النظام السوري.. بين الثورة والحلف الصهيوأمريكي
د. عبد الله هلال
الطاغية لا يرى إلا نفسه، حتى إن كان طبيب عيون.. ومن الطبيعي أن يحيط الطاغية نفسه بحاشية فاسدة، لا تهمها مصلحة الوطن ولا حتى مصلحة سيدها وولي نعمتها، فيعزلونه عن المجتمع وعن الناس وعن الدنيا كلها حتى يصاب بالعمى والصمم فلا يميز شيئا مما يدور حوله، فيكرر أخطاء أقرانه من الطغاة، ولا يستفيد من عبرة التاريخ. ومع تواتر الثورات العربية، المتشابهة تقريبا في كل شيء، ظن المتابعون للشأن العربي أن كل طاغية سوف يعمل على الاستفادة من تجارب سابقيه، ولن يكرر أخطاءهم.. ولكن ويا للعجب؛ فكل واحد منهم يسير على الخطى نفسها من دون أخذ العظة أو العبرة. تشتعل الثورة، وتبدأ هادئة بمطالب بسيطة، فيركب الطاغية رأسه وتوسوس له الحاشية؛ فيسيطر عليه العناد والمكابرة ويرفض الاستجابة لمن يرى أنهم رعاع.. ويرتفع سقف المطالب بالطبع، فتأخذه العزة بالإثم ويبدأ في الترويع والقتل لإرهاب الشعب، ظنا منه وممن يدفعونه إلى نهايته أن القتل سوف يخيف الشعب الثائر.
وقد رأى الطغاة في كل الثورات العربية وغيرها أن سفك الدماء يأتي بنتائج عكسية، فالدماء تستدعي الدماء وتُسقط الخوف.. ولذلك، وكما نرى يومــــيا، كلما زاد عدد الشهداء تزايد عدد الثائرين وتضاعف ليصل إلى الملايين… والطغاة لا يفهمون. ولا ندري كم يبلغ مهر الحرية من الشهداء عند كل طاغية؟
وتعتبر الثورة السورية أكثر ما يثير العجب.. فقد كان أمام (الدكتور) بشار الأسد الوقت الكافي لتحكيم العقل وأخذ العبرة واستباق الثورة الشعبية بإصلاحات حقيقية ملموسة؛ إصلاحات لا تقل عن تلك التي جاءت بها الثورات في تونس ومصر وغيرهما، ولكنه خضع لتضليل الحاشية – التي تسعى لحماية نفسها- وأضاع الفرصة للمرة الثانية. في المرة الأولى، عندما ورث الحكم بسهولة.. كان أمامه ألا يُحمّل نفسه أوزار نظام أبيه، وأن يتخلص بذكاء من الحاشية الفاسدة مستعينا بالشعب السوري الذي يتوق إلى الحرية، ولكنه دخل طائعا مختارا إلى شرنقة هذا النظام المستبد، حابسا نفسه داخلها، وممهدا الطريق للثورة الحالية، التي كان الجميع يتوقعون أن تسبق الثورات العربية الأخرى. وعندما بدأت نذر الثورة، لم تصل إليه الرسالة إلا متأخرا جدا، فأخذ بأسلوب الترقيع البطيء، غير معتبر بمن سبقوه.
وعندما غير الحكومة لم يغير شيئا سوى تغيير وجوه غير مرغوبة بوجوه غير مرغوبة، وأجلسهم كالتلاميذ- وكلهم أكبر منه عمرا- وأخذ يلقي عليهم ‘الواجبات المدرسية’ وكأنه الوحيد في سورية الذي يفهم في كل شيء؛ وهم مجرد تلاميذ تحت التمرين، فجاء التغيير بنتيجة عكسية، وزاد الثورة اشتعالا.
لم يفهم النظام السوري أن الدنيا تغيرت، وأن التعتيم الإعلامي لم يعد ممكنا، وأن أسلوب القتل من وراء ستار وإلقاء التهم على الآخرين لن يجدي نفعا، وأن الخوف سقط من قلوب الشعوب العربية إلى غير رجعة.. فورط نفسه ونظامه في مذابح لا داعي لها، ولن تفيده في شيء لأن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء.
إن ما دفعني للكتابة عن سورية بصفة خاصة، هو الخوف على هذا البلد المستهدف، وليس على النظام الحاكم بالطبع.. فسورية ليست كاليمن أو ليبيا، والحلف الصهيوني الأمريكي الذي يتآمر على العرب أجمعين تهمه سورية أكثر من غيرها، سعيا لتأمين العدو الصهيوني من احتمالات أي تغيير للوضع الراهن، حيث لا سلم ولا حرب. فهذا الحلف الذي يدعم الطغيان في اليمن من أجل مصالحه، هو ذاته الذي أسرع إلى التدخل الفوري في ليبيا لأسباب لا تخفى على أحد، ولكنه في الوقت نفسه يحافظ على القذافي ويخطط لإطالة أمد الصراع، من دون التفات لآلاف الضحايا والمشردين. ولا شك أن العدو الصهيوني لا يرغب في وصول الحرية إلى الشعب السوري، خوفا من وجود نظام شورِي متقدم يمكن أن يستجيب للمطالب الشعبية بتحرير الجولان، ويفتح الباب لصراع يقلب كيان العدو، الذي لم يفق بعد من صدمة الثورة المصرية والخوف من توابعها.. ولكن رغم ذلك فالحلف الصهيوني الأمريكي يتمنى أن تتاح له الفرصة لتكرار التجربة الليبية في سورية، فيقصفون المطارات وقواعد الصواريخ ويدمرون كل الأسلحة والبنية الأساسية، لضمان إخراج سورية من احتمالات الصراع مع العدو لعقود قادمة؛ يتقوى خلالها العدو ويفرض الأمر الواقع. وينبغي أن يكون واضحا أن مسألة احتضان المقاومة لا تقتصر على النظام السوري، فالشعب هو الذي يحتضنها.. ولولا هذه السياسة الداعمة للمقاومة لاشتعلت الثورة السورية قبل ذلك بكثير، وعندما تنتصر الثورة لن يتغير الوضع إلا إلى الأفضل بالنسبة للمقاومة.
فهل تصل النصيحة إلى النظام السوري، فيأخذ بها وينقذ وطنه من مصير مجهول.. بالاستجابة للمطالب الشعبية؛ إما بإصلاح حقيقي شامل يطهر الوطن من المفسدين والمتسلقين، وإما بالرحيل وتفويت الفرصة على الأعداء.. نتمنى ذلك. ونحن ندرك بالطبع أن الحاشية – من أركان النظام السوري – لا يمكن أن تسمح بأية إصلاحات تطيح بها وتكشف فسادها، خصوصا بعدما رأوا ما يحدث في مصر.. بل ويمكن أن تنقلب على بشار الأسد، ولكن اللجوء المخلص إلى الشعب هو الذي يمكن أن يفوت عليهم الفرصة. ويجب أن يعلم الطغاة وأعوانهم أن الشرفاء فقط هم الذين لا يخافون من ذلك اليوم الذي يغادرون فيه مقاعد السلطة.. الشرفاء فقط.
‘ كاتب مصري