“المقاومة العقائدية”… ذراع إيران في حماه/ أنس الكردي
حماة
أصبح التدخل الإيراني في سورية يشغل حيزاً واسعاً من الجغرافية السورية، وبرز خصوصاً في المعارك الأخيرة في المنطقة الجنوبية، بقيادة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني. وهو ما دفع رئيس الائتلاف الوطني السوري خالد خوجة، قبل أيام لمطالبة أصدقاء الشعب السوري والولايات المتحدة، بوضع حد للتدخل الإيراني في سورية، والذي وصفه بأنه بلغ حد الاحتلال.
لكن التمدد الإيراني في سورية آخذ في التوسّع أكثر، ليبلغ هذه المرة حماه في وسط البلاد، اذ لم تكن الدفعة الجديدة من الشبان التي تخرجت مما بات يعرف باسم “المقاومة العقائدية” أخيراً سوى البداية. تتبع “المقاومة العقائدية” للواء 47 في ريف حماه. ويبلغ تعداد الدفعة الجديدة (غالبية أفرادها شباب مراهقون)، نحو 300 عنصر، معظمهم من مدينة مورك والقرى المحيطة بريف حماه الشمالي. وتخضع “المقاومة العقائدية” لقيادة مشتركة إيرانية وسورية، ممثلة بمكتب الأمن الوطني، الذي يقوده ضابط الاستخبارات العامة علي مملوك، والذي يحظى بثقة كبيرة من الرئيس السوري بشار الأسد، حيث يتم تدريب العناصر، ضمن معسكرات يُشرف عليها ضباط إيرانيون. وقد أرسلت هذه الدفعة لمشاركة قوات كبيرة من الحرس الجمهوري، ولواء من الفرقة التاسعة ومليشيات مذهبية، ومليشيا الدفاع الوطني في منطقة السفيرة شرقي حلب، استعداداً لهجوم مضاد على قوات المعارضة السورية، في ريف حلب الشمالي.
تبيّن وثيقة سرّبها مدير مركز حماه الإعلامي، يزن شهداوي، لـ”العربي الجديد” أن اللواء 47 جنوبي محافظة حماه، يحوي في داخله المقر العام لـ”سجّاد” (نسبةً إلى علي بن الحسين بن علي، يشتهر بزين العابدين، وهو الإمام الرابع لدى الشيعة). ويضم المقر مجموعات مقاتلة عدّة. ويرأس تلك المجموعات الحاج أبو نداء، عرف عنه أنه من المدربين والمسؤولين عن الأفراد المقاتلين في اللواء.
يبدو أن المركز سيكون البنك الاحتياطي العسكري للنظام، في أي معركة قد يُباغت فيها، كما حصل له في ريف حلب الشمالي، عندما بدأ المحاولة بالتسلل إلى مقرات المعارضة وسيطر على قريتين استراتيجيتين، قبل أن يفاجأ بهجوم مضاد، خلّف خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. ودرءاً لذلك، يعمد النظام إلى أن “يكون اللواء مؤازراً له في بقية المحافظات، وجرى فتح مكاتب تطويع للواء في مراكز خاصة على طريق حلب، والدعوة إلى التشيع، مقابل الإعفاء من الخدمة العسكرية”، بحسب شهداوي.
تعرض الوثيقة ذاتها، شاباً متطوعاً في مجموعة تدعى المهدي تابعة للواء 47/د، موقعة من دون ختم رسمي، على إجازة للشاب عبد الرزاق رضوان لمدينة يومين، وهو من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، يقطن حالياً في حي القصور بمدينة حماه، كان طالباً في كلية الآداب في جامعة حماه، ثم نقل دراسته إلى مدينة حلب، ليتطوع في اللواء 47.
يتم تطويع الشّبان المراهقين بشكل خاص حسب المركز الإعلامي، بعد إغرائهم بالسلطة المطلقة على المدنيين وبالمال، إذ تصل رواتبهم الشهرية إلى ما يزيد عن أربعين ألف ليرة سورية (180 دولار)، علاوةً على الميزات التي يحصلون عليها، من بطاقات أمنية خاصة تميزهم عن المتطوعين المدنيين في مليشيات النظام المختلفة. كما يمنع التعرض لأي متطوع في اللواء 47، من قبل الاستخبارات السورية أو أيّ يكن، والمسؤولون عن محاسبتهم أو مساءلتهم، هم فقط ضباط اللواء 47 ذوو الصلاحيات على الأفراد لديهم، إضافة إلى إرغام المتطوعين والمقاتلين في صفوف اللواء 47، على رفع نداء “يا علي” والشعارات المذهبية، في تغييب واضح حتى لنداءات جيش النظام المتعارف عليها. كما يلبسون أثناء تدريباتهم، عصبات على رؤوسهم تحمل شعار “يا علي ويا زينب”.
قد لا تقتصر أهداف إيران على تثبيت مقرات تابعة لها وسط البلاد، فمع سيطرة قوات النظام السوري المدعومة بحزب الله اللبناني، على كامل مدينة حمص، باستثناء حي الوعر (مفاوضات جارية لهدنة دائمة بين النظام والمعارضة)، ومعظم ريف حمص، يكون النظام ومن خلفه إيران، قد تمركزا في الوسط السوري، من دون استبعاد إمكانية إنتاج منطقة جغرافية، تكون مركزاً لعمليات إيران في سورية، على غرار المعلومات التي كشفها عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف الوطني” المعارض، نائب رئيس “الائتلاف” السابق، محمد قداح لـ “العربي الجديد”.
وأشار قداح إلى معلومات عن “مشروع جديد تصوغه إيران، ومن خلفها النظام السوري وحزب الله، كون ما يجري اليوم في الجنوب السوري، أبعد من مجرد حملة عسكرية، تهدف إلى القتل والتدمير الذي ينتهجه النظام عادة”، مبيّناً أن “إيران تعمل اليوم، ومن خلفها حزب الله والنظام السوري، على إنتاج منطقة جغرافية أقرب للجنوب اللبناني، من حيث التركيبة الطائفية والحزبية المسلحة بشعار المقاومة”.
اللواء 47
اللواء 47، أو ثكنة محمد سلمون كما هو مكتوب على مدخل بابه، يقع على طريق حماه حمص، على السفح الشمالي لجبل الأربعين، يمتد حتى قلة قرين الحجل على أطراف زهرة المدائن، مسيطراً على مئات الكيلومترات من الأراضي الزراعية الخصبة، محولاً إياها إلى أراضٍ بور. يؤكد نائب قائد الجيش السوري الحر، العميد أحمد بري، لـ”العربي الجديد” أن “اللواء يضمّ حقولاً وقاعات للتدريب، وحقول رمي مشاة ودبابات ومضاد دبابات، وحقول تدريب رياضة ومعسكرات، وهو مركز هام لإيران والنظام، ولا سميا أنه بمكان مرتفع خارج المدينة”.
ويبدو أن اختيار طهران للواء لم يكن من فراغ، فإضافة إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي والكبير الذي يتمتع به اللواء، ومكانته العسكرية، فإن له أهمية تاريخية لا تقل قدراً عن ذلك.
يشرح بري، الذي كان ضابطاً في اللواء قبل انطلاق الثورة السورية، عن الدور المنوط باللواء في “ردع أي حركة في الداخل، بعد ثورة 1964 في حماه، والتي قامت ضد ثورة الثامن من مارس/آذار عام 1963، ومهدت لسيطرة حزب البعث على السلطة”. ويوضح القائد العسكري أن “البطولات الحقيقية للواء 47 دبابات، ظهرت بشكل حقيقي في العام 1973، عندما قامت ثورة في حماه ضد إعلان الدستور الغاشم الذي يكرس ظلم البعث، ونظام الطائفة، لكن اللواء فشل أمام العدو الصهيوني بنفس العام، ولم يثبت ساعات خلال حرب تشرين”.
يشير بري إلى دور رئيسي للواء خلال مجزرة حماه في العام 1982، حيث “كانت مدفعية اللواء تقصف حماه من مكانها، في حين اقتحمت دباباته وعرباته وجنوده المدينة، وتحول مقر اللواء إلى سجن للمدنيين ومقر للتعذيب والقتل”. ويلفت بري إلى أنه بعد تدمير حماه، “تحول اللواء في أعقاب غزو اسرائيل للبنان إلى هناك، إلا أنه لم يستطع الدخول الى المعركة، ودمّر معظمه على الطريق، بواسطة الطائرات الاسرائيلية، وما إن بدأت الثورة عام 2011 حتى انتشر اللواء، وبدأ بقمع المتظاهرين وانتشر بالأرياف للقتل والتدمير، وجعل المقر قاعدة لإيران وحزب الله عبر ضرب وتعذيب المتظاهرين”.
العربي الجديد