمت روسيا النظام عسكرياً وغطته سياسياً وساندته مالياً، فإن طهران عملت إضافة إلى ذلك، على التمدد الميداني عبر المليشيات الموالية، وعبر عسكرها الموجود على الأرض، ما جعل لها أفضلية على روسيا، وتاليا قدرة أكبر على التحكم بمجريات الأمور. وفي وقت يتلاشى نفوذ روسيا الذي كان يتمركز في مؤسسة الجيش، بسبب الدمار الذي لحق بهذه المؤسسة، ومع تدهور علاقات موسكو بالغرب بسبب الأزمة الأوكرانية، فان إيران حسنت مواقعها في سورية، وبنت “جيشا رديفا” من (الدفاع الوطني) والمليشيات تتحكم به وحدها، وتسعى لأن تكون له كلمة الفصل في تقرير مستقبل البلاد.
كما تعمل إيران على خلق فئة جديدة من “المستفيدين” من وجودها في سورية، عبر التوسع في شراء العقارات وبناء المزارات الدينية في العديد من المدن السورية، ودعم طبقة جديدة من رجال الأعمال الذين اثروا من الأزمة الحالية، سواء عبر العمولات التي يتقاضونها من التحايل على العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على النظام، أم من خلال احتكار المواد الأساسية ورفع الأسعار، والمتاجرة بحاجات مئات الآلاف ممن يعيشون في المناطق التي تحاصرها قوات النظام.
هذا الحضور الإيراني العلني والمكثف، دفع الائتلاف الوطني السوري، إلى إعداد مذكرة ستقدم للقمة العربية التي تعقد نهاية الشهر الحالي في مصر، لمطالبتها بالمساعدة في إخلاء سورية مما سمّته “الاحتلال الإيراني”، بعدما تحولت العلاقة بين نظام الأسد وطهران من تحالف إلى احتلال إيراني مباشر لأجزاء واسعة من البلاد. وبدأ معارضون سوريون باستخدام مصطلح “الاحتلال الإيراني”، لوصف الوجود الإيراني في سورية، كما أطلق ناشطون حملة باسم “عاصمة الأمويين لن تكون فارسية”.
العربي الجديد
عن «الإمبراطورية» وأسبابها وتداعياتها!/ محمد مشموشي
ليس غريباً، ولا هو مستغرب طبعاً، أن تسعى دولة ما الى امتلاك أسباب القوة، حتى المفرطة منها، إن في بلدها وعلى أراضيها أو على المستويين الإقليمي والدولي. لكن الغريب، وتالياً المستغرب، أن تبالغ هذه الدولة في الكلام عن قوتها، وأن يتوزّع المسؤولون فيها مهمات الدعاية الإعلانية لهذه القوة في الداخل والخارج، بما لا يختلف عما يُسمى مرض «جنون العظمة»، كما هي حال إيران وقادتها الدينيين والسياسيين والعسكريين في هذه الفترة.
ذروة ما قيل في هذا المجال، جاءت على لسان مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي، الذي قال في منتدى عن «الهوية الإيرانية» (وإن كان قد استدرك لاحقاً بادعاء أنه أسيء تفسير كلامه؟)، إن «إيران عادت اليوم إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد… التي هي اليوم مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا كما كانت في الماضي». وأكثر من ذلك، فهو لم يكن يشير فقط الى الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام، كما يفهم من كلامه، إنما أيضاً الى أن منطقة الشرق الأوسط كلّها «إيرانية» كما قال حرفياً.
قبله وعلى فترات ليست متباعدة، تحدّث النائب عن طهران علي رضا زاكاني، في جلسة لمجلس النواب، قائلا: «إن أربع عواصم عربية، هي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء، أصبحت بيد إيران وتابعة للثورة الإسلامية فيها».
وفي السياق ذاته، قال مستشار قائد «الحرس الثوري» اللواء حسين همداني: «إن القادة العسكريين الإيرانيين حرّروا 85 في المائة من الأراضي السورية التي كانت قد وقعت في أيدي المعارضة». ومتى؟! بعد أن كان الرئيس السوري بشار الأسد قد تقبّل الهزيمة، كما قال. ليس ذلك فقط، بل إن الحرس الثوري بدأ بتأسيس مجموعات دينية فيها لـ «تجنيد المراهقين» للقتال ضمن ميليشيات تابعة للحرس… وأن «الباسيج»، بعد نجاحاته في لبنان وسورية، أصبح الآن في العراق أيضاً.
وفي الوقت الذي كان فيه أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، يعلن «أن إيران منعت سقوط دمشق وبغداد وأربيل بيد «داعش»، وهي الآن على شواطئ البحر المتوسط نتيجة حضورها في بيروت وصنعاء»، كان رئيس مركز «عمار» الاستراتيجي في طهران هادي حبيب، يذهب أبعد من ذلك فيقول «إن سورية في ظلّ حكم الأسد هي المحافظة الإيرانية الـ35… وعلى إيران أن تدعم المقاتلين فيها وفي العراق ولبنان واليمن حتى لو كان ذلك على حساب قوت الشعب الإيراني».
هذه العيّنة من المواقف الإيرانية، بغض النظر عن مدى صحتها، تطرح عدداً من الأسئلة التي لا يجوز تجاهلها أو التقليل من دلالاتها السياسية.
في مقدّم هذه الأسئلة، على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي:
هل سبق لمسؤول واحد، في دولة مسؤولة واحدة، في العصرالحديث كلّه فضلاً عن القرن الـ21، أن قال كلاماً من هذا النوع عن قوة بلاده، لا سيما خارج حدودها المعترف بها دولياً؟.
أكثر من ذلك، لا حاجة الى القول إن عصر الإمبراطوريات العابرة للحدود انتهى من زمن، وإن آخرها «بريطانيا العظمى» اكتفت من تاريخها الغابر بما تسميه مجموعة «دول الكومنولث». إلا أن المعروف أكثر، أن دولة إمبراطورية فعلاً مثل الولايات المتحدة الأميركية، تعتبر كلمة إمبراطورية Empire أو سياسات إمبراطورية أو إمبريالية Imperial policies، تهمة غالباً ما تنفيها إدارتها أو تحاول التبرؤ منها.
هل فكّر أي من المسؤولين الإيرانيين هؤلاء، في كرامات وحساسيات من يسمونهم «الحلفاء» (الأسد في سورية، ورئيس الوزراء حيدر العبادي في العراق)، فضلاً عن الشعبين السوري والعراقي أو حتى الشعبين اللبناني واليمني في ما يعنيهما، عندما وصف أحدهم سورية بأنها المحافظة الإيرانية الـ35، وقال الثاني إن بغداد هي عاصمة إمبراطوريته؟.
وأية «إمبراطورية» إيرانية هي هذه التي لا تجد حرجاً في أن تضع برنامجها النووي، بغض النظر عما إذا كان عسكرياً أو لا، في سوق المساومة على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، حتى ليقال إن ما يؤخر توقيع اتفاقها مع الدول الست الكبرى، هو الخلاف حول طريقة رفع هذه العقوبات، وما إذا كان سيتم دفعة واحدة أو تدريجياً على مراحل؟.
