الموت أو المذلة أو وحدة المعارضة السورية
خلدون الأسود
الموت أو المذلة أو وحدة المعارضة السورية
لم يبق الفساد الإداري و والده التغول الأمني في سوريا أمراض عرضية, بل أصبحا العمود الفقري لعلاقات إنتاج فوقية تمكن الطبقة المسيطرة (المالكة للوطن, سوريا الأسد) من معدلات ربح تفوق أعتى الأسواق الرأسمالية, وبسبب علاقة السيطرة التملكية تحول المجتمع السوري إلى مجتمع عبودي من نوع جديد, ربما هذا ما يفسر سلوك النظام قبل انتفاضة الحرية و الكرامة و ردة فعله بعد انفجارها, يوحي جنون النظام الأمني أنه يتعامل مع الانتفاضة كعصيان “عبيد”, فهو يتصرف كمالك لا كقائد. و بما أن الفساد الإداري و التغول الأمني لا ينتجان بضائع عيانيه بل يختزلان إنتاج الثروة إلى النهب المجرد عن العملية الإنتاجية الطبيعية, تصبح الدولة الراعية لهما مافيوزية بامتياز, أي أن القمع العاري (كسر العظم) و الإذلال أهم وسائل إنتاج الثروة, من هنا يكتسب شعار الموت و لا المذلة أهمية خاصة كونه يجرد السلطة-المافيا من أهم أدوات جمع المال, أي خوف العبيد الدائم من انتقام رجال المافيا-السلطة. فإذا استعرنا التحليل الماركسي بتصرف, نستنتج أن علاقات الإنتاج المافيوزية أصبحت لست معيقة فقط لتطور قوى و أدوات الإنتاج أي المجتمع بل مدمرة لها موضوعيا, أي أن استمرار النظام السوري يتعارض مع نشوء عملية اقتصادية حقيقية تعتمد على إنتاج فضل قيمة ما يمكن المجتمع من مراكمة ثروات تساهم بإعادة إنتاجه كمجتمع لا كعبيد منفصلين عن بعضهم بحواجز الخوف. لذلك يجب أن تسقط كل المراهنات على قدرة النظام أو بعض أجزاءه على الإصلاح.
لقد مر حتى الآن قرابة 3 شهور على انتفاضة الحرية و الكرامة في سوريا, سطر خلالها الشعب السوري ممثلا بشبابه بطولات أسطورية و رفعوا شعارات الحرية و الوحدة الوطنية بطريقة سلمية. و بدا واضحا أن النظام السوري عاجز عن تجاوز شروط نشأته و بنيته الآنفة الذكر ليتمكن من طرح حلول سياسية تؤدي إلى إعادة السلطة إلى الشعب, المصدر الوحيد لكل السلطات. بسبب الغباء الاجتماعي و السياسي و بسبب موقفه التملكي المتمترس خلف مصالحه الضيقة, لا يمكن للنظام السوري أن يتكيف مع إصلاحات تضمن وجود واستمرار الحراك المجتمعي, و تعيد بناء ما دمره الاستبداد خلال ما يقارب خمسة عقود, أي البنى الضرورية لنهضة تضمن المصالح الجمعية و الفردية في سوريا و تعيد التناقضات الجدلية في المجتمع السوري إلى حلبة الفعل السياسي و سلطة الضبط القانوني بدل العسكري.
بدأت تظهر مؤخّرا تحركات تحاول تجيير التضحيات الجسام التي دفعها الشعبُ لمصلحة تيارات تدّعي تبنّي الحرية بينما تتبنى نظرية الحاكمية الإلهية التي تتعارض مع مشروع انتفاضة الكرامة و الحرية الطامح إلى بناء الدولة المدنية, و تيارات أخرى لا يضيرها أن تتحالف مع الشيطان نفسه و أن تجلب الدب إلى كرم الشعب إذا كان سيأكل النظام. و بنفس الوقت يسعى النظام لخلق صراع طائفي يمكّنه من الاستمرار حتى و لو على جماجم الآلاف من أبناء شعبه و يفقد انتفاضة الحرية و الكرامة حصان التفوق الأخلاقي و سلطان المبرر التاريخي. استطاع النظام بقصد و أصحاب الحاكمية و حلفائهم الموضوعيين ربما بدون قصد ان يخلقوا لا حالة تواطؤ بل حذر طائفي جعلت فئات كثيرة تتحسب من الدخول في صف أيِ من الطرفين: الشارع المنتفض من جهة و النظام من جهة أخرى. و استطاعت الانتفاضة خلال فترة وجيزة بفضل الفعل الثوري أن تعيد إنتاج اللحمة الاجتماعية الضرورية لعودة المجتمع إلى حراك مدني يؤهب لحراك فوقي سياسي يطيح بالاستبداد بدون رجعة. و بسبب التعارض الحتمي بين استمرار النظام السوري بشكله الحالي والوحدة الوطنية والانخراط المدني، شن النظام حرب (يا قاتل يا مقتول) على الشعب السوري و لجأ إلى العنف- كسلاح أوّل وأخير – منذ البداية تحت راية (عليّ و على أعدائي) غير آبه بما ستحدثه استقالة الدولة من جميع وظائفها المدنية من شروخات قد تهدد الكيان السوري بماهيته حتى الجغرافية منها. في ظل آلة الحرب التي أشهرها النظام بما فيها التشبيح الإعلامي و العسكري الأمني، و بسبب تقطيع أوصال البلاد و قطع الإتصالات لم تستطع حركة الاحتجاجات أن تواصل تطورها الطبيعي نحو إفراز قيادات مدرّبة لتقود اعتصاماتِ و عصيانا و إضرابات و تنظيمِ ينتجُ عنه إتحاد رتم الحركة و اتساعها الذين سيؤديان بالضرورة إلى رجحان كفة الشعب و خروج النظام مهزوما. هذه المراوحة الثورية خلقت فراغا سياسيا موضوعيا تحاول أطراف عدة ملؤه, و يهدد بفقدان البوصلة الثورية و ما سينتج عنه طغيان ردود أفعال مساوية للفعل العنفي السلطوي أخلاقيا و تدميريا.
بدأ الكثير من شباب الثورة من داخل سوريا وخارجها يطالبون بخلق منارة تتجه نحوها أبصارهم و تشكل البديل الذي سيقطع الطريق على محاولات حرف الثورة عن مسارها, و يكون من أهم مهاتها تأطير الجهد الثوري و المقاوم العفوي بفعل جمعي ينتج حركة ثورية تصاعديه تعيد تأكيد المبادئ الثلاث: سلمية, لاطائفية بدون تدخلات خارجية. لذلك شئنا أم لم نشأ ، أصبح من الضروري و بدافع المسؤولية التاريخية أن تجتمع كل التيارات التي توافق على المبادئ الثلاث السابقة – من الداخل والخارج -, تحت سقف هذه المبادئ, من أجل خلق بديل ثالث للموت و المذلة.