صفحات العالم

النظام السوري يفشل في تقديم نفسه ضحية للإرهاب


د. نقولا زيدان

لم تفاجأ بتاتاً الشعوب العربية في رؤية الاعلام الرسمي السوري ومعه مندوب النظام القابع في دمشق وهم يحاولون بشتى الطرق إلصاق تهمة الارهاب بالانتفاضة الشعبية السائرة بثبات نحو هدفها الرئيس ألا وهو إسقاط هذا النظام. فالثورة السورية الجماهيرية ظلت سلمية لأشهر طويلة، لا تملك سلاحاً سوى التظاهر والتنديد بالطبقة الحاكمة والأسرة الأسدية، دون اللجوء الى العنف المسلح، إلا أن حق التظاهر ممنوع في سوريا كما يعلم القاصي والداني، فالنظام الفاشي لا يسمح لا بالتظاهر ولا بالاعتصام ولا بالتنظيم الحزبي، ولا بالتجمع ولا بالاعتراض، ولا برفع اية شعارات سياسية أو مطلبية، ولا بالكتابة ولا بالنشر ولا بالتوزيع ولا بأية اشكال للتعبير عن الرأي لا تتفق مع عقيدة حزب البعث المفلس. كما لا يسمح النظام بالتنظيم النقابي الحر ولا بالرابطات الفكرية. ولا بالنوادي الثقافية ولا حتى بالكشافة التي لا ينظمها سوى الحزب. وما الجبهة القومية المزعومة سوى الإطار الذي ابتدعه النظام الأسدي لتدجين واحتواء الأحزاب السياسية الأخرى فيمسك بها من عنقها ليمزقها ويشتتها ويحدث فيها انقسامات بغية إلغائها نهائياً من الحياة السياسية. أليس هذا ما جرى للحزب الشيوعي السوري صاحب التاريخ العريق الذي يعود الى عشرينات القرن الماضي؟ ان أسماء مثل دانيال نعمة ورياض الترك ومصطفى السباعي وجورج صبرا لها تاريخ طويل في الكفاح من أجل الديموقراطية. أما الانتماء مجرد الانتماء الى الإخوان المسلمين فهو بنظر النظام الفاشي جريمة تستحق عقوبة الاعدام. فعن أي ارهاب يتحدث بشار الجعفري في أروقة مجلس الأمن؟ ومن هم الارهابيون؟ أليسوا هم رجال البوليس السياسي السري “غستابو” الزمن الأسدي المخيف؟ لن تزول أبداً من الذاكرة السياسية السورية ومن الحياة العامة مراكز التوقيف مثل “الضابطة الفدائية” و”فرع فلسطين” وكل مراكز الاعتقال والتحقيق. ماذا عن سجن المزة وتدمر وسجون سريّة أخرى يساق اليها الى غير رجعة سجناء الرأي والكتّاب والمفكرين والنقابيين، أولئك المشكوك بولائهم للأسرة الأسدية وكل لفيفها وأقربائها الحاكمين بقوة الحديد والنار؟ 23 سنة قضاها رياض الترك في السجن في زنزانة انفرادية خرج منها وقد نهشه داء السكري وأمراض القلب وعوارض السرطان! هذا هو رياض الترك وهو خير الرجال.

فليجب النظام عن أسئلة من قبيل: ماذا جرى ليوسف زعين رئيس الحكومة الأسبق، وماذا كان من أمر رئيس الدولة نور الدين الأتاسي وعضو القيادة القومية صلاح جديد؟ ماذا جرى لضافي جميعاني الذي ظن خطأ أن شعار حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد يمثل هدفاً جدياً للزبانية الحاكمة سعيداً في قصور “المهاجرين” وضواحي دمشق؟ هل فوجئنا بمذبحة حماه عام 1982 وبطلها هاشم المعلا الذي جاء يختال في مقاهي بيروت ومطاعمها ومسابحها إبان الانتداب السوري عندنا؟.

