صفحات العالم

النظام السوري يفوت حدوث منعطف استراتيجي في الشرق الأوسط


د. حسين مجدوبي

في حوار له مع جريدة والت ستريت جورنال يوم 31 كانون الاول/يناير 2011، صرح الرئيس بشار الأسد ‘على الحكام العرب أخذ الدرس مما حدث لبن علي وحسني مبارك، وعليهم الاستجابة للمطالب السياسية والاقتصادية الشرعية لمواطنيهم. الوضع في سورية مستقر لأن الرئيس قريب من شعبه’.

والمفارقة المثيرة هي أن الأسد كشف أنه لا يملك الاستراتيجية لعدم تطبيقه ما صرح به بل قمع شعبه بوحشية. وترتب عن هذه الاستراتيجية القائمة على العنف دخول سورية في خطر التفكك السياسي والبشري. وبرهانه على القمع، يكون قد فوّت حدوث ما كان سيصنف بأكبر منعطف استراتيجي كان سيتولد عن الربيع العربي في الشرق الأوسط ويتجلى في ‘تبلور محور رباعي يتكون من مصر وتركيا وإيران وتلعب فيه سورية الجسر والرابط’. تفويت هذه الفرصة تجعل الآن إيران تكابد للحفاظ على ما تسميه ‘محور المقاومة’ مدعومة بشكل غير مباشر من طرف روسيا التي جعلت من الأزمة السورية مدخلا للعودة الى الحرب الباردة، وفي الطرف الآخر المعارض توجد العربية السعودية التي وجدت في الأزمة السورية مناسبة للقضاء على نظام الأسد لضرب أي رابط لإيران بالعالم العربي وتحظى بدعم لا مشروط من واشنطن.

وعند انتقال الربيع العربي الى سورية، ارتكب نظام بشار الأسد ثلاثة أخطاء في تقييمه للوضع، الأول ويتجلى في ايمانه بأن أجهزته الأمنية قادرة على التحكم في مصير الشعب السوري الى الأبد، والثاني أنه محبوب من قبل الشعب السوري ولن ينتفض ضده والثالث أن مساعدته لحزب الله سنة 2006 وحركة حماس قد تشفع له أمام الرأي العام العربي في الاستمرار في قمع شعبه باسم الممانعة. واتضحت فداحة خطأ رهانات الأسد الذي هو في آخر المطاف جزء من غباء الحكام العرب الذين رفضوا التكيف مع التطورات السياسية لشعوبهم. ولم يدرك نظام بشار الأسد جوهر التغيير الحاصل في الذهنية العربية التي لم تعد تقبل استفراد شخص أو عائلة بالسلطة والتي أضاف إليها دكتاتور دمشق الاستفراد بمال الدولة في شخص صهره رامي مخلوف، كما لم تعد الذهنية العربية تقبل بقمع الشعب باسم الممانعة والدفاع عن القضية الفلسطينية ‘فوصفة تحرير الفلسطيني قبل السوري لم تعد مقاربة أو معادلة مقبولة في الوقت الراهن’.

وقبل امتداد الربيع العربي الى سورية، كان الغرب يعتقد أن السوريين لن يخرجوا الى الشارع بكثافة واستبعد سقوط البلاد في حرب مدنية. وهذه القراءة الخاطئة هي من نتائج الاستنتاجات الاستشراقية التي تقوم بها مراكز البحث الغربية حول العالم العربي. لكن الغرب ومن خلال تتبعه للأبعاد الاستراتيجية للربيع العربي يركز على نقطتين جوهريتين، الأولى وهي نوعية مستقبل الحركات السياسية التي ستتقوى في المدى المتوسط والبعيد في العالم العربي-الأمازيغي، والموضوع الثاني يتجلى في نوعية السياسة الخارجية والتحالفات التي يمكن أن تنسجها الدول التي تشهد ثورات في وقت يطالب فيه جزء كبير من الرأي العالمي بعالم متعدد الأقطاب.

وعلاقة بالنقطة الأخيرة، وفي ظل سقوط الأنظمة العربية المؤيدة للغرب بدءا بتونس ثم مصر ثم شبح الإطاحة بملكية الأردن واحتمال دخول العربية السعودية في حالة من اللااستقرار، كان الغرب يتخوف من احتمال ظهور محور قوي في السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط المكون من الرباعي: مصر بعد الثورة، وتركيا التي أدركت في آخر المطاف أن مستقبلها يكمن في فضاء العالم الإسلامي وليس البقاء في ذيل الاتحاد الأوروبي ثم إيران التي ترفض الخضوع للغرب وأخيرا سورية. ومن المنتظر جدا انضمام العراق لهذا المحور مستقبلا عند الخروج النهائي للجيش الأمريكي من هذا البلد العربي.

