النظام وداعش في سورية/ سلامة كيلة
يظهر الآن أن “داعش” على وشك النهاية، حيث صُفّي في معظم العراق، وكذلك في معظم سورية، وبقيت هوامش ليس أكثر. وجبهة النصرة (بغض النظر عن تسميتها الراهنة) أصبحت مُخضعة، وهناك قرار بتصفيتها، ولا يبدو أنها قادرة على المواجهة. كل ذلك يعني أن معادلة النظام أو “داعش” وجبهة النصرة قد انتهت، وأن الأمر بات يتعلق بالنظام الذي يقف على أرجلٍ من جيوش إيرانية روسية.
في كل الأحوال، كان “اليسار الممانع” ينطلق من هذه المعادلة: النظام أو “داعش” وجبهة النصرة، ويؤكد أن “الخطر الرئيسي” هو “داعش” و”النصرة”، بالتالي يجب “الوقوف مع النظام”. وعلى الرغم من كل التأكيد على أن “داعش” و”النصرة” هما “بالون”، و”افتعال” من أجل تحقيق “مآرب أخرى”، وأنهما سوف ينتهيان، حين تتحقق هذه المآرب، فقد ظل هذا اليسار يصرّ على معادلة: النظام أو “داعش” وجبهة النصرة. ولا شك في أن العموميات، والتهويم، والضياع في “الأفكار” يؤسس لمعادلات خاطئة، ويُعمي عن فهم الواقع، وهذا هو وضع بعض أطراف “اليسار الممانع”، حيث يعيش حالة عماءٍ مفرط، وربما نقول إنه يعيش في حالة غيبوبة مفرطة. لهذا، كان يرى أن الصراع في سورية يقوم بين طرفين، هما: النظام من جهة، وداعش وجبهة النصرة من الجهة الأخرى، وإزاء هذين “الخطرين” لا بدّ من دعم النظام. بينما ترى أطرافٌ أخرى أن النظام “تحرّري” و”تقدمي” و”ممانع”. وبالتالي، هي ضد كل قوة تواجهه. وهذه الأخيرة كتبت عنها كثيراً، لهذا أشير هنا إلى أصحاب تلك المعادلة التي أسست للوقوف مع النظام، والتوافق بالتالي مع مجمل “اليسار الممانع”.
توهم هذا “اليسار” أن الصراع يجري بين هذين الطرفين: النظام و”داعش” وجبهة النصرة، ولأنه يمقت الى حدِّ الفجيعة الاثنين، رأى أن عليه الوقوف مع النظام، فهما “الخطر الرئيسي”. ولقد أرهقنا في الشرح كيف أن “داعش” وجبهة النصرة بالون، و”أداة تدخل”، وليسا طرفاً رئيسياً في الصراع، بالضبط لأنهما افتعال “مخابراتي”، ينتهي دورهما حال الوصول إلى توافق دولي. وبالتالي ليسا جزءاً من معادلة الصراع الواقعي الذي هو صراع الشعب ضد النظام، وأكثر من ذلك هما أداة تخريبٍ لبيئة الثورة، وقمع للشعب الذي ثار، وقتل لناشطيه. بالتالي، هما في الواقع مع النظام ضد الثورة، بغض النظر عن كل الخطاب الذي يطرحانه، أو الدعاية التي تُبثُّ حولهما.
إذن، كانت المعادلة خاطئة بالأساس. لكن ماذا يمكن أن يقول هذا اليسار، بعد أن تلاشى “داعش”، وتعيش جبهة النصرة نهايتها؟ هل سيهلل لانتصار النظام، أم يكتشف زيف خطابه، ويعرف أن “داعش” و”النصرة: لم يكونا هذا الخطر الذي جرى اعتباره رئيسياً؟ وينكشف بالتالي أن لهما دورا أدياه بجدارة، وها هو يشارف على النهاية؟
يتعلق الأمر الآن بالتهليل لـ “انتصار” النظام، أو لكشف خطل التحليل السابق. وبالتالي فهم أن المعادلة التي رسمت المواقف كانت مختلَّة، وأن “داعش” وجبهة النصرة ظهرا افتعالا بغرض التدخل من الدول، وأن هدفهما كان تبرير التدخل من طرف، وتشويه الثورة من طرف آخر. لكن ما أحاول فهمه هو ماذا يمكن أن يكون موقف هذا اليسار بعد أن تلاشت تلك المعادلة؟ هل يحاول أن يفهم المعادلة الحقيقية التي هي معادلة: الشعب ضد النظام. والآن، الشعب ضد النظام والدول التي باتت تحتل سورية؟ أو يكتفي بإعلان “انتصار” النظام، على الرغم من أن الأمور لا زالت ليست بهذه البساطة، وأن الصراع مستمر؟
الآن، يتلاشى “داعش” وتنتهي جبهة النصرة، فأين سيقف اليسار الذي كان يدعم الأسد خوفاً من انتصارهما؟ لا يسمح العمى الأيديولوجي برؤية الواقع، ولا الوقائع، ولا يسمح كذلك، وبالتالي، بمراجعة مواقف سابقة، أو إعلان خطل موقف، أو خطأ سياسة.
العربي الجديد