فليتذكر الجعفري جيداً مآسي لبنان منذ عام 1975. وليتذكر كيف حوّل النظام السوري المخطوفين الأجانب الى ثروات هائلة تقاسمهامع جلاوزة حلفائه في بيروت والضاحية. لماذا اختطف العالم ميشال سورا وتم تعذيبه على يد “حزب السلاح” بإشراف خبراء من ضباط الأمن السوريين وثم دفن سراً في ظروف مريبة، ولم تسترجع الدولة الفرنسية رفاته إلا بعد صفقة عقدتها دمشق مع باريس على خلفية المصالح المشتركة. من الذي جعل لحزب العمال الكردستاني قاعدة في البقاع بقيادة عبدالله أوجلان بطل الشعب الكردي الذي تم إبعاده الى اليمن وبعدها الى نيروبي حيث تم اختطافه في مؤامرة مدبرة ليست أصابع المخابرات السورية بريئة منها على الاطلاق؟ من الذي احتضن الارهابي “كارلوس” في البقاع ودمشق ثم جرى التخلص منه الى اليمن وبعدها الى الخرطوم ليجد نفسه مكبلاً بالحديد لتنقله طائرة عسكرية فرنسية الى باريس؟.

من الذي سلّم عناصر الجيش الأحمر الياباني الى الحكومة اليابانية من البقاع، فساقتهم أجهزة المخابرات السورية الى مطار بيروت ثم الى مطار عمان حيث أرسلت المخابرات اليابانية طائرة أحضرت خصيصاً لنقلهم الى اليابان؟

أي نظام هو هذا الذي يحاضر عن الارهاب الذي على امتداد سنوات طويلة كان على تنسيق كامل مع نظام طهران الظلامي الذي جمع عناصر القاعدة عنده ليرسلهم الى دمشق ثم الى الانبار في محاولة مكشوفة للحصول على حصة له من العراق الذي مزقه الاحتلال الأميركي عام 2003؟ ماذا عن المفقودين اللبنانيين؟ أين أصبحوا الآن؟ ماذا عن مآثر رفعت الأسد في سجن تدمر وسرايا دفاعه “المجيدة” في تصفية آلاف المعتقلين في ليلة واحدة؟ لماذا تمّت تصفية اللواء غازي كنعان وعائلته وأقاربه؟ هل كان ينوي الهرب والانشقاق؟ ماذا بوسع الجعفري أن يخبرنا عن آلاف معتقلي “فتح” في سوريا أثناء حرب المخيمات ومغدوشة عام 1965 و1986″؟ وماذا يعلم عن “فتح الاسلام” في حرب نهر البارد؟ ليس من عاقل في الدنيا بإمكانه أن يتجاهل دورالنظام الأسدي في الضلوع في اغتيال الرئيس الحريري جريمة العصر الموصوفة، والاعتداء الارهابي الذي هز لبنان والعالم.

حقاً ان القحة والفجور والتلاعب بعقول الناس وذاكرتهم قد بلغت بالنظام السوري الهتلري حدوداً فاقت كل التوقعات. أما كان أجدى بالجعفري الصمت عوضاً على الافتراء والكذب في محاولته الرخيصة إلصاق تهمة الارهاب بالمعارضة السورية وانتفاضتها البطلة. وما الوقائع التي فسّروها هنا سوى غيض من فيض، فالشعوب العربية تعلم جيداً سجّل نظام الأسد الدموي الارهابي.

تبرز بوضوح أكثر من أي وقت مضى أهداف النظام الأسدي في تسويق نفسه والترويج بشتى الوسائل لإقناع المجتمع الدولي انه معاد للارهاب، لعل بالإمكان إزالة تلك الوصمة التي التصقت به بحق على أن سوريا في ظل حكم آل الأسد ظلت بامتياز دولة مارقة.

بل أخطر من ذلك أيضاً في قدرته الآثمة على استخدام بعض الحركات الثورية ذات الأهداف المشروعة والنبيلة، لغايات ارهابية لا تخدم في حقيقة الأمر سوى اصراره بكل ما أوتي على البقاء، ولو على حساب الجماهير السورية وتطلعاتها نحو الحرية والكرامة والانعتاق.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى