المقابر الجماعية في سورية… “داعش” ليس المجرم الوحيد/ محمد أمين
يعيد إعلان النظام السوري، أول من أمس، العثور على مقابر جماعية لقتلى سوريين يقول إن تنظيم “داعش” أعدمهم، في ريف الرقة الغربي، فتح ملف المقابر الجماعية في مرحلة ما بعد الثورة السورية، والتي بدأت تظهر منذ العام 2012، وتورط فيها النظام السوري. وعلى الرغم من غياب أي تقديرات رسمية إلا أنه يجري الحديث عن آلاف المفقودين الذين تم إخفاء جثثهم في مقابر جماعية.
وأكدت وكالة “سانا”، التابعة للنظام، الجمعة الماضي، أن وحدة من قوات الأخير “عثرت بالتعاون مع الجهات المختصة” على مقبرة جماعية لمدنيين وعسكريين في ريف الرقة الغربي، قالت مصادر في قوات النظام إن تنظيم “داعش” أقدم على إعدامهم. وقال أحد القادة الميدانيين في قوات النظام إن “معلومات وردت من الأهالي الذين عادوا إلى قراهم ومناطقهم في ريف الرقة تفيد عن وجود مقبرة جماعية قرب بلدة رمثان بالريف الغربي لمدينة الرقة”، مضيفاً “بالبحث المبدئي تم العثور على الأدلة التي تؤكد وجود الجثامين، فتمت الاستعانة بفرق من الدفاع المدني التي قامت باستخراجها”. ونقلت الوكالة عن أحد عناصر الدفاع المدني أنه تم استخراج الجثامين، وعددها 34، مشيراً إلى أنها نقلت إلى المستشفى العسكري في مدينة حلب لمحاولة التعرف على أصحابها. وتقع بلدة رمثان إلى الغرب من مدينة الطبقة بنحو 20 كيلومتراً، وكانت قوات النظام سيطرت عليها صيف العام الماضي بعد أن بقيت المنطقة تحت سيطرة تنظيم “داعش” لأكثر من ثلاث سنوات.
كما أوردت الوكالة ذاتها أن قوات النظام كانت أخرجت، أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، جثامين 115 عسكرياً ومدنياً من مقبرة قرب بلدة الواوي التابعة لناحية دبسي عفنان في ريف الرقة الغربي، قالت إن تنظيم “داعش” كان قد أعدمهم. ولا تعد هذه المقبرة الأولى من نوعها، إذ سبق وعثرت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، في مايو/أيار الماضي على جثث، يعود معظمها لنساء وأطفال، في حديقة الجامع القديم في مدينة الرقة، والتي حولها “داعش” إلى مقبرة جماعية. كما عثرت “قوات سورية الديمقراطية”، في إبريل/نيسان من العام الماضي، على مقبرة جماعية شرقي مدينة الطبقة، والتي كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش”، تضم جثثاً، تؤكد مصادر محلية، أنها تعود لعناصر في قوات النظام السوري قتلوا في المعارك خلال سيطرة الجيش السوري الحر على الطبقة في العام 2013، إضافة إلى مئات الجثث من عناصر قوات النظام الذين أعدمهم تنظيم “داعش” بعد سيطرته على مطار الطبقة منتصف العام 2014. وقالت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، إن التنظيم، الذي قتل في العام 2014 عدداً غير موثق لعناصر النظام، قام بدفن عدد كبير منهم في مقابر جماعية في أكثر من مكان، كما قام الأهالي بدفن عدد منهم في عدة أماكن في محيط مدينة الطبقة.
وكان تنظيم “داعش” حول حفرة “الهوتة” البركانية، التي تقع جنوبي منطقة سلوك في ريف تل أبيض، وشمال منطقة الكنطري في ريف مدينة الرقة الشمالي، إلى مقبرة جماعية، إذ كان يرمي فيها جثث من يقتلهم، إضافة إلى أناس أحياء كما تؤكد مصادر محلية. وكان التنظيم نفسه سرّب مقاطع مصورة لعمليات رمي الجثث في تلك الحفرة الواسعة التي باتت العنوان الأبرز للموت الذي جلبه التنظيم إلى المحافظة منذ العام 2014. وكان التحالف الدولي، الذي قتل آلاف المدنيين وشرد عشرات الآلاف من سكان الرقة ودمر أغلب أحياء المدينة بذريعة طرد “داعش” منها، قد اكتشف في فبراير/شباط العام 2017 في ريف مدينة خان شيخون في ريف إدلب الشرقي، مقابر جماعية، باتت تعرف بـ”مجزرة الخزانات” لمقاتلين من الجيش السوري الحر، قُدر عددهم بنحو مائة، قتلهم تنظيم “لواء جند الأقصى” المبايع لتنظيم “داعش”. كما عثر على مقابر جماعية في المناطق التي كان يسيطر عليها “جند الأقصى” في ريف حماة الشمالي بعد طرده منها على يد قوات المعارضة السورية، خصوصاً في مورك، وسكيك، والتمانعة. كما عثر على مقابر جماعية في ريف حماة وريف إدلب وفي حلب بعد طرد تنظيم “داعش” منها في العام 2013.
ورأى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن موضوع التحقق والكشف على المقابر الجماعية في سورية معقد، موضحاً أن “الأمر يحتاج إلى معدات خاصة، وزيارات ميدانية، ونحن غير قادرين، في ظل وضع أمني مخيف في سورية، على إجراء عمليات التحقق والكشف” على مواقع المقابر. وأشار إلى أنه يجري الاعتماد على صور الأقمار الصناعية، مضيفاً “كل أطراف الصراع لا تسمح للجان تحقيق دولية بالدخول للتحقق والكشف”. واعتبر عبد الغني أن إعلان النظام عن اكتشاف مقابر “يهدف من ورائه لخلط الأوراق، وتصدير فكرة أن تنظيم داعش هو المتسبب الأكبر بالجرائم”، مضيفاً ربما تكون هناك مقابر جماعية لأشخاص قتلهم تنظيم “داعش”، لكن مصداقية النظام معدومة لدى المنظمات والمراكز الحقوقية، ولا نأخذ ما يعلنه على محمل الجد. وأشار إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت مقتل 212786 مدنياً سورياً منذ مارس/آذار 2011، وحتى سبتمبر/أيلول العام 2017، أكثر من 192 ألف مدني قتلهم النظام والمليشيات الإيرانية المساندة له، في حين قتل تنظيم “داعش”3811 مدنياً، والقوات الروسية قتلت 5233 مدنياً، والتحالف الدولي 2217، وفصائل المعارضة المسلحة 4002، والوحدات الكردية 758.
أما رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، فاعتبر أن النظام “جعل من سورية مقبرة جماعية لكل السوريين”. وقال، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “وجود المقابر الجماعية بدأ منذ العام 2012، بعد مجازر الحولة، والقنيبر، والتريمسة، حيث كان النظام يقوم بإبادة جماعية لتطهير منطقة غرب العاصي تمهيداً للانكفاء إلى منطقة الساحل السوري، قبل تغيير الخطط، بقرار من إيران، التي يهمها السيطرة على كل المساحة التي تربط جنوب لبنان بالعراق ومن ثم إيران”. وأضاف “بعدها نشأت العديد من المقابر الجماعية في كل مكان حصلت به مجازر كبرى، في حمص وحلب ودرعا، إضافة إلى المقابر الكبرى في المعتقلات، حيث يتم وضع جثامين المعتقلين في مقابر جماعية. وفي سجن صيدنايا بالقرب من دمشق، وحين لم تعد تستوعب الأراضي المقابر الكبرى، لجأ النظام إلى فرم الجثامين وحرقها”. وأوضح البني أنه “من المؤكد وجود مقابر جماعية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام”، مضيفاً “لكن هذه المقابر تعود كذلك لضحايا النظام، بالقصف أو بالبراميل المتفجرة أو بالسلاح الكيميائي، حيث يقوم الأهالي بدفن الضحايا في مقابر جماعية، ولكن بطريقة لائقة تحترم كرامة الإنسان”. وتابع “حتماً هناك ضحايا لتنظيم داعش أو جبهة النصرة، وحتى للفصائل المسلحة الأخرى، ولكن حسب التقارير لم تصل إلى مستويات عددية عالية تستوجب وجود مقابر جماعية لهم”.
العربي الجديد