النشرة الإخبارية الأرضية لسورية
عبد الرحمن الخطيب
كان قرار الجامعة العربية بمنح النظام السوري مهلة أسبوعين للحوار مع المعارضة فرصة ثمينة له، تضاف إلى فرصة الأشهر الثمانية التي منحها له المجتمع الدولي. استغلها النظام ليستمر في جرائمه الوحشية ضد المدنيين العزّل المطالبين بالحرية. إذ استشرس النظام في قمعه للمتظاهرين بوحشية لم ير العالم لها مثيلاً. وبمقابل ذلك أخرج شبيحته، بقصد الاستهلاك الخارجي، في مظاهرة هزلية مؤيدة، رفعت شعارات دعم (برنامج الإصلاح) الذي لم، ولن يرى بصيص نور. وتابع إعلامه المهزلة في المناداة بأن من يطالب بالحرية هو مواطن غير شريف، وأن من يخنع ويركع للنظام هو المواطن الشريف فقط.
في الحالة الأمنية، لجأ النظام إلى أسلوب جديد ودنيء، بسبب عدم تمكنه من دفع مستحقات ساعات العمل الإضافي لأزلامه من رجال الأمن والشبيحة، إلى سرقة محال الذهب. إذ داهم رجال الأمن الأسبوع الماضي بعض محال الذهب، التي يُرتاب أن أصحابها مناهضون للنظام، وسرقوها وتركوها خاوية على عروشها. وحين اعترض بعض أصحاب تلك المحال، تحجج رجال الأمن أن أصحابها لا يمتلكون تراخيص لتلك المتاجر. بل وحين قدم بعضهم شكوى إلى النيابة العامة، وبشهادة الشهود أن الذهب المسروق شُحن إلى أماكن غير رسمية في محافظة اللاذقية، جاءهم الرد أن قضيتهم ستحال إلى المحاكم، وهذه ربما ستنقضي سنوات قبل البت فيها.
أما سرقة البيوت فحدّث ولا حرج، فقد أضحى إرسال الجنود الذين يؤدون الخدمة الإلزامية، الذين لا يتجاوز مرتب أحدهم 15 دولاراً أمريكياً شهرياً، إلى بيوت المواطنين الآمنين، فرصة ذهبية لهم، لسرقة ما خف وزنه وغلا ثمنه، وأهل البيت تحت تهديد إما بالقتل، أو الاعتقال، بحجة أن لديهم من هو مطلوب أمنياً، بسبب خروجه في المظاهرات المناوئة. فيضطر أهل البيت صاغرين إلى افتداء أولادهم وشبابهم بما يحمله جنود بشار الأسد من المال والذهب والأثاث معهم.
بعض عناصر الأمن الأسدي اكتشفوا وسيلة جديدة للابتزاز السهل، وهي اعتقال بعض الشباب في الطرقات عشوائياً، بحجة أنه مشكوك في أمرهم أمنياً.
وفي طريقهم إلى الفرع الذي ينتمي إليه هؤلاء العناصر، يختلي رئيس الدورية الأمنية بكل شاب من الشباب المعتقلين، ويساومهم أن مَنْ يدفع منهم مبلغ خمسة آلاف ليرة يفرج عنه مباشرة.
بل ويطلب من الذي لا يحمل هذا المبلغ أن يتصل بأهله على وجه السرعة، ليأتوا بالمبلغ، وإلا سيساق إلى الاعتقال والتعذيب. مما جعل الكثيرين منهم مضطرين للانصياع لهذا الابتزاز، تجنباً لما سينتظرهم من جراء هذا الاعتقال التعسفي، الذي لا يخضع لقانون أو تعليمات رسمية.
الــنظام الســوري الآن بــات مــكوناً من خليــط من جنــود، وعناصــر أمن، وشـــبيحة، ولصوص، وقطاع طرق، لا يـردعــهم رادع.
بل وحتى ضباط الأمن باتوا مشاركين في الكثير من أعمال الابتزاز الحقيرة. فقد وردت من سورية الكثير من الروايات عن أن هناك بعض ضباط الأمن ممن يُرسلون إلى أهالي المعتقلين في الفرع الذي يترأسه رسالة مفادها، أنهم إن دفعوا مبلغ 200 ألف ليرة يخرج معتقلهم مثل الشعرة من العجين، مهما كانت التهمة الموقوف بسببها. وإلا سيرسل لهم جثته.
وفي حال كان المعتقل امرأة، يهدد باغتصابها وتصويرها، وإرسال صورها إلى أقربائها.
شرع النظام الشهر المنصرم في تأسيس ما يُسمى كتائب الأسد، التي تتفرع إلى قسمين: الأول، كتائب الأسد المسلحة، والتي يُشترط للانضمام إليها أن ينتمي إلى الطائفة العلوية.
ويُرسل من يلتحق بتلك الكتائب من أعضاء حزب البعث المدنيين والشبيحة إلى منطقة نائـــية في محافظة اللاذقية، للــتدرب على استخدام الــسلاح الخفيف، ويــقوم بتدريــبهم بــعض الضباط من قوات الباسيــج الإيـراني.
القسم الآخر، كتائب غير مسلحة، تتكون من أعضاء حزب البعث والعاطلين عن العمل من الطوائف الأخرى غير العلوية؛ مهمتها مراقبة الشوارع والأزقة على مدى 24 ساعة، وتصوير المتظاهرين، والتدخل السريع لقمع المظاهرات بالعصي الحديدية والخشبية إلى حيــن حضور عناصر الأمن.
لقد وصلت سورية إلى حالة من التشدد الأمني أسوأ بكثير مما كانت عليه في أوائل الثمانينات، إذ أعاد النظام تطبيق قوانين استخراج الموافقة الأمنية لأي شيء يمكن أن يتصوره العقل البشري، ابتداء من سعي الآباء لاستخراج شهادة ولادة الأبناء في المستشفيات، حتى استصدار الأبناء تصريح دفن الآباء. كما نشر النظام عناصر مخابراته في دوائر الدولة الرسمية، والجامعات، والمدارس، والمصانع. وعاد إلى بث حالة الرعب والخوف في قلوب الناس، عبر دسّ عناصر بينهم، لكتابة تقارير حول أفكارهم، واتجاهاتهم السياسية، وعقائدهم.
فأصبح المعلم يخاف من زميله المعلم، وأستاذ الجامعة يخاف من طلابه، والموظف يخاف من زميله في العمل؛ بل أضحى المواطن يشك في أخيه، وابن عمه، وابن خاله، في أنه من أزلام النظام. لقد اعتقل النظام أكثر من 200 طبيب، بحجة أن ثمة تقارير كتبت بحقهم بأنهم يعالجون جرحى المظاهرات في البيوت؛ خشية اعتقالهم إن أسعفوا إلى المستشفيات.
ووزع النظام تعليمات صادرة عن وزارة الداخلية على الصيدليات للإبلاغ عن حالات شراء خيوط الجراحة وأدوية التعقيم التي يحتاجها المتظاهرون للعلاج خارج المستشفيات.
أما عن الحالة الاقتصادية، فالوضع الاقتصادي مترد للغاية، وخاصة بعد الحظر الذي فرضه الغرب على البنك المركزي السوري. فقد هرع أغلب السوريين إلى سحب أموالهم من البنوك خشــية ضياعها.
وتم اكتشاف أوراق نقدية من فئة الألف ليرة مطبوعة في مطابع تابعة لوزارة الدفاع مزورة، مما أدى إلى انخفاض قيمة الليرة السورية أكثر من 15 % من قيمتها أمام العملات العالمية.
كما انتشرت ظاهرة البناء المخالف على الأراضي الحكوميـة بشكل لافت للنظر.
وتفشت ظاهرة سرقة الكهرباء من الكوابل الرئيسة؛ للتهرب من دفع فواتير الكهرباء.
أما الفساد والرشوة فقد عمت أرجاء ومناطق سورية كافة، نتيجة انعدام الرقابة. وعادت ظاهرة التهريب من الدول المجاورة، بخاصة من لبنان كما كانت في الثمانينات؛ بسبب حظر الاستيراد.
ووصلت نسبة التضخم في الأسعار إلى أكثر 25%، بسبب نقص الاحتياطي من العملات الأجنبية.
وازداد أعداد العاطلين عن العمل، نتيجة توقف الزراعة، والصناعة، والقطاعات المتعلقة بالسياحة عن العمل.
الحياة