صفحات العالم

الميثاق السياسي: وثيقة العهد لإخوان سورية نموذجا

 

صلاح الدين الزبير

 تعتبر وثيقة الإخوان المسلمين في سوريا التي تم الإعلان عنها في 25 آذار/ مارس 2012 نقلة نوعية في مسار الحركة الإسلامية بما هي آلية حوارية لتوحيد الصف السياسي للمعارضة السورية بالخارج وتنسيق جهوده. وهي بلا شك مبادرة لها إسقاطات وتطمينات على المواطن السوري بالداخل، كما أنها ـ كغطاء سياسي ـ توازي مجريات الحل الميداني الذي انخرطت فيه كتائب الجيش السوري الحر دفاعا عن المدنيين الذي استباحتهم الآلة الدموية للنظام الأسدي.

وإذا كانت هناك بعض القراءات التي تعتقد بأن وثيقة الإخوان هي رسالة للالتواء، أو مزايدة ‘للاحتكار السياسوي’ و’الاحتواء الشعبوي’، أو رسائل مشفرة للدول الغربية أكثر منها مبادرة للدفع بعجلة توحيد صفوف المعارضة سياسيا، فإن الأمر لا يعدو أن يكون إلا حكما استباقيا ومحاكمة للنوايا أكثر من أنه قراءة متمهلة ومنح فرصة الإنصات لطرف سياسي له حضوره في الساحة السياسية السورية.

صحيح أن جزءا مهما من النخبة السياسية السورية يخشى من عنف الإسلاميين وإحتكارهم للمشهد السياسي، وإقصائهم لمن يعارضهم على ضوء ما حدث بالتجربة الإيرانية والسودانية والأفغانية، وعلى غرار ما يسوقه الإعلام، ويرى بأنهم تهديد للحياة السياسية ولقيم الحرية والديمقراطية، وامتداد للرجعية التي تهدد بتفجير المجتمع، غير أن هذه رؤية تجاوزها الدهر ولا تتجاوب مع تطورات الأحداث الجارية.. لأن الإسلاميين ببساطة رقم مهم في معادلة التغيير داخل الأنظمة العربية لا يجب تجاهلهم.

ويبقى المشكل المطروح بحدة على رأس الأولويات لدى هذه النخبة السياسية هي قضية موقف الإخوان المسلمين من المسألة الديمقراطية، وتأثير ذلك على مجموع الحياة الاجتماعية بما لا يفتح مجالا للرجعية ولا يقيد من أبواب الحرية. حتى يتسنى لهم خوض غمار أي تجربة تواثقية مع الإخوان المسلمين موثوق بها، ولعل هذه المسألة تم الإجابة عنها في وثيقة العهد السورية التي طرحها الإخوان.

الانخراط في مشروع الميثاق السياسي كأولولية ملحة للفرقاء السوريين الذين يمثلون كافة التوجهات السياسية والطائفية والعقدية يجب أن تكون له قضية مصيرية واحدة، شقها الأول مرتبط بخلاص الشعب السوري من حمام الدم الذي يعيشه اليوم تحت نيران القصف والتقتيل، ومن محنة الحكم الأحادي والمستبد الذي لا يعترف بوجود الآخر إلا من منطوق نظرية ‘إما أن أحكمكم أو أن أقتلكم’. وشقها الثاني مرتبط بإعادة بناء ما هدمته معركة إسقاط النظام.

ويبقى توافق الفرقاء على قضية تحرير وتطهير البلاد بكافة الوسائل المشروعة كنقطة أولى، لأنها أصل الداء، وأهم ما يجب الوقوف عليه، ثم تصفى الأجواء في أفق صياغة الحل لنقاش القضايا الملحة، وهي إعادة الإعمار وخلق أليات لانتشال المدن والقرى التي تضررت جدا من عدوان النظام البائد، وبحث سبل التحديث، وفتح أفاق الاستثمار، حتى لا يتم الوقوع في الفراغ الاقتصادي لبلاد تضررت بنيتها التحتية بشكل كارثي، ثم يتم الانتقال لبحث إمكانات التحرر من التبعية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

لا بد من صيانة حقوق الأقليات كأولوية والاعتراف بهوياتهم ضمن وحدة البلاد بما لا يفتح أي مجال للتفرقة أو المحاصصة الطائفية على غرار ما يحدث الآن في ليبيا.

الميثاق السياسي يقوم على أساس المحاسبة المتبادلة لأطيافه على ضوء الالتزامات التي طرحت فيه أمام الشعب، ولمصلحة الشعب. وهي مسؤولية محاسب عليها، تمثل رأي الشعب واختياره بعيدا عن اختيارات نخبوية قد تكون نشازا على المجتمع السوري.

الميثاق السياسي يجيبنا عن السؤال المحوري لقضايا التحرير وما يتبعها من إشكالات مرتبطة بإعادة الإعمار والتنمية وبناء المشروع المجتمعي السوري المتناسق سياسيا، المتسامح عقديا، المتنوع طائفيا.

وبعيدا عن الحسابات الخاصة والإقصاء والاستفراد بالقرار؛ ننتقل جميعا كشعب واحد بكل ثقة وعزم من مرحلة المحاصصة والأجندات الخاصة، إلى النظر صوب الأفق الواسع والنقلة البعيدة، ومنها إلى مرحلة الانخراط في الواقع بكل إيجابية بسواعد متراصة تريد البناء من الأساس وعلى أمتن أساس.

احترام أطراف الميثاق كفيل بإنجاحه، ومعالم الاحترام تتضح من بداياته والصيغ المطروحة لذلك.

لما بعد النظام الأسدي نقول:

‘لا خلاص للشعب السوري إلا بإشراك كافة أطيافه بصغيرها وكبيرها كقاعدة عريضة للزحف نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فكل حديث عن التغيير هذر بدون قاعدة يتفق عليها السواد الأعظم. وينهض لإخراجها من حيز الأمل إلى حيز التطبيق أطياف الميثاق السياسي’.

سوريا دولة مسلمة مسألة متفق عليها من الأصل بحكم التاريخ والحاضر، وهي على ذلك لا يجب أن تقصي حقوق الأقليات بقدر ما تحافظ على حقوقهم المنتهكة من قبل النظام البائد، ولا أن ترفع شعارا إسلاميا يلخص في أن ‘الإسلام هو الحل’، قد يحسبه باقي الشركاء إقصاء لهم مادام يسوق اليوم كفزاعة القرن 21. كما لا يجب اتهام من يزعم أنه مسلم في دينه ما دام حلف الفضول يجمع العلماني بالإسلامي، ويوفي المروءة حقها.

ميثاق سياسي على ملأ من الناس لا يُتهم فيه أحد في دينه ولا في فكره، وللشعب الحكم الفصل.

أين توضع وثيقة العهد للإخوان المسلمين من تحديات الميثاق السياسي؟ وكيف سيتفاعل معها باقي أطياف المعارضة السورية بكافة ألوانها وطوائفها؟

‘ كاتب وباحث مغربي

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى