النظام السوري سيرة وانفتحت
سعيد لحدو
أصابُ أحياناً بعسر فهم شديد حين أُضطر (بدافع الفضول طبعاً وليس لزيادة الاطلاع) للاستماع إلى تصريحات بعض أركان النظام وأعوانه وهم يتلون آيات غير كريمة من صفحات النظام على أمل أن يقنعوا أنفسهم أولاً على أنهم مازالوا يتنفسون من رئة النظام، لذلك فهم موجودون. ولكي يخلقوا لأنفسهم مناسبات يطلون من خلالها عبر شاشة التلفزيون الرسمي ليقولوا مايضحك ويبكي في الآن ذاته فإنهم يطبقون المثل القائل: (يلي مثلنا تعو لعنَّا). وقد خف بتلبية الدعوة رهطٌ من وزراء بعض دول أمريكا اللاتينية بزعامة وزير تشافيز الفنزويلي ماغيره ممن يزمجرون ليل نهار بدفاعهم عن الشعوب ليقولوا للمعلم السوري ومعلمه: لا يهمك نحن معك. وليذهب الشعب السوري يبلط بالبحر. وبالطبع لن يذهب الشعب السوري لتبليط بحر بيننا وبينهم اتساعه آلاف الأميال. ناهيك عن أن كلامهم هذا لايعتد به بالنظر إلى تأثيرهم المحدود حتى ضمن بلدانهم نفسها. ولهذا فلا أحد يأخذ كلامهم على محمل الجد. ولكن الشعب السوري بثورته هذه مصمم على تبليط أرض دياره وتنظيفها من هذه العصابة التي أجرمت بحق الله والإنسان والوطن. ومازالت تتشبث بأوهام الدعم والمساندة من أنظمة لا تستطيع إسناد ظهرها إلا للحيطلن المتداعية. حالها حال نظامنا السوري المهرول مودعاً دون رجعة.
ولقد تشجع الوزير المعلم بإمكاناته البارزة وبمسانديه بالكراسي المصفوفة إلى جانبه من وزراء فنزويلا إلى كوبا كاسترو ملك ملوك أمريكا اللاتينية المستديم أكثر من القذافي، إلى نيكاراغوا وبوليفيا والإكوادور وهم يطأطئون برؤوسهم مؤيدين بأن المعلم ونظامه سيتخذون إجراءات مشددة ضد كل من يعترف بالمجلس الوطني السوري. والمعلم لم يفصح عن أية إجراءات عملية يتحدث. وهذا هو سر قوة تلك الإجراءات، لأنها كتهديدات معلمه الوريث بأن سورية تملك من القوة مايذهل العدو. ولا ندري لماذا لم يستعمل هذا الوريث أو أبوه من قبله هذه القوة حتى الآن لتحرير الجولان النائم على حرير الاحتلال الإسرائيلي منذ قرابة أربعة عقود ونصف؟؟ أو لماذا لم يردعوا إسرائيل وهي تدمر جنوب لبنان في 2006 أو ماسمي بحرب غزة بعدها، أو أقله إسقاط طائرة إسرائيلية واحدة لمجرد رفع العتب عندما حلقت فوق قصر بشار الأسد في اللاذقية أو عندما قصفت مفاعل دير الزور في شرق سورية؟؟؟ لقد ذُهِلَ العدو فعلاً ولكن ليس من رد فعل النظام على عدوانه، وإنما من عدم قيام النظام بأي رد على كل تلك الاعتداءات الفضائحية باستثناء الشعارات اللفظية التي مافتئ المعلم ورفاقه الآخرون يرددونها خلف رئيسهم المفوَّه كتلامذة مدرسة ميزتها الوحيدة الغباء والترديد الببغاوي لما يسمعونه أو يُقال لهم أن يقولوه.
