صفحات الناس

النشطاء السوريون في مواجهة الموت وخيبة الأمل/ لينا سنجاب

مراسلة بي بي سي

تبدو سماء دمشق ملبدة بالغيوم وكأنها “تنبئ” عن الأوضاع الراهنة في البلاد

تطل الشمس على دمشق، من بين السحب الممطرة التي تغطي أغلب سمائها. ويعلن الربيع عن نفسه في هذه المدينة، بكل ما يحمله من نسمات وأزهار دمشقية، ومياه متدفقة. يجعل هذا من السهل على المرء أن ينسى أنه في منطقة حرب، لولا وجود نقاط التفتيش والانتشار العسكري المتزايد في الشوارع.

شوارع دمشق تعُج بالسيارات، والأشخاص الذاهبين إلى أعمالهم، أوالأطفال إلى مدارسهم، بشكل عادي، كأي مدينة أخرى في العالم. وبالرغم من الانتشار العسكري في كثير من أرجاء العاصمة السورية، فالحياة في الأجزاء الخاضعة لسيطرة الحكومة طبيعية لدرجة قد تدهشك.

ربما لم يعد صوت القصف البعيد يزعج سكان المنطقة الواقعة في قلب دمشق، ومع ذلك فهم مهمومون بالحرب، لكنهم يعلمون إلى أي مدى هم محظوظون أيضا.

إنهم يعلمون تماما طبيعة الحياة التي يعيشها الناس في المناطق الأخرى، التي تبعد عن قلب العاصمة، وفي بقية أنحاء سوريا خاصة المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة.

تحول جذري

يمارس السوريون حياتهم في ظل صراع لا يبدو حسمه قريبا

مايا مخرجة أفلام تعمل بشكل سري في دمشق، بعد أن تركت وظيفتها، حتى تتفرغ لمهمة توثيق ما يحدث حاليا في سوريا.

منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد قبل ثلاث سنوات تقريبا، كانت مايا واحدة من النساء الأوائل اللائي نزلن إلى الشارع للمطالبة بالتغيير.

واعتُقلت مايا حينما شاركت في مسيرة صامتة في قلب دمشق، رفعت خلالها النساء لافتات تطالب بالحرية وترفض قتل المتظاهرين السلميين.

وبينما تجلس مايا ذات الشعر الأشقر في مقهى في دمشق تحتسي الشاي ، تتذكر الأيام الأولى للثورة وتقول “لقد كان الأمل يملؤنا والتصميم، على أن فرصتنا قد سنحت. وبرغم التهديد الأمني والخوف من القتل أو الاعتقال، لم نتوقف أبدا عن الابداع وإيجاد طرق مختلفة للمقاومة السلمية”

تضحك مايا التي كانت تحكي عن تجربتها مع تلك الأحداث في بدايتها، خاصة حينما تصل إلى وصف المدى الذي وصلت إليه رفقة زملائها وزميلانتها الناشطين في محاولة للفت الإنتباه إلى مطالب الانتفاظة: “لقد كنا نضيف صبغة حمراء على مياه النوافير في دمشق في منتصف الليل، لكي نذكِر كل الناس بنزيف الدماء الجاري في البلاد، وكنا نطلق بالونات مكتوب عليها كلمة الحرية في السماء.”

“وصل بنا التحدي إلى أن وجّهنا الأضواء الكاشفة التي تكتب كلمة الحرية على القصر الرئاسي، ونصبنا مكبرات الصوت في الميادين الرئيسية لكي ننشد من خلالها الأغنية الثورية: يالله إرحل يا بشار.” تقول مايا.

يعلم سكان قلب العاصمة دمشق أنهم محظوظون عن غيرهم من السوريين

لكن تلك الأيام ولت، حيث زارت مايا مرات عديدة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، لكي توثق ما يجري هناك. لكنها تقول إن ما شاهدته لا يرتبط من قريب أو من بعيد بما كانت تطالب به هي ورفقاؤها من الناشطين.

وتشرح قائلة: “هناك إسلاميون راديكاليون يريدون أن يحولوا سوريا إلى دولة إسلامية ذات أجندة راديكالية.”

وتضيف: ” إنهم يرغمون النساء على ارتداء الحجاب وأحيانا النقاب، كما هو حادث في الرقَة حاليا، والتي تخضع لسيطرة تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام المعروف باسم داعش، والمرتبط بالقاعدة”.

وتعتقد مايا أن العديد من الجماعات المسلحة التي تعمل داخل سوريا قد انكشف وجهها القبيح عبر الفساد والنزاعات الداخلية على السلطة.

وتقول إن المتطرفين، الذين تخالف معتقداتهم وجهات نظر معظم الشعب السوري، قد تم إقحامهم في البلاد عبر قوى إقليمية.

“الاستسلام أو الموت جوعا”

يتعرض النازحون السوريون لحصار وتجويع من القوات الحكومية

وقد سجلت الأمم المتحدة 2.5 مليون لاجئ نزحوا من سوريا، ويعتقد أن هناك مليون شخص آخرون أغلبهم من الطبقة المتوسطة المتعلمة تركوا البلاد، ولم يتم احصاؤهم ضمن إجمالي عدد اللاجئين.

أما داخل سوريا فقد شرد 6.5 مليون آخرين، ومن المرجح أن يكون ثلاثة أرباع الشعب السوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية بحلول نهاية العام 2014.

ويعاني حوالي 300 ألف شخص معاناة كبيرة من أجل البقاء على قيد الحياة في أماكن تحاصرها قوات النظام، ويعيش بعضهم هذه الأوضاع منذ أشهر متتالية.

ويبدو أن الحكومة تتبع سياسة “الاستسلام أو الموت جوعا “، وأن ذلك يؤتي نتائجًا لصالحها.

ففي مدينة حمص القديمة وعدة مناطق في دمشق، من بينها المحمدية ومخيم اليرموك لللاجئين الفلسطينيين، نسى المدنيون مطالبتهم بالحرية، ويطالبون الآن بلقمة العيش فقط.

أما في مناطق أخرى حيث توجد المعارضة المسلحة، أو الأماكن التي احتجت على حكم الرئيس السوري بشار الأسد، تستمر قوات النظام بقصف الأحياء مدمرة واحدًا تلو الآخر ومخلفة الكثير من القتلى، أغلبهم من المدنيين.

وقال ناشط في مدينة حلب، التي انقسمت إلى مناطق موالية لمجموعات مختلفة منذ 2012، إن بعض المواطنين عالقون “بين شرين… القصف من السماء أوالقتل من على أيدي المتطرفين على الأرض”.

المجتمع المدني

دخلت العديد من الجماعات المتطرفة على خط النزاع في سوريا

من جانب آخر، تعيش مايا حياة عادية في دمشق، فهي تقوم بحضور دروس الموسيقى، وتتناول العشاء خارج البيت بصفة مستمرة مع أصدقائها.

كما يذهبون أيضًا للعب البولينغ في إحدى المراكز التجارية التي يرتادها الكثير من المتسوقين والعائلات، التي تقيم أيضًا هناك حفلات أعياد الميلاد لأطفالها، أو تنظم نواد للقراءة أو مشاهدة الأفلام.

ولكن مايا ماتزال، والكثيرون مثلها، مصممين على الدفع من أجل التغيير.

يعمل نشطاء المجتمع المدني في الخفاء في محاولة لحماية نسيج المجتمع السوري من التمزق، ومد يد العون لمن يحتاجها في أنحاء البلاد.

وقد قام هؤلاء النشطاء بإنشاء شبكات لتوفير الدعم الانساني، والتعليمي، والطبي، للنساء والأطفال ضحايا الحرب، الذين يعيش الكثير منهم على مرمى حجر من وسط دمشق.

ولكن العديد من النشطاء السلميين يتعرضون للسجن، ومنهم سجناء يتم يتم تعذيبهم حتى الموت.

“علينا الاستمرار”

هناك حملات دعائية تطالب الأسد بالترشح مجددا للرئاسة

ويبدو أن الصراع السوري قد وصل إلى طريق مسدود بعد ثلاثة أعوام من الصراع، فيما لم تؤد محادثات مؤتمر جنيف2 للسلام الشهر الماضي إلى الحل السياسي المنتظر، لتمهيد الطريق أمام بناء نظام ديمقراطي.

فالحكومة السورية وصفت بعض أعضاء المعارضة المشاركين في المؤتمر بـ”الارهابيين”، وقامت بمصادرة ممتلكاتهم. وفي الوقت نفسه توشك فترة الأسد الرئاسية (7 سنوات) على الانتهاء، وثمة حملات الآن تدعوه للترشح لفترة جديدة.

تقول مايا: “يجب أن نستمر بكل وسيلة ممكنة” وعلى الرغم من أنها فقدت الكثير من الأصدقاء في هجمات للنظام إلا أنها ماتزال تتحلى بالعزيمة.

وتضيف “لم نحقق حلمنا بأن تكون سوريا حرة ديمقراطية بعد، ولكن التغيير قادم على الطريق، وسنجد أساليب مختلفة لإنهاء الحكم الدكتاتوري.”

BBC © 2014

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى