النظام السوري: من تحرير الجولان إلى -تحرير- درعا
هوشنك بروكا
يحدث في سوريا، الآن: كلّ الدولة(دولة النظام) تقاتل كلّ الشعب.
ويحدث في درعا الثورة السورية، الآن: فرق النظام وكتائبه الأمنية “تحرر” المكان الأعزل المسالم من أهله.
منذ أكثر من أربعة عقودٍ، والنظام السوري يختبئ وراء “العداوة المفترضة” مع إسرائيل، تحت ألف حجةٍ وحجة.
عشرات الآلاف من السوريين سُجنوا، أو أعدموا، أو فُقدوا(منظمات حقوقية تتحدث عن أكثر من 17 ألف مفقود في سوريا خلال ثلاثة عقود فقط) بحجة أنّ سوريا هي في حالة حربٍ “حقيقية” مع إسرائيل، لم نسمع بأخبارها المؤجلة إلى أجلٍ غير مسمى، إلا في أدبيات النظام، وكلامه القديم جداً، الذي يلقيه مسؤولوه المصابون بداء “العدوات المفترضة”، في المناسبات “القومية والوطنية”.
لم يترك هذا النظام مناسبة عربية أو أعجميةً، إلا ووصف نفسه ب”صخرة الصمود والتصدي” التي لا بدّ أن تتحطم عليها إسرائيل، لتستحيل إلى فتات أو عدمٍ، لن يكون له وجود إلا في الخيال “الصهيوأمريكي”، كما يحلو لإعلام النظام هكذا أن يسميه.
قال أنّ قضيته مع إسرائيل هي “قضية وجود أو لا وجود”، فوجدت إسرائيل وزاد وجودها، دون أن نرى جولاناً، أو فلسطين موجودة.
قال أنه سيحرق إسرائيل كما حرقتهم المحرقة الهتلرية، ولم نرَ إسرائيل إلا أكثر تطوراً وازدهاراً ونوراً.
قال أنه سيرمي إسرائيل في البحر، ولم نرَ إسرائيل إلا سيدةً للبحر تسرح وتمرح فيه، أما من لا يعجبه، فليس له إلا أن “يبلط البحر”، على حدّ قول المثل.
قال أنه سيحرر كل الأراضي العربية المحتلة من الجولان، مروراً بفلسطين وحتى لبنان، ولم نرَ على طول وعرض مكانه العربي، إلا مزيداً من احتلال البلاد والعباد.
منذ حوالي أربعة عقودٍ(حرب أوكتوبر 1973) لم يطلق الجيش السوري، في جبهته مع إسرائيل “العدوة” طلقة واحدة. الجبهة السورية، هي بشهادة كلّ المراقبين، واحدة من أهدأ الجبهات وأكثرها هدوءاً في العالم.
إسرائيل قصفت مواقع سورية أكثر من مرّة، آخر قصفٍ إسرائيلي كان عام 2007 على موقع الكُبر النووي بدير الزور. قال النظام مراراً أنه سيرّد على إسرائيل في الزمان والمكان المناسبين، ولكنه ما فعل طيلة عقودٍ من العداوات الكلامية الفارغة مع إسرائيل.
النظام السوري غيّر بوصلة عداواته، الآن، بعد أن عرّاه الشعب وفضحه على حقيقته.
اختار النظامُ الشعبَ، الآن، عدوّاً بديلاً له، كما تقول فوهات قناصته ومدرعاته الموجهة إلى صدور السكان العارية.
ما لم يستطع النظام فعله مع عدو جولان(ه)، طيلة عقودٍ من العداوات الشفوية، يفعله الآن، ويطبقه عملياً، بدمٍ بارد، ضد شعبه.
الآن، ما عاد للنظام قضية في الجولان، وإنما كلّ القضية تحوّلت عنده إلى درعا وشقيقاتها السوريات المنتفضات.
الآن، استبدل النظام عدوته إسرائيل، بالشعب، وحوّل جبهته من الجولان إلى داخل مجمل المكان السوري الأعزل، من درعا إلى القامشلي، ومن البوكمال إلى اللاذقية.
الشعب السوري، يريد إسقاط النظام، والنظام يريد “إسقاط” الشعب.
الشعبُ، يريد تحرير سوريا من النظام، والنظام يريد “تحرير” سوريا من الشعب.
الشعبُ، يريد تحرير الحرية في سوريا من النظام، والنظام يريد “تحرير” سوريا والسوريين من الحرية.
الشعب يريد أن يحكم نفسه بنفسه، بدون النظام، والنظام يريد أن يحكم إلى الأبد، بدون شعب.
الشعب أراد اليوم لسوريا الحياة، فاستجاب له القدر، والنظام يريد اليوم(كما أراد من قبل) القتل لسوريا، فاستجابت له فرق موته.
أقتل..أقتل..أقتل..حتى يصدقك الناس بأنك تحكم.. تلك هي “حكمة” النظام السوري، التي اهتدى بها منذ الأول من ملكه، حتى الآن، كما يقول الرصاص “العابر للصدور المدنية” في شوراع درعا، وسائر المكان السوري المشتعل.
ذلك هو شعار النظام السوري، منذ أكثر من أربعين عاماً من قتله للحرية في الشعب، وقتله للشعب في حريةٍ سار إليها هنا، وأخرى دافع في سبيلها هناك:
أقتل، حتى يهابك الناس.
أقتل، حتى يطاوعك الناس.
أقتل، حتى يرفع صورتك الناس.
أقتل، حتى يشتري شرّك الناس.
أقتل، حتى تنكسر كرامة الناس.
أقتل، حتى يسقط صوت الناس.
أقتل، حتى تموت حرية الناس.
أقتل، حتى يخاف ظلك الناس.
أقتل، حتى يصلي لسيفك الناس.
ومع كلّ هذا وذاك، تبقى كلمة الشعب هي الأعلى؛ أعلى من كلّ قتل.
ويبقى الشعب، هو السيد؛ سيد المكان كما الزمان.
ويبقى الشعب، هو الباقي من التاريخ إلى التاريخ.
وتبقى درعا، هي مجمل المكان السوري، من الثورة إلى الثورة.