وإن كان المعلم قد نسي فلا أعتقد بأن أحداً قد نسي أنه، وربما بإشارة من معلمه، كان قد مسح أوربا من الخارطة. وأعلن حينذاك أنه سيتجه شرقاً. ولم تكذب بثينة شعبان خبراً، واتجهت على الفور بما تبقى في الخزينة من العملة الصعبة إلى ماليزيا لتقنع الماليزيين بأسطورة العصابات الإرهابية التي انشقت الأرض فجأة وقذفت بها في وجه النظام. آملة من الماليزيين أن يسعفوها ونظامها بما اشتهروا به من عقاقير تطرد الأرواح الشرية وتحل السكينة على من أقلقت الثورة مضجعه. وللتذكير فإن بثينة شعبان هذه هي ذاتها التي هددت بإسماع وزير الخارجية التركي كلاماً أكثر حزماً إن زار سوريا. ومنذ تلك الزيارة غادر الوزير أوغلو سوريا مرتعد الفرائص من كلام بثينة ولم يعد. وللعلم فقط، فإن بثينة هذه من صنع نظام الأسد ولا تربطها أية صلة قرابة لا من بعيد ولا من قريب ببثينة إياها صاحبة جميل التي قال فيها ماقال من الشعر. وهي أيضاً لا تشبهها في شيء. وبخاصة أن أحداً في المنطقة (باعتبار أوربا وربما أمريكا أيضاً مُسحت من خارطة المعلم) لم يعر كلامها وتصريحاتها أية أهمية لافتقارها إلى المصداقية، فذهبت إلى بلاد الواق الواق لتبحث عن جميل يبثها مشاعر الغزل الرخيص.
وزاد حسون في الطنبور نغماً عندما رفع عقيرته وهدد أوروبا وفلسطين بإرهابييه الانتحاريين الموجودين كخلايا نائمة في مناطق العمليات ينتظرون منه ومن نظامه إشارة البدء. ومنذ سبعة أشهر وأبواق النظام تردد أن عصابات إرهابية موجودة في سورية هي التي تقوم بأعمال القتل والخطف والتفجير، وإذ يفاجئنا الحسون ليقول بأنه صاحبها والساهر على رعايتها ودعمها وتوجيهها. وإذا علمنا كما يعلم الجميع أن حسون هذا هو مفتي النظام الأوحد في عصر الفتاوى السياسية، فلا شك أن وقوعنا في الحيرة والارتباك في هذه الحال له مبرراته القوية. لقد ادعى النظام على الدوام بأنه يحارب الإرهاب وهاهو نهاراً جهاراً يهدد من لا يساير سياسته في قتل الشعب والتنكيل بمعارضيه السياسيين، بإرسال الانتحاريين لا بل هو قد أرسلهم مسبقاً بعد تدريب وتحضير منذ زمن لاستعمالهم عند الحاجة كما اعتاد دائماً أن يفعل في دول الجوار وغيرها. وهو ليس النظام الوحيد الذي هدد بهذا الأسلوب. فبالأمس القريب كان صدام حسين يهدد بـ 15000 إنتحاري. فرحل صدام ومازال انتحاريوه يعيثون في الأرض فساداً. وتلاه القذافي واختفى في أحد الجحور في الصحراء الليبية وها نحن ننتظر انتحارييه. فمتى سيبدأ انتحاريو حسون ونظامه عملياتهم الإجرامية بحق الإنسانية طمعاً في استدامة حكم نظام أيل للزوال؟؟ هذا النظام الذي تكمن مصداقيته الوحيدة في القدرة على استخدام الدين وسيلة لمآربه السياسية والعائلية. وله سوابق مشهودة في هذا الشأن. والأمثلة لا تقتصر على العراق ولبنان فقط لأنها ستمتد إن طال عمر هذا النظام إلى البلدان التي سبق للمعلم أن شطبها من خارطة العالم وأبقاها على خارطة الإرهاب التي كما يبدو ستتسع مع اتساع مساحة الاعترافات المتوالية بالمجلس الوطني السوري. يجري هذا في الوقت الذي سيشطب النظام السوري المزيد والمزيد من الدول والبلدان من خارطة العالم ليبق أخيراً وحيداً أمام مصيره الحتمي.