النظام السوري والإرهاب/ ميشيل كيلو
بترتيب ناجح نسبياً لأولوياته، أقنع النظام السوري العالم بأن الإرهاب ينتمي، تكوينياً، إلى المعارضة، وأنه جزء رئيس منها، بل هو طليعتها وقوة الصدام الرئيسة فيها، وأنه يحاربها كي يقضي على تنظيماته التي تضم معظم مقاتليها، وترتكب الجرائم التي تنسب خطأ إليه، كما قال بشار الأسد، أخيراً في لقاء صحافي، زعم فيه أن من كانوا يطلقون النار على المواطنين العزّل من ضباط وجنود جيشه انشقوا عنه، وشكلوا الجيش الحر والتنظيمات الأصولية والجهادية: أي الإرهابية.
هل صدّق العالم أكذوبة الأسد المضحكة؟ أعتقد أن قسماً كبيراً منه صدقها من دون أن يحفل كثيراً بجديتها وقابليتها للتصديق، لأسباب تتصل بأوهامه التاريخية عن الشرق والشرقيين عامة، والإسلام والمسلمين بصورة خاصة، من جهة، وبما حفلت به ذاكرته من أحكام مسبقة ووساوس وهلوسات، تجعل أعداداً كبيرة من مواطني البلدان الغربية يصدقون ما ينسب إلى المسلمين من ميل إلى العنف والتعصب. وبالتالي، إلى ما يسميه قادتهم بلغة مرعبة “الإرهاب”، الذي يعينهم التلويح بمحاربته على التحكم برأيهم العام، ويتيح لهم التعامل من موقع تدخلي في شؤون بلدان كثيرة خارج عالمهم المتقدم، من جهة أخرى.
واليوم، تقف المعارضة السورية أمام معضلة حقيقية، تتصل بعلاقتها مع رأي عام مؤثر، تريد كسبه، يدير ظهره للحقيقة، ويصدق ما لا يمكن تصديقه، وهو أن شعب سورية المسالم، والمطالب بالحرية، إرهابي، ونظامه الذي لطالما أكد قادة البلدان الغربية أنفسهم أنه لم يقلع يوماً عن إنتاج الإرهاب وتصديره إلى مختلف مناطق العالم يحارب الإرهابيين، ويحمي الأمن والنظام الدوليين منهم! وللأسف، ما أن تقول عن أحد ما إنه إسلامي، حتى يرتبط، في مخيلة أغلبية مواطني بلدان متقدمة عديدة، بالعنف والنزعات العدوانية، وبالاستعداد لفعل أي شيء يمكن أن يرغم غيره على قبول ما يؤمن به أو يريده.
إلى هذا، يعتقد عديد من قادة الرأي في هذه البلدان أن مجتمعنا ليس غير طوائف وأقليات متناحرة، تنعدم بينها المشتركات وأسس التعايش السلمي، تبقيها تناقضاتها في حال حرب كامنة قابلة للانفجار في أي وقت، فلا مجال لإبقائها “مسالمة”، وللحؤول دون ما تحمله علاقاتها من تهديد دائم لأمن العالم وسلامه، بغير يد سلطة حديدية، قد تكون مفرطة في عنفها داخل بلدانها، لكنها تحمي العالم خارجها، فمن الضروري تفهّم دورها، وتجاوز طابعها الاستبدادي والقمعي، ما دام إمساكها بخناق مجتمعها ضروري، لمنع مكوناته من الاقتتال، ولحماية الآخرين من شرورها وإرهابها.
بأحكام أغلبية الرأي العام، ومواقف معظم الساسة وصنّاع القرار ووسائل الإعلام، تنقلب الوقائع رأساً على عقب، وتضيع الحقائق، ويصير الشعب المظلوم قاتلاً، والقاتل الذي يدمر مجتمعه، ويمزّق شعبه، عدواً للحرب، ومحافظاً على أمن مواطنيه وسلامهم، بمن في ذلك الذين اقتلعهم من جذورهم وشتتهم في أربع أقطار الأرض، وقوّض وجودهم التاريخي، وطردهم من وطنهم، وقضى على لحمتهم كشعب واحد.
ويبقى السؤال: كيف سمحنا بوصول قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي إلى الاقتناع بأن شعبنا إرهابي، وأن نظامنا المجرم معاد للإرهاب، مع أنه هو الذي فبرك تنظيماته، لكي يضعف معارضيه والجيش الحر، ويفجر المعارك بين مواطنيه، ويشوه واحدة من أعظم ثورات الحرية في التاريخ، ويحرمها من ما تستحقه من دعم دولي وإنساني؟
يتكوّن نظام الأسد من طرفين: جيش السلطة وأمنها وتنظيمات الإرهاب التي تكمل عملهما. هل تقوم، مَن تعي هذه الحقيقة من قوى المعارضة، بما هو ضروري إعلامياً ضدهما، أم تكتفي بتجاهلهما، بينما يحرضان العالم ضد الشعب ويشوهان ثورته؟
العربي الجديد