الموقف الأميركي من أكراد سوريا
مصطفى إسماعيل
يبالغ بعض قادة الأحزاب الكردية، في تصريحات يطلقونها بين الفترة والأخرى، حول حجم اهتمام الإدارة الأميركية بالقضية الكردية في سوريا وسبل حلها، وقد مضى أحدهم قبل أيام في ذروة تشطيحاته ( من الشطح ) الحزبية، إلى حد القول إن الأميركان داعمون للمطلب الفيدرالي الكردي في سوريا، وهذا يثير الاستغراب في أكثر من منحى، فذلكم الأمير الحزبي لا علاقات تجمعه بالأميركان، ثم أنه وبصحبة كل أحزاب المجلس الوطني الكردي تراجعوا في يوم 21 أبريل 2012 عن أي مطلب بحق تقرير المصير بناء على اللامركزية السياسية، بل تحولوا عنها إلى ضرب من الإدارة المحلية للمناطق الكردية، ولم يبق غير الثوار الكورد في بلدة عامودا يحملون لافتات تدعو بصراحة لا مجانبة إلى الفدرلة، فمن يريد الفيدرالية من التنظيمات الكردية السورية إذا ما استثنينا المجلس الوطني الكردستاني.
الكورد السوريون ليسوا هاجساً أميركياً بعد، ولم يحتلوا موقعاً لافتا بعد على سلم الأولويات الأميركي، ففي المفضلة الأميركية المخصصة لسوريا الراهن بعض قوى الإسلام السياسي المعتدل فقط، ويأتي الإطار الموسع المسمى المجلس الوطني السوري ليكون فرس الرهان الأميركي إلى حد ما، وكلنا يعلم ما هي تركيبة هذا الإطار المعارض وما هو التنظيم المؤثر فيه، والإدارة الأميركية واضحة في رؤيتها للأزمة السورية، فهي تكرر في أكثر من مناسبة أنها مع الانتقال السلمي للسلطة ( النموذج اليمني )، وهذا يعني الإبقاء على بنية الدولة وهيكلها المؤسسي سيما منه السلطة التنفيذية، والموقف الأميركي من الكورد والآشوريين وغيرهم يندرج في إطار سياستهم المتعلقة بحماية الأقليات ليس إلا.
في سياق الأزمة السورية ومنذ أشهرها الأولى، اشتكى الأصدقاء في المجلس الوطني الكردستاني مراراً من تجاهل أميركي رسمي لهم، وتحول الاهتمام الرسمي هذا صوب التيار الإسلامي السوري، حينها كان المجلس الكردستاني وحده الناشط على الساحة الأميركية، مستفيداً من علاقات نسجها خلال سنوات سابقة مع صناع القرار في واشنطن، فيما كانت غالبية الأحزاب الكردية في الداخل السوري تغط في سبات عميق، منهمكة بمراقبة الشباب الكردي الثائر في الشارع.
بعد انعقاد المؤتمر الوطني الكردي والذي تمخض عنه المجلس الوطني الكردي، وفور تأسيس لجنة العلاقات الخارجية فيه، بدأت الاتصالات بالأوربيين والأميركان عبر توسط من ديوان رئاسة إقليم كردستان، كان المسؤول الأول الذي التقاه الكورد هو فريدريك هوف المنسق الخاص لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فيما يتعلق بشؤون المعارضة السورية، اللقاءات والمراسلات مع هوف أوصلت إلى قناعة جازمة بأن الإدارة الأميركية ليس لديها لفتة خاصة إلى الكورد في سوريا، وأن السقف الأميركي في التعامل مع الكورد هو رؤية المجلس الوطني السوري، فالسقف الأميركي الموضوع للكورد في سوريا الغد هو التعايش مع الآخرين في دولة تكفل المواطنة المتساوية، ولا مانع أميركي من تطبيق اللامركزية الإدارية في سوريا، وقد دعا هوف إلى إسراع المجلس الكردي بالإنضمام إلى المجلس السوري، فبرأيه أن التغيير سيحدث في كل الأحوال، والأفضل للكورد عدم البقاء خارجاً. لقد كان الالتحاق الكردي بركب المجلس السوري مطلباً أميركياً ولا يزال.
زيارة وفد لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الكردي إلى واشنطن في شهر ايار 2012 أبقى الأمور في حيز الغموض، ولم يك على جدول أيام الزيارة أي لقاء بالوزيرة كلينتون، بل اقتصرت اللقاءات على بعض موظفي الخارجية الأميركية والمنسق هوف والسفير الأميركي في سوريا روبرت فورد، وهذا يعني سياسياً عدم إيلاء الأميركان أهمية قصوى للكورد في سياق الأزمة السورية.
رغم الاتصالات التي كانت قائمة بين المجلس الوطني الكردي والمنسق الأميركي، فإن الأميركان لم يوجهوا أي دعوة إلى المجلس الوطني الكردي لحضور مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس واسطنبول وغيرها من الفعاليات، فحضور أعضاء من المجلس الكردي في مؤتمر تونس كان بوساطة من المجلس السوري، ومن دون أن يحملوا صفة المجلس الكردي أو تمثيله السياسي.
لم يشذ الموقف الأميركي مؤخراً خلال أعمال الملتقى الذي أقامه معهد بروكينغز في العاصمة المصرية القاهرة يومي 1 و 2 آب عن السياق السابق، فلم يطرأ أي تبدل أو تحوير عليه، وبدا الأميركيون من خلال السفير روبرت فورد متمسكين بمواقفهم السابقة، وأكد فورد لأعضاء في المجلس الوطني الكردي خلال إحدى الجلسات أن وثيقة العهد الوطني لسوريا الجديدة هي الأساس بالنسبة إليهم، وبدا واضحا من خلال وثيقة المرحلة الانتقالية التي يتم إعدادها أن الموقف الأميركي مع تسويف حل القضية الكردية والبت فيها لاحقاً، وقد خيَّر السفير فورد أحد متحدثيه الكورد في تلك الجلسة بين قبول الوثائق كما هي أو مغادرة قاعة الجلسات.