الموقف الروسي من جديد
علي العبدالله()
ما زال الموقف الروسي من الثورة السورية يطرح أسئلة وعلامات استفهام كبيرة حول طبيعة هذا الموقف والدوافع التي تقف ورائه، وقد جاءت دعوة روسيا لمعاقبة “الارهابيين” الذين فجروا مقر مكتب الامن القومي السوري، واستخدام الفيتو الثالث، بعد كل التطورات الميدانية والسياسية التي حصلت بين الفيتو الثاني والثالث، ليعمقا حيرة الباحث ويجعلا الأسئلة أكثر إلحاحا.
فما هي خلفية الموقف الروسي
ينطلق الموقف الروسي من الثورة السورية من تجاهل تام لموقف الشعب السوري من النظام الاستبدادي الفاسد، وتجاهل مطالبه المشروعة، والنظر الى الأزمة السورية باعتبارها فرصة لمعالجة الاختلال القائم في العلاقات الدولية بين روسيا والصين، معهم عدد من الدول الصاعدة مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، من جهة، والدول الغربية، أميركا والاتحاد الأوروبي، من جهة ثانية، حول المصالح والأدوار ومناطق النفوذ، ويربط ما يحصل في سوريا وحولها بالملف النووي الإيراني، والوضع في آسيا الوسطى، وجورجيا، والدرع الصاروخية، ويسعى الى الاتفاق على حل لكل هذه الملفات المعقدة باستثمار الأزمة السورية.
غير ان موسكو لا تكشف عن هدفها هذا مباشرة بل تغلفه بالحديث عن مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الذي يحمي سيادة الدول، ويرفض تغيير الانظمة بقوى خارجية، وترى في الموقف الدولي المضاد للنظام السوري تدخلاً في شؤون دولة مستقلة، وعملاً لإسقاط نظام شرعي وله “شعبية واسعة”، وتعتبر موقفها من النظام ومدّه بالأسلحة والذخائر وبتقنيات الاتصال الحديثة لمراقبة المواطنين والثوار، ناهيك عن حمايته سياسياً باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، عملية مشروعة، ومتسقة مع مضمون ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، هدفها تمكين النظام المعتدى عليه من “الدفاع” عن نفسه، وتصور موقفها مما يحصل في سوريا على انه تصدٍ لسعي غربي للسيطرة على المنطقة عبر إسقاط النظام السوري في خرق واضح وصريح لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وتدين الثورة عبر الحديث عن “جماعات مسلحة” و”ارهابيين” وارتباط بالخارج.
ترتب على نظرة روسيا الى الملف السوري وموقفها منه وسلوكها اتجاهه نتائج خطيرة عدة اولها احساس النظام الاستبدادي انه محمي، وانه قادر على مواصلة خياره العسكري عله يدفع المجتمع الدولي الى اليأس والعزوف عن متابعة تطورات الأزمة وكف يده عنها، وتركه يستعيد السيطرة على البلاد وإخضاع الشعب. وثانيها تمديد عمر الأزمة، وتطوير اساليب القتل وسفك دماء المواطنين السوريين (القصف الوحشي للمدن والبلدات والقرى، وارتكاب المجازر تنفيذاً لنصائح خبراء روس، أشار الجنرال مود في التقرير الذي قدمه في مجلس الامن الى تواجدهم مع القوات السورية في حمص، في استعادة حرفية لما فعله بوتين في جمهورية الشيشان) على امل حسم الصراع قبل حصول تطورات حاسمة في الموقفين العربي والدولي. وثالثها دخول خطة السيد انان مرحلة الفشل، وإدخالها في غرفة العناية الفائقة عبر آلية مجموعة اتصال دولية حول سوريا، قبول موسكو تمّ على خلفية الابقاء على مهمة انان، واستثمارها حتى آخر دقيقة، وقطع الطريق على تحرك دولي خارج مجلس الامن، وهذا يعني تمديداً جديداً في عمر الأزمة، وإعطاء النظام فرصة إضافية لمواصلة خياره العسكري في مواجهة ثورة الشعب السوري، ورابعها تمدد الأزمة الى خارج الحدود السورية مع احتمال انفجار صراعات عنيفة في عدد من دول الجوار، وبخاصة لبنان، وحصول مواجهة مع دول الجوار، تركيا، قد تتحول الى حرب اقليمية وتتطور الى اشتباك دولي.
لكن هل يستدعي “التمسك” بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وسيادة الدول تجاهل التطور الذي حصل في العالم، وفي القانون الدولي حول حقوق الانسان والتدخل الانساني لحماية شعب من بطش وعسف النظام في بلاده، وهل يستدعي القفز على الواقع، وتشويه الحقائق، وتبني رواية النظام عن “الجماعات المسلحة” و”الارهابيين” و”الهجمات على رجال حفظ الامن والنظام والدوائر الحكومية والمصالح المدنية والمواطنين”، واتهام المعارضة بـ”الارتهان للخارج وتنفيذ اجندة خارجية”، وعدم أخذ ممارسات النظام ضد الشعب والثوار بعين الاعتبار؟ فقد غضت موسكو النظر عن مجازر مروعة قام بها النظام في الحولة والقبير والتريمسة ومدن وبلدات وقرى أخرى، والتي راح ضحيتها مئات المواطنين العزل، اطفالا ونساء، شيوخا وشبابا، ناهيك عن القصف الوحشي لمناطق مأهولة، بينما طالبت بمعاقبة الذين فجروا مقر مكتب الامن القومي وقتلوا عددا من الاشخاص لا يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد الواحدة؟ وراح لافروف يخترع مقاربات منطقية لتبرير موقف بلاده من الملف السوري مثل قوله:” لم يكن النظام ليصمد عام ونصف العام لولا تمتعه بشعبية”، في تجاهل تام للسبب الحقيقي الذي سمح للنظام بالبقاء ألا وهو الاستخدام المفرط للقوة ضد مدنيين ومتظاهرين سلميين منذ اليوم الاول للاحتجاجات، وحديثه عن الانتخابات البرلمانية التي جرت وشارك فيها الشعب، وانتخب موالين للنظام، وهو يعلم مدى الزيف في حديث النظام عن حجم المشاركة، والافتراء في حديثه عن المناخ الهادئ الذي ساد العملية، وقد أجريت في اجواء الحرب التي يشنها على الشعب الثائر في نصف المحافظات السورية. هذا من دون ان ننسى تناقضه مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، اللذين تلطا بهما في دفاعه عن النظام وتبريره لموقف بلاده من الثورة السورية، عندما تحدث رافضا قيام ما اسماه “نظام سني” في سوريا، وحديثه عن حماية الاقلية المسيحية في سوريا في استعادة لثقافة عصر الاستعمار وسياساته التي اصبحت، ومنذ عقود، خارج الشرعية الدولية.
ليس وراء التعنت الروسي تصلب مبدئي، كما تحاول الادعاء، ولكن سعى الى صفقة رزمة مع الغرب تحصن الامن القومي الروسي عبر اعادة النظر في بنية وتموضع الدرع الصاروخي، وتمنح روسيا دورا دوليا مقررا في الملفات الاقليمية والدولية، وتصون مصالحها في ملفات كثيرة، اصغرها الملف السوري.
كشفت التصريحات الروسية الأخيرة حول سوريا والحلول المطروحة عن تناقض وتقلب وتردد، له علاقة بتوترات التفاوض مع الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة. لكن الخطير في الامر ان الاستعصاء الذي ترتب على مواقف روسيا، ومعها الصين وإيران، أعطى النظام مهلاً، ومده بقدرات استخدمها في البطش بالمواطنين. وهذا ادى الى سقوط المزيد من الضحايا والى تدمير مدن وبلدات وقرى، وإلى تفكيك الدولة وتمزيق المجتمع، فالنظام لا يستطيع، كما أكدت نتائج المواجهة طوال الاشهر الماضية، هزيمة الثورة ولكنه وهو ينتقم من الثوار يقوم بتحطيم الدولة والمجتمع على حد سواء، وهي جريمة لها انعكاسات محلية وإقليمية ودولية كبيرة تتحمل روسيا مسؤوليتها.
() كاتب سوري
مقال مقنع بالنسبة لي ولكن ارجو من الكاتب ذو الرؤية التحليلية الواضحة في هذا المجال ان يقدم رؤيته حول كيفية تحييد وتجنب الموقف الروسي – قدر الامكان – من اجل انتظار اسرع للثورة.