هذا المحور الذي كان سيتبلور لو أن الأسد راهن على دمقرطة سورية وكان سيشكل منعطفا تاريخيا في منطقة الشرق وكان سيحمل نتائج استراتيجية تتجلى في:

-قيام محور استراتيجي بين أربعة دول تمتلك الكثير من مقومات الدولة الإقليمية، وكان هذا سيصب في تقليص نفوذ الدول الكبرى وأساسا الولايات المتحدة في المنطقة والدفع بإسرائيل الى الرهان على سياسة الحوار بدل الاستمرار في سياسة ‘دبلوماسية العضلات’.

– تهميش دور العربية السعودية في القرارات الخاصة بالشرق الأوسط، إذ كان سيصبح الشرق الأوسط في يد قوى عربية-إسلامية منفتحة وليس في يد قوى عربية، وكانت الرياض ستجد نفسها مجبرة نسبيا للاقتراب من هذا المحور بحكم أنها تفتقد لمقومات الزعامة بسبب تبعيتها للبيت الأبيض الأمريكي.

ونتيجة غياب دمقرطة سورية ودخولها في حرب أهلية بين أغلبية الشعب الذي يتطلع للديمقراطية وأقلية تعتبر رئاسة البلاد حق إلهي، قام نظام الأسد بتفويت تحقيق هذا المحور الاستراتيجي، وبدله تشهد المنطقة ما يلي:

-عودة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ تسعى واشنطن الآن الى إسقاط نظام بشار الأسد بعدما ترددت كثيرا حتى أبريل الماضي أخذا بعين الاعتبار مصالح إسرائيل، وهي من خلال ذلك تهدف الى عزل إيران وقطع الامتداد الاستراتيجي لحزب الله وحركة حماس. وفي الوقت ذاته، ترغب في حرمان روسيا من قاعدة طرطوس التي تبقى القاعدة الوحيدة لديها ليس فقط في البحر الأبيض المتوسط ولكن ربما في العالم إذا استثنينا التسهيلات في كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية وقواعد في بعض الدول المنبثقة عن الاتحاد السوفياتي. وبالنسبة لموسكو، فعلاوة على سعيها للإبقاء على قاعدة طرطوس الحيوية لأسطولها، فقد كشف رئيس الحكومة الفرنسية السابق فرانسوا فيون في جريدة لوفيغارو يوم 13 أغسطس/آب أن موسكو قلقة من الإسلام السياسي، فهي ترى سقوط مصر في يد الإخوان المسلمين كما أن أفغانستان ستسقط في يد الطالبان بعد انسحاب الولايات المتحدة والحلف الأطلسي ولهذا فهي ترغب في استمرار نظام علماني في سورية وعدم السقوط في أيدي الإخوان المسلمين لتفادي ‘شرق أوسط إسلامي’ قريب من حدودها.

-رهان العربية السعودية على تكسير العلاقة بين إيران وسورية من خلال إسقاط نظام بشار الأسد حتى لا يبقى لطهران أي حليف عربي، فالرياض التي تعتبر نفسها راعية السنة تدرك أنها الخاسر الأكبر في كل علاقة متينة بين إيران ودولة عربية خاصة إذا كانت محورية مثل سورية. فدولة مثل العربية السعودية التي تفتقر لأبسط مكونات حقوق الإنسان المنصوص عليها دينيا وإنسانيا لا تدعّم المجلس الوطني السوري حبا في الشعب السوري بل لإضعاف ما تعتبره الخطر الإيراني.

-إصرار إيران للحفاظ على ما وصفته بمحور المقاومة، حيث يعتبر المرشد الأعلى علي خامنئي أن ضلع سورية الأساسي في محور المقاومة لن يكسر. وعمليا انكسار هذا المحور سيحرم طهران من أي امتداد استراتيجي لنفوذها وقد يسهل مهاجمة إسرائيل لها بسبب برنامجها النووي، ولهذا فهي مصممة على عدم ‘انكسار هذا المحور’.

وهكذا، فالملف السوري تحول الى رقعة شطرنج استراتيجية تجعل العديد من الأطراف الدولية ترغب في تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية بينما تبقى دمقرطة البلاد ووقف المجازر مبررا فقط. وهذا الوضع، يجب أن يدفع الشعب السوري لأن يأخذ بزمام المبادرة في مواجهة النظام وكذلك نهج الحذر والذكاء في تعامله مع المخططات الاستراتيجية.

‘ كاتب مغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى