النظام السوري ورهاب الضوء
عبدالناصر العايد *
بعد ما ارتكبه النظام السوري من فظائع استثنائية بحق السوريين الثائرين، تغدو أي مبادرة أو توجه خارجي باتجاه النظام، مهما كانت منخفضة السقف، ومن أي طرف صدرت حتى لو كانت من أقرب أصدقائه، بمثابة الضوء الكاشف، الذي يهدد وجود نظام استمد أسباب وجوده وبقائه طوال أكثر من أربعة عقود، من الظلمة والسرية التي أحاط بهما وضعه الداخلي.
فإذا كانت أقبية الأجهزة الأمنية والسجون والمقابر الجماعية السرية وستار العزل الفولاذي للسوريين، وقصر تواصلهم مع العالم بما فيه الإعلامي إلى حدوده الدنيا، والتي تكاد تنحصر في معظم الأحيان بالقنوات الرسمية، إذا كان كل ذلك قد نجح ردحاً من الزمن في إخفاء حقيقة الوضع الداخلي المأسوي في سورية، ومنع السوريين من إيصال صوتهم إلى العالم، فإن توجه العالم إلى سورية في هذه الظروف الحساسة التي تعاظمت فيها فظائع النظام إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، يكاد يشبه السؤال أو طلب زيارة مختطف لطالما أعلن خاطفه أنه يعيش في رغد ونعيم يجعلانه يسبح ليل نهار بحمده.
وفي هذا الإطار تندرج حساسية النظام السوري وتردده الواضحان أمام أي مبادرة خارجية، وبعضها يكاد ينخفض عن سقف ما يطرحه هو بالذات، أو ما يحلم بالحصول عليه مثل المبادرة العربية التي تعطي رأس النظام إمكانية البقاء ثلاث سنوات في الحكم. فالمبادرة هذه ستكون من ناحية بمثابة الفضيحة لا للنظام وحسب، بل وللأطراف الخارجية التي لا ترى أو تتعامى عن الحقيقية، وتساعد هذا النظام في مسعاه للتستر على جرائمه. وهي من ناحية أخرى قد تجتذب بعض أركان النظام التي لم توغل معه في جرائمه، وتخلخل تماسكه الداخلي الذي بذل الغالي والرخيص في سبيل الظهور على أنه كتلة صماء لا خروق فيها، كاستمرار لسياسة التعتيم وعدم الانكشاف.
وفي السياق عينه يأتي إحجام أصدقاء النظام عن القيام بأي مبادرة لرأب الصدع بين الشعب السوري «المقاوم» كما يصفه حسن نصر الله، أو الشعب «الشقيق» كما يصفه نجاد، فهؤلاء أكثر من يعرف أي باب سيعيهم رده، وأي ريح منتنة سيعيهم صدها وسيلحقهم أذاها إن هم فتحوا ثقباً في «الصندوق الأسود» على حد وصف ياسين الحاج صالح. وبدلاً من ذلك اكتفوا- وسيكتفون- بالتفرج على النظام ومحاولة دعمه من الخارج، فهو في نظرهم أضحى حوتاً ميتاً، لا يأمل في استجابته أو حيويته، ويبقى مصيره معلقاً بضعف فاعلية مناوئيه وتشتتهم، وهو ما ستسعى إليه إيران في المرحلة المقبلة، بالمبادرة نحو المعارضة وليس النظام، راحت تمهد له بإطلاق التصريحات «المغرية» والتقرب من بعض المعارضين السوريين.
مواقف المعارضة السورية المتباينة من المبادرات الخارجية قبولاً ورفضاً محقة جميعها؛ فمن ناحية لا شيء يجلب الضوء إلى جحر الوحش ويفضحه ويدمره أكثر من مثل هذه المبادرات، ومن ناحية أخرى قد يحاول النظام أن يستغل هذه المبادرات لكسب بعض الوقت عبر الدخول في مساومات وتأويلات ومناورات طويلة وعقيمة هدفها اللعب على عامل الزمن، على أمل استنزاف طاقة المحتجين وإخماد صوتهم، وهو بطبيعة الحال لن ينجح، بدلالة الحالة اليمنية.
* روائي سوري
الحياة