صفحات العالم

النظام السوري متّجهاً إلى فضائه الافتراضي


دمشق ـ غازي دحمان

تذهب التصريحات السياسية لنظام الحكم في سورية إلى التأكيد على أن الثورة قد إنتهت، فيما يبدو أنه إعادة إنتاج لمقولة «خلصت« التي لازمت الرواية الرسمية عن واقع الثورة وحالها منذ إنطلاقتها. ويبدو ان «خلصت« في طبعتها الجديدة، تنطلق من الرغبة التي أبداها النظام في أن يكون قويا في الفضاء «الإفتراضي« بما يوازي قوته على الأرض، فيما يبدو أنه محاولة لترسيخ رواية النظام بأن الثورة ليست سوى عالم إفتراضي صنعته الفضائيات وصفحات الفيسبوك .

بالطبع، لا يوضح النظام وأنصاره الإقليميون، كيف ان الثورة إنتهت، فهو يتحدث عن إنهائه لتنظيم عسكري «الجيش الحر« لم تثبت الوقائع الميدانية إنتهاءه، وإن عمل على الإنسحاب من بعض المواقع، بما يتفق وطبيعة الحرب التي يخوضها وطبيعة تجهيزاته القتالية وقدراته اللوجستية. الأمر يجعل من تلك التصريحات المبشرة بإنتهاء االثورة بناء على هذا المعطى المتحرك مجرد تحليلات رغبوية ومتسرعة، ذلك أن الثورة في الواقع الميداني لا تتوافق مع شطحات النظام وأماني حلفائه، كما ان الثورة تملك ديناميتها التي ليست لها علاقة بإجراءات النظام وسياساته والتي تجعلها قادرة على التكيف مع التطورات المحتملة والمتوقعة والمفاجئة منها .

ومن المفيد هنا التذكير بأن صراع الثورة مع النظام إتخذ في مساره شكلاً دائريا تتغذى حلقاته من بعضها البعض، وقد كان واضحاً أن تشكل هذه الحلقات لطالما خضع لقاعدة « التحدي والإستجابة« وهو نمط يعكس مدى تكيف الثورة مع المتغيرات التي تواجهها، وكذا حالة الإنسجام بين قوى الثورة ومحركاتها وكذا الأدوات المتوفرة والمتاحة، بما يساهم في صنع مجال حركة الثورة وتظهير مفاعيلها وبلورة فعالياتها .

من هنا كان من الطبيعي أن تنطلق الثورة من الريف وعشوائيات المدن، حيث شكلت عوامل التهميش والإضطهاد المحركات الأساسية والشرعية، وكانت العشيرة والإنتماء المناطقي هما أدوات الحراك بما يشكلانه من حاضنة وحماية للثورة. أما المجال فقد كان المسجد كحيز مجسد على الأرض ومتوفر في كل مكان، وقد تطلب تأمين مجال أوسع للحراك العمل على قضم مجال السلطة الأمنية الواسع، سواء أكان ذلك عبر إنكفاء شبكة المخبرين او من يسمون ب» العواينية «، إما بسبب تهديدهم أو إنكشافهم، وإما لإضطرارهم الإنحياز إلى عوائلهم، أو قتل العديد منهم، الأمر الذي إنقطعت معه كل قنوات الإتصال مع قيادات الأجهزة التي فقدت بدورها قدرتها على الرؤية ومعرفة ما يحصل على الأرض، وأصبحت عاجزة تالياً عن الفعل. وهذا ما إستدعى تدخل الجيش، وهو التدخل الذي أفرز بدوره ظاهرة الإنشقاق، وهي بدورها إستجاة أفرزتها الثورة في مواجهة القوى الغاشمة .

والحلقة القادمة للثورة ستتشكل من إنخراط الحواضر الكبرى في الحدث، حلب ودمشق، وذلك نتيجة معطيين أفرزتهما حركة الثورة:

المعطى الأول: حركة النزوح الهائلة من االمناطق المشتعلة والتي دفعت بعشرات الالاف من هذه المناطق إلى دمشق وحلب، وقد سكن أغلب هؤلاء في الأحزمة الفقيرة والمشتعلة أصلاً، ونشوء حركة إغاثة واسعة يشارك فيها سكان الاحياء الرئيسية، إما بدوافع دينية أو وطنية أو إنسانية، مما جعل هؤلاء ينخرطون بالثورة بشكل من الأشكال، بل ويتعرفون على الحدث السوري على حقيقته .

المعطى الثاني: الوضع الإقتصادي الذي يزداد سوءاً والذي طاول الطبقة الوسطى في هذه المناطق بدرجات كبيرة، والتي تعتمد على المتاجر والورش والمنشآت ما يجعلها في دائرة الخطر وينذر بإحداث لخبطة كبيرة في تراتبية الطبقة الوسطى، علماً ان الدعم الحكومي لم يكن يطال هذه الفئة ولا منظومتها الإقتصادية، وخاصة في فئاتها الوسطى والعليا .

والحال، فإن من الصعب على النظام ان يطمئن إلى مقولاته، ولا حتى إثبات كيف يمكن رؤية قوته على الأرض أو في الفضاء، في الوقت الذي لايسع المراقب سوى الوقوف على سلسلة متعاقبة من الخيبات في إدارة الأزمة، يمكن إعتبار النصر فيها، بالمعايير والقيم العسكرية والوطنية والأخلاقية، إنتكاسة فادحة وهزيمة لكل هذه المعايير والقيم .

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى