صفحات الرأي

المهمشون في الأرض/ إبراهيم غرايبة

 

 

تلقي هذه المقالة الضوء على استراتيجيات الصراع السلمي بين المجتمعات والنخب لأجل الإصلاح، بالنظر إلى الإصلاح من مدخل أنه في محصلته صراع بين الطبقات، ويكون في محصلته هو التسويات والمكاسب الممكن الحصول عليها في التنافس. وفي المقابل، تدير النخب العربية، بطبيعتها الأوليغارشية الاحتكارية، مصالحها ومواقفها على أساس الهيمنة الشاملة على الفرص والموارد، وحرمان المجتمعات والطبقات من كل ما يمكن أن تتيحه التقنية والتطورات الاقتصادية والسياسية، حتى لو لم يكن في ذلك تهديد للنخب، لكنها تنظر إلى أي مكسب للمجتمعات على أنه تهديد محتمل لها، وتخاف من نهاية مروعة في نهاية الصراع تجعلها أسوأ احتمال، وتدفعها على نحو حاسم لدخول صراع مصيري، لا مجال للتسوية فيه مع المجتمعات!

كيف تدير المجتمعات صراعها مع الأوليغارشيا، وتنتزع منها تنازلات ومكاسب؟ يمكن، اليوم، في ملاحظة الصراع الجاري حول التدوين وإبداء الرأي وحق التعبير كيف يستدرج النشطاء بعيداً عن الإصلاح، ويحولون في المحاكم إلى مسيئين إلى الدين والعلاقات الأخوية والمصالح المتبادلة بين الدول الشقيقة والصديقة، وكيف تظهر الأوليغارشيا مدافعة عن الدين والقيم والمصالح العليا والعلاقات الطيبة مع العالم، لسبب بسيط وواضح، يجب ألا يخفى على المشتغلين بالإصلاح. فما ينشره كتاب صحافيون ومدونون، على سبيل المثال، في وسائل النشر وشبكات التواصل من انتقاد للدول والأنظمة السياسية العربية والأفكار الدينية، يقود الإصلاح إلى معركة لا فائدة فيها، لا تخدم الحريات، وتنشئ مبررات واسعة للتضييق على الشبكة والمداخل المتاحة للعمل الإصلاحي الشبكي، وإشاعة الفرص والمعارف والمكاسب المتأتية من خلال الشبكة.

لا بأس، بالطبع، أن يدخل مناصرو الحقوق والحريات في مواجهة مع السلطات وأساليبها في التضييق على الحريات. ولكن، ليس من مدخل حرية الناس وحقها المطلق في التعبير، على الرغم من صحة المبدأ ووجاهته. ولكن، ثمة ردّ منطقي وواضح، وتؤيده القوانين والمحاكم وجرّب كثيراً، وهو ببساطة أن الحرية لا تعني عدم المسؤولية، فالمواطن مسؤول عما يقوله. ولكن، يجب أن تكون المواجهة قائمة على مبدأ المسؤولية نفسه، ومناقشة ما يمكن أن تلحقه، أو ألحقته، وسائل التعبير والتواصل من ضرر بالأديان والعلاقات والمصالح المتبادلة مع الدول الصديقة.. والانتقال بالمواجهة والعمل من الضرر الممكن وقوعه إلى الضرر الذي وقع بالفعل، بمعنى محاولة تحويل الجدل إلى ما ألحقه التدوين والتظاهر من ضرر، وليس ما يمكن أن تلحقه.. صحيح بالطبع أن السلطات والنخب لن تعدم الوسائل والأدلة، لتثبت ما ألحقه الإعلام “المنفلت” من ضرر. ولكن، لا بأس في ذلك أيضا.

فانتقال الجدل إلى هذا المربع يغير كثيراً في أساليب التفكير، وفي قواعده أيضا، وأهم ما يمكن

“بعض الأوليغارشيين سوف يخرجون من اللعبة؛ فليس كل ملّاكي الأراضي والمواشي تحولوا إلى رجال أعمال، وليس كل المرابين تحولوا إلى مصرفيين” الحصول عليه أن الشباب المنخرطين بالمعارضة والإصلاح ينشئون ويطورون رؤية أكثر عقلانية في ملاحظة المسؤولية وحدودها، وينقلون أفكارهم من الفوضى لذاتها إلى محاولة التأثير بالفعل في السياسة والفكر. وفي النهاية، يجبرون النخب على القبول بحرية الرأي والتعبير. فهناك، في واقع الحال، مبالغة كبيرة في تقدير الخطأ والضرر في الكتابة والنشر، وهناك أيضاً حساسية مبالغ فيها، في وقت يكاد النشر يكون فيه خارج السيطرة، وسيكون مكسباً كبيراً للمعارضة والإصلاح، كما النخب أيضاً، أن تجري مراجعة للسياسات الإعلامية والجماهيرية، وملاحظة آثارها السلبية والإيجابية، .. السؤال بالنسبة للإصلاحيين هو كيف نحمي الحقوق العامة، ولا نلحق الضرر بأنفسنا.. وكيف نحافظ أيضا على فرص الشبكية في العمل والتعبير والتعلم والتواصل الجيد؟ ثمّة خشية حقيقية أن نضيّع فوائد الشبكة وفرصها، ومؤكد بالطبع أن فئة في الدول والمجتمعات تتربص بها، وتتمنى احتكارها.

صحيح أن الشبكة خرجت عن السيطرة.. ولكن، حتى يقرّ الوعل بأنه لم يضرّ الصخرة وأوهن قرنه، سوف نخسر وقتا وموارد عزيزة،.. نحتاج إلى وقت، حتى نستوعب الشبكية القائمة، ونجعلها تعمل ذاتياً في اتجاه إيجابي.. وأن نصبر على عجرفة النخب وتسلطها، ولكننا نجبرها أيضا على أن تصبر على الاتجاهات الجديدة في الأجيال، وقبول نزعتها إلى الحرية والكرامة، وأن تدرك عمق التحولات الجارية في الأفكار والموارد.

الأوليغارشيا محقة من وجهة نظرها في مخاوفها، وسوف تتضرّر بالتأكيد، لكنها أقدر على التكيف وإعادة تنظيم نفسها، ويمكنها أن تكون الرابح الرئيسي، .. وبعض الأوليغارشيين سوف يخرجون من اللعبة؛ فليس كل ملّاكي الأراضي والمواشي تحولوا إلى رجال أعمال، وليس كل المرابين تحولوا إلى مصرفيين، وليس كل التجار التقليديين استوعبوا سوق المعلوماتية والحوسبة، وليس كل المخاتير صاروا نواباً وأعياناً.. ولكنْ، هناك مسألتان على الأقل بجب أن تدركها المجتمعات والنخب. الأولى، لا مناص من تغيير قواعد الصراع والتنافس، لأن اللعبة نفسها تغيرت. وفي ذلك، فإن المجتمعات في حاجة للنضال من أجل التنافس العادل، وأن تتنازل النخب المهيمنة عن امتيازات كثيرة غير عادلة، إن لم تكن جميعها، وأن تدخل في اللعبة، بما اكتسبته من مكاسب وفرص مقبولة في اللعبة العادلة (نسبياً).

الثانية، إعادة تحديد وتعريف الموارد والفرص التي يجري التنافس والصراع حولها. تدرك الأوليغارشيا، بالطبع، أكثر من المجتمعات والجماهير، أبعاد اللحظة وفرصها، ولا بأس في ذلك. هي تملك القدرة على المبادرة والسبق. ولكن، يجب ألا تواصل الاحتكار والإغلاق القاسي والظالم للفرص والموارد الجديدة، وعلى المجتمعات والجماهير أيضا أن تدرك اللحظة، وتسأل نفسها بعقلانية وهدوء، ما الذي تريده وما الذي لا تريده، وماذا يمكنها أن تحقق وماذا لا يمكنها.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى