«النصرة»… لماذا؟ ومن هو المسؤول؟!
صالح القلاب
كثر الحديث أخيراً عن “جبهة النصرة”، واستجابة للقرار الأميركي باعتبار أن هذه الجبهة تنظيم إرهابي يشكل نسخة عن “القاعدة”، فإن هناك من ذهب بعيداً في الاتهامات وإن هناك من قال ولايزال يقول إن هذه المنظمة هي اختراع جديد من اختراعات المخابرات السورية كـ”فتح الإسلام” والعديد من التنظيمات الوهمية، التي زرعتها للأغراض المعروفة في الساحة الفلسطينية سابقاً ولاحقاً وفي كل المراحل.
ربما كان الأميركيون وغيرهم من الذين يرون هذا الرأي، قد ذهبوا بعيداً عندما اعتبروا أن جبهة النصرة امتداد لـ”القاعدة”، وأصدروا بحقها حكماً باعتبارها تنظيماً إرهابياً استناداً إلى تقارير أجهزتهم الاستخبارية، والحقيقة أن بعض أعضاء هذا التنظيم كانوا مقاتلين في أفغانستان وفي العراق وفي الشيشان، والحقيقة أيضاً أنَّ بعض المتطوعين من سلفيي بعض الدول العربية والإسلامية قد التحقوا به لاحقاً، وهذا أمرٌ عادي في ظل طبيعة الصراع المحتدم الآن في سورية والمتواصل منذ نحو عامين والذي من غير الممكن إنكار أنه اتخذ طابعاً طائفياً مقيتاً وبخاصة في الآونة الأخيرة.
إن من المفترض أنه معروف، وهذا بالإمكان إثباته بالأدلة القاطعة، أن “النصرة” لم تتشكل في الخارج وأنها لم تُدخل إلى سورية جاهزة للقتال على الفور، فتأسيسها كان في الرابع والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2012 في مدينة حمص عندما كانت هذه المدينة في ذروة الحصار الذي فرضه عليها نظام بشار الأسد وجيشه ومغاويره وشبيحته بمشاركة طائفية ومذهبية من قبل مقاتلي حزب الله اللبناني، ومقاتلي فيلق القدس التابع لحراس الثورة الإيرانية.
لم يُثبت الأميركيون أن “جبهة النصرة” جزءٌ من “القاعدة” ولا نسخة عنها، والثابت أن الذين أسسوها جميعهم سوريون بدون أي مشاركة من قبل وافدين من الخارج، وأغلب الظن أن الولايات المتحدة قد ألصقت تهمة الإرهاب بهذا التنظيم، الذي لاشك في أنه يتلقى تبرعات ذات طابع إسلامي من الخارج وأن بعض مقاتليه إمَّا كانوا في أفغانستان أو في العراق أو في الشيشان، من قبيل إيجاد مبرر “مقبول” لكل هذه المواقف الأميركية تجاه الأزمة السورية التي أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها “مائعة” وإنها لا تمثل رسالة الشعب الأميركي الإنسانية الخالدة.
ويقيناً لو أن الولايات المتحدة لم تحاصر الجيش السوري الحر بمنعه من التسلُّح ولم تفرض على الأوروبيين وبعض العرب اتخاذ هذا الموقف نفسه لما كانت هناك “جبهة نصرة”، ولكان هذا الجيش يمسك بكل مقاليد الأمور بقوة ولما سمح بأي بروز “إرهابي” على الساحة السورية، ولفعل ما كانت فعلته الثورة الجزائرية التي اضطرت إلى منع التعددية التنظيمية وهي في ذروة صدامها مع المستعمرين الفرنسيين حفاظاً على وحدة قرارها، وتحاشياً لأي اختراقات غير منضبطة كتلك التي عانتها الثورة الفلسطينية والتي لاتزال تعانيها حتى الآن.
أما عندما يُحاصَرُ الجيش السوري الحر كل هذا الحصار، وعندما تتلقى المعارضة السورية وعوداً سخيَّة لم يتحقق أي شيء منها على الإطلاق، وعندما يرتكب نظام بشار الأسد كل هذه المجازر ضد الشعب السوري بدافع طائفي، وعندما تتدخل إيران طائفياً كل هذا التدخل السافر في الشؤون السورية، ثم عندما يدخل حزب الله المعركة منذ الأيام الأولى بكل ثقله وبدوافع طائفية، ثم عندما تتجاوز أعداد القتلى على أيدي هؤلاء جميعاً التسعين ألفاً، وعندما تصل أعداد اللاجئين والمهجرين والجرحى والمفقودين والمعتقلين إلى أرقام فلكية، فإنه أمرٌ طبيعي أن تظهر “جبهة النصرة” هذه، وإنه أمرٌ طبيعي أن يأتي متطوعون بأفق إسلامي من الخارج، وإنه من غير المستبعد أن تَدْخُل “القاعدة” نفسها بكل إرهابها على الخط إذا بقيت الأمور في سورية تسير في هذا الاتجاه الذي تسير فيه، وإذا استمرت المذابح الدامية التي يقوم بها هذا النظام ضد “شعبه” بدافع طائفي أصبح واضحاً ولا يمكن إنكاره.
الجريدة