ثم هل تقوم الإمبراطورية فعلياً بأن تعلن نفسها كذلك، على طريقة عيدي أمين في أوغندا أو معمر القذافي («ملك الملوك») في أفريقيا، أم أن قيامها يحتاج الى اعتراف العالم، أو حتى بعضه، فضلاً عن الدول المعنية به؟.
الواقع ألا إجابات ممكنة عن هذه الأسئلة إلا من زاويتين اثنتين أو من إحداهما: إما هو «جنون العظمة» أو «عمى ألوان» لدى قادة إيران، ما يدفعهم الى هذا النوع من الكلام، أو هو الخشية من الغد بعد أن توسّعت مساحات تورّط هذه الدولة كثيراً خارج حدودها… الخشية من ردود الفعل الخارجية كما من ردود الفعل الداخلية سواء بسواء.
والأرجح، أن يكون الاثنان معاً هما السبب: الجنون بنتيجة ما تحقّق، أو بدا للقادة الإيرانيين كذلك، والخوف من الغد واحتمالات الفشل فيه. الأول، لأن ما تحقق غير طبيعي وغير منطقي، والثاني، لأن تداعياته في المنطقة وعلى الشعب الإيراني تبدو غير مطمئنة وربما حتى كارثية.
وهم بهذا يحاولون توجيه رسائل في أكثر من اتجاه: الى العالم، وبخاصة العالم العربي، الذي لا يريد حروباً ولا فتناً طائفية ومذهبية ولا تسابقاً نووياً في المنطقة، والى الشعب الإيراني الذي بات في وضع لا يحسد عليه…لا اقتصادياً / اجتماعياً / مالياً، ولا على صعيد حقوق الإنسان وحرياته، ولا حتى سياسياً بعد حوالى أربعين عاماً من حكم رجال الدين تحت راية ولاية الفقيه. لكن هل يكفي لتفسير الموقف من جميع جوانبه؟.
غالب الظنّ أن هذا الذي يقال في العلن، وعلى ألسنة المتشدّدين والمعتدلين في النظام الإيراني معاً، يدعو الى مزيد من الحذر، خصوصاً إذا ما انهارت المفاوضات حول الملف النووي، أو إذا ما سارت الأمور في اتجاه مختلف، إن في سورية والعراق حالياً، أو في أي بلد آخر تسللت إليه الإيديولوجيا الشيعية الإيرانية أو عناصر الحرس الثوري الإيراني.
الحياة
من يخلف خامنئي؟: المرشحون والقوى الداعمة/ د. فاطمة الصمادي
ملخص
تناقش هذه الورقة ترتيبات فترة مابعد مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، وتستعرض عددًا من السيناريوهات، وتقدِّم قائمة بأبرز المرشحين، وما هي نقاط ضعف وقوة كل منهم.
وترى الورقة أنه لا يوجد سيناريو واحد محدد ومتفق عليه بشأن الخليفة المحتمل، وكذلك الحال بالنسبة لطريقة انتقال السلطة إليه، وأن ذلك كله يتحدد بموقف القوى السياسية والمؤسسات ذات التأثير على هذا الصعيد، وفي مقدمتها مجلس الخبراء، والمرجعيات الدينية في قم، كما لا يمكن إغفال دور الحرس الثوري الذي بات متنفذًا في العديد من مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.
وتخلص الورقة إلى أن السيناريوهات تتراوح بين انتقال سلس للسلطة، وآخر يضع بقاء موقع المرشد وصلاحياته كما هي عليه الآن موضع الشك، وهناك من يقول بخلافات واسعة لن يتمكن الفرقاء من تجسيرها؛ مما يدفع الجهة الأقوى في إيران اليوم -وهي الحرس الثوري- إلى إحكام السيطرة على الأمور. ومن الملاحظ أن المرجعيات في قم تتعدد توجهاتها ومواقفها تجاه هذه القضية، وإن كان دورها قد تراجع في الحياة السياسية مقارنة بالعقد الأول من الثورة، وفي الموازاة تعاظم تأثير الحرس. إن سيطرة التيار الأصولي على تركيبة مجلس الخبراء المكلف دستوريًّا بتعيين المرشد تعطي مؤشرًا على طبيعة الخليفة القادم، لكن -وفي الوقت ذاته- لا يمكن إنكار تأثير شخصيات وقوى سياسية من خارج هذا الطيف في مستقبل تعيين المرشد والتوافق عليه.
يوجد معطيات كثيرة اليوم، تجعل من السؤال حول خليفة مرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي وجيهًا وملحًّا، فخلال الأشهر الأخيرة تواردت أنباء عن صعوبة أوضاعه الصحية، ولم تُخفِ الجمهورية الإسلامية أنباء خضوعه لعملية جراحية، ولم يعد المرشد الذي كان يواظب على رياضة صعود الجبل يشاهد في الجبال كالسابق. وترافق ذلك كله مع شائعات بوفاته تناقلتها وسائل إعلام إسرائيلية على وجه الخصوص؛ مما دفع بوكالات الأنباء الإيرانية إلى بث تسجيل يظهره يلقي كلمة في اجتماع حول البيئة(1).
سبق وطُرح السؤال حول خليفة خامنئي داخل إيران وخارجها قبل عدة سنوات، إلا أنه لم يأخذ من الاهتمام ما يأخذه اليوم، خاصة مع التطورات الأخيرة التي تشهدها الجمهورية الإسلامية، في ملفاتها الداخلية والخارجية.
تبحث هذه الورقة في السيناريوهات المحتملة لما بعد خامنئي، وأيّ هذه السيناريوهات هو الأكثر ترجيحًا، وتقدِّم أبرز المرشحين، وما هي نقاط ضعف وقوة كل منهم.
المرشد في الدستور ومفاصل الحكم
أخذت “ولاية الفقيه” مكانًا بارزًا في الدستور الإيراني(2)، حيث نصت المادة الثانية منه على الإيمان بالإمامة(3)، وأكدت المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني على أن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير.
ونصت المادة الخامسة منه، على أن منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والقائد لإيران، المنوط بـ “في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير، وذلك وفقًا للفصل الثامن من الدستور والمادة (107)، وهو الفصل الذي فصّل في موضوع القائد(4).
وفق المادة (107) من الدستور، توكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قِبل الشعب. وهؤلاء الخبراء يدرسون ويتشاورون بشأن كل الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الخامسة بعد المائة والتاسعة بعد المائة، ومتى ما شخّصوا فردًا منهم باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو حيازته تأييد الرأي العام، أو تمتعه بشكل بارز بإحدى الصفات المذكورة في المادة التاسعة بعد المائة انتخبوه للقيادة، وإلّا فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدًا، ويتمتع القائد المنتخَب بولاية الأمر ويتحمل كل المسؤوليات الناشئة عن ذلك. وينص الدستور على مساواته مع كل أفراد البلاد أمام القانون(5).
شروط المرشد
وحددت الشروط اللازم توفرها في القائد وصفاته، وهي:
الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه.
العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية.
الرؤية السياسية الصحيحة، والكفاءة الاجتماعية والإدارية، والتدبير والشجاعة، والقدرة الكافية للقيادة.
وعند تعدُّد من تتوفر فيهم الشروط المذكورة، يُفضّل من كان منهم حائزًا على رؤية فقهية وسياسية أقوى من غيره.
عجز المرشد وعزله
عند عجز القائد عن أداء وظائفه القانونية أو فَقْده أحد الشروط المذكورة في المادة الخامسة بعد المائة والمادة التاسعة بعد المائة، أو عُلم فقدانه لبعضها منذ البدء، فإنه يُعزل عن منصبه، وفق ما تنص عليه المادة (111) من الدستور. ويعود تشخيص هذا الأمر إلى مجلس الخبراء المذكور في المادة الثامنة بعد المائة.
صلاحيات المرشد
وقد حددت المادة (110) من الدستور الإيراني صلاحيات المرشد(6). وتشير هذه النصوص صراحة إلى أن منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، هو المنصب الأول والأعلى والأكثر تأثيرًا ونفوذًا في الجمهورية الإسلامية، وتمتد صلاحياته، التي يضمنها الدستور، لكل السلطات، ولكل مفاصل الدولة. فالوليّ الفقيه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسؤول عن إعلان الحرب والسلام، وهو من يعيِّن ويعزل رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، وقائد الحرس الثوري، وقادة الأمن وأصحاب المناصب العليا في المؤسسات الأمنية(7).
وتمتد صلاحياته لتشمل تعيين وعزل رئيس مجلس صيانة الدستور، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية. ولا يقف الرئيس الإيراني المنتخَب من قِبل الشعب بعيدًا عن سلطة المرشد، حيث يصادق المرشد على انتخابه، ويملك صلاحية عزله والحد من سلطته، وكانت تجربة محمود أحمدي نجاد خير دليل على ذلك.
وتتولى “مؤسسة القائد” التحضير والمتابعة لأنشطة الولي الفقيه، من لقاءات وخطب ومحاضرات وبيانات. وله آلاف الممثلين ينتشرون في جميع مؤسسات الدولة الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية والأمنية، مع حضور قوي في الجامعات، فضلًا عن ممثلين له في عدد من الدول.
ويقدِّم مجمع “تشخيص مصلحة النظام” المشورة له في كثير من القضايا.
مجلس الخبراء: مرآة الخلافات
يعكس تاريخ هذا المجلس أنه كان محل تجاذب سياسي، فقد اجتمع مجلس الخبراء لأول مرة سنة 1983 واختار فقهاء المجلس حسين علي منتظري كخليفة للإمام الخميني، ثم ما لبث أن عزله الخميني عقب خلافات عميقة بينهما(8). ولمنع تكرار ذلك، لم يعيِّن مجلس الخبراء خليفة آخر. وبعد وفاة الخميني اجتمع المجلس في يونيو/حزيران 1989 وعيَّن علي الخامنئي كولي فقيه. وكان إبعاد هاشمي رفسنجاني عن رئاسة المجلس في عام 2009 واحدًا من أبرز تجليات الخلاف السياسي بينه وبين المرشد، على خلفية إعادة انتخاب أحمدي نجاد.
يتكوَّن مجلس الخبراء عادة من الفقهاء، ويطغى على تركيبة المجلس الحالية الخط الأصولي، وتوالى على رئاسته رجال مقربون من آية الله خامنئي. في العام 1990 تصدى لرئاسته آية الله علي مشكيني إمام وخطيب جمعة قم. وبعد وفاته 2007 خلفه الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني حتى 2011، حيث انتخب آية الله محمد رضا مهدوي كني، عقب خلافات عميقة بين المرشد ورفسنجاني. ومؤخرًا جرى انتخاب آية الله محمد يزدي رئيسًا لمجلس الخبراء، وفاز يزدي بالمنصب بأصوات 47 من أعضاء المجلس الـ 73 الذين حضروا الاقتراع على منافسه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي حاز 24 صوتًا، بعد أن انسحب آية الله محمود شاهرودي من المنافسة، في الانتخابات الداخلية لرئاسة المجلس التي تأتي بعد وفاة رئيسه محمد رضا مهدوي كني في أكتوبر/تشرين الأول 2014 (9).
ويتألف هذا المجلس حاليًا من 86 عضوًا، جميعهم من الرجال. ويتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثماني سنوات، بحيث تُمثّل كل محافظة بعضو واحد داخل هذا المجلس إذا كان عدد سكانها نصف مليون نسمة، وكلما زادت الكثافة عن ذلك، زاد معها تمثيلها بعدد الأعضاء. وفي الوقت الحالي يجتمع مجلس الخبراء بشكل دوري كل ستة أشهر. ومن المقرر أن تجري انتخابات هيئة المجلس العام القادم 2016 بالتزامن مع انتخابات مجلس الشورى.
خليفة المرشد: القوى المؤثرة
تبدو إيران اليوم أكثر استقرارًا مما كان عليه الحال عند وفاة الإمام الخميني، ومع ذلك لا يمكن الجزم بوجود سيناريو محدد ومتفق عليه بشأن الخليفة المحتمل، وكذلك الحال بالنسبة لطريقة انتقال السلطة إليه، وكيف سيكون عليه موقف القوى السياسية والمؤسسات ذات التأثير على هذا الصعيد، وفي مقدمتها مجلس الخبراء، والمرجعيات الدينية في قم، كما لا يمكن إغفال دور الحرس الثوري الذي بات مسيطرًا ومتنفذًا في العديد من مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.
تتفاوت التوقعات بين سيناريو يقول بانتقال سلس للسلطة، إلى آخر يضع بقاء موقع المرشد وصلاحياته كما هي عليه الآن موضع الشك، بل ويرى أن كل مستقبل ولاية الفقيه سيدخل انعطافة جديدة، خاصة وأن المرجعيات في قم تتعدد توجهاتها ومواقفها، كما تراجع دورها في الحياة السياسية مقارنة بالعقد الأول من الثورة، وكان لخامنئي نفسه دور في تحجيم السلطة السياسية لرجال الدين، وفي الموازاة كان دور الحرس الثوري يتعاظم بفعل الحلقة التي أحاطت بالمرشد، حيث عمل أعضاؤها كمستشارين له في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، وهذه الحلقة هي ما بات يُطلق عليه في إيران اليوم بـ “بيت رهبري”، أي: بيت القائد.
ومع رحيل آية الله منتظري في ديسمبر/كانون الأول 2009، وشبه القطيعة التي حدثت بين مرشد الثورة آية الله رفسنجاني، وتقليص نفوذه في الحياة السياسية، وهو ما حدث عقب انتخابات 2009، باتت الساحة السياسية الإيرانية خالية من أبرز شخصيات الجيل الأول للثورة.
سيناريوهات ما بعد خامنئي
السيناريو الأول: انتقال سلس، وتعيين مرجع ديني معروف بوصفه مرشدًا أعلى، وذلك يعني استمرار “ولاية الفقيه” كنظرية حاكمة، إضافة إلى استمرار بناء السلطة وتقسيمها بين المؤسسات السياسية على شكله القديم. وقد يسهم آية الله خامنئي نفسه في اختيار خليفته. ويدعم هذا التوجه بصورة كبيرة التيار الأصولي اليوم الذي يعدّ وليدًا لتيار اليمين الإيراني، ويضم في عضويته أحزابًا ومنظمات كان لها دور كبير في المفاصل والمنعطفات السياسية الإيرانية، مثل مجتمع مُدرِّسي حوزة قم العلمية ومجتمع رجال الدين المقاتلين وحزب المؤتلفة الإسلامي وجمعية “مؤثرو الثورة الإسلامية”، يلتزم هذا التيار بولاية الفقيه المطلقة، ويؤمن بدور أكبر للدين في السياسة، ويدافع عن نظام الجمهورية الإسلامية، ويُطلق عليه مسمى “حكم الشعب الديني”. يخالف بشدة القول بأولوية الجمهورية على الإسلامية، ويدافع عن دور كبير لرجال الدين في إدارة شؤون الدولة(10).
يعتقد هذا التيار أن ولاية الفقيه ليست قضية انتخابية يكون للناس دور وتأثير فيها، وإنما هي قضية تشخيصية(11). ويرى التيار أن الولي الفقيه يُكتشف اكتشافًا، بمعنى أنه موجود في المجتمع وتكون وظيفة اكتشافه منوطة بالخبراء. وينظر هذا التيار بنوع من القداسة للولي الفقيه، ويؤمن أن قائد الثورة “ظاهر بالمدد الإلهي”(12)، كما أن جميع المؤسسات تستمد شرعيتها من الولي الفقيه.
وتبدو هذه المسألة أكثر قطعية لدى عدد من مدرسي الحوزة: الولاية -وتحت أية ظروف- لا تستمد مشروعيتها من الناس، وموافقة الناس أو مخالفتهم ليس لها أي تأثير في ولاية الفقيه(13). ويحذر مجتمع رجال الدين المقاتلين من مغبة الوقوف في وجه القائد والولي الفقيه: في النظام الإسلامي وفي زمن الغيبة، يكون للولي القول الفصل. وإذا كان هناك “من يعطي لنفسه حق الوقوف في مواجهة القائد، فهو أولًا يضع علامات استفهام على التزامه بولاية الفقيه المطلقة، وثانيًا يقود إلى غياب الإنجاز وشيوع الهرج والمرج في المجتمع”(14). كما أن “المشروعية والقبول لدى الناس ليسا كافيين وحدهما، وإنما يصبحان كاملين بإعمال أصل الولاية”(15).
ويعطي التيار المؤيد لهذا السيناريو لرجال الدين الحق في الإمساك بزمام أمور المجتمع، ورجال الدين -كما يصفهم ناطق نوري العضو البارز في مجتمع رجال الدين المقاتلين- “هم ورثة الأنبياء والأئمة المعصومين الذين يحملون مسؤولية تبليغ دين الله إلى الناس؛ ولذلك فإننا دخلنا مجال الانتخابات”(16). أما المشاركة السياسية فهي حق للناس وتكليف لهم في الوقت ذاته، فالناس مكلفون شرعًا بالمشاركة في الانتخابات، ومن واجبهم شرعًا أن يُقدِموا على ذلك دون أدنى تردد(17). لكن هذه المشاركة مشروطة باحترام النظام بشكل لا يتم فيه التشكيك بالأصول الأساسية(18).
السيناريو الثاني: وصول “ولاية الفقيه” إلى خاتمتها، وإلغاء منصب “المرشد الأعلى”، وهذا السيناريو يعني خللًا كبيرًا سيصيب بناء السلطة في شكله الحالي، خاصة وأن البديل عن ذلك سيكون “لجنة” مكوَّنة من عدد من رجال الدين المعروفين والمشهود لهم قد يصل عددهم إلى خمسة أشخاص. ويعزز من هذا الطرح أن فئات كثيرة داخل إيران اليوم تحمل موقفًا ناقدًا من ولاية الفقيه، وبعض هذه الفئات ترى أنه منحصر بشخصية الإمام الخميني، وأنه منصب انتهى معه(19). ومع أن هذا السيناريو هو عينه ما تم طرحه بعد وفاة الخميني، إلا أن المؤسسات التي كانت تحكم إيران في ذلك الوقت أبدت قدرة كبيرة على الدفع بمرشد جديد، وإجراء تعديلات دستورية لتسهيل قبوله وصعوده، وكان لرفسنجاني الذي بات عرضة للإقصاء اليوم الدور الأبرز في تذليل العقبات التي كانت تعترض خامنئي في طريقه نحو منصب المرشد.
ولا يمكن إنكار ما أصاب ولاية الفقيه في الاحتجاجات التي شهدتها إيران عقب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009، وهي الاحتجاجات التي عبَّرت عن نفسها بالحركة الخضراء، وتصاعدت شعارتها من التشكيك بالنتائج وشعار “أين صوتي؟”، إلى الهتاف ضد المرشد ووصفه بالديكتاتور عبر شعار “الموت للديكتاتور”، وصولًا إلى إحراق صور الخميني، وهتاف ضد مجتبى خامنئي الاسم المطروح كمرشد قادم.
لكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار، أن مؤيدي الولاية والمعتقدين بكفاءتها كنظام حكم هم الممسكون بزمام السلطة في إيران اليوم، ويوجدون -على وجه الخصوص- في مجلس الخبراء، والبرلمان والحرس الثوري، وحتى في التيار الإصلاحي.
السيناريو الثالث: تعديلات دستورية تأخذ عددًا من الصلاحيات الواسعة للمرشد وتضيفها إلى الرئيس المنتخب، لكن هذا السيناريو سيخلق صدامًا مع المدافعين عن ولاية الفقيه، وخاصة بين المراجع الدينية، كما أنه سيضع تساؤلات بخصوص مستقبل مجلس الخبراء ووظيفته، وقد يقود ذلك إلى إلغائه.
ومن المؤيدين لهذا التوجه تيار اليسار الإيراني الذي بات يأخذ اليوم اسم التيار الإصلاحي، ويضم في عضويته أحزابًا ومنظمات أهمها “مجمع رجال الدين المقاتلين”، ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية وحزب المشاركة، ومكتب تحكيم الوحدة وحزب كوادر البناء ومجمع مدرسي ومحققي حوزة قم العلمية وحزب الثقة الوطنية.
وقد شهدت مواقف التيار تحولًا كبيرًا على صعيد الموقف من ولاية الفقيه، فبعد أن كان مدافعًا عنيدًا عن ولاية الفقيه المطلقة القائمة على التعيين زمن الخميني، أصبح ينادي بولاية فقيه تقوم على الانتخابات وبتحديد صلاحيات الولي الفقيه، والبعض داخل التيار ينادي بـ “وكالة الفقيه” بدلًا من ولاية الفقيه، وبعض منظريه لا يؤمن أساسًا بولاية الفقيه، ويقدِّم الجمهورية على الإسلامية.
السيناريو الرابع: إلغاء منصب الرئيس ودمجه مع منصب المرشد، ليتمّ انتخاب شعبي، لكن انتخاب المرشد باقتراع شعبي يتصادم مع نصوص دستورية واضحة حول طريقة اختيار المرشد، كما يتصادم مع موقف رجال الدين القائلين بأنه قائم على التعيين.
سيناريو الفوضى، وهو السيناريو الذي قد ينتج عن الفشل في تعيين مرشد جديد، والسعي لإلغاء منصب المرشد، ومحاولة المعارضة استغلال خلوّ المنصب للبدء بالاحتجاج، وإذا ما حدث ذلك -رغم أنه لا يمكن الحديث اليوم عن معارضة صلبة في إيران تسعى لتحقيق هذه الأهداف- فإن الحرس الثوري سيسارع للإمساك بزمام السلطة في إيران، وهو قادر على ذلك بفعل ما يتمتع به من نفوذ وفاعلية على الأرض، وهذا الخيار لا يفضِّله حتى المعارضون لولاية الفقيه.
ولذلك فإن سيناريو التوافق على مرشد جديد، يبدو هو الأرجح، خاصة وأن بذرة الاحتجاج والمعارضة لولاية الفقيه قد تم وأدها في عام 2009، ولا تبدو انتفاضات التغيير العربية وما وصلت إليه مشجِّعة للإيرانيين. وتقتضي طبيعة المصالح بين المتنافسين تجسير الخلافات والوصول للتوافق.
أسماء مرشحة للخلافة
على هذا الصعيد تبرز مجموعة من الأسماء:
آية الله مصباح يزدي: ينظر إلى مصباح يزدي (المولود في مدينة يزد الصحراوية عام 1935) بوصفه شخصية أصولية بارزة، وقد كان مواظبًا على دروس الخميني، كما تلقى الدرس على يد العلامة طباطبائي(20). وعقب إبعاد الخميني قام بإصدار مطبوعات مناهضة للشاه، ولاحقًا قام برفقة آية الله جنتي، وبهشتي بإدارة مدرسة المنتظرية للعلوم الدينية بقم المقدسة، وألقى فيها دروسًا في علم الفلسفة، وعلم الأخلاق، وعلوم القرآن لمدة 10 سنوات. ورغم تأييده الكبير لأحمدي نجاد في فترته الرئاسية الأولى والنظر إليه بأنه كان الأب الروحي له، إلا أن هذا التأييد لاقى الكثير من النقد، وتراجع هذا الدعم بصورة ملحوظة مع الفترة الرئاسية الثانية، خاصة عقب خلاف أحمدي نجاد مع المرشد. يرأس مصباح يزدي مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي في قم بتعيين من المرشد، وانتخب عام 1990 نائبًا عن محافظة خوزستان في مجلس خبراء القيادة، كما انتخب مؤخرًا نائبًا عن أهالي طهران في المجلس المذكور. له مؤلفات وكتب عديدة في الفلسفة الإسلامية والمقارنة والإلهيات والأخلاق والعقيدة الإسلامية. ورغم مكانته الكبيرة إلا أنها مكانة تكاد تكون محصورة في تياره، كما أن الكثير من آرائه وانتقاداته على صعيد الفقه والسياسة تلقى معارضين كُثرًا داخل التيار الأصولي، فضلًا عن أنه لا يحظى بأي تأييد داخل التيار الإصلاحي؛ حيث سبق له أن هاجم الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي في واحدة من خطب الجمعة، واصفًا إياه بالسعي وراء القشور، ولا تسير علاقته برفسنجاني بشكل جيد؛ إذ سبق ليزدي أن هاجمه أيضًا، متهمًا إياه بأنه “انحرف عن أصول الثورة”(21).
ومن نقاط ضعفه البارزة على هذا الصعيد قوة خصومه، ومنهم رجال دين بارزون في قم.
آية الله شاهرودي: يحمل شاهرودي الكثير من المؤهلات التي تعطي لاسمه مكانًا بارزًا في قائمة المرشحين لخلافة خامنئي، فهو من أكثر رجال الدين تأثيرًا في إيران، وتربطه بمرشد الثورة علاقات قوية. ولد شاهرودي ذو الأصول العراقية في النجف عام 1948. ويحمل رجل الدين الذي رأس السلطة القضائية في الفترة (1999 و2009)، رتبة “مرجع تقليد”، وهي رتبة دينية رفيعة في المؤسسة الدينية الشيعية، ليصبح ضمن عدد قليل ممن يحملون صفات تخولهم لمنصب المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية(22). ويشغل شاهرودي اليوم منصب رئيس الهيئة العليا لحل الخلاف وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث في إيران، والتي تشكلت بأمر من خامنئي في العام 2011. وهو عضو في مجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام.
وعلى الصعيد الخارجي وتصدير الثورة، فإن الشاهرودي يعدّ واحدًا من مهندسي حزب الدعوة العراقي، وإن كان البعض يرى أنه لم ينتمِ رسميًّا(23)، وإنما يعد بمثابة الأب الروحي للحزب(24). وكان حلقة الوصل بين الصدر والإمام الخميني، ولعب دورًا كبيرًا في ربط المعارضة العراقية ذات الصبغة الدينية لنظام صدام حسين بإيران، وهو أول من تزعم “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق”، قبل أن يتزعمها السيد محمد باقر الحكيم. ويعتبر إلى اليوم من القيادات الكبرى لحزب الدعوة.
يرتبط شاهرودي بعلاقات وثيقة مع المرشد خامنئي، وفي الوقت ذاته بعلاقات احترام مع آية الله رفسنجاني ومحمد خاتمي، لكنه لاقى نقدًا كبيرًا لطريقة إدارته ملف المعارضين، حيث شهدت فترة رئاسته للسلطة القضائية عشرات الاعتقالات والمحاكمات لمعارضين من التيار الإصلاحي والحركة الخضراء.
ومما لا شك فيه أن مؤهلات شاهرودي العديدة تعطيه مزايا واضحة في قائمة المرشحين، لكنه في الوقت ذاته يواجه عقبات كثيرة تحول دون المنصب، وتعدّ أصوله العراقية ورئاسته للمجلس الأعلى في العراق واحدةً من هذه العقبات التي تثير أسئلة بشأن هويته الإيرانية، فضلًا عن افتقاده للكاريزما الشعبية.
آية الله رفسنجاني: رفيق الخميني، وصديق خامنئي الذي أُقصي بفعل الخلافات السياسية إلى حافة الجمهورية الإسلامية.
طوال تاريخه كان رفسنجاني شخصية خلافية، لكنه صاحب بصمة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، في فترة مقارعة الشاه ورفقة الخميني، وفي الحرب العراقية-الإيرانية وما بعدها، وفي تعيين المرشد الحالي والفترة التي أعقبت وفاة الخميني. بدأ طيف رفسنجاني يتراجع بفعل الضربات المتتالية التي تلقاها الأب الروحي للطيف على يد الإصلاحيين الراديكاليين، وكذلك المعارضين الذين شكَّلوا لاحقًا التيار الأصولي. نادى رفسنجاني في فكره السياسي بدور النُّخبة في صنع القرار، أمّا من حيث القاعدة الاجتماعية ينتمي هذا الطيف للطبقة الوسطى. وشارك أعضاء هذا الطيف بعد الثورة في جميع الحكومات التي شهدتها إيران حتى مجيء حكومة أحمدي نجاد عام 2005، ودافعوا بشدة عن الرأسمالية الصناعية والخصخصة. وقامت استراتيجيته السياسية على “السلام في الداخل ورفض التوتر مع الخارج”(25).
وفكر طيف رفسنجاني في حقيقته خليط من الفكر الليبرالي والبراغماتية، ويتبع نهجًا يزاوج بين الليبرالية والعلمانية. ويدافع من الناحية الاقتصادية عن نموذج الاقتصاد العالمي الحر، ويحمل فكرًا سياسيًّا خارجيًّا يقوم على رؤية معتدلة وواقعية تغلب المصلحة. بدأت الشُّقَّة بين المرشد ورفسنجاني تتسع عقب الرسالة التي وجهها رفسنجاني إلى خامنئي في يونيو/حزيران 2009، وهدّد فيها بالخروج إلى الشوارع في حالة إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد. وكان من الواضح أن تُهم الفساد التي أطلقها أحمدي نجاد وطالت عائلة هاشمي رفسنجاني في المناظرة الشهيرة التي جمعته بمير حسين موسوي في الانتخابات الرئاسية العاشرة(26) تركت تأثيرًا كبيرًا في مكانة رفسنجاني السياسية. وهو ما دفعه إلى تهديد مبطن بفعاليات مضادة يكون ميدانها الشوارع والجامعات(27).
شكلت عناوين “الاقتصاد الحر” و”الانفتاح الاجتماعي” و”الواقعية في السياسة الخارجية” محاور أساسية في فكر رفسنجاني، لكنها كانت العناوين ذاتها التي استند إليها الخصوم في مواجهته؛ حيث اتهموا هذه السياسة الاقتصادية بأنها وجهت ضربة للطبقات الفقيرة المحرومة، وأوصلت التضخم إلى 50% في بعض المراحل، وتنازلت عن شعارات الثورة وآفاق امتدادها، ومهدت الأرضية لنشوء موجة “القومية الفارسية”(28).لم يقف الحرس الثوري بعيدًا عن حالة الصراع الدائرة مع رفسنجاني، فقد تحدث أحمدي نجاد عن علاقات مافيات الفساد بعائلة رفسنجاني(29)، وسعى رفسنجاني وعلى مدى سنوات رئاسته (1989- 1997) إلى وضع العراقيل أمام الأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري، خاصة في مجال الصناعات النفطية؛ حمايةً لعدد من مقربين منه معروفين بنفوذهم في مجال الصناعات النفطية.
ورغم أنه يجري إبعاد رفسنجاني، بصورة منظمة ومنذ سنوات، عن بؤر النفوذ والتأثير، لكن الرجل ما زال إلى اليوم رقمًا صعبًا في الساحة السياسية الإيرانية، ويرتبط ذلك بصورة كبيرة بشكل علاقته مع الحرس الثوري، ودور رفسنجاني على هذا الصعيد مرهون بما يمكن أن يحققه من توازن في العلاقة ذات التاريخ المضطرب مع الحرس الذين تصادموا مع رفسنجاني في أكثر من محطة في عمر الجمهورية الإسلامية، فهم غير راضين عن “فلسفة” رفسنجاني في الاقتصاد والعلاقة مع الغرب. لكن حفظ النظام قد يفرض على فُرقاء الجمهورية الإسلامية أن يتفقوا، وهو ما حدث في أكثر من محطة مفصلية.
وتكمن نقطة قوة رفسنجاني -وهو ليس من السادة- في قدرته على “صناعة المرشد” وليس في أن يكون هو المرشد، ونقاط ضعفه على هذا الصعيد تكمن في موقف الكثير من أعضاء مجلس الخبراء، الذين يرون أنه كان واحدًا من “رؤوس الفتنة” في الإشارة إلى الاحتجاجات التي جرت عام 2009، إضافة إلى فكره على صعيد الاقتصاد والمجتمع.
مجتبى خامنئي: الرجل القوي الذي يجمع بين تأييد الحرس الثوري وقوات التعبئة “بسيج”، وعدد لا يُستهان به من رجال الدين، في مقدمتهم آية الله مصباح يزدي، وكشفت وثيقة لـ “ويكيليكس” مسربة: “أن المرشد الأعلى علي خامنئي يحضِّر ابنه الذي تلقى تعليمًا دينيًّا ليخلفه في منصب المرشد”(30). وقد تعاظم حضور مجتبى ونفوذه خلال السنوات الأخيرة في مختلف المؤسسات القوية في إيران. لعب مجتبى خامنئي دورًا كبيرًا في انتخاب أحمدي نجاد عام 2005، وقد اتهمه مهدي كروبي صراحة بالتدخل في الانتخابات بصورة غير قانونية، وكذلك الحال في الانتخابات الرئاسية العاشرة، وإعادة انتخاب أحمدي نجاد 2009، وأثناء الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات خرجت شعارات تندِّد بدور مجتبى خامنئي(31).
ولا يحظى مجتبى خامنئي بتأييد يذكر داخل الأطياف الإصلاحية، فضلًا عن تيار رفسنجاني. وتضيف بعض التحليلات قائمة لا يستهان بها من رجال الدين، وكذلك قادة مؤثرين في الحرس الثوري يعارضون ذلك.
ورغم التعقيد الذي يحيط بانتخاب خليفة المرشد، إلا أن مجتبى الابن الثاني لخامنئي وصهر حداد عادل رئيس مجلس الشورى السابق، يبقى في مقدمة الأسماء التي تطرح على هذا الصعيد، فهو من السادة، وما زال شابًّا مقارنة بباقي المرشحين (50 عامًا)، ولديه نفوذ مالي وأمني، ويمتد هذا النفوذ إلى خارج إيران، حيث تجمعه علاقات قوية مع قادة كبار في حزب الله، ووُجِّهت له اتهامات بخصوص صفقات تجارية مع الخارج(32). وسعى خلال السنوات الأخيرة لتذليل العقبات التي تعترضه، وانخرط في الدروس الدينية سعيًا للوصول إلى مرتبة مجتهد(33). لكن أبرز نقاط ضعفه غيابه عن الفضاء العام وعدم مشاركته بالنشاطات العامة، ولم يقدِّم إلى اليوم ما من شأنه أن يدعم موقعه في مجال الاجتهاد الديني، ويضاف إلى ذلك ما قد يساق من نقد على صعيد “توريث ولاية الفقيه”.
إن من يدعم تنصيب مجتبى عليه أن يتجاوز ثلاث عقبات، هي: 1- الحوزة العلمية في قم، وأتباع الإمام الخميني المشهورون. 2- آية الله هاشمي رفسنجاني. 3- حسن الخميني(34).
صادق لاريجاني: رئيس القوة القضائية ومن الأسماء المطروحة بقوة، وإضافة إلى سِنِّه المناسبة يمتلك معرفة عالية في العلوم الفقهية والدينية، فضلًا عن العلوم المعاصرة. يحظى بتأييد كبير داخل الطيف الأصولي التقليدي وعلاقات جيدة بباقي الطيف الأصولي، ولديه علاقات قوية أيضًا مع مراجع التقليد. وإذا ما لعب التيار الأصولي الدور الأكبر في انتخاب المرشد فسيكون له نصيب كبير، أمَّا كونه ليس من السادة فهي نقطة ضعف قابلة للتجاوز بإجراءات دستورية.
حسن الخميني: حسن الخميني هو الحفيد الشهير لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، وابن أحمد الخميني، ووالدته فاطمة الطبطبائي ابنة آية الله سلطاني. كما يرتبط حسن الخميني بصلة قرابة مع عائلة الإمام موسى الصدر، وزوجته حفيدة آية الله العظمى الأصفهاني. درس الخميني في الحوزة العلمية بمدينة قم، وفي الوقت الحالي فإنه من المدرسين البارزين في حوزة قم(35). أرسل إشارات واضحة بمعارضته لأحمدي نجاد، وقاطع حفل تنصيبه، وعلَّق المراسم في ضريح جده الخميني، وتعرضت مواقفه للنقد والهجوم من قِبل شباب ينتمون لحزب الله إيران، الذين حاولوا منعه من الحديث في ذكرى وفاة الخميني. ورغم أن حسن الخميني أظهر في أكثر من موقف أنه ليس على نفس الصفحة مع التيار الأصولي وأعضاء مجلس الخبراء إلا أن لديه إرثًا واحترامًا داخل المجتمع الإيراني، ويحظى بقبول كبير من الأوساط الإصلاحية وتيار رفسنجاني.
وإن كان “السيد” مجتبى خامنئي، يُحسب من بين صنَّاع القرار الرئيسيين داخل الحرس الثوري وقوات التعبئة، إلا أنه يواجه عقبة كبيرة هي “السيد” حسن الخميني، ويبدو أن مجتبى أدرك ذلك مبكرًا؛ ولذلك تم ربط الشباب الذين أطلقوا الاحتجاجات ضد حسن الخميني وحاولوا منعه من التدريس في قم، بمجتبى.
وتكمن نقطة ضعفه الرئيسية في طبيعة علاقته بالحرس الثوري.
آية الله أحمد خاتمي: من مواليد سمنان 1961، خطيب جمعة طهران المؤقت، وهو رجل يحظى بقبول كبير في الأوساط الأصولية، وكذلك أوساط قادة الحرس الثوري، وهو عضو في مجلس الخبراء، ومدرسي الحوزة العلمية في قم. عارض بصورة كبيرة المطالبة بإلغاء شعار “الموت لأميركا”، وقاد هجومًا حادًّا ضد قادة الحركة الخضراء ومن شاركوا في احتجاجات 2009. لديه مقاربات متشددة تجاه القضايا الاجتماعية والحجاب الإجباري، وانتقد بشدة دعوة رفسنجاني للرقابة على عمل المرشد(36).
من نقاط ضعفه تشدده الكبير في القضايا الاجتماعية وقوة المنافسين السياسيين.
آية الله سيد أبو الحسن مهدوي: لا يبدو اسمًا متداولًا في التحليلات التي تتحدث عن هذه القضية، لكنه اسم مهم ولا يمكن إغفاله، فهو سيِّد، وخطيب مفوَّه تنتشر أحاديثه مسجلة بين أنصاره، ورجل دين يتمتع بكاريزما داخل أوساط الحرس والـ “بسيج”، وله علاقات قوية مع قادته. يعدّ العضو الأصغر سنًّا في مجلس الخبراء (46 سنة)، رأس لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مدرس بارز في جامعة الإمام الصادق ذات الدور الكبير في إعداد قادة الجمهورية الإسلامية. من تلامذة مصباح يزدي، وصديق حميم لمجتبى خامنئي، ويحظى بمكانة خاصة لدى مرشد الثورة علي خامنئي.
خلاصات
لا يوجد سيناريو محدد ومتفق عليه بشأن الخليفة المحتمل لمرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، وكذلك الحال بالنسبة لطريقة انتقال السلطة إليه، وكيف سيكون عليه موقف القوى السياسية والمؤسسات ذات التأثير على هذا الصعيد، وفي مقدمتها مجلس الخبراء، والمرجعيات الدينية في قم. كما لا يمكن إغفال دور الحرس الثوري الذي بات مسيطرًا ومتنفذًا في العديد من مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.
تتراوح السيناريوهات بين انتقال سلس للسلطة وآخر يضع بقاء موقع المرشد وصلاحياته كما هي عليه الآن موضع الشك، بل ويرى أن كل مستقبل ولاية الفقيه سيدخل انعطافة جديدة، وثالث يقول بخلافات واسعة لن يتمكن الفرقاء من تجسيرها؛ مما يدفع الجهة الأقوى في إيران اليوم -وهي الحرس الثوري- إلى إحكام السيطرة على الأمور.
يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المرجعيات في قم تتعدد توجهاتها ومواقفها تجاه هذه القضية، وإن كان دورها قد تراجع في الحياة السياسية مقارنة بالعقد الأول من الثورة، وفي الموازاة تعاظم تأثير الحرس.
إن سيطرة التيار الأصولي على تركيبة مجلس الخبراء المكلف دستوريًّا بتعيين المرشد تعطي مؤشرًا على طبيعة الخليفة القادم، لكن -وفي الوقت ذاته- لا يمكن إنكار تأثير شخصيات من خارج هذا الطيف في مستقبل تعيين المرشد والتوافق عليه.
تكمن نقطة قوة رفسنجاني في دوره في صناعة المرشد وليس كونه مرشدًا محتملًا، كما أن الاتهامات بالفساد التي طالت عائلته وكذلك خلافه مع المرشد قد دفعا لإقصائه بشكل متعمد عن بؤرة صنع القرار.
يبرز اسم مجتبى خامنئي على هذا الصعيد، وهو يحظى بنقاط قوة كبيرة، لكن العقبة هي المعارضة لما يمكن أن يُطلق عليه “توريث ولاية الفقيه”.
في جميع السيناريوهات المطروحة لا يمكن إغفال دور الحرس الثوري المستقبلي في تعيين المرشد القادم.
______________________________________________
د. فاطمة الصمادي – باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات متخصصة في الشأن الإيراني.
المصادر والهوامش
1- “در بحبوحه شايعات، آيتالله خامنهاي در انظار عمومي ظاهر شد”، (في خضم الشائعات آية الله خامنئي يظهر علنًا)، موقع يوتيوب، 8 من مارس/آذار 2015، تاريخ الدخول 9 من مارس/آذار 2015:
https://www.youtube.com/watch?v=TZS9mDLIaGY
2- الدستور الإيراني، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
3- الدستور الإيراني، المادة الثانية، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
4- الدستور الإيراني، المادة الخامسة، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
5- الدستور الإيراني، المادة 107، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
6- الدستور الإيراني، المادة 110، موقع وزارة الخارجية الإيرانية:
http://www.ar.mfa.ir/index.aspx?fkeyid=&siteid=2&pageid=142
7- كريم سجادبور، في فهم الإمام الخامنئي: رؤية قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، مؤسسة كارنيغي للسلام، 2008 تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://carnegieendowment.org/files/reading.pdf
8- سارتوفيتش، أورس، وفاة آية الله العظمى حسين علي منتظري: الثوري الذي التهمته الثورة: من “صانع” الجمهورية إلى “مرشد” المعارضة، قنطرة، 23 من ديسمبر/كانون الأول 2009، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://ar.qantara.de/content/fy-wf-ay-llh-lzm-hsyn-ly-mntzry-lthwry-ldhy-lthmth-lthwrmn-sn-ljmhwry-l-mrshd-lmrd
9- “آيت الله محمد يزدي با پيشي گرفتن از آيتالله هاشمي رئيس خبرگان شد”، موقع تابناك، 19 اسفند 1393، تاريخ الدخول 11 من مارس/آذار 2015:
http://www.tabnak.ir/fa/news/482529/%D8%A2%DB%8C%D8%AA%E2%80%8C%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%DB%8C%D8%B2%D8%AF%DB%8C-%D8%A8%D8%A7-%D9%BE%DB%8C%D8%B4%DB%8C-%DA%AF%D8%B1%D9%81%D8%AA%D9%86-%D8%A7%D8%B2-%D8%A2%DB%8C%D8%AA%E2%80%8C%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%87%D8%A7%D8%B4%D9%85%DB%8C-%D8%B1%D8%A6%DB%8C%D8%B3-%D8%AE%D8%A8%D8%B1%DA%AF%D8%A7%D9%86- %D8%B4%D8%AF www.tabnak.ir
10- الصمادي، فاطمة، “التيارات السياسية في إيران”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت، ص340.
11- مرتجي، حجت، جناحهاي سياسي در ايران امروز، (الأجنحة السياسية في إيران اليوم)، نقش ونگار، ط1، تهران، 1377، ص8.
12- علي دارابي، جريان شناسي سياسي در ايران، (علم التيارات السياسية في إيران)، سازمان انتشارات پژوهشکاه فرهنگ وانديشه اسلامي، الطبعة السابعة، 1389، ص122.
13- صحيفة كار وكارگر (العمل والعمال)، 21 من مايو/أيار 1375، ص4 نقلًا عن دارابي.
14- ويژه نامه روحانيت مبارز تهران، عدد خاص من نشرية رجال الدين المقاتلين بمناسبة الانتخابات البرلمانية الخامسة 24 من يناير/كانون الثاني 1375، ص32.
15- صحيفة رسالت 27 من يناير/كانون الثاني 1376، ص5 نقلًا عن دارابي.
16 – صحيفة رسالت 27 من ديسمبر/كانون الأول 1374، ص2 نقلًا عن دارابي.
17 – بيان لمجتمع رجال الدين المقاتلين/ طهران، 12 من نوفمبر/تشرين الثاني 1374.
18- شهرية صبح، العدد (67)، اسفند 1375، ص6 نقلًا عن دارابي.
19- الصمادي، فاطمة، “التيارات السياسية في إيران”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت، ص340.
20- السيرة الذاتية، الموقع الرسمي لآية الله مصباح يزدي، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://mesbahyazdi.org/arabic/?biography/index.htm
21- من مقابلة للباحثة مع الباحث والصحفي المتخصص بشؤون الحوزة فريد مدرسي، طهران، يوليو/تموز 2013.
22- آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشاهرودي يطبع رسالته العلمية ويتصدى للمرجعية، موقع الأنصار، 25 من سبتمبر/أيلول 2010، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=4259
23- حوار مفتوح مع سماحة الشيخ طالب السنجري حول مرجعية السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، صفحة حزب الدعوة على الفيس بوك، 26 من أغسطس/آب 2012، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=374376239300617&id=134705613267682
24- “آيت الله شاهرودي پدر معنوي حزب الدعوه مي شود” (آية الله شاهرودي يصبح الأب الروحي لحزب الدعوة)، موقع شيعه آنلاين، 29 آذر 1390، تاريخ الدخول 7 من مارس/آذار 2015:
http://shia-online.ir/article.asp?id=21502
25- قوچاني، محمد، عصر جديد، صحيفة شرق، تهران 1384، ص4.
26- المناظرة الرئاسية بين أحمدي نجاد ومير حسين موسوي في 3 من يونيو/حزيران 2009، 13 خرداد 1388:
http://www.tebyan.net/weblog/drmgangineh/post.aspx?PostID=68474
27- الصمادي، فاطمة، إيران: مرشحون أربعة ولاعبون كثر، الجزيرة نت، 12 من يونيو/حزيران 2009:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/387951AA-96D1-45EA-9280-87A62CED2FE8.htm
28- الصمادي، فاطمة، رفسنجاني ومشائي: تبعات الإقصاء، مركز الجزيرة للدراسات، 23 من مايو/أيار 2013، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://studies.aljazeera.net/reports/2013/05/2013523114856610874.htm
29- في حملته الانتخابية عام 2005 وعد نجاد بتنظيف وزارة النفط من “المافيات العائلية”، وعندما فاز بالرئاسة سارع مهدي هاشمي رفسنجاني الذي لاحقته فيما بعد شبهات الفساد بتقديم استقالته من وزارة النفط. ويجمع المراقبون في إيران على أن نفوذ عائلة رفسنجاني وصل إلى أدنى مستوياته مع وصول نجاد إلى السلطة. انظر: “پسر هاشمي رفسنجاني از وزارت نفت استعفا کرد”، (ابن هاشمي رفسنجاني استقال من وزارة النفط)، بي بي سي الفارسية، 7 من أغسطس/آب 2005:
http://www.bbc.co.uk/persian/business/story/2005/08/050807_ra-oil-hashemi.shtml
30-IRAN: EXPAT SOURCE’S INFORMATION AND VIEWS ON MOJTABA KHAMENEI, AND THIS SOURCE’S PITCH FOR USG FUNDS, Passed to the Telegraph by WikiLeaks 04 Feb 2011:
http://www.telegraph.co.uk/news/wikileaks-files/london-wikileaks/8304719/IRAN-EXPAT-SOURCES-INFORMATION-AND-VIEWS-ON-MOJTABA-KHAMENEI-AND-THIS-SOURCES-PITCH-FOR-USG-FUNDS.html
31- من هذه الشعارات كان شعار هتف به المتظاهرون في شارع ولي عصر: “مجتبي بميري، رهبري رو نبيني” (مجتبى تموت ولا تظفر بالقيادة).
32- حداد عادل: مجتبي خامنهاي کاميون طلا به ترکيه نبرده (حداد عادل: مجتبى خامنئي لم يُخرج شاحنة محمَّلة بالذهب إلى تركيا)، بي بي سي فارسي، 12 من يناير/كانون الثاني 2013، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
http://www.bbc.co.uk/persian/iran/2013/01/130112_l45_haddad_mojtaba_khamenei.shtml
33- “همه نامزدهاي جانشيني خامنهاي” (کل المرشحين لخلافة خامنئي)، خود نويس، 8 فروردين 1393، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015:
https://khodnevis.org/article/56402#.VP7j2uH4bz4
34- مهاجراني، عطا الله، السيد حسن الخميني ومستقبله السياسي الواعد، جريدة الشرق الأوسط، الأربعاء 23 من يونيو/حزيران 2010، العدد (11530):
http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=575204&issueno=11530#.VP7oJ-H4bz4
35- المصدر السابق.
36- أحمد خاتمي: اصلاحطلبان اقليت ولايتستيز خبرگان نخواهند شد، راديو فردا، 24/ 11/ 1393، تاريخ الدخول 10 من مارس/آذار 2015: