صفحات الناس

المناطق السورية الثائرة خارج الإحصاءات الرسمية/ سلام السعدي

 

 

بات نادراً أن تصدر أرقام رسمية توضح تراجع أداء الاقتصاد الكلي في سوريا، سواء كان عن الحكومة مباشرةً، أو عن طريق المؤسسات المرتبطة بها. من هنا يكتسب التقرير الصادر قبل أيام عن اتحاد غرف التجارة بعض الأهمية، برغم أن التقرير الذي يعترف بالتراجع الاقتصادي يظهر كما لو أنه قد أُعِدّ للوصول إلى نتيجة مفادها: “الإقتصاد السوري وصل إلى نقطة توازن جديدة في ضوء الظروف الحالية ما يعني أن التراجع قد يتوقف”.

التقرير اعترف بـ”معاناة” الإقتصاد السوري، وعزا تلك المعاناة إلى سلسلة متصلة من الأسباب، تبدأ بـ”توقف عجلة الإنتاج في العديد من القطاعات، وبالتالي الإنخفاض الشديد في العرض، وهو ما يفترض في حالات مشابهة أن يتم تأمين الفرق ما بين العرض والطلب من خلال الإستيراد، وهذا ما كان يتم نسبياً، إلا أن الارتفاع الكبير الذي شهده سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية أسهم في إرتفاع أسعار السلع”.

هكذا، وبحسب التقرير، فقد انكمش الاقتصاد السوري بحدود 40 في المئة خلال ثلاث سنوات، مع بطالة اقتربت من 50 في المئة. كما بلغ الرقم القياسي لمعدل التضخم نحو 90 في المئة، فيما ارتفعت الأسعار منذ بداية “الأزمة” حتى نهاية العام 2013 نحو 173 في المئة.

ويخلص التقرير إلى نتيجة تفاؤلية مختزلة تقول أن “شدّة التراجع في الإنتاج العام 2013 كانت أخف من شدته في العام 2012، حيث بدأت السلطات الاقتصادية تفهم الواقع الإقتصادي الحالي بشكل أفضل وبدأت معه الفعاليات الاقتصادية تعتاد على ممارسة أعمالها ضمن الواقع الصعب”. وهي نتيجة تنسجم مع رؤية وممارسات النظام، والتي تتجاهل التدمير الاقتصادي والاجتماعي المرعب الذي ألحقه ولا يزال في المناطق الخارجة عن سيطرته، والتي تتجاوز بحجمها نصف مساحة البلاد. هكذا، يقصر النظام بياناته الإقتصادية على مناطقه فحسب، باعتبارها “الإقتصاد السوري”.

في مقابل تلك النظرة الرسمية الانعزالية، تُظهر التقارير الاقتصادية المستقلة مصداقية ومسؤولية وطنية أعلى. إذ توقع المنتدى الاقتصادي السوري قبل أيام أن يستمر الوضع الاقتصادي والاجتماعي السوري بـ”الانحدار”، كما توقع حدوث “نقص حاد في السلع المحلية والمستوردة، وارتفاع أسعار المواد الأساسية”، هذا فضلاً عن النقص في “إمدادات الطاقة الكهربائية وفي المحروقات ووقود السيارات”، و”التدهور في مستوى الخدمات العامة بما فيها خدمات الصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات وغيرها”.

وكشف المنتدى عن انخفاض حجم الناتج المحلي الإجمالي من 19.6 مليار دولار إلى 17.2 مليار دولار خلال عامي 2011-2012، وإلى 10.2 مليارات دولار العام 2013. وعزا السبب الرئيسي لكل ذلك إلى صرف الجزء الأكبر من الموازنة على “الجيش والأمن والشبيحة ورواتب الموظفين”، فضلاً عن “بعض النفقات الضرورية الأخرى لتسيير ماكينة الدولة حتى تظل حاضرة ومسيطرة. وبهذا توقفت المشاريع والأنشطة الخاصة بالمؤسسات الإنتاجية”. أما الحل فيكمن في “وقف العمليات العسكرية أولاً، وأخذ البلاد إلى حل سياسي يوقف الدمار، ويبدأ في توفير أساسيات الحياة للسوريين، ومعالجة ما جرى تخريبه وتدميره”.

وكان تقرير سابق بعنوان “هدر الإنسانية” قد صدر في نهاية الشهر الماضي عن منظمات الأونروا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمركز السوري لبحوث السياسات. التقرير خلص إلى “تشكل إقتصاد سياسي جديد يتّسم بإنتشار إقتصاديات العنف التي تمتهن حقوق الإنسان والحريات المدنية وحقوق الملكية وسيادة القانون، وظهور نخبة سياسية وإقتصادية جديدة، تستغل ظروف الأزمة للإتجار بالسلاح والسلع والبشر”. على صعيد النمو الاقتصادي، وبما يناقض التقرير الرسمي، بيّن التقرير أن سنة 2013 في سوريا كانت “الأسوأ منذ الاستقلال”؛ كما اعتبر الانكماش الحاصل “واحداً من أسوأ الإنكماشات الإقتصادية خلال عام واحد في العالم منذ العام 1961”.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى