الموقف الفرنسي من الأسد تغيّر… لم يتغيّر/ روزانا بومنصف
تثير التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في الايام العشرة الاخيرة، خصوصا لجهة إعلانه أن فرنسا لم تعد تضع رحيل بشار الاسد شرطا مسبقا للانتقال السياسي في سوريا، علامات استفهام كبيرة، هي بالنسبة الى البعض علامات استفهام مقلقة. فهل يجب قراءة الموقف الفرنسي على قاعدة انه يمهد لتنازل تدريجي عن الشروط التي كانت وضعتها فرنسا في تعاملها مع الازمة السورية، أي إدراج رحيل الاسد في قمة اولوياتها؟ وهل الأمر مؤشر لتحول في الموقف الدولي او هو موقف لا يزال منعزلا بعض الشيء في ضوء تناقضه مع مواقف دول اوروبية كألمانيا مثلا ومواقف دول اقليمية؟ بعض المراقبين رأى ان هذه المواقف تشكل تحولا تدريجيا جديدا وحساسا في الموقف الفرنسي من الوضع السوري، يتمثل في الاقتراب اكثر من روسيا التي تخوض حربا في سوريا تقول انها ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” على رغم ان فرنسا اتهمت روسيا بأنها تقصف المعارضة السورية. ففرنسا التي تأذت على نحو بالغ من الاعتداءات الارهابية التي استهدفت العاصمة باريس في 13 من الشهر الماضي، ومن دفق اللاجئين، احدثت تبديلا في مرحلة أولى في اولوياتها التي كانت توازن فيها بين رفضها للرئيس السوري ورفضها في المقابل لتنظيم “الدولة الاسلامية”، بعبارة “لا الاسد ولا داعش”، استنادا الى رفضها وضع النظام السوري وحلفائه، خصوصا العالم، أمام خيارين لا ثالث لهما: اما الاسد وإما داعش. ثم باتت باريس تبرز مواجهة “داعش” من دون الاشارة الى مصير الاسد، فيما يقول هؤلاء المراقبون ان الحكومة الفرنسية تخضع لضغوط داخلية من مجلسي النواب والشيوخ، في ظل دفع كثيرين من هؤلاء الى اعادة الربط مع نظام الاسد على اساس ان الاولوية هي لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”، خصوصا في غياب أي خيارات بديلة من بشار الاسد، في وقت تتصدى فيه إدارة الرئيس فرنسوا هولاند لذلك. وهذه الضغوط الداخلية عبرت عن نفسها في انتخابات اقليمية هي الاولى بعد هجمات 13 تشرين الثاني، والاختبار الاساسي قبل الانتخابات الرئاسية سنة 2017، حيث حقق اليمين المتطرف نتائج لا سابق لها. ووفق هؤلاء المراقبين، فإن فرنسا التي ارتبكت كثيرا ولا تزال مرتبكة، والتي تحاول أن تجمع تحالفا كبيرا ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” تكون روسيا شريكة فيه، باتت تتخلى عن اشتراط رحيل فوري للاسد، على رغم ان التحالف الواسع يفترض ان يستند الى تعاون دول اقليمية اساسية تشترك مع كل السوريين في مواجهة “الدولة الاسلامية”، بمن فيهم جيش النظام ، وفق ما حدد وزير الخارجية الفرنسي، في حين ان لهذه الدول تحفظات كبيرة عن هذه المسألة في ظل بقاء الاسد. فوزير الخارجية الفرنسي قال ان مكافحة “داعش” لن تكون فاعلة ما لم تتحد كل القوى السورية والاقليمية. ووزير الخارجية الاميركي جون كيري قال بدوره: “اذا تمكنا من تنفيذ الانتقال السياسي فسيكون في الامكان جمع الدول والكيانات معا، أي الجيش السوري والمعارضة والولايات المتحدة وروسيا”. فإذا كانت الحاجة كبيرة الى قوى على الارض لمواجهة “داعش”، فإن المحاذير أمام التعاون مع جيش النظام تكمن في القدرة على الحصول على دعم الدول الاقليمية في الدرجة الاولى، اكانت تركيا ام الدول العربية، اضافة الى ضرورة عدم الاصطفاف في محور شيعي – علوي في وجه السنة، كما فعلت روسيا. والواقع أن أحد أبرز المحاذير هو اعادة تعويم الاسد، استنادا الى اقتناع بأن استمرارية “داعش” من استمراريته. وبالنسبة الى هؤلاء المراقبين، فإن ما يعتد به هو الموقف الاميركي الذي يشكل طليعة المواقف الغربية من الحرب السورية ومن المواجهة مع روسيا، وليس الموقف الفرنسي الذي يتعرض لضغوط داخلية هائلة، بات مضطرا الى مواكبتها بتغييرات معينة ليس واضحا حتى الان ما إذا كان يمكن ان تؤدي الى تغيير جذري وجوهري . وبالنسبة الى بعض السياسيين المتفائلين بوصول النائب سليمان فرنجيه الى رئاسة الجمهورية ومدى الصداقة التي تربطه بالنظام السوري، فان مباركة فرنسا هذا الخيار قد تكون احدى الطرق التي يمكن ان تفتح قناة خلفية على النظام السوري عبر لبنان وموقعه الرئاسي.
ولا ترى مصادر ديبلوماسية في المقابل ان التغييرات جديدة كليا في الموقف الفرنسي، انطلاقا من ان الدول الثلاث الكبرى الاعضاء في مجلس الامن غير روسيا والصين، اي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، اضافة الى دول اقليمية، قد احدثت تحولا اساسيا في موقفها من الاسد ودوره في العملية الانتقالية، باعتبار انها لم تعد تصر على ضرورة ان يكون رحيله من السلطة فوريا. وهي خطت خطوات كبيرة على طريق الاقتراب من المواقف المقابلة من اجل ايجاد حل سياسي.
الا ان الواقع هو ان الانطباع الذي تتركه المواقف الفرنسية بات أقوى من كل التفسيرات، ايا تكن بطبيعتها مخففة كانت للتغيير الفرنسي الحاصل ام لا.
النهار