النظام السوري… وفزاعة التدويل
خالد الحروب
معدل القتل اليومي الذي يقوم به النظام السوري منذ دخول بعثة المراقبين العرب إلى هناك لم يقل عن 30 قتيلًا في اليوم الواحد. والبروتوكول الذي بناءً عليه ذهب المراقبون العرب إلى سوريا تحول إلى سيف جديد على رقاب السوريين، يستخدمه النظام نفسه ويتمتع بـ”الشرعية” التي يضفيها على قمعه اليومي. بروتوكول بعثة المراقبين العرب طالب الحكومة السورية بسحب كل المظاهر العسكرية، الدبابات والجيش وغير ذلك، والوقف الفوري للقتل من قبل أجهزة الأمن و”الشبيحة” فور توقيع النظام عليه. وما حصل حتى الآن هو أن النظام يقتل، والمراقبون العرب يدونون الملاحظات. البروتوكول العتيد طلب من النظام الإفراج الفوري عن عشرات آلاف المعتقلين الذين لا أحد يعلم ظروف حبسهم البائسة ولا طرائق التعذيب التي يواجهونها الآن، وأوكل للمراقبين التأكد من تطبيق ذلك. وما حصل حتى الآن هو أن النظام يتلاعب بذلك، يطلق عدة مئات اليوم، ويعتقل أكثر منهم غداً. البروتوكول العتيد طلب من النظام فتح البلاد أمام الإعلام لنقل صورة عما يحدث من جرائم. وما حصل حتى الآن هو أن النظام يقتل يوميّاً وبمعدلات أعلى من تلك التي كانت قبل دخول المراقبين العرب وغير مسموح لأي إعلام غير تابع للنظام بأن يغطي أي شيء.
قبل هذا البروتوكول كان النظام قد ركل المبادرة العربية التي تبنتها الجامعة العربية في شهر سبتمبر وكانت الأمل الوحيد في قطع الطريق على تدويل الأزمة والتدخل الخارجي. وقد طالبت المبادرة الرئيس بإصدار تعهد واضح باتخاذ خطوات إصلاحية محددة لتحويل سوريا إلى تعددية سياسية، بما في ذلك الالتزام بتنظيم انتخابات رئاسية عام 2014. ولكن الذي حصل حتى الآن هو أن ذلك الكلام لم تكن له علاقة بما يحدث على الأرض، وكأنه قادم من كوكب آخر، حيث تأسس على فرضيات ساذجة مؤداها أن النظام يريد ولو الحد الأدنى من الإصلاح. من يتوقع التزام النظام بأي إصلاح حقيقي مهما كان جزئياً فهو يتساذج على نفسه قبل أن يفعل ذلك على الآخرين.
والمبادرة نفسها طالبت آنذاك بفصل الجيش عن الحياة المدنية. ولكن ما رآه ويراه العالم كله حتى الآن أن الجيش هو الذي يحكم ويقمع ويدير آلة القتل، وهو أداة طيعة بيد النظام السياسي يوجهها إلى شعبه. وقد طالبت المبادرة أيضاً النظام بفتح حوار فوري مع المعارضة، فيما أراد النظام من تلك المعارضة أن تأتي إلى بيت الطاعة ويجري حوار أمنيّاً معها في دمشق. ثم طالبت المبادرة حزب “البعث” الحاكم بعقد مؤتمر قطري على الفور يعلن فيه قبوله التعددية الحزبية والسياسية في سوريا والاحتكام إلى صناديق الاقتراع. ولم يحدث هذا أيضاً. لو كان عند النظام القائم في دمشق أدنى إحساس بالمسؤولية الوطنية، وأدنى درجات الحرص على سوريا من الانزلاق في مسارات الحرب الأهلية، وربما الطائفية، والتدخل الخارجي، والسيناريوهات المظلمة لتبنى تلك المبادرة. ولكن لا المبادرة ولا البروتوكول اللاحق لها في وارد التطبيق أو النظر فيهما بجدية من قبل النظام.
وهكذا نعود إلى المربع الأول، حيث إن أي متابع للمشهد السوري وثورة الكرامة العظيمة التي ترك فيها الشعب السوري أعزل في مواجهة نظام باطش مستعد لسحق الناس يوميّاً مقابل البقاء في الحكم يعلم أن سياسة حكام دمشق هي تقطيع الوقت، والتلاعب، والتسويف، وإعطاء مواقف رمادية، والتملص من أي التزام حقيقي. وقد حان الوقت لأن تتوقف الجامعة العربية عن القبول بالسير في لعبة النظام على حساب دم الشعب السوري، ومن العاجل جدّاً أن تُعلن فشل مهمة مراقبيها في سوريا الذين تحولوا إلى شهود زور على القتل اليومي للسوريين.
وحان الوقت أيضاً لأن يُرفع الملف برمته للأمم المتحدة ويُصار إلى البحث حول صيغة للتدخل الأممي لحماية الشعب السوري على رغم كل الفزاعات التي تستخدم ضد هذا الحل الأخير والوحيد أمام صلف النظام. ومن لديه حل سحري يستطيع أن يوقف به المجزرة اليومية التي يتعرض لها السوريون فليقدمه لهم. يتفادى السوريون في الداخل والخارج هذا الحل الجراحي لما له من سمعة سيئة في المنطقة، وما يحمله من أجندات معروفة. ولكن النظام هو وحده المسؤول عن دفع الأمور نحو التدخل الخارجي لأنه يغلق كل حل آخر. والحل العربي الذي تمثل في المبادرة العربية كان البوابة الأخيرة لتفادي سيناريو التدويل، ولكن النظام أغلقها بإحكام.
وما ينبغي أن تسمعه الجامعة العربية وسمعه مراقبوها في المدن السورية في الأيام الأخيرة هو أن التدخل الخارجي صار مطلباً من مطالب الثورة: “التدويل مطلبنا”، كما حملت شعارات الجمعة الأخيرة. وعندما يُحشر الشعب في الداخل من قبل كل أجهزة قمع النظام في الزاوية الأخيرة، ويُدفع دفعاً لرفع مطلب الحماية الدولية، فإن ذلك يعني أن هناك خيارين يواجهان الناس: الموت أو الحماية الدولية. لا يحق لأحد بمن في ذلك قيادات المعارضة السورية، الحقيقي منها أو الصوري، أن يتجاهل مطالب الناس لحماية أبنائهم وبناتهم. إن الشعارات الطنانة في الخارج ضد الإمبريالية والغرب والتدخل الخارجي لا توقف قطرة دم واحدة من الدماء التي تسيل في الشوارع السورية يوميّاً. ولو استمع الليبيون لتلك الشعارات الجوفاء لبقي القذافي وأبناؤه حتى هذه اللحظة يريقون دماء الشعب ويلغون فيه. ولولا الحماية الدولية والتدخل الخارجي لبقيت ليبيا تحت سيطرة الديكتاتور الآفل وعائلته. ومن عارضوا التدخل الخارجي في ليبيا آنذاك لم يطرحوا حلاً بديلًا لليبيين الذين كانت تحصدهم آلة الموت القذافية. كانوا يريدونهم أن يواصلوا فتح صدورهم العارية للرصاص المجنون. والناصحون أولئك أنفسهم مطلوب منهم الآن أن يقدموا للسوريين بديلًا عن التدخل الخارجي والتدويل. أما الانتقادات المتواصلة لفكرة التدويل وإقامة منطقة عازلة وحظر جوي وتحت حماية دولية فلا تقدم حلولًا للمطحونين. على أصحاب الشعارات أن يقدموا حلولهم العملية للسوريين الثائرين في الشوارع وعلى أهبة الموت، أو أن يصمتوا.